هل صحيح أن الترابي يحفظ القرآن ؟! الترابي و زواج الكفار للمسلمات


بسم الله الرحمن الرحيم 

أيٌّ قراءات سبع تلك التي يحفظ بها أو يقرأ عليها حسن الترابي القرآن، ألم يقف على قوله - تعالى -في سورة الممتحنة «لا هنَّ حلُّ لهم ولا هم يحلون لهنَّ»، والتي نزلت بعد صلح الحديبية ناسخةً ما كان من جواز وحل لغير المسلم زواجه من المسلمة ولتقرر حكماً جديداً وهو أن لا يجوز بتاتاً أن يتزوَّج الكافر المسلمة.

قال ابن كثير وغيره من المفسرين ج/4/ص499: «هذه الآية «لا هنَّ حلُّ لهم ولا هم يحلون لهنَّ» هي التي حرَّمت المسلمات على المشركين، وقد كان جائزاً في ابتداء الإسلام أن يتزوَّج المشرك المؤمنة، ولهذا كان أبو العاص بن الربيع زوج ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب - رضي الله عنها - قد كانت مسلمة وهو على دين قومه فلمَّا وقع في الأسرى يوم بدر بعثت امرأته زينب - رضي الله عنها - في فدائه بقلادة لها كانت لأمها خديجة فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقَّ لها رقة شديدة وقال للمسلمين: «إن رأيتم تطلقوا لها أسيرها فافعلوا» ففعلوا فأطلقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يبعث ابنته إليه فوفى بذلك وصدقه فيما وعده، وبعثها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع زيد بن حارثة - رضي الله عنه -، فأقامت بالمدينة من بعد واقعة بدر، وكانت سنة اثنتين إلى أن أسلم زوجها أبو العاص بن الربيع سنة ثمانٍ, فردها عليه بالنكاح الأول ولم يحدث لها صداقاً». أ. هـ. كلام ابن كثير في تفسيره.

انظر أيها القارئ الكريم إلى قصة زينب بنت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وزوجها أبو العاص بن الربيع وكيف أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - طلب منه أن يردها إليه عندما كان مشركاً سنة اثنتين ولم يعدها إليه كزوجة مرة أخرى إلا سنة ثمانٍ, وبعد أن أسلم..ثم يأتي بعد ذلك الترابي ليقل إن زينب بنت الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت تتزوج مشركاً مما يدل أن المشرك أو الكافر عموماً يجوز له أن يتزوج المسلمة..وحقيقة أنني كنت أظن أن الترابي يقصد بجوازه هذا أهل الكتاب ولا يُدخل فيه المشركين، ولكن لمَّا استدل الترابي بقصة زينب التي كانت تتزوج من مشرك وليس من أهل الكتاب علمت أن الترابي يجيز زواج الجميع أي جميع الكفار من المسلمات مع أن المنع يشمل جميع الكفار مشركين وأهل كتاب، وذلك لما جاء في تفسير التحرير والتنوير ج/1/ص 62 يقول: «وقوله «ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا» تحريم لتزويج المسلمة من المشرك، فإن كان المشرك محمولاً على ظاهره في لسان الشرع، فالآية لم تتعرض لحكم تزويج المسلمة من الكافر الكتابي فيكون دليل تحريم ذلك الإجماع، وهو إما مستند إلى دليل تلقاه الصحابة من النبي - صلى الله عليه وسلم - وتواتر بينهم، وإما مستند إلى تضافر الأدلة الشرعية كقوله - تعالى -: «فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حِلُّ لهم ولا هم يحلون لهنَّ»، فعلق النهي بالكفر وهو أعم من الشرك، وقوله: «حتى يؤمنوا» غاية للنهي وأخذ منه أن الكافر إذا أسلمت زوجته يفسخ النكاح بينهما ثم إذا أسلم هو كان أحق بها ما دامت في العدة. أ. هـ.

وإليك ما قاله المفسرون في ذلك حتى يعلم الجميع أن ما قاله الدكتور حسن لم يسبقه عليه من يعتد بكلامه.

* تفسير ابن كثير ج/4/ص499 يقول ابن كثير - رحمه الله تعالى - في قوله - تعالى -: «لا هنَّ حِلُّ لهم ولا هم يحلون لهنَّ» يقول: «هذه الآية هي التي حرمت المسلمات على المشركين وقد كان جائزاً في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة، ولهذا كان أبو العاص بن الربيع زوج ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب - رضي الله عنها - قد كانت مسلمة وهو على دين قومه». أ. هـ

ومعلوم أنه بعد ذلك طلب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أبي العاص بن الربيع مفارقة ابنته زينب، وقد فارقها بالفعل سنة اثنتين ثم ردها إليه عام ثمانٍ, بعد أن أسلم بالنكاح الأول ولم يحدث لها صداقاً وهذا مصداقاً لقوله - تعالى -«فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هنَّ حلُّ لهم ولا هم يحلون لهنَّ».

 

* تفسير فتح القدير للشوكاني ج/5/ص 301

ويقول الشوكاني في تفسيره فتح القدير في قوله - تعالى -: «فلا ترجعوهن إلى الكفار» يقول: «أي إلى أزواجهن الكافرين».. وجملة «لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن» تعليل للنهي عن إرجاعهن وفيه دليل على أن المؤمنة لا تحل لكافر وأن إسلام المرأة يوجب فرقتها عن زوجها لا مجرَّد هجرتها، والتكرير لتأكيد الحرمة والأول لبيان زوال النكاح والثاني لامتناع النكاح الجديد.

* تفسير البغوي ج/1/ص96-99: ويقول البغوي في تفسيره: «قال ابن عباس: أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معتمراً حتى إذا كان بالحديبية صالحه مشركو مكة على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم ومن أتى أهل مكة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يردوه إليه، وكتبوا بذلك كتاباً وختموا عليه، فجاءت سُبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة بعد الفراغ من الكتاب فأقبل زوجها -مسافراً من بني مخزوم وقال مقاتلاً-، صيفي بن الراهب في طلبها وكان كافراً فقال: يا محمد رد عليَّ امرأتي فإنك قد شرطت أن ترد علينا من أتاك منا وهذه طينة الكتاب لم تجف فأنزل الله - عز وجل -: «يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات» يعني من دار الكفر إلى دار الإسلام»، وقوله - تعالى -: «فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار، لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن»، يعني ما أحل الله مؤمنة لكافر ثم يقول - رحمه الله -: «وأباح الله نكاحهن للمسلمين وإن كان لهن أزواج في دار الكفر لأن الإسلام فرق بينهن وبين أزواجهن الكفار».

ويقول قال الشعبي: «وكانت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة أبي العاص بن الربيع أسلمت ولحقت بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأقام أبو العاص بمكة مشركاً ثم أتى المدينة فأسلم فردها عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -». أ. هـ

 

* تفسير البيضاوي ج/1/ص328 وقد جاء في تفسير البيضاوي «فلا ترجعوهن إلى الكفار»: أي إلى أزواجهن الكفرة لقوله - تعالى -: «لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن» والتكرير للمطابقة والمبالغة، والأولى لحصول الفرقة، والثانية للمنع عن الاستئناف»، ثم يقول: «وكان بعد الحديبية إذ جاءته سُبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة فأقبل زوجها مسافر طالباً لها فاستحلفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحلفت فأعطى زوجها ما انفق وتزوجها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-»، ويقول - رحمه الله - في تفسيره في قوله - تعالى -: «ولا جناح عليكم أن تنكحوهن» فإن الإسلام حال بينهن وبين أزواجهن الكفار».

أ. هـ كلام البيضاوي في تفسيره.

 

* تفسير الوجيز للواحدي ج/1/ض109

ويقول صاحب الوجيز في قوله - تعالى -: «فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار»، ويقول: «لان المسلمة لا تحل للكافر»، وقوله: «ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن»، يقول: «وإن كان لهن أزواج كفار في دار الإسلام لأن الإسلام أبطل تلك الزوجية».

 

* تفسير أبي السعود ج/2/ص 163

وقد تحدث أبو السعود في تفسيره حديثاً مطولاً خلص منه بالتحريم بقوله: «فلأن تنقطع ما بين المهاجرة وزوجها أحق وأولى كما يفصح عنه قوله - عز وجل -: «فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن».

 

* تفسير الدر المنثور ج/8/ص 132

 

يقول صاحب الدر المنثور: «وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة - رضي الله عنه - قال: «خرجت امرأة مهاجرة إلى المدينة فقيل لها: ما أخرجك بغضك لزوجك، أم أردت الله ورسوله؟ قالت: بل الله ورسوله فأنزل الله «فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار» فإن تزوجها رجل من المسلمين فليرد إلى زوجها الأول ما أنفق عليها» أ. هـ

 

* تفسير النسفي ج/4/ص 239

يقول صاحب التفسير: «فإن علمتموهن مؤمنات العلم الذي تبلغه طاقتكم وهو الظن الغالب بظهور الإمارات فلا ترجعوهن إلى الكفار فلا تردوهن إلى أزواجهن المشركين لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن: أي لا حل بين المؤمنة والمشرك لوقوع الفرقة بينهما بخروجها مسلمة». أ. هـ

 

* تفسير روح المعاني ج/28/ص 75

ويقول صاحب روح المعاني «فلا ترجعوهن إلى الكفار أي إلى أزواجهن الكفرة لقوله - تعالى -: «لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن» فإنه تعليل للنهي عن رجوعهن إليهم والجملة الأولى لبيان الفرقة الثابتة وتحقق زوال النكاح الأول، والثانية لبيان امتناع ما يستأنف ويستقبل من النكاح ويشعر بذلك التعبير بالاسم في الأولى والفعل في الثانية ثم يقول صاحب التفسير: «وأسند الفعل إلى ضمير الكفار إيذاناً بأن ذلك الحكم مستمر الامتناع في الأزمنة المستقبلة لكنه قابل للتغير باستبدال الهدى بالضلال». أ. هـ. كلام روح المعاني.

فتأمل أيها القارئ ولاسيما عند قوله: «لكنه قابل للتغير باستبدال الهدى بالضلال».

 

* تفسير زاد المسير ج/8/ص 237

ويقول صاحب زاد المسير: «وهذه الآية نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهي أول من هاجر من النساء إلى المدينة بعد هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدمت المدينة في هدنة الحديبية فخرج في إثرها أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة فقالا: يا محمد أوف لنا بشرطنا وقالت أم كلثوم: يا رسول الله أنا امرأة وحال النساء إلى الضعف ما قد علمت فتردني إلى الكفار يفتنوني عن ديني ولا صبر لي» فامتحنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وامتحن النساء بعدها فلم يردهن إلى أهليهن وقد اختلف العلماء في المرأة التي كانت سبباً لنزول هذه الآية على ثلاثة أقوال.

 

* تفسير الطبري ج/12/ص 64

ويقول الطبري - رحمه الله تعالى -في قوله - تعالى -: «ولا جناح عليكم ان تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن» يقول: «ولا حرج عليكم أيها المؤمنون أن تنكحوا هؤلاء المهاجرات اللاتي لحقن بكم من دار الحرب مفارقات لأزواجهن وإن كان لهن أزواج في دار الحرب إذا علمتموهن مؤمنات»، ويقول الطبري - رحمه الله -: «لأنه فرق بينهما الإسلام».

 

* تفسير الكشاف للزمخشري ج/1/ص1247

ويقول الزمخشري في تفسيره الكشاف في قوله - تعالى -: «فلا ترجعوهن إلى الكفار» فلا تردوهن إلى أزواجهن المشركين لأنه «لا حل بين المؤمنة والمشرك».

 

* تفسير التحرير والتنوير ج/1/ص 620

ويقول صاحب التحرير والتنوير في قوله - تعالى -: «ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا» تحريم لتزويج المسلمة من المشرك فإن كان المشرك محمولاً على ظاهره في لسان الشرع فالآية لم تتعرض لحكم تزويج المسلمة من الكافر الكتابي فيكون دليل تحريم ذلك الإجماع وهو إما مستند إلى دليل تلقاه الصحابة من النبي - صلى الله عليه وسلم - وتواتر بينهم, وإما مستند إلى تضافر الأدلة الشرعية كقوله - تعالى -: «فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن», فعلق النهي بالكفر وهو أعم من الشرك وإن كان المراد حينئذ المشركين، ثم يقول صاحب التحرير والتنوير: «والتفصيل للنهي في قوله - تعالى -: «فلا ترجعوهن إلى الكفار» تحقيقاً لوجوب التفرقة بين المرأة المؤمنة وزوجها الكافر» أهـ.

 

* تفسير تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص 952

يقول الشيخ السعدي في تفسيره: «وإن امتحنوهن فوجدن صادقات أو علموا من ذلك منهن من غير امتحان فلا يرجعوهن إلى الكفار «لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن»، وهذه مفسدة كبيرة راعاها الشارع وراعى أيضا الوفاء بالشرط بأن يعطوا الكفار أزواجهن ما أنفقوا عليهن من المهر وتوابعه عوضاً عنهن ولا جناح حينئذ على المسلمين أن ينكحوهن ولو كان لهن أزواج في دار الشرك، ولكن بشرط أنه يؤتوهن أجورهن من المهر والنفقة ثم يقول الشيخ - رحمه الله -:

«وكما أن المسلمة لا تحل للكافر فكذلك الكافرة لا تحل للمسلم ما دامت على كفرها غير أهل الكتاب ولهذا قال - تعالى -«ولا تمسكوا بعصم الكوافر». أ. هـ.

 

* ختام:

هذا ما ورد في كتب التفاسير من علماء هذه الأمة نجد فيه الإجماع واضحاً من جميعهم خلافاً لما يذكر الترابي ويذهب، وإذا كان التحريم كله انحصر في النهي عن إرجاعهن للكفار بعد إسلامهن فلأن يحرم العقد ابتداءً ولا يحل أوضح وأظهر، أي لا يجوز بحال أن يعقد كافر على مسلمة.

والله المستعان .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply