جميع المذاهب تؤكد وجوب ستر الوجه


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

اطلعت على ما كتبه الأخ الحميدي العبيسان في "الوطن" يوم الأحد الموافق 5/7/ 1427هـ حول جواز كشف المرأة لوجهها إطلاقا في جميع المذاهب.

فأقول ردا على ما كتبه:

قول الحنفية في المسألة:

يرى فقهاء الحنفية -رحمهم الله- أنه لا يجوز للمرأة كشف وجهها أمام الرجال الأجانب لا لكونه عورة ولكن كشفه مظنة الفتنة وبعضهم يراه عورة مطلقا. قال الجصاص: المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها من الأجنبي وإظهار الستر والعفاف عند الخروج لكيلا يطمع أهل الريب فيها. وقال السرخسي حرمة النظر لخوف الفتنة وخوف الفتنة في النظر إلى وجهها، وقال سماحة مفتي باكستان الشيخ محمد شفيع الحنفي: وبالجملة فقد اتفقت مذاهب الفقهاء وجمهور الأمة على أنه لا يجوز للنساء الشواب كشف الوجه والأكف بين الأجانب، ويستثنى من ذلك العجائز لقوله -تعالى-: (والقواعد من النساء).

أما المالكية:

فإنهم يرون كذلك أن المرأة لا يجوز لها كشف وجهها أمام الرجال الأجانب لكون كشفه مظنة الفتنة أيضا لا لأنه عورة، وقال القاضي ابن العربي والقرطبي -رحمهما الله-: المرأة كلها عورة بدنها وصوتها فلا يجوز كشف ذلك إلا للضرورة والحاجة، وقال أبو علي المشدافي -رحمه الله-: إن كانت له زوجة تخرج وتنصرف في حوائجها بادية الوجه والأطراف كما جرت بذلك عادة البوادي فلا تجوز إمامته ولا تقبل شهادته.

أما الشافعية:

فيرون ذلك أيضا وسواء خشيت الفتنة أم لا. قال الجوني -رحمه الله-: اتفق المسلمون على منع النساء من الخروج سافرات الوجوه لأن النظر مظنة الفتنة فاللائق بالشرع سد الباب فيه والإعراض عن تفاصيل الأحوال منه. وما نسب إلى الشافعي من إباحته لكشف الوجه إنما هو في الصلاة إذا لم يكن هناك أجانب، فأخذه من أخذه عليه بجواز الكشف مطلقا، وذلك غير صحيح، وقد حقق ذلك جمع من أهل العلم. وقال الشرقاوي -رحمه الله-: وعورة الحرة خارج الصلاة بالنسبة للنظر للأجنبي إليها بدنها حتى الوجه والكفان ولو عند الفتنة. وقال الغزالي -رحمه الله- لم يزل الرجال على مر الأزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن منقبات.

ويرى فقهاء الحنابلة:

أنَّ المرأة لا يجوز لها كشف وجهها أمام الرِّجال الأجانب، لكونه عورة مطلقاً. وفيما يلي بعض نصوصهم في ذلك: قال الإمام أحمد، -رحمه الله-: ظفر المرأة عورة، فإذا خرجت من بيتها فلا تُبِن منها شيئاً ولا خفها، فإنَّ الخفَّ يصف القدم، وأحبٌّ إليَّ أن تجعل لكمها زراً عند يدها حتَّى لا يبين منها شيء. وقال ابن تيميّة، -رحمه الله-: وقبل أن تنزل آية الحجاب كان النِّساء يخرجن بلا جلباب، يرى الرِّجال وجهها ويديها، وكان إذ ذاك يجوز لها أن تُظهر الوجه والكفين. ثم لما أنزل الله -عز وجل- آية الحجاب بقوله: [يَـأَيٌّهَا النَّبِيٌّ قُل لأَزوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ] حجب النِّساء عن الرِّجال.

وقال: وكشف النِّساء وجوههنَّ بحيث يراهنَّ الأجانب غير جائز قال الشوكاني -رحمه الله- في السيل الجرار "وأما تغطية وجه المرأة -يعني في الإحرام- فلما روي أن إحرام المرأة في وجهها ولكنه لم يثبت ذلك من وجه يصلح للاحتجاج به، وأما ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة من حديث عائشة قالت: "كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وآله سلم- محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا كشفناه"، وليس فيه ما يدل على أن الكشف لوجوههنَّ كان لأجل الإحرام، بل كنّ يكشفن وجوههن عند عدم وجوب من يجب سترها منه، ويسترنها عند وجود من يجب سترها منه.

قال العلامة بكر أبو زيد: معلوم أن العمل المتوارث المستمر من عصر الصحابة -رضي الله عنهم- فمن بعدهم حجة شرعية يجب اتباعها، وتلقيها بالقبول، وقد جرى الإجماع العملي بالعمل المستمر المتوارث بين نساء المؤمنين على لزومهن البيوت، فلا يخرجن إلا لضرورة أو حاجة، وعلى عدم خروجهن أمام الرجال إلا متحجبات غير سافرات الوجوه، ولا حاسرات عن شيء من الأبدان، ولا متبرجات بزينة، واتفق المسلمون على هذا العمل المتلاقي مع مقاصدهم في بناء صرح العفة والطهارة والاحتشام والحياء والغيرة، فمنعوا النساء من الخروج سافرات الوجوه، حاسرات عن شيء من أبدانهن أو زينتهن.

فهذه أقوال وإجماع العلماء في كل المذاهب واستمر عمل الأمة عليه أربعة عشر قرنا، فلا أدري ما هذه الحقيقة التي لم تكتشف إلا في هذا العقد، والأولى في ذلك كله أن يترك الكلام فيه للعلماء لأنهم هم الذين يفهمون مراد الله ومراد رسوله - صلى الله عليه وسلم-.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply