مناقشة في تغطية الوجه


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 المسائل المطروقة في المقال ما يلي:

1- العادات والتقاليد وعلاقتها بالحجاب.

2- آية الحجاب، هل هي خاصة بأمهات المؤمنين؟.

3- عورة النظر وعورة الصلاة.

4- رأي الشيخ الألباني في التغطية حال الفتنة.

5- حديث الخثعمية.

 

------------

1- العادات والتقاليد وعلاقتها بالحجاب.

* قال صاحب المقال: \"لأن هذا الرأي لم يبن على مجرد الدليل الشرعي فقط بل للخلفية الاجتماعية دور في تكوين نظرة المجتمع لهذه القضية وهي في الحقيقة قضية شائكة في مجتمع نشأ على قول واحد ولم تسعفه الدراسة النظامية والإعلام المقنن من الاطلاع على الرأي الآخر\". أقول: هذا هو قولهم دائما: خلفية اجتماعية، عادات وتقاليد... ألخ..

وهو مجانف للحقيقة تماما.. بل نحن نستدل على وجوب التغطية بآيات الكتاب والسنة، قال - تعالى -:{وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن}.

وهذا نص صريح في وجوب تغطية الوجه وسائر البدن، ولما كان كذلك ادعى المخالفون أنه خاص بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسيأتي تفصيل الكلام في هذا. وقال: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن}.

وقد فسر ابن عباس - رضي الله عنه - الآية بقوله: \" أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة\"، ومثله عن عبيدة السلماني.

وقال: {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن}.

قال ابن مسعود: \" الثياب\"، أي العباءة أو الجلباب، فلا يمكن ستره، فمعفو عنه، وكذا إذا ما حرك الريح العباءة فظهر منها شيء دون قصد.

وقال: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن}.

فالآية دالة على إباحة كشف الوجه للمرأة الكبيرة اليائسة من النكاح، قال الجصاص: \" أباح لها كشف وجهها ويدها لأنها لا تشتهى\".

وقال - صلى الله عليه وسلم -: (إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان) رواه الترمذي وهذا نص صريح في وجوب ستر سائر البدن من غير استثناء.

فهذا النصوص وغيرها تدل بوضوح على أن ستر الوجه والكفين من الدين لا من العادات أو التقاليد الاجتماعية.

ويكفي أن تتأمل بعقلك وتفكر: أيهما أعظم فتنة: الوجه أم القدم، فهل يعقل أن يأمر الشارع بحجب القدم ويأذن بكشف الوجه؟!.

بالنسبة للأعراف والتقاليدº فهي على قسمين:

قسم أصله الدليل الشرعيº فهو محمود، كحجاب المرأة وجهها..

وقسم لا أصل له، بل هو محرم في الشريعةº فهو مذموم، كدخول الرجل على الأجنبية.

إذن الأعراف والتقاليد التي نشأ عليها الناس لا يطلق عليها وصف الذم بإطلاق، ولا المدح، بل يستفصل فيها، فإن كان لها أصل من الشرع، نقبل بها ونعمل بها على جهة التدين، لا التقليد، وإن لم يكن لها أصل من الشرع فلا.

وعلى ذلك فما يوجد في المجتمع من عادات وتقاليد، فمنها المحمود الموافق للشرع، ومنها المذموم المخالف للشرع، لكن كلامنا هنا خاص بقضية تغطية الوجه.

فما نشأ ودرج عليه المجتمع من التغطية إنما هي عادة محمودة لها أصل شرعيº فمن الناس من يعمل بها على أنها عادة وتقليد، وهكذا كان أكثر الناس، ومنهم من يعمل بها على أنها دين وشريعة، وهذا ما صار إليه كثير من الناس اليوم.

والغرض من هذا بيان أن دعاة السفور ونزع الحجاب، يلبسون على الناس أمرهم، فيزعمون أن تغطية الوجه نتاج العادة والتقاليد التي ليس لها أصل في الدين، ويصرحون بهذا، أي أنه من قسم العادة المذمومة، يقصدون بذلك التهوين من شأن الحجاب، ليسهل نزعه، لأن العادات قد يستعاض عنها بغيرها من غير حرج ولا تأثم، وهذا بخلاف الدين، حيث إن المستعيض عنه بغيره آثم خاطيء.

وليس معنى هذا أن كل من قال: التغطية عادةº فبالضرورة أن يكون داعية لنزع الحجاب والسفور، كلا، بل قد يقول ذلك ظنا منه أن ذلك هو الحقيقة، وقوله ناتج عن قلة علمه بأدلة وجوب التغطية وأقوال العلماء فيها، وإلا لو تفقه في المسألة فلن يقول هذا أبدا.

وكيف يقول هذا، والعلماء مجمعون أن التغطية أفضل في كل حال، وأن الفتنة موجبة للتغطية؟!..

 

2- آية الحجاب، هل هي خاصة بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -؟.

ذكرنا أن آية الحجاب صريحة في وجوب تغطية الوجه، ولما كان المخالفون يدركون هذا، ادعوا أنها خاصة بأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونحن نجيب على هذه الشبهة فنقول:

المقصود من الحجاب، هو طهارة قلب الرجل والمرأة، وهذا لا مرية فيه، وإذا تأملنا وجدنا نساء المؤمنين أحوج إلى طهارة القلب من أمهات المؤمنين، والسبب:

أنه لا مقارنة بين أمهات المؤمنين ونساء المؤمنين، فنحن لا نقدر أن نشهد لنساء المؤمنين بمثل ما نشهد به لأمهات المؤمنين من الصلاح والتقوى، ثم إن الرجال لا مطمع لهم في أمهات المؤمنين، خاصة في ذلك الزمن الذي كان الصلاح فيه غالبا، والصحابة متوافرون، بخلاف غيرهن، فإن مطمع الرجال فيهن متحقق، والأزمنة غير ذلك الزمان.

فإذا كان أمهات المؤمنين مأمورات بالحجاب فمن باب أولى نساء المؤمنين، لأن المعنى الذي لأجله أمر الأمهات رضوان الله عليهن بالتحجب، وهو طهارة القلب، أظهر وأحرى في نساء المؤمنين، للأسباب الآنفة.

وعلى ذلك فقول من يقول: إنه خاص بأمهات المؤمنينº قول مرجوح ضعيف، يخالف مقتضى الأصول الشرعية، بل والنصوص الصريحة، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: (المرأة عورة)، أي كلها، صريح في تغطية الوجه، وكذا آية الإدناء وآية النور، وقد ورد عن ابن مسعود وجوب التغطية، وكذا عن ابن عباس.

وما أشبه قول من يقول: التغطية خاصة بأمهات المؤمنينº بقول من يقول: القرار في البيت خاص بأمهات المؤمنينº بدعوى أن الخطاب جاء في حقهن، قال - تعالى -: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}.

وهذا القول غير مقبول إطلاقا، فإن الشريعة طافحة بالأمر بلزوم النساء بيوتهن، وليس الحكم خاصا بالأمهات.

ثم كون الخطاب واقعا في حق أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا يمنع من انتشاره وشموله بقية النساء. فقول من يمنع ويخص لا يسنده دليل، إذ لو أخذنا بمثل هذا المفهوم، وقلنا: ما دام الخطاب موجها إلى الأمهات فهو يقتصر عليهنº كان ذلك قاضيا بأن يكون ما بعده كذلك خاصا بهن: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}، فيكون حينذاك التبرج غير جائز في حقهن، جائز في حق غيرهن من سائر النساءº ولا قائل بهذا أبدا.

فكيف استثني التبرج فصار عاما شاملا، وقيد القرار والتغطية فصار خاصا؟!.

هذا هو التناقض..

فإن قيل: إن التبرج فيه نصوص أخرى تحرمه.

قيل: والتغطية والقرار فيه نصوص أخرى كذلك.

ثم نحن نقول نفس الخطاب فيه دلالة على أنه شامل لمن هن دون الأمهات، فإذا الطاهرات المتقيات الصالحات زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم -، أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن، أمرن بالحجاب، بتغطية الوجه، والقرار في البيت، فغيرهن ممن لا يعلم صلاحن ولا تقواهن من باب أولى.

ومثل هذا قوله - تعالى -: {فلا تقل لهما أف}..

فلا يصح في محكم العقول أن يقول قائل: الآية نهت عن التأفف ولم تنه عن السب أو الضرب.

فهذا فهم سقيم، فإن الآية إذ نهت عن أدنى الإثم، فهي ناهية عن الأعلى منه من باب أولى.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply