كيف نجعل من رمضان شهرًا مثاليًا


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ما كان ينظر إلى رمضان في سنوات قريبة خلت على أنه شهر ثقيل المؤونة فيه يكسل الإنسان وتثقل عليه شؤون الحياة ويلزمه فيه تغيير نمط حياته والاستعداد له بوسائل ترفيهية متلونة متعددة ليخفف بها من ثقله المزعوم ويروح بها عن نفسه كما هو حاصل في أيامنا هذه بكل أسف. فمن الذي أوحى إلى الناس أن رمضان هو شهر الجوع والتعب والكسل والنوم والتخاذل والعبث؟ بل من الذي استدرجهم إلى أن جعل كثيرٌ منهم وخاصة من شبابهم ليله نهارا ونهاره ليلا على غير ما عبادة وتقوى؟ هذه وغيرها من الأسلة الملِّحة ما تزال تشغل بال الإنسان وتؤرقه. وليس هدفنا أن نتتبع هذه الأسلة ونجيب عليها فهذا غير ممكن في هذا المقام، إنما نشير إلى بعض القضايا وننبه إلى بعض المسائل التي قد تفيد المستمعين وإن كانت لا تخفى على كثيرٍ, منهم.

 لقد عهدنا رمضان في الماضي القريب فكان شهرًا لا يختلف عن الشهور الأخرى في حياة الناس إلا بالعبادة المخصصة فيه، أما فيما يتعلق بعمل الإنسان وسعيه فيه وواجباته اليومية فلا تختلف في شيء عنها في الأشهر الأخرى من العام. وهذا شيء عشناه ورأيناه وعرفناه ولا نتكلم فيه من خيالات وقصص ووهم. إن المعلم في مدرسته، والفلاح في مزرعته، والراعي مع غنمه، والتاجر في متجره، والأم في منزلها لو تصوَّر أحدٌ منهم في زمانه الماضي رمضان كما نتصوَّره في زماننا هذا وعمل فيه كما نعمل لتعطَّلت شؤون الحياة وبار الإنتاج ولما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من تقدمٍ, مشهودٍ, ملموس في جميع مناحيها. إن العمل في الحياة لا ينقطع، ولا يؤجل ليوم واحد ولو حصل ذلك لبان الخلل وظهر، فما بالكم بمن يوشك أن يتوقف عن العمل لمدة شهر كامل بل يسعى إلى إزاحة النشاط المثمر وإحلال النشاط الخامل مكانه بكل إصرار. إن ما كان ليصيب القرى في الماضي من خلل لو كسل أهلها وتقاعسوا عن العمل كما نكسل ونتقاعس، لا بد أنه يصيب المدن اليوم ولكن الأعراض المرضية على الاقتصاد لا تظهر للمشاهد من هذا الجانب لتداخل حياة المدن وتعقدها، وعدم قدرة الملاحظ على الإحاطة بالخلل الحادث في المدينة كما لو حصل في القرية. ولكنه خلل عدم ظهوره للناس لا يعني عدم وجوده في واقع الحياة.

وكيف لا يكون هناك خلل ونحن نكاد نهدم الأهداف التي شرع رمضان من أجلها. فرمضان شرع من أجل إتمام عبادة الصيام لله. فبه تتم أركان الإسلام التي لا يكون المسلم مسلمًا دون تحقيقها. ولرمضان فوائد جمة أخرى بها يتحقق مفهوم العبادة ولو بشكل غير مباشر. من ذلك صحة الأبدان مع الصوم (صوموا تصحوا). فهل يا ترى حققنا هذه الغاية أم هل نحن نسعى لغرس مفهومها في أنفسنا وفيمن نعول. إن العكس هو الصحيح إلا فيمن رحم ربك. أما ترانا إذا طل رمضان المبارك خرج الناس إلى الأسواق زرافاتٍ, ووحدانا وشرعوا في ملئ مستودعات سياراتهم بكل أنواع المأكولات والمشروبات الفائضة عن الحاجة. إنه لو رأهم من لا يعرف شأنهم لظنهم سمعوا إنذارًا يقول لهم إن القحط على الأبواب فاملأوا منازلكم ورحالكم مما توفر في الأسواق قبل فوات الأوان لتأكلوا منه وتشربوا إلى أن تنفك عقدة القحط. فترى الازدحام في الشوارع والطرقات وتراه في الأسواق بشكل لا مثيل له خلال العام وكأن الناس غرثى وبيوتهم خالية من المتاع. هل فهم الناس عبارات مثل \"رمضان مبارك\" و\"رمضان كريم\" بمعنى البركة والكرم في الأكل. أم أن تصوَّر الجوع الذي لم يعرفوه، ولم يدربوا أنفسهم عليه خلال الأيام السابقة لرمضان، ولم يعرفوا محاسنه رغم حرارته أحيانًا جعلهم نفسيًّا في حالة تقبلٍ, لإظهار جزعهم وخوفهم منه والهرب من هذا الخوف إلى الشطط في التَّصرٌّف فتحدث البعثرة في الأسواق والطرقات. ويحصل الإفراط في ما يصنع من مائدة للإفطار. والشطط هذا لا يقتصر على حال الخوف من جوع أيام رمضان المتوهم، بل يتمثل مرةً أخرى في حال الفرح بأيام العيد عند الدنو من آخر رمضان. والظاهر أن مسألة الخوف هذه ماثلة فيما تصوَّره الناس حزنًا وما يتصورونه فرحًا. فالخوف من أن يقول الناس من الجيران والأقارب والأصحاب إن فلانًا لم يحتف ولم يفرح بالعيد كما ينبغي جعله يتكلَّف ما لا طاقة له به من لباس وزينة واستعداد لعيد أجمل ما فيه بساطته ومشاركة الناس فيه كل بما يجد دون تكلٌّف أو مشقة.

ثم كيف لا يكون هناك خللٌ في طريقة تعاملنا مع رمضان ونحن نوهم أنفسنا أنه شهر إرهاق وتعب وزهق لذا يلزمنا الترويح عن أنفسنا بقدر ما كابدناه من تعب خلال نهاره. فإذا استغرق معنا التعب المزعوم ما يقارب عشر ساعات خلال النهار فلماذا لا نروٌّح عن أنفسنا ما يقارب عشر ساعات خلال الليل نتنقل بين فكاهة وخدعة هنا ومسرحية وتمثيلية هناك. ولماذا لا نقعد أمام المسابقات التلفزيونية الترفيهية والمسارح الراقصة لسعات طوال نتفرّج مع المتفرجين ونتسابق مع المتسابقين علنا نتخلّص من بعض آثار التعب ونكسب بعض المال منها. هل هذا أمرٌ يعقل. لقد أصبح هذا الشهر الفضيل موسمًا لكل من يرى له الحق في الترفيه عن الناس حسب زعمه والتخفيف من تعبهم ومعاناتهم خلال نهار هذا الشهر الفضيل.

ثم لكم أيها الأخوة أن تتصوروا حال النشء الذي يعيش في بيئة تحشد الترفيه والتسلية والضحك خلال ليل رمضان كل عامٍ,. أن مثل هذا الطفل سيكون مستعدًا أن ينافح عن فكرة أن ليل رمضان هو للتسلية فهذا ما نشأ عليه وهذا ما عرفه وأقره عليه الكبار لعدم إنكارهم مثل هذا الفعل أمامه. إنها مسؤولية عظيمة لا يعقلها إلا الراشدون.

إن العولمة التي نعيشها شئنا أم أبينا لن يستقيم أمرنا فيها ما لم نعتز بمنهجنا ونؤسس في أجيالنا مفهوم الاختيار السليم للمعلومات السليمة والبعد عن ما رذل ودنى منها مهما كان مصدره وكانت قوةُ تسويقه.

ثم كيف لا يكون هنالك خلل في فهمنا لرمضان ونحن نحرص على أن نحيل ليلنا نهارًا لا طمعًا في الاستزادة من فضل أو عبادة بل حرصًا في أن ينقضي أكثر النهار نومًا لنقترب من وقت الأكل والترفيه الذي بدأ يستحوذ ببهرجه على أفكارنا ومفاهيمنا. إن جيلاً يتربى على نوم الصباح وسهر الليل لهو جيل مهزوم مهما أدعى أنه على علم وتقنية. وسيظل يلاحق الهزائم وتلاحقه إلى أن يهلك دون ريب.

أيها المستمعون الكرام، يجب أن نحرص على أن نرفع عن كاهل رمضان هذه الأثقال التي أثقلناه بها دون وعيٍّ, منا. إذا لم نفعل ذلك فنخشى أن يصبح هذا الشهر شهر هزائم وذلٍ, وتبكيت للمسلمين بعد أن كان شهر نصرٍ, وعزةٍ, وتمكين. نسأل الله تعالى أن يعز دينه ويعلي كلمته وينصر الإسلام والمسلمين إنه على كل شيء قدير.           

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply