استعمال الدف في الأناشيد


بسم الله الرحمن الرحيم

فقد اطلعتُ على مجلة الدعوة عدد رقم 2056 في 23/7/1427هـ ص31 على فتوى لفضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة وفقه الله: حول حكم استعمال الدف في الأناشيد، فكان مما قال فضيلته: (أو صوت الدفوف فلا بأس بها) أ هـ.

ولبيان الحقِّ والتذكير به أقول وبالله التوفيق:

إنَّ الضرب بالدٌّف مُباحٌ للنساء في النكاح باتفاق الفقهاء ([1])، قالت اللجنة الدائمة للإفتاء: (يجوز ضرب الدٌّف لإعلان النكاح بين النساء خاصة) ([2]).

 

 واختلف الفقهاء في إباحة الدٌّف للنساء في غير النكاح على أربعة أقوال:

فذهب جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة: إلى جواز ضرب الدٌّف وسماعه في كلِّ حادث سرور كالختان وعند قدوم الغائب، والعيد ([3]).

 

 وأمَّا ضرب الرجال بالدٌّفوف فهو منكرٌ يجبُ النهي عنه:

 قال الإمام ابن قدامة - رحمه الله -: (وأمَّا الضرب به أي بالدٌّف للرجال فمكروهٌ على كلِّ حال، إنما يضرب به النساء والمُخنَّثون والمُتشبِّهون بهنَّ، ففي ضرب الرجال به تشبٌّهٌ بالنساء، وقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - المُتشبِّهين من الرجال بالنساء) ([4]).

 

 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: (وبالجملة قد عُرف بالاضطرار من دين الإسلام أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَم يَشرع لصالحي أمته وعُبَّادهم وزُهَّادهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات المُلحَّنة مع ضربٍ, بالكف أو ضرب بالقضيب أو الدٌّف، كما لَم يُبح لأحدٍ, أن يَخرج عن متابعته واتِّباع ما جاء به من الكتاب والحكمة لا في باطن الأمر ولا في ظاهره ولا لعامي ولا لِخاصِّـيٍّ,، ولكن رخَّص النبيٌّ - صلى الله عليه وسلم - في أنواع من اللهو في العرس ونحوه، كما رخَّص للنساء أن يضربن بالدٌّف في الأعراس والأفراح، وأمَّا الرجال على عهده - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن أحدٌ منهم يضرب بدف، ولا يُصفِّق بكف، بل ثبت في الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: « التصفيق للنساء والتسبيح للرجال »، ولعن الله المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء، ولَمَّا كان الغناء والضرب بالدٌّف والكفِّ من عمل النساء كان السلفُ يُسمٌّون من فعلَ ذلك من الرجال مُخنَّثاً، ويُسمٌّون الرجال المُغنين مُخنَّثين، وهذا مشهورٌ في كلامهم) ([5]).

 

 وقال - رحمه الله تعالى -: (وأما غناء الرجال للرجال فلم يبلغنا أنه كان في عهد الصحابة) ([6]).

 وقال ابن رجب - رحمه الله تعالى -: (فدلَّ على أنَّ الدٌّف من مزامير الشيطان، لكنه يُرخَّص فيه للنساء في أيام الأفراح والسرور كما يُرخَّص لهنَّ في التحلِّي بالذهب والحرير) ([7]).

 

 وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى -: (والأحاديث القوية فيها الأذن في ذلك للنساء فلا يُلحق بهنَّ الرجال لعموم النهي عن التشبٌّه بهنَّ) ([8]).

 

 وقد آلمني قول بعض الشباب: بأن استعمال الدفوف في الأناشيد من وسائل الدعوة كما في جريدة اليوم في عددها 11904 يوم الثلاثاء 17/12/1426هـ، وهذا بدعةٌ مُحدَثةٌ بالاتفاق، قال الإمام الشافعي - رحمه الله - عن التغبير ([9]): (إنه من إحداث الزنادقة يصدٌّون به الناس عن القرآن) ([10]).

 

 وذكر أصحاب السماحة والفضيلة رئيس وأعضاء اللجنة الدائمة بأنه: (من اصطلاح الصوفية الضٌّلاَّل، لا من عمل أهل السنة) ([11]).

 

 وأما ما يُوحي إليه الشيخ سلمان وفقه الله في بداية فتواه من التهوين في الإنكار في هذه المسألة: فإنَّ عدم الإنكار في مسائل الخلاف كما قال الإمام الشوكاني - رحمه الله -: (قد صارت أعظم ذريعة إلى سدِّ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ([12]).

 

 وليُعلم أنَّ كلَّ مَن خالفَ ما جاء به النبيٌّ - صلى الله عليه وسلم - في قوله وفتواه أو فعله فقد اتَّبع الهوى، قال - تعالى -: ((فَإِن لَّم يَستَجِيبُوا لَكَ فَاعلَم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهوَاءهُم وَمَن أَضَلٌّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ)) وليُعلم أيضاً: أنه ليس كل مسألة خلافية مسألة اجتهادية، فلا اجتهاد مع النص.

 

 هذا ما أحببتُ التنبيه عليه، راجياً من شيخنا سلمان العودة إعادة النظر فيما ذكره، مع ما عُرف عنه مَن غزارة العلم، والرجوع للحق، والله - تعالى -أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

 

ــــــــــــــــــــ

 ([1]) يُنظر: المغني ج12/40، البحر الرائق ج7/88 لابن نجيم، كشف القناع ص140، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ج12/40 للرملي.

([2]) جواب السؤال الأول من الفتوى رقم 4310 برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله تعالى -.

([3]) يُنظر: البحر الرائق ج7/89، وكشف القناع عن الوجد والسماع ص140 لأبي العباس أحمد القرطبي، ونهاية المحتاج ج7/88، وروضة الطالبين ج11/228، والمغني ج12/40، والإنصاف ج8/342.

([4]) المغني ج14/159.

([5]) مجموع الفتاوى ج11/565-566.

([6]) مجموع الفتاوى ج29/553.

([7]) نزهة الأسماع في مسألة السماع ص50.

([8]) فتح الباري ج9/226.

([9]) وهو (الغناء والطقطقة بالقضيب)، يُنظر: لسان العرب ج6/3206، كشف القناع عن الوجد والسماع ص53-54.

([10]) الكلام على مسألة السماع ص297 للإمام ابن القيم، ويُنظر: تلبيس إبليس ص249-250 لابن الجوزي، والاعتصام ج1/348 للشاطبي، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج11/591.

([11]) من جواب السؤال الرابع من الفتوى رقم 16483 برئاسة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله تعالى -.

([12]) السيل الجرار ج4/588.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply