الصيام بين الإيمان والعلم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

صيام رمضان ركن من أركان الإسلامº يقوم به المسلم المؤمن إطاعة لأمر الله، وبلاغ رسوله الكريم، بتسليم كامل لا يخالطه شك، ولا يتطرق إليه ريب، وبما أن الإسلام يُسر ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لذلك فالضرورات التي يقدرها الإسلام سمحت لمن لا يستطيع الصيام في حينه أن يفطر ويعوض ذلك في وقت آخر، أو أن لا يصوم أبداً إذا كان السبب دائماً.

فيدفع القادر على ذلك كفارة تؤول للمحتاج في المجتمع الإسلامي، ولما ظهر أعداء الإسلام منذ ظهر الإسلام بآراء تافهة مفتعلة يحاولون بها التشكيك بقيمة الصيام من الوجهة الصحية انبرى بعض المسلمين عن حسن نية، يدافعون بنفس الأسلوب الذي تهجم به هؤلاء، وصاروا يعددون فوائد الصيام الصحية، وكيف أنه العلاج للأمراض. والصيام الإسلامي بأحكامه وفلسفته هو لا شك أسلوب ناجح في معالجة كثير من الانحرافات الصحية البدنية، إلا أنه ليس علينا أبداً أن نجد المبررات والأسانيد الدنيوية للأمر الإلهي، سيما وإننا نؤمن أن الإسلام الذي أنزله الله على قلب الرسول العربي الكريم - صلى الله عليه وسلم - هو دين الفطرة السليمة التي لا تجافي أبداً مصلحة الإنسان في دنياه وآخرته.

 

وعندما أبحث اليوم في صحة الجسم عند امتناعه عن الغذاء، وفي نوع الغذاء الضروري، وفي السمنة التي تصيب الجسم، لا أفعل ذلك إلا لعرض بعض المعلومات الطبية الصحية، والنتائج العلمية المدروسة بأسلوب مبسط على قراء مجلة الحضارة الغراء، وهؤلاء القراء على ما أعتقد هم صفوة المثقفين في مجتمعاتهم، ومن الخير لهم أن يعرفوا شيئاً إن كانوا يجهلونه في هذا المضمار إتماما وإكمالاً للوعي الفكري السليم.

 

يحتاج جسم الإنسان لمواد غذائية ضرورية لتقوم بأوده، وتحفظ له صحته ونشاطه، وتسيِّر (فيزيولوجية) جسده بطريق صحيحة سليمة. وقيمة المواد التي يأكلها الإنسان تقدر بالنسبة لعاملين أساسيين:

1 - مجموع القيمة الحرورية التي يعطيها الغذاء.

2 - نسب العناصر الأساسية في الغذاء.

 

والعناصر الأساسية اللازمة في المأكولات والمشروبات هي:

البروتين والدهن والنشويات والمواد المعدنية والفيتامينات.

وحتى لا يضطر الجسم لاستعمال أنسجته في توليد الاحتراق اللازم للحصول على القدرة الحرورية يجب أن تكون القيمة الحرورية للغذاء اليومي مساوية لما يصرفه الجسم من الحريرات في اليوم الواحد.

 

ومتوسط ما يصرفه الجسم السليم للشاب المتوسط الوزن ذي العمل المتوسط الجهد هو تقريباً (3000) ثلاثة آلاف حريرة. وقد يزيد الرقم أو ينقص عن (3000) حريرة إذا قيست التغيرات من منطقة لأخرى في الطقس والحرارة، أو إذا أخذ بعين الاعتبار نوع العمل وجنس الجسم (ذكر أو أنثى) أو نوع الغذاء أو السن الخ..من اعتبارات تتغير قليلاً أو كثيراً ويتراوح المصروف الحروري بين (2500 5000) حريرة تقريباً.

 

أما عناصر الغذاء فقيمتها الحرورية بالغرام هي كالتالي:

غرام واحد بروتين يعطي حوالي 4 حريرات.

غرام واحد نشويات يعطي حوالي 4 حريرات (إلا قليلاً).

غرام واحد دهن يعطي حوالي 9 حريرات.

 

وفي الغذاء اليومي الذي يعطي 3000 حريرة يجب أن تكون نسب العناصر الغذائية فيه كالتالي:

133 غرام دهن يعطى حوالي 1200 حريرة أي 40%.

380 غرام نشويات يعطى حوالي 1440 حريرة أي 48%.

90 غرام بروتينات يعطى حوالي 360 حريرة أي 12%.

وقد ترتفع نسبة المواد الدهنية في الغذاء اليومي في البلاد الباردة من 40% إلى 45%.

 

وعندما يأخذ الجسم عدداً من الحريرات أكثر مما يصرف تتوضع الأغذية كمواد دهنية، (وقد تكون نشوية أو بروتينية أحياناً) في بعض أنحاء الجسم خصوصاً في الأنسجة التي تلي الجلد، وتزيد وزن الإنسان وتحدث السمنة وتسمى السمنة الغذائية (وهي أكثر أنواع السمنة شيوعاً) لتفريقها عن السمنة التي تسببها اضطرابات الإفرازات في الغدد الصم كالغدة النخامية والكظرية، أو نقص أو ضعف في وظائف الأجهزة التناسلية، وزيادة الوزن في سن اليأس أو بعد استئصال المبيضين أو بعد الخصي في الرجال معروفة جداً.

وبعض الأحيان يكون ضعف وظيفة الغدة الدرقية سبباً للسمنة.

 

أما السمنة الغذائية فهناك على ما يظهر استعداد جسدي شخصي فقد نجد شخصين صحيحين في ظروف حياتية واحدة يأكلان نفس الغذاء (كماً وكيفاً) ويصرفان نفس الجهد ومع ذلك يبقى أحدهما على وزنه بلا زيادة ولا نقصان أما الآخر فيسمن ويسمن. وقد نجد شخصاً قوي الشهية يأكل كمية كبيرة من الطعام المغذي بجميع عناصره ومع ذلك يبقى نحيفاً ونجد آخر يتبع حمية خاصة للتقليل من وزنه فلا يتغير وزنه أبداً.

 

أما معالجة هذه السمنة الغذائية فيكون في اختصار كمية الحريرات المأخوذة وزيادة في القدرة المصروفة في العمل الجسماني أو الاثنين معاً.

 

وعندما يمتنع الجسم الإنساني عن تناول الغذاء الكافي ويتوقف معين القدرة من خارج الجسم يعمد الجسم إلى استخلاص القدرة اللازمة له من احتراق ما يخزنه من المواد الدهنية المخزونة (احتياطياً) عنده. ولا يستعمل (البروتين) المخزون في الجسم إلا بعد أن يستنفد تماماً الاحتياطي من النشويات والمواد الدهنية.

 

ولقد درس العلماء حالات الذين يصومون مدداً طويلة دون انقطاع ودون تناول أي شيء من الأغذية على الإطلاق، وهنالك حوادث مشهورة في هذا الموضوع الدراسي أهمها حادثة (سوكاي) الايطالي الذي امتنع أربعين يوماً عن الطعام، وحادثة (مرلات) الفرنسي في باريس الذي امتنع خمسين يوماً. و(سوكاي) وزن في اليوم الأربعين فكان نقصان وزنه حوالي 25% فقط.

 

ونقصان الوزن في أعضاء الجسم لا يكون متناسباً في كل هذه الأعضاء، وإليكم صورة تدل على النقص النسبي في وزن أعضاء مختلفة في الجسم عند الامتناع عن الطعام لمدة غير قصيرة: نرى مثلاً أن هناك نقصاناً نسبياً يعادل 93% من وزن دهن الجسم بينما لا يكون نقصان في وزن الدماغ إلا 3% وفي وزن القلب 3% أما العضلات الإرادية فنقصان وزنها النسبي هو 31%.

 

والمدة القصوى التي يمكن لإنسان أن يمتنع فيها عن الطعام كلياً تتوقف على وضعه الصحي وبنيته الجسمانية والاحتياطي الذي عنده من المواد الدهنية وغيرها، إلا أنها على كل حال لن تتعدى تسعة إلى عشرة أسابيع، [وفي سنة] 1920م امتنع رئيس بلدية كورك في إيرلندا عن الطعام (حين أعلن إضرابه عنه) مدة 74 يوماً.

 

وأنتقل الآن إلى الصيام الإسلامي ونجد أن ساعات الامتناع عن الطعام لا تتجاوز ست عشرة ساعة كحد أقصى واثنتي عشرة ساعة كحد أدنى، وليس في هذا الصيام للجسم السليم أثر من ضرر كما يدعي بعض الحاقدين على الإسلام، ففي هذه المدة من الامتناع يأخذ المسلم وقعتين من الطعام، والذي يلزمه من الحريرات التي يأخذها في ثلاث وقعات أو أكثر في أيام الإفطار يمكن أخذها في وقعتين اثنتين، هذا من جهة، ومن جهة ثانية أن الامتناع عن تناول الطعام مدة من الزمن في اليوم راحة لازمة لأجهزة الجسم المختلفة خصوصاً جهاز الهضم بعد أحد عشر شهراً من العمل بدون راحة.

 

فإذا ادعى أحد كائناً من كان أن الصيام في رمضان ينقص الإنتاج فهذا أمر مردود علمياً وواقعياً، لأن القدرة المطلوبة للعامل الصائم موفورة في إفطاره وسحوره، مهما كانت القدرة المطلوبة من (2500-5000) حريرة أو أكثر.

 

ومن المستحسن أن أذكر أن أسلوب الصيام المتبع بين جماهير المسلمين ليس هو الأسلوب الصحي المثالي، وليس للإسلام علاقة بهذه العادة المتبعة التي توارثها المسلمون من عصور الانحطاط.

 

فالتخمة ليست من فلسفة الصيام، ولا من أهدافه، والإفطار رأساً بعد امتناع بضع عشرة ساعة ليس سليماً ولا صحياً، والسحور ثم النوم رأساً بعد وقعة كبيرة لا يمت إلى السُنة بصلة، ولا إلى الأسلوب السليم في نظام الفرد اليومي.

وكل ما لا يتلاءم وحفظ الصحة ليس من الإسلام في شيء.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply