بعض المساهمات العقارية بيوع سفه


بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله المطلق:

المقامرات..تحولت إلى مسابقات

العمليات الربوية تقلل من فرص العمل والكسب

الربا جرثومة خبيثة تمحق بركة التجارة

هذه بيوع احتمالية وهي من مزالق الشيطان

 

إعداد: فهد البكران

يقول فضيلة الدكتور عبد الله المطلق إن الله - جل وعلا - أرسل رسوله - صلى الله عليه وسلم - ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويزكيهم في معاملاتهم، يقول ربنا - جل وعلا -: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم} [آل عمران: 164]، يعني يطهرهم، ومن أعظم ما يطهرهم منه وسائل الطمع والجشع التي يمليها الشيطان على الناس في معاملاتهم، فيظلم بعضهم بعض..إن الشيطان يعشعش في أماكن المعاملات التجارية كي يدل الناس على الظلم والغش وأنواع المحرمات ولهذا ورد في الحديث: (لا تكن أول من يدخل السوق)، لأن الشيطان يقيم في السوق لواءه وينشر فيه جنوده.. ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بسد الطريق على الشيطان وأن يكفر التجار بالصدقة ما قد يجرهم إليه الشيطان في السوق من المعاصي والحلف والكذب ومن ظلم الناس وغير ذلك.

 

منهج الإسلام في تحريم البيوع

ويؤكد فضيلته على بعض المقاصد في منهج الإسلام في تحريم بعض البيوع، ومن أعظم هذه المقاصد مراعاة المصالح التي تنفع العباد وتصلح بها أمور البلاد، ودرء المفاسد التي تسبب الشحناء والأحقاد وتفتح أبواب الظلم لبعض الناس على بعض، وهذا ظاهر في بيوع الجهالة وبيوع القمار، فلماذا حرم الإسلام القمار؟ {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر} [المائدة: 91]، فجميع المعاملات التي فيها جهالة ومقامرة يتحسر أحد الطرفين عندما تنتهي الصفقة وتستقر أمور البيع ويعلم أن صاحبه أخذه على غرة وقد انتصر عليه بحيلة.

 

هذه المعاملات التي تنتشر فيها المقامرة أصبحت الآن لون من ألوان المسابقات التي يدعى إليها ويشجع عليها زاعمين أن للحظ دور في ذلك وهذا ما يعرف باليانصيب، ومثل ذلك ما هو مشهور الآن بإغراء الناس على شراء ما لا يريدون من أجل أنهم من المحتمل أن يفوزوا بجائرة كبيرة.. فهذه الشركة التي تعلن عن مسابقة على سيارة بمبلغ (100) ألف ريال، وطلبت ممن يريد الاشتراك في المسابقة أن يدفع (3) ريالات، ثم جمعت مليون ريال مقابل مبلغ لا يهم دفعه، هذه الشركة استفادت من هذه الثلاثة ريالات وجمعت مليون ولم تدفع سوى 100 ألف ريال، وهذا المبلغ أخذته الشركة من طريق (غير حلال)، فهي لم تقدم خدمات تنفع الناس، ولا أنتجت شيئا ينفع المجتمع، وإنما كانت هذه المعاملة من باب المقامرة والحظ ومثل هذه البيوع محرمة، وأكل لأموال الناس بالباطل، ومثل هذه المعاملات قصدت الشريعة من تحريمها لما فيها من ظلم وأكل لأموال الناس بالباطل ولما فيها من العدواة والبغضاء التي تقع بين المتعاملين بها ولهذه المعاملات صور متعددة وقد كان موجودا في الجاهلية في بيوع احتمالية ومنها بيع الحصاد ومنها بيع ضربة الغائص الذي يغوص في البحر كأن يقول أحدهم ما تغوص به وتحضره اليوم من البحر أعطي مقابله مائة ريال مثلا، فهذه بيوع احتمالية، وهذه مسالك الشيطان في البيوع، تجعل مثل هذه الأمور من طرق الاكتساب وهي أمور احتمالية قائمة على الجهالة والاحتمال، ومن أجل ذلك حرمت هذه الطرق من الاكتساب، ومثلها أيضا بيع الجنين يأتي إلى الناقة الحامل ويقول لصاحبها أريد شراء ما في بطن ناقتك بمبلغ كذا، ولا يهم يطلع واحد أو اثنين أو سليم أو ميت، أو مشوه. هذا بيع غرر وجهالة لا تجوز وبمثل هذه المعاملات وغيرها تؤكل الأموال بالباطل، والله - جل وعلا - يبين لنا العلة في تحريمها: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما (29)} [النساء].

 

المال الذي بين يديك هو ليس مالك، وإنما هو مال الله إئتمنك الله عليه، وأمرك فيه ونهاك، فلا بد من الالتزام بمنهج الله: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} [النور: 33].

 

رفع الحرج عن الناس

ومن مقاصد الشريعة في تحريم بعض البيوع كما ذكر فضيلة الدكتور المطلق، رفع الحرج وإرادة اليسر على الناس، ولذلك أعطى فرص في البيع وحرم أن يظلم بعض الناس بعض، كان البيع في الجاهلية ضرب ثلاثة، فشرع الإسلام خيار المجلس للتروي، وأباح الشارع للمشتري أن يتأنى ويفكر وأراد أن يرفض البيع وفسخ العقد جاز له ذلك، لماذ؟ لأن مجلس العقد هو مجلس تروي وتأمل وتفكير وإدراك مصالح. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما).

 

ومن رفع الحرج أن الله - جل وعلا - حرم استغلال المضطر، ونهى عن استغلال اضطرار المسلم لبيع شيء ما فيقوم بسلب ما لا يجوز له، وهذا لا يتمشى مع القواعد الشرعية: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع المضطر.

 

مقاصد تحريم الربا

وبين فضيلة الدكتور المطلق أن مما تظهر فيه مقاصد الشريعة جلية تحريم الربا، والربا جرثومة خبيثة إذا دخلت في التجارة محققت بركتها، ولذلكم شدد القرآن في تحريم الربا ونهى الناس عنه، ومن أشد ما ورد من وعيد في القرآن النصوص التي وردت في تحريم الربا: {ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}، ونص آخر: (فأذنوا بحرب من الله ورسوله)، ونص آخر: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات}، ونص آخر: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} [البقرة].

 

نصوص كثيرة جاءت بتحريم هذه الجريمة التي تتفشى في المجتمعات الجاهلية، بل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى هذه الجريمة حقها من الوعيد الذي ينفر الأمة منها، فقد ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - قوله: (لعن الله أكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه)، كل من شارك في هذه الجريمة فهو ملعون على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد ورد في الحديث الذي رواه أبو داود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (درهم ربا يأكله المرء مذنب أشد من ست وثلاثين زنية)، وهذا يدل على خبث هذا المال الذي يأتي عن طريق الربا ويدل على شدة ضرر الربا على الفرد والأمة واقتصاديات المجتمعات، وفي مجتمعات الربا يزداد الغني غنى والفقير فقرا، ولهذا جاء تحريم الربا ظاهرا في شريعة الإسلام.

 

إقامة العدل من أهم المقاصد

ومن أهم مقاصد الشريعة التي ذكرها فضيلة الدكتور المطلق من تحريم بعض البيوع إقامة العدل وإظهاره لأن العدل يمنع الأغنياء من استغلال الفقراء ويفتح أمام الفقراء آفاقا واسعة في الاكتساب لأن الغني إذا أصبح يرابي من دون أن يدخل بيوع تستفيد منها الأمة، قلت طرق المكاسب، فالمرابون في أي مجتمع يقللون من فرص العمل والكسب أمام الناس، ولو قارنا بين رجل يشتغل في البيوع ويتاجر في أمواله، كم من العمال والموظفين سيعملون عنده في الإدارة والمحاسبة والتسويق والتخزين والتحميل والصيانة، أما المرابي فإنه يضع أمواله وينتظر النسبة.

 

التجارة في المحرمات

ومما تظهر به مقاصد الشريعة الإسلامية، تحريم بيع الأعيان النجسة والمحرمة، الأعيان النجسة التي تضر المجتمع، وتؤثر في انتشار النجاسة حرم الشارع تداولها، فمنع بيع الميتة، وهذا من النجاسة الحسية، ومثلها بقية الأعيان النجسة، وحرم بيع الكلب، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ثمن الكلب خبيث)، وبين - صلى الله عليه وسلم - أن من اقتنى هذا الحيوان النجس فإنه ينقص من أجره كل يوم قيراط، كما حرم الإسلام الأعيان النجسة حكما مثل الأصنام وآلات اللهو، هذه ليست نجسة عينية وإنما نجاستها حكمية، لأنها تنشر المعصية، فمنع - صلى الله عليه وسلم - بيع الأصنام، وأعلن ذلك - صلى الله عليه وسلم - في خطبته يوم الفتح، ومما منعت الشريعة بيعه، بيع ما يدعو إلى المعصية من آلات اللهو ووسائله، فقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عن بيع المغنيات وشرائهن، وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن ثمنهن حرام، ومثل ذلك جميع آلات المعازف، فإن المعازف وآلات اللهو مما حرمه الشارع. وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه سيكون في آخر الزمان أناس يستحلون - لاحظ كلمة يستحلون - الحري والحرير والخمر والمعازف، مما يدل على أن أنواع المعازف بجميع أنواعها محرمة، لأنها تدعو إلى المعصية وتشغل عن الذكر وعن الصلاة.

 

بيوع السفه

ومما تظهر به أيضا مقاصد الشريعة في بيع بعض البيوع النهي عن البيوع التي فيها إسراف وتبذير، فإن التبذير من أعمال إخوان الشياطين، قال - تعالى -: {ولا تبذر تبذيرا (26) إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا (27)} [الإسراء]، ومن ذلك الإسراف: {ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأعراف: 31]، ولهذا حجر الشارع على هؤلاء السفهاء إذا ظهر منهم الإسراف والتبذير، وقد حجر عمر - رضي الله عنه - على رجل في زمنه كان يشتري الناقة التي تسبق الحجاج بأغلى الثمن ويستدين لذلك من أجل أن يقال سبق الحاج، فما بالنا بهؤلاء الذين انتشروا في هذه الأزمان يشترون السلع بأثمان غير معقولة ويدفعون بالاشتراكات أرباحا غير معقولة وعلى سبيل المثال أناس يشترون منك السيارة إذا عرضتها عليهم بقيمتها مضاعفة على أن يدفعوا الثمن لك بعد ثلاثة أشهر، ومثل ذلك هؤلاء الذين يعلنون أنهم يقبلون المساهمات من الناس ويدفعون لهم أرباحا أسبوعية تعادل 25% تقريبا وبعضهم يدفع أرباحا شهرية تعادل 20% أو أربعين في المئة، وهذا مما لا تعترف به الأسواق، وكما يعلم الخبراء، فإنه لا توجد في الأسواق أرباح تعادل 100% في السنة، فكيف يضمن لك هؤلاء 20% في الشهر، فإذا أخذ البائع 20% وأخذ المشتري 20% أرباحا شهرية صارت 40% في الشهر، يعني في السنة أرباح بقيمة 480% وهذا غير معقول، وهذا كله من بيوع السفه التي يمنعها الشرع والتي تؤدي إلى الاحتيال والهروب، ولهذا نسمع أن كثيرا من هولاء عندما يأخذون ما يأخذون يسربون الأموال إلى جهات غير معلومة وربما يجعل بعضهم الأموال باسم زوجته أو أناس آخرين ثم يضيع هؤلاء المشاركون ولا يرجع إليهم شيئا من أموالهم، والشريعة الإسلامية أرادت بتحريم هذه الأمور حماية أموال الناس وأموال المجتمع، فقد منح الله المال وأمر بحفظه، ونهى عن تبذيره وأكله الباطل، وقرن المال بالنفس، قال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما (29) ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا (30)} [النساء].

 

فعلى المسلم أن يتقي الله في هذا المال الذي أنعم الله عليه به، وأن يحفظه تمام الحفظ، حتى من أقرب الناس إليه، وحتى من أهله، قال - تعالى -: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم} [النساء: 5]، ولهذا ربنا - جل وعلا - منع ولي اليتيم أن يدفع إليه ماله حتى يعلم قدرته على تدبيره، قال - تعالى -: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا} [النساء: 6].

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply