خواطر حول العمل الطوعي في رمضان


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 ملايين الدينارات ـ بل عشرات الملايين ـ تنفقها عدد من المنظمات الطوعية خلال شهر رمضان في مختلف وجوه البر وأعمال الخير، إفطاراً للصائمين، وإعانةً للمحتاجين ـ نقداً أو عيناًِ ـ ولا عجب في ذلكº فشهر رمضان المبارك موسم تُصفد فيه الشياطين، وتنطلق أريحية المحسنين في أفضل صورها وأبهى مظاهرها، وكل ذلك جيد ومطلوبº خاصة في بلد كالسودان يعاني معظم أهله من مستويات الفقر الدنيا التي صنعتها سنوات الحرب، أو فترات الحصار الدولي الجائر، أو سوء السياسات الحكومية، أو فساد بعض القائمين على المال العام كما يظهر في تقارير المراجع العام كل عام.

 

ولكن ثمة تساؤلات حول الأسلوب الذي تتبعه بعض المنظمات الطوعية في أداء أعمالها في رمضان، تعقبها جملة من الملاحظات على بعض أعمالها، تليها بعض المقترحات لترشيد الأداء، دون أن نتهم جهة بسوء التصرف، أو نثير غبار الظن والريبة في طريق البعض، فالجميع مأجورون إن شاء الله - تعالى -متى ما توفر في أعمالهم شرطي النية والصواب، ومما يجدر ذكره أن بعض المنظمات تدير نشاطها وفق نظام دقيق وأسلوب صحيح وخطة محددة وفلسفة واضحة، ولكن كثرة المنظمات الطوعية العاملة في هذا المجال وانعدام الخبرة عند بعضها، جعلنا نصدع بمثل هذه المراجعات والنصائح، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

 

والتساؤلات التي تقفز حول الأداء العام للعمل الطوعي في رمضان تثير أسئلة مثل:

ـ هل تتحرك المنظمات الطوعية في عملها على أساس مسح ميداني يحدد الاحتياجات الحقيقية ويعيّن الفئات المستهدفة بصورة دقيقة؟

ـ خطط التوزيع هل تنهض على فلسفة محددة وهدف واضح ـ غير مطلق الإطعام وعموم الإحسان ـ مثل استهداف المناطق التي تنشط فيها الكنيسة ويستشري فيها التنصير؟ أو المناطق التي ابتليت بكوارث قريبة مثل السيول والأمطار أو الحروب أو الجفاف...إلخ؟

 

ـ هل تتم متابعات ـ بعد التوزيع ـ للمستهدفين لإكمال النواحي التربوية والدعوية مثلا؟ فالإنسان متعدد الحاجات: المادية والمعنوية، ولا يكفي إشباع الحاجات المادية فقط على أهمية هذا الأمر في بلد يستشري فيه الفقر على نطاق واسع.

 

ـ النواحي التوثيقية من تصوير وتسجيل ـ على أهميتها ـ قد تجرح كرامة بعض المتعففين والأسر الكريمة، ألم يحن الوقت للتفكير في توثيق الأعمال الخيرية دون أن يؤدي ذلك إلى المس بشعور المتلقين؟

 

أما أهم الملاحظات على العمل الطوعي في رمضان تشير إلى أن الأعمال الخيرية تركّز على الجانب الاستهلاكي وتنفق فيه أمولاً طائلة، مع أن الجانب الانتاجي ـ كتمليلك وسائل الانتاج ـ أو الخدمي ـ كحفر الآبار وتشييد المدارس والمستشفيات ـ ربما كان نفعه أعم والحاجة إليه أشد. كما أن توعية المتلقين والمستهدفين بحجم المعونات وأسلوب توزيعها يحد من الكثير من المشاكل التي تُثار حول أساليب التوزيع، ويرفع الغبن الذي يشعر به البعض عند إحساسه أنه لم ينل ما كان يتوقعه. كما أن اللين والرفق يجب أن يكون ديدن من يتصدون لمثل هذه الأعمال، ففي غمرة العمل قد يسمعون من التعليقات أو يتعرضون لمضايقات تثير حفيظتهم أو تقلل من صبرهم، ولسيتحضروا أن من يتصدى لعمل الخير قد يُجابه بالجحود وربما الإساءة والإيذاء، ودفع كل ذلك باللين والرفق والصبر أولى من الاستجابة للانفعالات اللحظية.

 

واقتراح أخير أختم به وهو قابل للتعديل لمواءمة كل بيئة، وقد أسرّ لي به أحد العاملين في الحقل الخيري، وملخص التجربة ـ إن لم تخني الذاكرة ـ أن جهة خيرية قامت بتمليك الأسر في بعض الأرياف عددا من الماعز، على أن تقوم الأسرة برعاية الماعز، وترد للجهة الخيرية من انتاجها بعد عام مثل ما تملكته، ثم قامت الجهة الخيرية بإعادة التجربة ـ من الماعز المسترد ـ مع أسر أخرى في العام القادم، وهكذا بعد سنوات قليلة استطاعت الجهة الخيرية أن تملّك عدد من الأسر في منطقة واسعة أهم ما يعينها على العيش الكريم في الريف، والتجربة تقوم على فكرة بسيطة وهدف محدد وقابلة للتنفيذ في بيئات متعددة بقليل من الجهد. نسأل الله للجميع التوفيق والسداد والأجر الخالص يوم القيامة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply