حتى لا نضع الرحال


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نحن مقبلون على شهر ٍ, عظيم يتزيّن الكون لاستقباله وتنبض القلوب فرحاً وشوقاً للقائه..

حتى من أولئك المفرطين نرى ذلك الفرح يغمرهم وينطق سروراً على محيّاهم..

إنّ شوقاً سكن القلوب المخبتة وحتى العاصية المفرطة واستقر فيها يحدّث بلحظات اللقاء الإيمانية شهر رمضـان.. شهر هيأ الله الكون كله لاستقباله.. فتزيّنت الجنة لأهلها وفتّحت أبوابها شوقاً لهم وفرحاً بأعمالهم..

والنار قد غلّقت أبوابها.. والشياطين قد صفّدت لكي تكف ّعن الوسوسة والصد عن سبيل الله.. والقعود لأهل الطاعة في طريقهم... والنفوس قد تخففّت للقاء الشهر الحبيب.. ليكون للعابدين قصة خلوة ومناجاة..

بل تقلّب في رياض الطاعات والقربات..

صيام وقيام ودعـــــــــــــــاء وبكاء وخشية.. وتلاوة وذكر.. وأصداء القرآن تهزٌّ الكون بله القلوب المؤمنة الخاشعة والمنيبة الطائعة.. وتوقظ القلوب الشاردة والغافلة.. لتعود إلى مولاها..

اللهم بلغنا رمضـــــــــــــــــــان

صيامه وقيامه وقبوله..

و قبل رمضان.. لابد من تهيئة وإعداد لهذه الرحلة الإيمانية.. رحلة التغيير التي يمر بها كل منا.. رحلة الإقلاع عن عوائد تعودناها... وعوائق قد تفننت في صدنا عن السير إلى الله وإيثار ما يحبه ويرضاه..

وعلائق قد قطعت علينا طريق الوصل.. فالتفتت قلوبنا وانشغلت بغير الله فآثرت العاجل على الآجل..

 

ترى هل فكرنا في هذه الخطوة العظيمة؟

أعني التغيير وإعداد النفس قبل قدوم الشهر الكريم..

نحن نخدع أنفسنا إذا كنا نظن أننا سنرى من أ نفسنا ذلك الانقياد وتلك المسارعة في الطاعات دون أن نجد أدنى مشقة في رمضان..

هذا مستحيل..

فشوقنا لهذا الشهر الحبيب ولتلك الأجواء الإيمانية يجعلنا نظن أننا سنواصل السير في طريق الطاعة دون كلل أو ملل. أو توقف... ويحملنا على اعتقاد ذلك...

وأنّى لنفس ٍ, لم تتدرب على الطاعة طيلة حياتها أن تحسن ذلك!

 

مجرد أماني وأوهام لا توصل إلى نهاية الطريق.. بل تقطع بنا الطريق وتتركنا للألم والحسرة حين نرى ركائب المؤمنين قد زينت ومرت بنا ونحن قاعدون في منتصف الطريق فلا نحن بالذين قد رجعوا ولا نحن بالذين قد ساروا ووصلوا..

إذا عرفنا ذلك..

فلنجعل شهر شعبان الذي بين أيدينا فرصة للتدريب على العبادات العظيمة واختبار جلد النفس وصبرها وقوتها على المجاهدة..

قد نظن أننا لا نحتاج لذلك.. ولكن في الحقيقة نحن نحتاج كثيراً لذلك، وسأضرب مثلاً بسيطاً:

رجل لم يعتد رياضة المشي وطلب منه الطبيب أن يمارس رياضة المشي رعاية لصحته وحفاظاً عليها من غوائل الأمراض..

فرح الرجل بذلك ورأى أن الأمر سهلاً وخرج في يومه الأول مسرعاً فيمشيه مغتراً بقوته وصبره.. وفعلاً انتهى المشوار ولكنه قد سبق بقرار ٍ, لا رجعة فيه أن تكون هذه آخر مرة يمارس فيها ذك الرجل رياضة المشي..

فقد تعب كثيراً وأجهد وحصل له شد عضلي وربما لزم الفراش!

لو كان هذا الرجل نفسه قد وضع هدفه أمامه واتخذ تمرينات المشي البسيطة وتدرج في سيره وتدرب يوماً بعد يوم، فإنه لن يترك رياضة المشي وسيشعر بسعادة وخفة ورغبة في المواصلة..

أهدافنا التي نريدها على أرض الواقع لابد أن تكون واقعية.. فسنة الله في كونه التدرج..

ونفس لم تربى وتدرب على الطاعة والعبادة والكف عن المعاصي طيلة العام أنّى لها أن تفعل ذلك في شهر حملتنا إليه أجنحة الشوق..

إنّ للدربة والمران دوراً كبيراً في دفع عجلة المواصلة لأي أمر ٍ,كان..

وهكذا نفوسنا تحتاج لأن ندخلها دورة تدريبية تعتاد الطاعات وتجاهد في المداومة عليها، وكذلك الكفّ عن المحرمات والمعاصي التي تلبّسنا بها وغشيناها بإعلان التوبة وإشغال القلب واللسان والجوارح بالطاعات حتى نتطهر من دنس المعاصي ونرى حلاوة ونقاء العافية فنستمر في سيرنا..

هذا كله..

نحتاجه قبل أن نلتقي برمضــــــــــــــــــان ونبلغه..بإذن الله.

وحتى لا يكون سيرنا في بداية الشهر قوياً نشيطاً ثم إذا ما انتصفنا الشهر أو قاربنا العشر وضعنا رحال السفر ولمّا نبلغ المنزل بعد.. !!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply