أحكام اللباس ( 6 )


بسم الله الرحمن الرحيم

 

ما يجزئ للرجال من لباس الرجال

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول اللَّه وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:

تحدثنا في العدد السابق عن محاذير في لباس الرجال وفي هذا العدد نتناول إن شاء الله الحديث عن ما يجزئ من اللباس للرجال، فنقول مستعنين بالله:

 

اللباس في الصلاة

أقل ما يجزئ المصلي الواجد للباس ثوب واحد يستر به عورته، والأفضل أن يصلي في ثوبين، قميص وسراويل، أو إزار ورداء، وإن زاد على ذلك مثل أن يأخذ ثوبًا أو قلنسوة أو عمامة كان حسنًا.

قال ابن قدامة: وجملة ذلك أن الكلام في اللباس أربعة فصول الفصل الأول فيما يجزئ، والثاني في الفضيلة، والثالث فيما يكره، والرابع فيما يحرم.

وهذا تقسيم في غاية الحسن منه - رحمه الله -، فإن ستر العورة شرط من شروط صحة الصلاة، فإذا حصل ستر العورة حصل المقصود وهو الإجزاء، غير أن هناك مطلوبًا آخر للصلاة وهو أخذ الزينة.

قال الكاساني: ولأن ستر العورة إن حصل فقد لا تحصل الزينة، وقد قال الله - تعالى -: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد. وروي أن رجلاً سأل ابن عمر - رضي الله عنهما - عن الصلاة في ثوب، وقال: أرأيت لو أرسلتك في حاجة أكنت منطلقًا في ثوب واحد؟ فقال: لا، فقال: الله أحق أن تتزين له.

أما إجزاء الصلاة في الثوب الواحد الذي يستر العورة فهو الموافق للنصوص الصحيحة الصريحة.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن سائلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في ثوب واحد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَوَ لِكُلِّكُم ثوبان؟ ».

من الحديث يتبين جواز الصلاة في الثوب الواحد إذا كان يستر العورة.

وهذا القول هو مذهب جماهير العلماء من السلف والخلف.

قال السيوطي: ويستفاد منه - أي من حديث أبي هريرة - الحكم بجواز الصلاة في ثوب واحد وهو مذهب الجمهور من العلماء. انتهى.

قال العيني: كل ما رُوي من منع الصلاة في ثوب واحد فهو محمول على الأفضل لا على عدم الجواز، وقيل هو محمول على التنزيه.

قال ابن قدامة: فإن لم يكن إلا ثوب واحد فالقميص (وهو الثوب ذو الأكمام)º لأنه أعم في الستر فإنه يستر جميع الجسد إلا الرأس والرجلين، ثم الرداء (وهو ما يُلبس أعلى الجسم على أن يطول حتى يستر العورة)، لأنه يليه في الستر، ثم المئزر (وهو ما يلبس على أسفل الجسم)، ثم السراويل، ولا يجزئ من ذلك كله إلا ما ستر العورة عن غيره وعن نفسه، فلو صلى في قميص واسع الجيب بحيث لو ركع أو سجد رأى عورته أو كانت بحيث يراها لم تصح صلاته.

وأما الأفضل والأكمل فهو أخذ الزينة للصلاة وهو شيء زائد على ستر العورة.

عن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما فإن لم يكن إلا ثوب واحد فليتزر به ولا يشتمل اشتمال اليهود». [أخرجه أبو داود (635)، وصححه الألباني]

وأما المكروه فهو أن يصلي في إزار واحد أو سروال واحد يغطي من السرة إلى الركبة من غير أن يكون على كتفيه شيءº لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه «نهى أن يصلي الرجل في ثوب واحد ليس على عاتقه منه شيء». ولأن ستر العورة إن حصل فقد لا تحصل الزينة التي أمر اللَّه بأخذها.

قال السيوطي: والحكمة في ذلك أن لا يخلو العاتق من شيءº لأنه أقرب إلى الأدب وأنسب إلى الحياء من الرب وأكمل في أخذ الزينة والله أعلم. قال النووي: قال مالك وأبو حنيفة والشافعي والجمهور: هذا الأمر للندب لا للوجوب ولو صلى في ثوب واحد ساترًا عورته ليس على عاتقه شيء صحت صلاته مع الكراهة، وأما أحمد وبعض السلف فذهبوا إلى أنه لا يصح صلاته عملاً بظاهر الحديث. أما تغطية الرأس بالقلنسوة أو العمامة فقد استحبه بعض أهل العلم.

قال شيخ الإسلام: ويستحب له أيضا تخمير الرأس بالعمامة ونحوهاº لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي كذلك وهو من تمام الزينة والله - تعالى - أحق من تُزين له.

وأما أنه يترتب على كشف الرأس بطلان الصلاة أو كراهتها فقول بعيد مخالف لما عليه جمهور العلماء.

وهناك أمور في لباس الرجل في الصلاة وردت النصوص بالنهي عنها والتحذير منها ومن ذلك:

 

1- السدل:

وهو وضع الرجل الثوب على كتفيه لا يرد طرفه على كتفه الآخر، أي إرخاء الثوب وإرساله من غير ضم جانبيهº وقيل: هو إسبال الثوب على الأرض وقيل: وضعه وسط الرداء على رأسه وإرساله من ورائه على ظهره وهي لبسة اليهود، وقيل: هو وضع الثوب على كتفيه من غير أن يدخل يديه في كُميه، فهو إرسال للثوب من غير أن يلبسه.

وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى كراهة السدل في الصلاة.

فإن كان السدل بدون السراويل فكراهته لاحتمال كشف العورة عند الركوع والسجود، وإن كان مع الإزار فكراهته لأجل التشبه بأهل الكتاب.

قال شيخ الإسلام: وعلى هذا فإنه يكره السدل سواء كان تحته ثوب أو لم يكن.

 

2- اشتمال الصماء:

اشتمال الصماء في الصلاة وهو أن يلف بثوب واحد رأسه وسائر بدنه ولا يدع منفذا ليديه

قال الجوهري: هي أن يتجلل الرجل بثوبه، ولا يرفع منه جانباً، يكون فيه فرجة فيخرج منها يده، وإنما سُمِّيت صماء لأنه إذا اشتمل بها سَدَّ على يديه المنافذ كلها كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق ولا شق.

واللبسة الأخرى المنهي عنها احتباؤه بثوبه وهو جالس ليس على فرجه منه شيء (والاحتباء هو جلوس الرجل على مقعدته رافعًا ركبتيه أمامه واضعًا قدميه على الأرض ويلف ذراعيه على ركبتيه مشبكًا أصابعه).

وعن جابر بن عبد الله أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ترتدوا الصماء في ثوب واحد». [رواه أحمد]، واشتمال الصماء عند أحمد وأصحابه أن يضطبع بالثوب و هو أن يجعل وسطه تحت عاتقه الأيمن و طرفيه فوق عاتقه الأيسر أو بالعكس- كما يفعل الحاج عند طواف القدوم-.

 

3- التلثم وتغطية الفم:

يكره للمصلي أن يتلثم بثوب أو عمامة أو أن يغطي فاه لغير ضرورة.

عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يغطي الرجل فاه في الصلاة. [رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني]

قال شيخ الإسلام: يكره للمصلي تغطية الوجه سواء كان رجلاً أو امرأة، فيكره النقاب والبرقع للمرأة في الصلاة لأن مباشرة المصلي بالجبهة والأنف إما واجب أو مؤكد الاستحباب، ولأن الرجل إذا قام إلى الصلاة فإن الله - تعالى -قِبَلَ وجهه وإن الرحمة تواجهه، فينبغي له أن يباشر ذلك بوجهه. وقد كره له تغميض العين فتغطية الوجه أولى، وقد ذكر الفقهاء في كتبهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى رجلا غطى لحيته في الصلاة فقال: «اكشف لحيتك فإن اللحية من الوجه». ويكره التلثم على الفم لما رُوي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه نهى أن يغطي الرجل فاه في الصلاة» [رواه أبو داود و ابن ماجة]

ولأنه تشبه بفعل المجوس في عبادة النيران، ويُخاف معه من ترك تجويد القراءة والذكر والدعاء، وهل يُكره التلثم على الأنف؟ على روايتين: إحداهما: يكره لأن ابن عمر كره تغطية الأنف ولأنه عضو في الوجه يسجد عليه فأشبه الجبهة، ولأن مباشرته إذا قلنا إن السجود عليه واجب أو سنة مؤكدة فان سجد على الحائل كان مكروهًا، وإن حسر اللثام احتاج إلى عمل، ولأنه ربما حصلت معه غنة في الحروف، ولأنه من الوجه وهو أبلغ من اللحية، والثانية: لا يكره تغطيته لأن النهي إنما جاء في الفم.

 

4- كف الثوب:

أما كف الثوب فهو تشميره أو ضم بعضه إلى بعض حتى لا يسجد معه فقد ورد النهي عنه.

عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ولا أكف ثوبًا ولا شعرًا. [متفق عليه]

قال النووي: اتفق العلماء على النهي عن الصلاة وثوبه مشمر أو كُمه أو نحوه أو ورأسه معقوص، أو مردود شعره تحت عمامته أو نحو ذلك، فكل هذا منهي عنه باتفاق العلماء، وهو كراهة تنزيه، فلو صلى كذلك فقد أساء وصحت صلاته، واحتج في ذلك أبو جعفر محمد بن جرير الطبري بإجماع العلماء وحكى ابن المنذر الإعادة فيه عن الحسن البصري، ثم مذهب الجمهور أن النهي مطلقًا لمن صلى كذلك سواء تعمده للصلاة أم كان قبلها وليس لها، بل لمعنى آخر، قال العلماء: والحكمة في النهي عن كف الثوب والشعر أن الشعر والثوب يسجدان معه، ولهذا مثله بالذي يصلي وهو مكتوف.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply