وقفة مع موضوع الغناء


بسم الله الرحمن الرحيم

 

عجباً لأمر بعض الناس، ما إن يسمع بزلة عالمٍ, أو طالب علم، أو رأيٍ, شاذ يُخالف ما عليه جماهير أهل العلم، إلا ويسارع إلى تبنيه ونشره، والدفاع عنه، لا لشيءٍ, إلا لأنَّهُ وافق هواً في نفسه، بدليل أنَّ ذلك العالم أو طالب العلم، لو أفتى بما يخالفُ هوى هذا المتشهي لكتمه، ولأعرض عنه، وهذا دليلٌ على مرض القلب، الذي يحمل صاحبهُ على إتباع الهوى.

 قال - تعالى -: ((وَمَن أَضَلٌّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ)) (القصص: من الآية50).

ومن ذلك موضوع الغناء، فقد نقلَ عددٌ من أهل العلم الإجماع على تحريمه، ومع ذلك نرى من يُجادلُ فيه محتجاً بقولٍ, شاذ، لعالمٍ, أو طالب علم مغمور، ضارباً بأقوالِ الأئمة الكبار، وإجماع الأمة عرض الحائط.

والأعجب من ذلك، أن يقيس الغناء المعروف اليوم، بالغناء القديم الذي تكلم فيه العلماء وذموه، مع الفارق الكبير بينهما، (بخلاف الغناء المباح الذي يكونُ في الأعراس، وبالدفِ وبين النساء خاصة).

فإنَّ الغناءَ المعروف اليوم، والذي يبث عبر وسائل الإعلام المختلفة، حرامٌ بكلِّ المقاييس، وقياسه على الغناء الذي تحدث عنه السلف وحرموه من أبطل الباطل، فلم يُعرف في تاريخ الإسلام، وقبل سقوط الخلافة - حسب علمي - أنَّ امرأةً حُرة، تقومُ بكامل زينها وأنوثتها، لتغني وتتمايل على مرأى أو مسمع من عامة الناس من الرجال والنساء، فقد كان الغناءُ في الماضي - مع إنكار السلف له - مقصوراً على الإماءِ والجواري المملوكات، وفي نطاقٍ, ضيق، أمام السيد وجلسائه، أو أمام حفنة من الرجال في مكان ما.

أما الرجال فلم يكن يغني منهم إلاَّ العبيد والصبيان،

وكان السلف - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - يسمونهم (مخانيث)، لأنَّ الغناء المباح - كما سبق - كان من عملِ النساء خاصة، من الإماء والجواري صغيرات السن وغيرهن، فإذا تشبهَ بهم الرجل كان مخنثاً، وقد ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ أمر بنفي المخنثين، وقال: ((أخرجوهم من بيوتكم)) (انظر: الاستقامة لابن تيمية: 1/319، وانظر مجموع الفتاوى: 22/154).

فلما استفحل أمرُ الجاهلية الحديثة، (جاهلية القرن العشرين على حد تعبير بعض المعاصرين) شُجَّع النساءِ على التمرد والسفور، وجُعل ذلك من ضرورات العصر!!

واستفحل أمرُ الغناء والمغنين، وعظُم شأنهم، وكثُرت أعدادهم - لا كثَّرهم الله - وما ذاك إلاَّ بسبب تخلفِ الأمة وانحطاطها، وانطفاءِ نور النبوة فيها إلاَّ ما شاء الله، ووقع ما أخبر به النبي- صلى الله عليه وسلم - من استحلال الغناءِ واستباحته، وإنَّ من المعلوم من الدين بالضرورة، أنَّ تبرجَ المرأةِ وسفورها وإظهارها زينتها لغير من أباح الله، حرام، ومن كبائرِ الذنوب، ولو لم يكن في الغناء المعروف اليوم إلاَّ هذا، لكفى به دليلاً على التحريم، فكيف ومعه ما يتبعه من التكسر والتأوه، والخضوع بالصوت، وأنواع المعازف ومزامير الشيطان، والصد عن سبيل الله، والكلمات الفاحشة، والعبارات الرديئة، والكسب الحرام، وغير ذلك مما لا يخفى على ذي بصيرة.

فهل يأتي بعد ذلك من يُجادلُ في حرمة هذا الغناء الشيطاني وقبحه، وخطره على الدين والأخلاق والأمة.

وأختم كلامي هذا بقولٍ, بليغ للإمام ابن قيم الجوزية - رحمه الله - في خطر هذا الغناء.

 يقول: ومعلومٌ عند الخاصة والعامة أنَّ فتنة سماع الغناء والمعازف، أعظم من فتنة النَّوح بكثير، والذي شاهدناه - نحن وغيرنا- وعرفناه بالتجارب، أنَّهُ ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم، وفشت فيهم، واشتغلوا بها، إلاَّ سلط الله عليهم العدو، وبلوا بالقحط والجدب، وولاة السوء، والعاقل يتأمل أحوال العالم وينظر، والله المستعان (مدارج السالكين: 1/500).

ويقول في موضعٍ, آخر عن هؤلاء المغنين وما امتلأت دارٌ من أصوات هؤلاءِ وألحانهم، وأصوات معازفهم ورهجهم، إلاَّ وأعقب ذلك من حزن أهلها ونكبتهم، وحلول المصائب بساحتهم، ما لا يفي بذلك الشرور من غير إبطاء، وسل الوجود ينبيك عن حوادثه، والعاقل من اعتبر بغيره (الكلام على مسألة السماع: ص348).

 

والله ولي التوفيق.

وصلى الله على نبينا محمد..

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply