إرشاد الأريب إلى منهج الحبيب


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنّ قضايا الدين: أصوله وفروعه، القول الفصل فيها للشارع الحكيم، وكل فرد مهما كانت منزلته متعبّدٌ بما شرع الله - تعالى - ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، والأصل في حق كل عبد من عبيد الله - سبحانه -، أن يقول لما يأتي عن الله - سبحانه -، وعن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - \"سمعنا وأطعنا\" مقروناً بكمال الخضوع والاستسلام والإذعان للتشريع الإلهي.

ومن المعلوم أنّ العبادات غير معقولة المعنى، إذ الأصل فيها أنها أمور تعبّدية، وإن ظهر فيها وجه الحكمة من التعبد أحياناً، لذلك كانت جميع صور العبادات توقيفية، لا مجال لتدخل العقل فيها بالاجتهاد، بزيادة، أو نقصان، أو تغيير، لأنّ ذلك ضرب من التشريع، الذي جعله الله - تعالى -خالصاً له ولرسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولم يَكِلهُ إلى أحدٍ,، والله - عز وجل - إنما يُعبَد بما شرع، والوقوف عند هذا الحد هو حقيقة العبودية. وقد قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: \"اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم\" ولن يكون أحد أحرص من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في تطبيق شرع الله، وسلوك الطريق الموصل إلى نيل مرضاته - سبحانه -، فقد تركنا على المحجة البيضاء، ولم يترك خيراً إلا دلّ أمته عليه، ولا شراً إلا حذّرهم منه، وكانت سيرته العَطرة ترجمة فعلية، لما يريده الله - سبحانه - من عباده، وقد جعله الله حجة على عباده، كما أمرهم بالتأسي به، فقال - سبحانه -: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر... } الأحزاب: 21، وقال: {وإن تطيعوه تهتدوا... } النور: 54، وقال: {من يطع الرسول فقد أطاع الله... } النساء: 80.

لقد عرفنا إخواننا القائمين على المقدسات الإسلامية في أرض الحرمين، من أشد الناس حِرصاً على إحياء السنة، ومحاربة البدعة، وكتبهم التي ملأت الآفاق لا تخلو في الغالب من الحديث عن هذا الجانب، حتى ليظن القارئ، والمتتبع لكتابات بعضهم أنهم لا يجيدون غير ذلك مع مالهم من تمكن وباع في غيرها، وقد يتهمهم آخرون بالمبالغة في ذلك، ومهما يكن فإنه يُحمد لهم هذا المنهج، لما نراه اليوم من كثرة الابتداع في الدين، وضياع كثير من السنن. ومع هذا كله، فلا يمنع ذلك من التنبيه على بعض الأمور التي تتم ممارستها في الحرمين، مما أراه من وجهة نظري، من الأمور التي تعارف عليها القائمون على الحرمين، وساروا عليها منذ مدة من الزمن، دون أن يُنكر عليهم، حتى صارت في حكم الأمور المشروعة المتعبّد بها، كونها أخذت كيفية معيّنة، مع الالتزام والاستمرار، والكمال لله وحده والحامل على التنبيه عليها الحرصُ على الوقوف عندما هو مشروع من جهة، ومن جهة أخرى أننا نرى كثيراً من المسلمين يعتبرون ما يجري في الحرمين حجة، يُقتدَى به، لِمَا للحرمين من قداسة وهيبة خاصة في نفوس المسلمين، ولأن عامة الناس يستبعدون، أن يُمارس في الحرمين شيءٌ مخالف للسنة، ومع هذا أيضاً، فإن هذه الأمور التي وددت التنبيه إليها، قد يكون لها مدخل شرعي عند من يزاولها، فنتعلم نحن وغيرنا مستند هذه الأمور حتى يزول اللبس، والأمر مطروح لتداول الرأي، والحق أحق أن يتّبع، ونعوذ بالله أن يحملنا الهوى على العناد، أو الرغبة على الانتصار للذات ولو بالباطل.

من هذه الأمور التي رغبت في التنبيه إليها:

1ـ ما يتعلق بالأذان الأول في الصبحº وفيه أمران:

الأمر الأول: ثبت في الصحيح الحكمة من الأذان الأول في الفجر، كما ثبت بيان مقدار الفترة بين الأذان الأول والثاني.

فأما الحكمة من الأذان الأول، فقد روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: (لا يمنعنَّ أحداً منكم أذان بلال، من سحوره، فإنه يؤذن بليل: ليرجِعَ قائمكم ويوقظ نائمكم...) الحديث. البخاري في الآداب باب 13، 1/153، ومسلم (1093).

قال الإمام النووي في شرح الحديث المذكور 7/204:

\"ومعناه أنه إنما يؤذن بليل ليُعلمكم بأن الفجر ليس ببعيد، فيردّ القائم المتهجد إلى راحته لينام غفوة، ليصبح نشيطاً، أو يوتر إن لم يكن أوتر، أو يتأهب للصبح إن احتاج إلى طهارة أخرى، أو نحو ذلك من مصالحه المترتبة على علمه بقرب الصبح، وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: \"ويوقظ نائمكم\": أي ليتأهب للصبح أيضاً بفعل ما أراد: من تهجد قليل، أو إيتار إن لم يكن أوتر- أو سحور إن أراد الصوم أو اغتسال، أو وضوء، أو غير ذلك مما يحتاج إليه قبل الفجر\".

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح 2/105 \"وإنما اختصت الصبح بذلك من بين الصلوات، لأن الصلاة في أوّل وقتها مرغّب فيه، والصبح يأتي غالباً عقب نوم، فناسب أن يُنصب مَن يوقظ الناس قبل دخول وقتها ليتأهبَّوا، ويدركوا فضيلة أول الوقت، والله أعلم\".

هذا هو الغرض من الأذان الأول، والأعمال المذكورة يسيرة، يحتملها ضيق الوقت بين الأذان الأول والثاني، وهذا هو الأمر الأول من الأمرين اللذين أردت أن أنبّه عليهما فيما يتعلق بالأذان الأول في الصبح، فقد جاء في الصحيحين: \"ولم يكن بين أذانيهما إلاَّ أن يرقَى ذا، وينزل ذا، هذا لفظ البخاري في الصوم باب 17، 2/231، وقريب منه لفظ مسلم (1092)، وما تعود عليه المؤذنون في الحرمين، من جعل ساعة كاملة بين الأذانين، مخالف لما هو مشروع، ومهما كانت المبررات لهذا العمل فإنه ليس لأحد مخالفة هدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا ترتيب حكمة أخرى على عمله.

وأما الأمر الثاني فيما يتعلق بالأذان في الصبح فهو التثويب، أعني قول:

\"الصلاة خير من النوم\" في الأذان الثاني.

فقد ورد في بعض الروايات، تحديد الأذان، الذي شُرع فيه التثويب، وهو الأذان الأول، فعند أحمد 3/408 عن أبي محذورة، أنًّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حين علمّه الأذان، قال له: \"وإذا أذنت بالأول من الصبح، فقل: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم\" وهو عند أبي داود، رقم (501) وعند البيهقي 1/423 عن ابن عمر، قال: \"كان في الأذان الأول بعد الفلاح الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم... \"

وعزاه الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير إلى السراج، والطبراني، وحسنه، انظر تلخيص الحبير 1/201 وهو في سنن النسائي أيضاً من حديث أبي محذورة 2/7-8 وكذا في 2/13-14.

قال ابن الأمير الصنعاني في سبل السلام، في الأذان، عند الكلام على الحديث، رقم (169): \"وفي رواية النسائي (الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، في الأذان الأول، من الصبح) وفي هذا تقييد لما أطلقته الروايات. قال ابن رسلان: وصحح هذا الرواية ابن خزيمة. قال: فشرعية التثويب إنما هي في الأذان الأول للفجر، لأنه لإيقاظ النائمº وأمّا الأذان الثاني، فإنه إعلام بدخول الوقت، ودعاء إلى الصلاة. ولفظ النسائي في سننه، من جهة سفيان عن أبي جعفر عن أبي محذورة، قال: \"كنت أؤذن لرسول الله - صلى عليه وآله وسلم -، فكنت أقول في أذان الفجر الأول -: حيّ على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم\" قال ابن حزم: وإسناده صحيح اهـ من تخريج الزركشي لأحاديث الرافعي. ومثل ذلك في سنن البيهقي الكبرى، من حديث أبي محذورة \"أنه كان يثوب في الأذان الأول من الصبح بأمره - صلى الله عليه وآله وسلم -\".

قلت: [والقائل ابن الأمير] وعلى هذا، ليس \"الصلاة خير من النوم\"، من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلى الصلاة، والإخبار بدخول وقتها، بل هو من الألفاظ التي شرعت لإيقاظ النائم، فهو كألفاظ التسبيح الأخير الذي اعتاده الناس في هذه الأعصار المتأخرة، عِوضاً عن الأذان الأول، وإذا عرفت ذلكº هان عليك ما اعتاده الفقهاء من الجدال في التثويب: هل هو من ألفاظ الأذان أو لا؟ وهل هو بدعة أو لا؟ انتهى كلام ابن الأمير، وفيه غنية عن مزيد من الإيضاح لما أردت ولله الحمد والمنة. ومراد ابن الأمير: أنه لا فرق بين التسبيح، وكون التثويب في الأذان الثاني، في كون الكل بدعة. والله أعلم.

2ـ تبليغ المؤذن وراء الإمام:

من المعلوم أن مكبرات الصوت اليوم، يَسمع المؤتم من خلالها صوت الإمام بتكبيره النقل والتحميد والتسليم، كما يسمع القراءة في الصلاة الجهرية إلى مسافة بعيدة، خاصة المكبرات في الحرمين، مما يغني عن التبليغ وراءه، بل إن التبليغ وراء الإمام في هذه الحال من العبث الذي لا حاجة إليه، ولا بأس به عند الضرورة، ولا ضرورة في هذه الحال.

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أصل مشروعية التبليغ، وحكمه عند عدم الحاجة إليه، فقال: \"لم يكن التبليغ والتكبير، ورفع الصوت بالتحميد والتسليم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا على عهد خلفائه، ولا بعد ذلك بزمان طويل، إلا مرتين: مرة: صُرِع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن فرس ركبه، فصلىّ في بيته قاعداً، فبلّغ أبو بكر عنه التكبير، كذا رواه مسلم في صحيحه [في الصلاة (413)]، ومرة أخرى في مرض موته، بلّغ عنه أبو بكر، وهذا مشهور [مسلم، في الصلاة (418)/ 96)]، مع أنّ ظاهر مذهب الإمام أحمد، أن هذه الصلاة كان أبو بكر مؤتماً فيها بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وكان إماماً للناس، فيكون تبليغ أبي بكر إماماً للناس، وإن كان مؤتماً بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهكذا قالت عائشة - رضي الله عنها -: \"كان الناس يأتمون بأبي بكر، وأبو بكر يأتم بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -\" ولم يذكر أحد من العلماء تبليغاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، إلا هاتين المرتين، لمرضه... إلى أن قال: ولا ريب أن التبليغ لغير حاجة بدعة، ومَن اعتقده قُربة مُطلقة فلا ريب أنه إمّا جاهل، وإما معاند، وإلا فجميع العلماء من الطوائف قد ذكروا ذلك في كتبهم، حتى في المختصرات. قالوا: ولا يجهر بشيء من التكبير، إلا أن يكون إماماً ومَن أصَرَّ على اعتقاد كونه قُربة، فإنه يُعزَّر على ذلك لمخالفته الإجماع، هذا أقَلٌّ أحواله. والله أعلم\". انتهى محل الغرض من كلام شيخ الإسلام، الفتاوى 23/400 وما بعدها. وفي كلامه ما يغني عن الإطالة، فقد أقام الحجة بما استند إليه من الأدلة، إضافة إلى كلام أئمة الفقه في ذلك.

3ـ الأذان الأول يوم الجمعة:

روى البخاري، في الجمعة باب 21، 1/219 عن السائب بن يزيد - رضي الله عنه - قال: \"كان النداء يوم الجمعة أوّله إذا جلس الإمام على المنبر، على عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -، فلمّا كان عثمان - رضي الله عنه -، وكثُر الناس، زاد النداء الثالث على الزوراء\" وهو عند أبي داود (1087) والنسائي 3/100-101 وسماه ثالثاً بالنظر إلى الإقامة. والزوراء: كانت داراً لعثمان - رضي الله عنه - في السوق، تسمى الزوراء، وإذا فُرض أنّ للخليفة أن يزيد مثل هذه العبادة، إذا صح تفسير \"وسنة الخلفاء المهديين من بعدي\" بما قد يستحسنونه من عبادة، وأنهم يُطاعون في ذلك، فلا بد في هذه الحال من مراعاة المصلحة التي قصدها عثمان - رضي الله عنه -، والمكان الذي حدّده لهذا الأذان، والوقت كذلك وأن هذا الموجب لذلك ما يزال قائماً يدعو إلى الاستمرار في هذا الأذان، إذ ليس الأمر تعبدياًº كما أنَّ العودة إلى الحال التي كان عليها الأمر في عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأبي بكر، وعمر مع زوال الموجب لهذا الأذان، ليس فيه انتقاص من شأن عثمان - رضي الله عنه -، طالما والغرض هو إصابة الحق، ولزوم السنة، وتعبيد الناس بما هو أقرب إلى الحقº فإننا نرى اليوم الأذان الأول إنما يتم بعد اجتماع الناس في المسجد، فكلا الأذانين يتمّان في وقت واحد، وفي مكان واحد، وليس بينهما فاصل سوى ما تعوّد الناس عليه من صلاة ركعتين بينهما، على أنّ إحداث هاتين الركعتين يحتاج إلى نظر في مشروعيتهما، والذي يلاحظ وضع الأذانين على حالهما اليوم لا يرى أيّ فائدة تترتب على الأذان الأول، سوى المتابعة لعثمان - رضي الله عنه -، دون مراعاة لما قصده عثمان، والوضع الذي كان عليه الأذان الأول، وهذا من الطاعة غير المُبصرة.

4- تعوّد الناس تبعاً لما يقوله أئمة الحرمين في قنوت الوتر أن يَدعُو بقولهم:

\"اللهم لا تَدَع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا همّاً إلا فرّجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا غائباً إلا رددته، ولا ضالاً إلا هديته،... ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة، لك فيها رضا. ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها\" والأمور التي اشتمل عليها هذا الدعاء أمور محمودة، ولا اعتداء في طلبها، لكن لماذا يَقترح الداعي على الله- عزوجل- أن يقضيها، في ذلك المقام \"مقام دعائه\": في مقامنا هذا؟ أليس هذا من الاعتداء؟ ألم يعلم أن الله - تعالى -قد قدّر آجالاً لما فعَله: من مرض المريض، وغياب الغائب، وهم المهموم، والتقتير على مَن يريد ممن تحمّل ديوناً.. إلى غير ذلك، فهل يريد من الله- عزوجل- في تلك اللحظة أن يفرّج كل هم، وأن يعيد من أطراف الدنيا كل غائب، وأن يقضي كل دين، وأن يهدي كل ضال... إلى غير ذلك. أليس هذا مخالفاً لسنن الله - سبحانه وتعالى - فيما يُجريه على عباده من تصريف الأمور التي يعلم - سبحانه - وحده مكان المصلحة والمفسدة فيها، ومتى يقضي هذه الأمور، ومتى لا يقضيها، وهو الفعّال لما يريد وهل غاب عن الداعي بهذا الدعاء، قول رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -:

\"ما من مسلم يدعو بدعوة، ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه بها إحدى ثلاث: إمّا أن يعجّل له دعوتَه، وإمّا أن يدّخرها له في الآخرة، وإمّا أن يصرف عنه من السوء مثلها\" قالوا: إذاً نُكثر. قال: \"الله أكثر\" أحمد 3/18، والترمذي (3573)، وعلى هذا فلا معنى لطلب تحقيق نفس المدعوّ به في ذلك المقام، بل تفويض الأمر إلى الله - سبحانه -، هو الذي يجب أن يكون، ويفعل الله ما يشاء، والخير فيما يختاره الله - سبحانه -.

5ـ نسمع بعض أئمة الحرمين، يكثرون من السجع في الدعاء:

وهذه مهارة قلّ من يحسنها، إلا أنه لا ينبغي ممارستها في الدعاء، لورود النهي عن ذلك، فقد روى البخاري - رحمه الله -، في الدعاء باب 20، 7/153، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: حَدِّثِ الناس كل جمعة مرة، فإن أبيت فمرّتين، فإن أكثرت فثلاث مِرار، ولا تُملّ الناس هذا القرآن، ولا أَلفينك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم، فتقص عليهم فتقطع عليهم حديثهم فتُملهم، ولكن أنصت، فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهون، فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك: يعني لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب\" ورواه أحمد: 6/217 عن عائشة.

وهذا الحديث الصحيح، الصريح في المطلوب: أعني النهي عن السجع في الدعاء، لا يحتاج إلى مزيد من الإيضاح والبيان.

6ـ المعلوم من صلاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -º أنه كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، وقد قالت عائشة - رضي الله عنها -: (... ما كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة...) البخاري، في التهجد باب 16، 2/47، وفي مسلم (738). وربما أوتر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - من أول الليل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السحر\" وهو عند ابن ماجه (1186 ورواه أيضاً عن عائشة - رضي الله عنها - برقم (1185)، وفي كل الأحوال لم يثبت عنه - صلى الله عليه وآله وسلم -، أنه كان يصلي أحياناً صلاتين، أولاهما في أول الليل، والأخرى في آخره، وقد كان يقول - صلى الله عليه وآله وسلم - عن نفسه: \"أنا أخشاكم لله وأتقاكم له\" وعلى هذا فما هو مصدر ما يحدث اليوم في العشر الأواخر من رمضان، من القيام بصلاتين: الأولى اسمها التراويح، والثانية اسمها التهجد، وقد أحدث الناس هذه الصلاة تبعاً لما هو جارٍ, في الحرمين، فهل كانت الأماكن المقدسة، والأوقات المفضلة، أولى من غيرها بالبدعة، على أننا قد لا ننازع في عدد الركعات في أول الليل في رمضان، لما ثبت عن أبيّ بن كعب أنه كان يزيد على إحدى عشرة ركعة، ولم يُنكَر عليه، ولشيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 23/120 تخريج لعدد الركعات: كثرتها، وقّلتها. ولكننا ننازع في إحداث صلاة أخرى لم يُعرف لها مُستند، والعلم عند الله - تعالى -.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الفتاوى 23/122 عن قوم يصلون بعد التراويح ركعتين في الجماعة، ثم في آخر الليل يصلون تمام مائة ركعة... فأجاب \"... بأن هذه الصلاة لم يستحبّها أحد من المسلمين، بل هي بدعة مكروهة باتفاق الأئمة ولا فعل هذه الصلاة: لا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا أحد من الصحابة، ولا التابعين [هكذا]، ولا يستحبها أحد من أئمة المسلمين، والذي ينبغي أن تُترك، ويُنهى عنها\" انتهى.

7ـ ما يتعلق بخُطبة العيد:

هل حكمها حكم خطبة الجمعة، من حيث كونها خطبتين يجلس الإمام بينهما، وما مستند ذلك؟ وهل تفتتح بالحمد، أم بالتكبير، وقد أنكر الافتتاح بالتكبير ابن القيم في زاد المعاد، وعزا ذلك الإنكار إلى شيخه ابن تيمية، وتبعهما على ذلك الشوكاني في نيل الأوطار؟

وأخيراً: إذا كانت هذه من المحدثات، فما هو المبرر للاستمرار عليها:

أ ـ هل الخوف من تقوّل العامة على ترك ما ألِفوه؟

ب ـ أم سكوت العلماء، وعدم الإنكار والتنبيه؟

ج ـ أم مجرد تحكيم العادة، في أمور من العبادة؟

د ـ أم الأخذ بتقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة؟

هـ- أم هناك مبررات شبيهة بمبررات أهل البدع؟

و ـ أم كونها صادرة عن أهل السنة، لا عن أهل البدعة؟

وأيّ هذه المبررات يمكن أن تكون حجة للعبد أمام الله- عزوجل-؟

ز ـ أم أن هناك أدلة مقنعة بسنِّيَّتهاº عَلِمَها مَن عَلِم، وجهلها مَن جَهِل، فلا يسع الجميع إلا التسليم والإذعان؟

اللهم بصرنا السداد، وألهمنا رشدنا، وفقهنا في الدِّين آمين، والحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply