دعاة الإسلام والأئمة الأربعة


بسم الله الرحمن الرحيم

 

كثير من دعاة الإسلام تجدهم يفتقدون الحصيلة العلمية التأهيلية لتأصيل الحكم الشرعي في المسائل فنجد بغضهم قد جعل منهج الدعوة عبارة عن إنشاء لإلقاء الخطب هنا وهناك واكتفى بثقة من يستمع إليه على أنه داعية إسلامي وعالم من علماء الأمة الإسلامية ولم يكلف نفسه بحفظ النصوص من القرآن والسنة ومعرفة أحكامها التي يتأهل بها الداعية الإسلامي كما قال - تعالى -(هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)الجمعة، وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"نضّر الله وجه إمرئ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب مبلغ أوعى من سامع\"رواه أحمد، وفى قوله - صلى الله عليه وسلم -\"من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين\"رواه البخاري.

وهؤلاء قد يستفاد منهم قليلا بشرط أن يسلَموا من الفتوى والقول في الدين بغير علم لأنهم يفتقدون المادة العلمية الشرعية كما ذكرت آنفا ونجد الكثيرين أيضا من الدعاة قد تركوا حفظ النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ومعرفة إحكامها واقبلوا على حفظ أقوال الرجال والتي تخطى وتصيب وتحتاج إلى الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة لمعرفة خطأها وصوابها وإن من هؤلاء العلماء الأجلاء الأئة الأربعة وهم الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام أبو حنيفة عليهم رحمة الله، وهؤلاء الذين حصروا أنفسهم في حفظ أقوال الرجال دون حفظ النصوص من القرآن والسنة نجدهم قد يبالغون حتى جعلوا الدين محصوراً في أقوال الأئمة الأربعة أو فيما يسمى بالمذاهب الأربعة فمثلا للسودان المذهب المالكي ومصر المذهب الشافعي وهكذا..

ويهمنا في هذا المقال أن نقف على حقيقة الأمر ونجيب على بعض الأسئلة، ما معنى مذهب؟ وهل المذاهب تنحصر في أربعة؟ وهل يلزم المسلم أن يلتزم مذهب معين من هذه المذاهب؟ وماذا قال الأئمة الأربعة أصول مذاهبهم؟.

أولا أن كلمة مذهب تعنى في المنطوق اللغوي الطريق فهو ما يذهب به ويجاء، أما كلمة منصب في إصطلاح الفقهاء مجموعة فتاوى أو فتوى لعالم من علماء الأمة الإسلامية في عصر من العصور وعلى هذا يمكن أن يقال بأن المذاهب ابتدأت قبل ظهور الأئمة الأربعة أي من بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث أنه كان يمثل في حياته - صلى الله عليه وسلم - مصدر الفتوى فلما انتقل إلى الرفيق الأعلى اختلف الصحابة رضوان الله عليهم

في كثير من الأمور الشرعية فاجتهدوا فيها واختلفت أقوالهم فيذهب بعضهم للقول بكذا والآخر بغيره ومثال لذلك أن عائشة رضي الله عنها تقول بتحريم القيام في البول وحذيفة بن اليمان يقول بعدم تحريمه فهي لم تر النبي - صلى الله عليه وسلم - يبول قائماً ولذلك يقال هذا مذهب عائشة وهذا مذهب حذيفة وأن الكل مأجور على اجتهاده لكن فيهم المخطئ والمصيب وبهذا ورد الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \"إذا اجتهد العالم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد واخطأ فله اجر\"رواه البخاري وفى رواية أخرى إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا أجتهد وأخطأ فله أجر على هذا ما زال العلماء يختلفون ويجتهدون إلى عصر الأئمة الأربعة والعصور من بعدهم ويظل باب الاجتهاد مفتوحا لمن بلغ درجة المجتهد إلى أن يرث الله الأرض، وبهذا يفهم أن المذاهب لا تنحصر في أربعة كما يتوهم كثير من الذين قل علمهم وتسلطوا على منابر الفتوى والدعوة على غير تأهيل.

ثم أنه قد تقرر في علم الأصول على اتفاق الأئمة الأربعة في أي مسألة، لا ينعقد به الإجماع إذا خالفهم غيرهم فضلا مما اختلفوا فيه، وبهذا يعلم أيضا بأنه لا يلزم المسلم أن يكون متمذهبا بأي مذهب من المذاهب سواء كان من الأئمة الأربعة أو غيرهم بل عليه أن يأخذ الدين بادلته من الكتاب والسنة وان يدور مع الحق حيثما دار وعند الاختلاف يرد النزاع إلى الكتاب والسنة وذلك لقوله - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله ورسوله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا)النساء، وعلى هذا أصّل الأئمة لمذاهبهم وبرأوا أنفسهم ولا لوم عليهم ونهوا الأمة عن تقليدهم في كل شيء ولم يدع احدهم العصمة واليك أقوالهم:

قال الإمام مالك عليه رحمة الله \"كل قول يؤخذ منه ويرد إلا قول صاحب هذا القبر\" وأشار إلى قبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد جاء في مناقبه انه كان في مجلس علم فسأله رجل ولم يبلغه الحديث في ذلك فقال له رجل من تلاميذه في المجلس بل هو من السنة وأسند الحديث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك\" فقال الإمام مالك - رحمه الله - به، وسئل في مجلس آخر عن تخليل الأصابع في الوضوء فيقول أنه من السنة ويستدل بالحديث الذي ذكر له. أنظر إعلام الموقعين لابن القيم.

 

 وقال الإمام الشافعي - رحمه الله - \"لا يحل لأحد استبانت له سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدعها لقول احمد\" وفى رواية أخرى يقول\"إذا وجدتموني أقول قولاً والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول قولاً فخذوا بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضربوا بقولي عرض الحائط\". وفى رواية أخرى يقول \"إذا وجدتموني أقول قولاً والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول قولاً فاعلموا أن عقلي قد ذهب \"أنظر إعلام الموقعين لابن القيم.

وقال الإمام أحمد عليه رحمة الله: \"لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الثوري ولكن خذ من حيث اخذوا \"انظر أعلام الموقعين لابن القيم.

وقال الإمام أبو حنيفة عليه رحمة الله \"لا يحل لأحد أن يقول قال أبو حنيفة ما لم يعلم دليل أبى حنيفة\"، وقال أبو حنيفة لتلميذه أبى يوسف \"لا تكتب عنى كل ما تسمع فإني أقول القول اليوم وأرجع عنه غدا\"انظر أعلام الموقعين لابن القيم. ومن الطرائف أن أحد هؤلاء المتمذهبين كان يجادل في أحد المصريين ولم يكن المصري متمذهباً بأحد هذه المذاهب فقال له أنت خامسي فقال له المصري بلهجته المصرية ما إنتو قبلتو أربعة مذاهب الخامس ايضركو بإيه؟! فأسكته وأرجو أن يظل ساكتاً فإن السكوت أرحم من الجدل بالباطل والقول بغير علم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply