أبجديات صائمة (1)


 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

أما بعد:

فإن شهر رمضان المبارك من أعظم مواسم الخير على الأمة الإسلامية.

قال - تعالى -: ((شَهرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ, مِن الهُدَى وَالفُرقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُم الشَّهرَ فَليَصُمهُ...)) [البقرة: 185].

وفي هذا الدليل المختصر يسعدني أختي المسلمة أن أقدم لك بعض الأحكام والفوائد المتعلقة بالصيام مرتبة على حروف المعجم والتي راعيت فيها دقة المعلومة والاختصار في عرضها.

وهو جهد مقل أسأل الله - عز وجل - أن ينفعني وإياك به وأن يجعله عملاً صالحاً خالصاً لوجهه الكريم متابعاً لسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فإن سُددت فمن الله والحمد لله، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله.

وأخيراً لا تنسي يا أخية كاتبة هذه السطور من صالح دعائك.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

حرف الألف: الاحتساب

ويقصد به البدار إلى طلب الأجر من الله - تعالى - عند عمل الطاعات وأن يُبتغى بها وجهه الكريم كما في صوم رمضان.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه)) [متفق عليه].

فاحرصي أختي الكريمة عند صيامك على الاحتساب، وابتغاء وجه الله - عز وجل - دون سواه لتنالي الجزاء العظيم.

وتذكري أن للاحتساب في فعل الطاعات عامة ثمرات من أهمها:

تحقيق الإخلاص، والبعد عن الرياء، وتقوية الإيمان، وحصول السعادة في الدارين، بل إن الاحتساب يحول العادات إلى عبادات كالمنام والطعام وغير ذلك.

فاحتسبي الأجر عند الله - عز وجل - وأنت تعدين طعام الإفطار لأسرتك وضيوفك واضعة نصب عينيك قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من فطّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً)) [أخرجه أحمد وصححه الألباني].

 

حرف الباء: البشارة

احمدي الله يا أخية أن بلّغك هذا الشهر الكريم.

وأبشري بالخير الكثير إن أقبلت فيه على الله - عز وجل - بنية صادقة.

قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ, كل ليلة: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة)) [أخرجه ابن ماجة وحسنه الألباني].

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد)) [متفق عليه].

 

وقد كان السلف الصالح يقولون عند حضور شهر رمضان: اللهم قد أظلنا شهر رمضان وحضر فسلمه لنا وسلمنا له وارزقنا صيامه وقيامه وارزقنا فيه الجد والاجتهاد والقوة والنشاط وأعذنا فيه من الفتن.

 

حرف التاء: التراويح

من خصوصيات شهر رمضان الكريم مشروعية صلاة التراويح فيه.

وقد ذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله - أن معنى التراويح جمع ترويحة وهي المرة الواحدة من الراحة كالتسليمة من السلام. سميت الصلاة في الجماعة في ليالي رمضان التراويح لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين.

وفي الصحيحين عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من قامَ رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه)) [متفق عليه].

وذكر الإمام النووي - رحمه الله - أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح.

كما عقب الحافظ ابن حجر - رحمه الله - بأنه يحصل بها المطلوب من القيام لا أنّ قيام رمضان لا يكون إلا بها.

أما عن السنّة في صفتها فقد ذكرتها أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - لمّا سُئلت عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان فقالت: ((ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً... )) [الحديث أخرجه البخاري].

وتُشرع متابعة الإمام حتى ينصرف، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كُتِبَ له قيام ليلة)) [أخرجه الأربعة وصححه الألباني].

 

حرف الثاء: ثبوت الشهر

يثبت دخول شهر رمضان وخروجه برؤية الهلال.

قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غُمّ عليكم فأقدروا له)) وفي رواية: ((فأكملوا العدة ثلاثين)) [متفق عليه].

ذكر الإمام النووي - رحمه الله - بأن معنى قوله: ((فإن غُمّ عليكم)) حال بينكم وبينه غيم، واستدل بذلك على عدم جواز صيام يوم الشك ولا يوم الثلاثين من شعبان عن رمضان إذا كانت ليلة الثلاثين غيم.

وفيه دلالة على أنه لا يجوز اعتماد الحساب في ذلك.

وقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إجماع أهل العلم على أنه لا يجوز الاعتماد على الحساب في إثبات الأهلة. (مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله -: 4/174 بتصرف).

وعلى المسلم أن يصوم مع الدولة التي هو فيها ويفطر معها لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون)) [أخرجه الترمذي وصححه الألباني]، وانظر المرجع السابق: (4/175).

 

حرف الجيم: الجود

في هذا الشهر الكريم تذكري أختي في الله أن لك إخوة في الإسلام يعانون من الجوع والفقر والمرض على مدار العام، فليكن هذا الشهر نقطة انطلاقة لك بالجود والعطاء.

ولك في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، فعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل - عليه السلام - يلقاه كل ليلة من رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن فإذا لقيه جبريل - عليه السلام - كان أجود بالخير من الريح المرسلة)) [أخرجه البخاري].

وذكر الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في شرح الحديث وجه التشبيه بين أجوديته - صلى الله عليه وسلم - بالخير وبين أجودية الريح المرسلة بأن المراد بالريح ريح الرحمة التي يرسلها الله - تعالى -لإنزال الغيث العام الذي يكون سبباً لإصابة الأرض الميّتة وغير الميّتة أي فيعم خيره وبره من هو بصفة الفقر والحاجة ومن هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعم الغيث الناشئة عن الريح المرسلة - صلى الله عليه وسلم -.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply