سلام عليك يا رمضان


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تبارك وتعالى، واشكروه على ما منَّ به عليكم من التوفيق للصيام والقيام وحلول عيد الفطر المبارك، أعاده الله على أمة الإسلام بالخير واليمن والسرور، والبركات والرضا والحبور.

أيها المسلمون، بالأمس القريب ودَّعت الأمة الإسلامية شهراً عظيماً وموسماً كريماً، تحزن لفراقه القلوب المؤمنة، ألا وهو شهر رمضان المبارك، فقد قُوّضت خيامه، وتصرّمت أيامه، وقد كنَّا بالأمس القريب نتلقَّى التهانيَ بقدومه ونسأل الله بلوغَه، واليوم نتلقَّى التعازيَ برحيله ونسأل الله قبولَه، بالأمس نترقّبه بكلّ فرح وخشوع، واليوم نودّعه بالأسى والدموع، وتلك سنّة الله في خلقه، أيّامٌ تنقضي، وأعوام تنتهي، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

مضى هذا الشّهر الكريم وقد أحسن فيه أناسٌ وأساء آخرون، وهو شاهد لنا أو علينا، شاهدٌ للمشمِّر بصيامه وقيامه، وعلى المقصّر بغفلته وإعراضه، ولا ندري ـ يا عباد الله ـ هل سندركه مرةً أخرى أم يحول بينا وبينه هاذِم اللذات ومفرّق الجماعات؟! فسلامُ الله على شهر الصيام والقيام، لقد مرّ كلمحة برقٍ, أو غمضة عين، كان مضماراً يتنافس فيه المتنافسون، وميداناً يتسابق فيه المتسابقون، فكم من أكفٍّ, ضارعة رُفعت، ودموع ساخنة ذُرفت، وعبراتٍ, حرَّاءَ قد سُكبت، وحُقّ لها ذلك في موسم المتاجرة مع الله، موسم الرحمة والمغفرة والعتق من النار.

معاشر المسلمين، لقد مرّ بنا هذا الشهر المبارك كطيف خيال، مرّ بخيراته وبركاته، مضى من أعمارنا وهو شاهد لنا أو علينا بما أودعناه فيه، فليفتح كلّ واحدٍ, منا صفحة المحاسبة لنفسه: ماذا عمل فيه؟ ماذا استفاد منه؟ ما أثره في النفوس؟ وما ثمراته في الواقع؟ وما مدى تأثيرِه على العمل والسلوك والأخلاق؟

إن السؤال المطروح الآن بإلحاح: هل أخذنا بأسباب القبول بعد رمضان وعزمنا على مواصلة الأعمال الصالحة أو أنَّ واقع كثير من الناس على خلاف ذلك؟ هل تأسَّينا بالسلف الصالح رحمهم الله الذين توجل قلوبهم وتحزن نفوسهم عندما ينتهي رمضان لأنهم يخافون أن لا يُتقبّل منهم عملهم؟ لذا فقد كانوا يكثرون الدعاءَ بعد رمضان بالقبول. ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله عن معلَّى بن الفضل أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم[1]. كما كانوا رحمهم الله يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمٌّون بعد ذلك بقبوله ويخافون من ردّه، سألت عائشة رضي الله عنها الصديقةُ بنت الصديق رسولَ الله عن قوله سبحانه: ( وَالَّذِينَ يُؤتُونَ مَا ءاتَوا وَّقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ) [المؤمنون: 60] أهُم الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر؟ قال: ((لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصلّون ويصومون ويتصدّقون ويخافون أن لا يُتقبَّل منهم))[2]، ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كونوا لقبول العمل أشدَّ اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ [المائدة: 27]؟!)[3]، وعن فضالة بن عبيد قال: \"لو أني أعلم أن الله تقبَّل مني مثقالَ حبةِ خردلٍ, أحبٌّ إليَّ من الدنيا وما فيها لأن الله يقول: ( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ)[4]، وقال عطاء: \"الحذرُ الاتقاءُ على العمل أن لا يكون لله\"[5]، وقال ابن دينار: \"الخوفُ على العمل أن لا يُتقبَّل أشدٌّ من العمل\"[6].

إخوةَ الإيمان، وماذا بعد شهر رمضان؟! ماذا عن آثار الصيام التي عملها في نفوس الصائمين؟! لننظر في حالنا، ولنتأمَّل في واقع أنفسنا ومجتمعاتنا وأمتنا، ولنقارن بين حالنا قبل حلول شهر رمضان وحالتنا بعده، هل ملأت التقوى قلوبنا؟ هل صلحت أعمالنا؟ هل تحسَّنت أخلاقنا؟ هل استقام سلوكنا؟ هل اجتمعت كلمتنا وتوحَّدت صفوفنا ضدّ أعدائنا وزالت الضغائن والأحقاد من نفوسنا؟ هل تلاشت المنكراتُ والمحرمات من أسرنا ومجتمعاتنا؟

أيها المسلمون، يا من استجبتم لربكم في رمضان، استجيبوا له في سائر الأيام، ( استَجِيبُوا لِرَبّكُم مّن قَبلِ أَن يَأتِىَ يَومٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ ) [الشورى: 47]، أما آن أن تخشع لذكر الله قلوبنا، وتتوحّد على الصراط المستقيم دروبنا؟!

أيها الإخوة في الله، لقد جاءت النصوص الشرعية بالأمر بعبادة الله والاستقامة على شرعه عامةً في كل زمان ومكان، ومطلقةً في كل وقت وآن، وليست مخصَّصة بمرحلة من العمر، أو مقيَّدة بفترة من الدهر، بل ليس لها غاية إلا الموت، يقول الحسن البصري رحمه الله: \"لا يكون لعمل المؤمن أجلٌ دون الموت\"، وقرأ قوله سبحانه: وَاعبُد رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ [الحجر: 99][7]، ولما سئل بشر الحافي رحمه الله عن أناس يتعبَّدون في رمضان ويجتهدون، فإذا انسلخ رمضان تركوا قال: \"بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان\".

إخوةَ العقيدة، إنه إن ودَّعت الأمة الإسلامية شهرَ رمضان المبارك بعد الإقبال على الله والإكثار من الأعمال الصالحة فينبغي أن لا يودّع المسلمون صالحَ العمل بعد رمضان، بل يجب أن تبقى آثار الصيام شعاراً متمثِّلاً في حياة الفرد والأمة، وما أعطاه الصيام من دروس في الصبر والتضحية والإذعان لأمر الله والوحدة والتضامن والألفة والمودة بين أفراد هذه الأمة يجب أن يستمرَّ عليه المسلمون، وتُرى متجسِّدةً في حياتهم العملية بعد رمضان، وما تدنّى واقع الأمة وأصيب المسلمون بالوهن في أنفسهم والضعف أمامَ أعدائهم إلا لما تخلّوا عن أعزّ مقوّمات نصرهم وسيادتهم، وهو الدين الإسلامي الحق، ولما أساء بعضُ أبناء الإسلام فهمَه، فجعلوا للطاعة وقتاً وللمعصية أوقاتاً، وللخير والإقبال زمناً وللشر والإدبار أزماناً، عند ذلك لم تعمل مناسباتُ الخير والرحمة ومواسمُ البر والمغفرة عملَها في قلوب كثير من الناس، ولم تؤثِّر في سلوكهم وأخلاقهم، ولم تُجدِ في حلّ مشكلاتهم وقضاياهم إلا من رحم الله.

أيها الإخوة المسلمون، إن مِن شكر الله عز وجل على نعمة توفيقه للصيام والقيام أن يستمرَّ المسلم على طاعة الله عز وجل في حياته كلِّها، فالإله الذي يُصام له ويُعبد في رمضان هو الإله في جميع الأزمان، ومن علامة قبول الحسنة الحسنةُ بعدها، وإن مِن كُفر النعمة وأماراتِ ردِّ العمل العودةَ إلى المعاصي بعد الطاعة، يقول كعب: \"من صام رمضان وهو يحدِّث نفسَه أنه إذا خرج رمضانُ عصى ربَّه فصيامُه عليه مردود، وباب التوفيق في وجهه مسدود\"[8].

وإن الناظر في حياة كثيرٍ, من المسلمين اليومَ في رمضان وبعد رمضان يأسفُ أشدَّ الأسف لما عليه بعضُ الناس هداهم الله بعد شهر الصيام من هجرِ المساجد، وتركِ الجماعات، والتساهلِ في الصلوات، واعتزالِ الطاعات، من قراءة القرآن والذكر والدعاء، والبذل والإحسان والصدقة، والإقبال على أنواع المعاصي والمنكرات، واستمراء الفواحش والمحرمات، وما ذاك ـ أيها الإخوة في الله ـ إلا من قلِّة البصيرة في الدين، وسوء الفهم لشعائر الإسلام، وما إضاعةُ الصلوات واتباع الشهوات والإغراق في الملذَّات والعكوف على المحرَّمات عبرَ السهرات والسمرات والخروج إلى الشواطئ والمنتزهات ومتابعة الأفلام وعفن القنوات والفضائيات إلا دليلٌ على ضعف الإيمان في نفوس فئام من الناس، فاتقوا الله عباد الله، ولا تهدِموا ما بنيتم من الأعمال الصالحة في شهر رمضان، اتقوا الله يا من عزمتم على المعاصي بعد رمضان، فربٌّ الشهور واحد، وهو على أعمالكم رقيب مشاهد، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيباً [النساء: 1]. واعلموا أن الموت يأتي بغتة، وما مرور الأعوام بعد الأعوام وتَكرار الليالي والأيام إلا مذكِّر بتصرّم الأعمار وانتهاء الآجال والقدوم على الكبير المتعال.

أيها المسلمون، أنسيتم أنَّ الله افترض عليكم طاعتَه وألزمكم عبادتَه في كل وقت؟! ألا فليعلم ذلك جيداً من ودّعوا الأعمال الصالحة بوداع رمضان، أفأمن هؤلاء أن ينزل بهم الموت ساعةً من ليل أو نهار وهم على حال لا ترضي العزيزَ الجبار، ولا تنفعهم يومَ العرض على الواحد القهار؟! وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِى نَقَضَت غَزلَهَا مِن بَعدِ قُوَّةٍ, أَنكَـاثًا [النحل: 92]، نعوذ بالله من الحور بعد الكور. أما آن لنا ـ أمة الإسلام ـ أن ندرك أن ما أصابنا من ضعف وهوان إنما هو من عند أنفسنا ونتيجة لعدم استفادتنا من مواسم البر والإحسان، إذ لم تعمل هذه المواسم عملَها في القلوب فتحييها بعد موات، وعمَلَها في الأمة فتجمعها بعد فرقة وشتات، ولم تُجدِ في حلّ ما استعصى من مشكلات، وعلاج ما استفحل من معضلات، فإنَّ ذلك دليل على عدم الوعي وقصور الفهم للإسلام.

أما إذا استقامت الأمة على العبادة، ولم تهدم ما بنته في مواسم الخير، ولم يستسلم أفرادها وأبناؤها لنزغات الشيطان وأعوانه ولم يبطلوا ما عملوا في رمضان فإن الأمة بإذن الله تمسك بصمام الأمان وحبل النجاة، لتصلَ إلى شاطئ الأمان وبرّ السلام بإذن الله.

ولنتذكر ـ يا أمة الإسلام ـ ونحن نعيش فرحة العيد بالأمن والأمان إخواناً لنا في العقيدة يحلّ بهم العيد وهم يعانون الحروب الطاحنة والمآسي المستمرة، بأيِّ حالٍ, يعيش المسلمون في الأرض المباركة فلسطين ـ أُولى القبلتين ومسرى سيد الثقلين ـ هذه الأيام ويستقبلون العيد؟ وكذا إخوانكم في بقاع أخرى، فتذكَّروا كيف يعيشون العيد مع حياة القتل والتشريد، والملاجئ والتهجير والتهديد، فلا تنسوهم ـ رحمكم الله ـ في دعمكم ودعائكم.

ونداءٌ ملؤه الحنان والإشفاق إلى الذين عزموا على العودة إلى المعاصي بعد رمضان أن يتقوا الله سبحانه، فالعمر قصير، والآجال معدودة، والأنفاس محدودة، كفى مخادعةً للرحمن، وانزلاقاً في طريق الشيطان، وعبثاً بشعائر الإسلام، إلى متى الاسترسال في الغفلة؟! فلتعلنوها ـ عباد الله ـ توبةً صادقة نصوحاً، لا رجعة بعدها إلى الذنوب والمعاصي، فهذا ـ والله ـ هو الشكر الحقيقيٌّ لنعمة الصيام.

وهمسةٌ في آذان شباب الإسلام أن يتقوا الله- تبارك وتعالى -ويُقبلوا عليه، ويحفظوا أوقاتهم بعد رمضان، ويشغلوها بطاعة الله، فلا يغترٌّوا بعمل المفتونين بمعصية الله، وليحذروا ما يسيء إلى دينهم وقيَمهم، ويضعف الإيمان في نفوسهم، ويئدُ الأخلاقَ في قلوبهم وأعمالهم وواقعهم، مما يثير الغرائز، ويهيِّج المشاعر، مما يُرى ويُسمع ويقرأ عبر وسائل الإعلام من معصية الله عز وجل، وعليهم الحذر من قرناء السوء.

وعلى المرأة المسلمة أن تتقيَ الله عز وجل، وتستمرَّ في طاعة ربِّها بعد رمضان حجاباً وعفافاً وحشمة، وأن تحذرَ كلَّ الحذر من دعاة الضلال والفتنة.

وعلى أرباب الأسر وأولياء الأمور أن يتقوا الله عز وجل في مسؤولياتهم، ويحافظوا على أماناتهم بمتابعتهم وتربيتهم والعناية بهم، تحقيقاً لقوله سبحانه: ( يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ ) [التحريم: 6].

نسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يهديَنا جميعاً صراطَه المستقيم، وأن يثبِّتنا على الدين القويم، كما نسأله جل وعلا أن يرزقنا الاستمرار على الأعمال الصالحة بعد رمضان، وأن يمنَّ علينا بالقبول والتوفيق، إنه خير مسؤول وأكرم مأمول.

بارك الله لي ولكم في الوحيين، وبسنة سيد الثقلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه كان للأوَّابين غفورا.

 

----------------------------------------------------------

[1] لطائف المعارف (ص280).

[2] أخرجه أحمد (6/205)، والترمذي في التفسير، باب: ومن سورة المؤمنون (3175)، وابن ماجه في الزهد، باب: التوقي على العمل (4198) عن عائشة رضي الله عنها، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2537).

[3] أخرجه أبو نعيم في الحلية (10/388).

[4] أخرجه ابن المبارك في الزهد (ص19)، وأبو نعيم في الحلية (2/17).

[5] انظر: لطائف المعارف (ص375).

[6] أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/377).

[7] أخرجه ابن المبارك في الزهد (ص7)، وأحمد في الزهد (ص272) بنحوه.

[8] انظر نحوه في تفسير ابن كثير (4/536).

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، تتمّ الصالحات بنعمته، وتكفَّر السيئات وتُقال العثرات بمنَّته، وتضاعَف الحسنات وترفع الدرجات برحمته، سبحانه ( يَقبَلُ التَّوبَةَ عَن عِبَادِهِ وَيَعفُوا عَنِ السَّيّئَـاتِ ) [الشورى: 25]، أحمده تعالى وأشكره على جزيل العطايا والهبات، وأشهد أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له بارئ النسمات، وأشهد أن نبينا محمداً عبده المصطفى ورسوله المجتبى أفضل البريات، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والمكرمات، ومن اقتفى أثرَهم ما تجدَّدت المواسم ودامت الأرض والسموات.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، اتقوه حقَّ التقوى، وراقبوه في السّر والنجوى، واشكروه جل وعلا أن هداكم للإسلام، ووفَّقكم للصيام والقيام، وعلى ما تنعمون به في هذه الأيام من أيام عيد الفطر المبارك.

واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن السعيد في العيد ليس من لبس الجديد وتنعّم بالغيد، وإنما السعيد بالعيد من خاف يومَ الوعيد، وسلِم من العذاب الشديد.

وتذكَّروا أنَّ العيد في الإسلام له حِكم وأسرار، وكم له من مغزًى عميق بتحقيق شكر الله عز وجل قولاً وعملا، فتذكَّروا الأطفالَ اليتامى، والنساءَ الأيامى، والمعوزين والأراملَ والمساكين، وليتحرَّك فيكم شعور الأخوَّة الإسلامية، والتزموا طاعةَ ربكم في هذه الأيام، وتحذروا مِن جعلها أيامَ غفلة واسترسال في اللهو والمعاصي وتوسّعٍ, في المباحات، ولتكن فرصةً لمحاسبة النفوس، وصفاء القلوب، وتجريدها من الضغائن والأحقاد، والقيام بعمل البر وصلة الأرحام والمودة بين المسلمين.

مرّ وُهَيب بن الورد رحمه الله على أناس يلهُون ويلعبون أيامَ العيد فقال لهم: \"عجباً لكم! إن كان الله قد تقبَّل صيامَكم فما هذا عملُ الشاكرين، وإن كان الله لم يتقبَّله منكم فما هذا عمل الخائفين\"[1].

واعلموا ـ رحمكم الله ـ أنَّ رسولَكم ندبكم لصيام ستةِ أيامٍ, من شوال، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر))[2].

فلا تفوِّتوا ـ رحمكم الله ـ على أنفسكم هذه الفضيلة العظيمة، فإنَّ أحدنا لا يدري أيدرك رمضان مرة أخرى أو لا يدركه، وكلّنا بحاجة إلى سدّ ما نقص من صيامنا بصيام التطوع، ويجوز لمن أراد صيامَ ستة أيام من شوال أن يتابعها أو يفرقها في الشهر، ولا بأس في ذلك كله بحمد الله.

ألا فحاسبوا أنفسكم ـ رحمكم الله ـ بعد صيام شهركم، إذا كان أربابُ الأموال وأصحاب التجارات الدنيوية ينظرون في أرباحهم بعد مواسم التجارة فأصحابُ المتاجرة مع الله أولى وأحرى أن ينظروا في أرباحهم، فانظروا ماذا قدمتم لأنفسكم في رمضان، واستمرّوا عليه بعده، وضاعفوه، وتقرَّبوا إلى الله بأنواع الطاعات، فتلك ـ والله ـ هي التجارة الرابحة في أسواق الآخرة، ( يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبطِلُوا أَعمَـالَكُم ) [محمد: 33].

ألا وصلوا وسلموا ـ رحمكم الله ـ على الهادي البشير والسراج المنير كما أمركم بذلك اللطيف الخبير فقال عز من قال: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِي يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلّمُوا تَسلِيماً ) [الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...

 

---------------------------------------------------------

[1] أخرجه ابن أبي الدنيا في الشكر (ص/14)، ومن طريقه البيهقي في فضائل الأوقات (ص /322) وشعب الإيمان (3726).

[2] أخرجه مسلم في الصيام (1164).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply