حكم بيع التقسيط في الشريعة والقانون ( 4 )


بسم الله الرحمن الرحيم 

ثانيا:مناقشة أدلة القائلين بالجواز:

لقد تناول القائلون بعدم جواز البيع بثمن مؤجل يفوق الثمن الحال بعد أدلة القائلين بالجواز بالمناقشة، وذلك على خلاف ما قام به الجمهور من تفنيد جميع أدلة المانعين بصورة شاملة وافية، ما يعد مؤشرًا على قوة حجتهم.

فقد ناقش المانعون قول الجمهور في استدلالهم بالآية الكريمة \"وأحل الله البيع وحرم الربا\"، وعلى حل البيع عملاً بعموم النص، حيث لم يرد صحيح يخصصه بقولهم.

إن الآية تفيد تحريم البيع بزيادة الثمن مقابل الأجل لأنه داخل في عموم كلمة الربا التي تعني الزيادة، كما أنها تفيد الإباحة في قوله - سبحانه -: \"إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ, منكم\"، فإن العقود الربوية مقيدة لهذه الإباحة. وإذا قيل بأن البيوع بأثمان مؤجلة داخلة في معنى \"وأحل الله البيع وحرم الربا\"º إذ هي بيع يُقال إنها تحتمل أن تكون داخلة في عموم البيع أو الربا. وعند الاحتمال من غير ترجيح يقدم احتمال الحظر على احتمال الإباحة، خاصة أن إحلال البيع ليس على عمومه، بل خرجت منه البيوع وهذا منها.

ومن جهة أخرى، فإن قوله - تعالى -: \"وحرم الربا\" قولٌ عام يشمل كل الربا، وليس مجملاً، بدليل أن الله - عز وجل - وضحه بأنه كل زيادة على رأس المال مقابل الأجل، حيث قال - تعالى -: \"فإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم\". وقد اجمع العلماء على تفسير الربا في هذه الآية بأنه الربا الذي كان معروفا في الجاهلية، وهو ما كان يحصل عليه الدائن من زيادة رأس ماله عندما يعجز بدينه عند حلول الأجل فيقول له إما أن تقضي ديني وإما أن تُربي أي تزيدني في الدَّين نظير الأجل فدل على أن كل زيادة في مقابل الأجل ربا والأجل لا يعد مالا لدعم إمكان حيازته والاستئثار به وادخاره لوقت الحاجة فلم يكن جائزًا أن يأخذ مالاً عوضًا عنه، ومن ثم كانت زيادة ثمن السلعة المؤجل عن الثمن الحال زيادة خالية عن العوض وهذا هو الربا.

 

أما استدلال الجمهور بحديث ضعفوه وتعجلوا فالجواب عنه:

إن في إسناده مسلم بن خالد وهو سيئ الحفظ ضعيف، وهو كما قال الدارقطني ثقة إلا أنه سيئ الحفظ، وقد اضطرب في هذا الحديث.

ومن جهة أخرى فإن الزمن في الحديث كان للحط من الدين لا للزيادة بخلاف البيع المؤجل فإنه للزيادة في الثمن لا للنقص منه، وفرق ما بين الزيادة والنقص كفرق من يداين ويزيد الأجل لأجل الزمن ومن يعفو عن بعض الدين ليسهل على المدين الدفع، ولذلك لا يصلح الحديث دليلا في الموضوع.

ويُضاف إلى ذلك أن القول بجواز إنقاص الثمن مقابل تعجيل دفع الثمن المؤجل لم يرد إلا في الدر المختار حيث نسبه ابن عابدين لبعض المتأخرين، وقال بأن أبا السعود ارتضاه ولعل أبا السعود العمادي ارتضاه لأنه كان يسهل على سليمان القانوني ما يريد من إدخال الأفكار الأوروبية في بلاده، ولذلك لم يعتبر العلماء الأتراك فتاويه، بل قد نص بعضهم كأبي بكر الرازي على أن ذلك من الربا الذي نص عليه تحريمه.

 

وأخيرًا قالوا: إن من يقول بجواز السلف إذا قال: عجل لي وأضع عنك من الجائز أنهم أجازوه إذا لم يجعل ذلك شرطًا في العقد، وذلك بأن يقوم البائع بحط بعض الثمن عن المشتري بغير شرط فيقوم المشتري بتعجيل الدين المتبقي بغير شرط.

أما عن استدلال الجمهور بأن المشتري قد رضي بالزيادة مقابل الأجل، والرضا هو شرط صحة التجارة، وإذا كان العقد صحيحا أجابوا بأن رضا المشتري بزيادة السعر المؤجل عن السعر الحال لا عبرة به إذا اعتبرنا هذه الزيادة رباº لأن تراضي البائع والمشتري على الربا لا يجعله حلالا.

أما عن القول بأن الأسعار تتفاوت ارتفاعًا وانخفاضًا لأن السلعة لها سعر نقدي بخلاف النقود فالجواب عنه: أنه إذا كان للبائع أن يبيع ابتداء بثمن مؤجل أكثر من سعر السوق فذلك يختلف عن تخيير المشتري بين الشراء بثمن حال أو ثمن مؤجل أكثر من ذلك الثمن الحالº فالبيع الأول يمكن أن يقال فيه بأن الأسعار تتفاوت كما أن للمشتري مطلق الحرية في قبوله، وإن كانت الشريعة الإسلامية تنهى عن الربح غير المعقول في التجارة.

أما البيع الثاني وهو موضوع البحث فإنه يتميز بأن للسلعة ثمن حال معروف، وزاد هذا الثمن بسبب التأجيل، وهنا لا يمكن القول بأن الأسعار تتفاوت وتزيد وتنخفضº لأن السلعة يحدد لها سعر نقدي معين، ولم يقصد البائع إلى زيادة الثمن المؤجل إلا بسبب الأجل.

وأخيرًا يقترح عبد الناصر العطار وهو من القائلين بأن الثمن المؤجل عن السعر الحال أمر لا يتفق مع قواعد الشرع، ويعتبره ربا أو شبهة ربا - علاجا بديلا لبيع التقسيط يتمثل فيما عرفته بعض النظم الاقتصادية من وسائل مشروعة يتم فيها تأجيل ثمن المبيع دون زيادة كنظام الاستثمارات الحكومية في بعض المؤسسات التي يتم بمقتضاها شراء بعض السلع بسعرها اليومي وتأجيل ثمنها مع دفعه أقساطا تخصم من الراتب، وفي إمكان غير الموظفين تطبيق هذا النظام عن طريق النقابات والجمعيات التعاونية. ولا شك في أن هذا النظام لا غبار عليه في الإسلام كما أن بعض التجار يعلن عن بيع سلعه بالتقسيط وبدون فوائد أي بذات السعر الفوري.

 

ثالثًا: مناقشة الرأي الثالث (الوسَطِيّ):

لقد رأينا أن خلاصة هذا الرأي تتمثل في القول بأن البيع بالتقسيط ليس مباحًا على الإطلاق ولا محرمًا على الإطلاق، وذلك اتقاء للشبهات واستبراء للدين والعرض.

والجواب على ذلك أن صاحب هذا الرأي قد قال صراحة ومع ذلك فأنا أعتقد أن البيع بالنسيئة بزيادة الثمن لقاء التأجيل إنما هو مشروع وفي هذا تناقض مع القول بأنه ليس مباحا ولا حراما فأبسط درجات المشروعية هي الإباحة.

إن الشبهة هي ما اجتمع فيها جانب يؤيد الحِل وآخر يؤيد الحرمة. ولقد ورد في حديث صاحب هذا الرأي ما يقطع بمشروعية البيع بالتأجيل مع زيادة الثمن، وصال وجال في بيان فروق أساسية بينه وبين الربا المحرم فأي وجه للاشتباه بعدئذ؟

وهكذا كانت هذه الشبهة والحرص على الاستبراء للدين تغيب عمن كانوا يدعون سبعين بابا من الحلال مخافة أن يقعوا في باب الحرام، ومع ذلك لم نجد في عباراتهم أدنى تحفظ عند صدور عباراتهم بجواز هذا البيع مراعيا للشروط الشرعية.

أما دعوة صاحب هذا الرأي من يتعاملون ببيع التقسيط إلى الاقتراض السن تقليلا لتداول هذا البيع واتهامه لهم بالهجوم على هذا النوع من البيع مع عدم مسيس حاجتهم إليه دون محاولة الحصول على القرض الحسن، فأظنه كلاما مبالغا فيه، وهل أبواب القروض الحسنة مشرعة لمن يلجها؟ ونحن في عصر أصبح الفرد فيه يضن بالدرهم والدينار على أمه وأبيه وصديقه وأخيه ثم إذا توفر هذا القرض الحسن ليغطي شراء سلعة يسيرة الثمن فأنى له أن يتوفر لشراء عربة يكتسب منها صاحبها قوته وقوت من يعول؟ أو شراء شقة يسكنها؟ فما ارتآه من تبني هذه الفكرة ليس إلا حلمًا جميلاً صدر عن حسن ظن ونية إن شاء الله.

 

وعليه ففي ظني أن هذا الرأي يعوزه الدليل المقنع، ويفتقر إلى الموضوعية، وينقصه عامل الانسجام بين ما طرحه صاحبه من أفكار، وبالتالي لا يقوى على النهوض مذهبا ثالثا إلى جانب المذهبين الرئيسيين المتقدمين من الناحية الحقيقة اللهم إلا من باب عرضه باعتباره وجهة نظر تمثل رأي صاحبها فحسب فاقتضى التنويه إلى ذلك.

 

رابعًا: الترجيح بين الآراء الثلاثة:

بعد أن عرضنا لأقوال من أجاز بيع التقسيط من الفقهاء ومن قالوا بعدم جوازه، ووقفنا على المناقشات والردود التي وجهها جمهور الفقهاء إلى كافة أدلة القائلين بمنع البيع بثمن مؤجل مع الزيادة على الثمن الحال، ورأينا أنه لم يسلم دليل منها من الطعن الذي يضعف من حجيته وصلاحيته للاستدلال به. وفي حين أن أدلة الجمهور قد سلمت لهم في غالبيتها وما وجه إلى بعضها من نقاش لا يقلل من أهميتها، ولا يلغي فاعليتها فقولهم مثلاً بأن آية \"وأحل الله البيع وحرم الربا\" تتضمن النهي عن كل زيادة وتعتبرها ربا ففيها إباحة وتحريم البيع، وعند اجتماع الحظر والإباحة يقدم الحظر فهذا القول يصدق لو لم يوجد ما يرجح كفة الحكم بالإباحة وقد اتضح ذلك الرجحان من خلال الفروق العامة التي تقدمت بين البيع والربا.

ونقول للمعارضين كما قال الشيخ أبو زهرة مقالة الله لمن اعترض مثل اعتراضهم إذا قالوا بأن البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا، وأما الأحاديث والآثار في جواز إنقاص الثمن مقابل تعجيل الوفاء بالدين فعلى ما فيها من مقال في سندها إلا أن مفهومها وما يسندها من أدلة تقدمت في موضعها يجعل من معانيها ودلالتها أمرًا مستساغا شرعا.

مما يجعلنا نخلص إلى القول بأن صحة بيع التقسيط، وجواز التعامل به هي الأولى بالأخذ بها والمصير إليها، والله - تعالى -أعلم.

 

فتاوى العلماء القائلين بجواز البيع بالتقسيط

بعد أن وصلنا إلى نتيجة مفادها أن القول بجواز بيع التقسيط هو الأولى بالأخذ به نظرًا لقوة أدلته، ولأنه يتفق مع روح الشريعة في تحقيق مصلحة المتعاقدين وتيسير معاملات الناس وحل ومشكلاتهم.

وزيادة في التأكيد والتماسًا لترسيخ هذه الحقيقة نسوق طائفة من فتاوى علماء المسلمين القدامى والمعاصرين التي جاءت مصرحة بجواز البيع بالتقسيط.

 

1 - فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية:

سُئل عن رجل عنده فرس شراه بمائة وثمانين درهمًا، فطلبه منه إنسان بثلاثمائة درهم إلى مدة ثلاثة شهور، فهل يحل ذلك؟

فأجاب: الحمد لله، إن كان الذي يشتريه لينتفع به، أو يتجر به، فلا بأس ببيعه إلى أجل، لكن المحتاج لا يربح عليه الربح المعتاد، لا يزيد عليه لأجل الضرورة. وأما إذا كان محتاجًا إلى درهم، فاشتراه ليبيعه في الحال، ويأخذ ثمنه، فهذا مكروه في أظهر قولي العلماء.

 

2- فتوى في كتاب \"جواهر الفتاوى\":

السؤال: هل يجوز لأصحاب الأموال بيعها حالاً بثمن، ومؤجلاً بأجل معلوم بثمن أعلى منه؟ أو لا يجوز -كما يقول البعض- بحجة أن كل قرض جرَّ نفعًا فهو ربا، ولما في المنهاج من نهي عن بيعتين في بيعة، كأن يقول البائع بعتك نقدًا بكذا أو مؤجلاً بكذا فخذ بأيهما شئت؟ أجيبونا مأجورين:

الجواب: إن كل الكتب المعتمدة متفقة على جواز البيع المذكور بالوجهين، وأن المال الذي قيمته مائة فلس ندًا يجوز بيعه مؤجلاً إلى شهر بمائة وعشرة أفلس. ولا ربا في ذلك، فإنما هو -الربا- بيع النقود بالنقود، والطعوم بالطعوم إذا اتفق النوعان. ففي التحفة دلالة واضحة على أن الأجل يقابله قسط من الثمن وعبارتها في البيع بشرط الأجل وشرطه أن يُحدد بمعلوم. وألا يبتعد بقاء الدين إليه، وإلا بطل البيع للعلم حال البيع بسقوط بعضه وهو يؤدي إلى الجهالة المستلزم للجهل بالثمن لأن الأجل يقابله قسط منه. وأن استدلال المانع للبيع المذكور بالأجل \"كل قرض جر نفعًا فهو حرام\" بالأصل المقرر، لا تقريب لهº لأن ذلك إنما هو في القرض وهو عقد مستل يغر البيع، وعبارة عن إعطاء شيء شخصًا على اعتبار المار. فإنه لا يجوز للمقرض أخذ عشرة دراهم وفلس واحد، ولا قفيز حنطة ومد بدل ما أقرضه لكون ذلك ربا، وكلامنا في البيع بغير الجنس نقدًا أو عرضًا حالاً أو مؤجلاً وأين هذا من ذلك؟

وأما ما جاء في المنهاج من النهي عن بيعتين في بيعة، فمنشؤه اشتمال الصيغة على كلمة أو للترديد والتشقيق المستلزمة للجهالة والإبهام، وإلا فلو أن البائع بصفقتين باع كيلو من السكر بدرهم حالاً، وكيلو آخر بستين فلسًا إلى شهر وقبل المشتري صح ذلك بلا شبهة.

 

3- فتوى الشيخ محمد رشيد رضا:

حول شراء السلعة بأكثر من ثمن المثل إلى أجل فيجيب: إن هذا الشراء جائز، وليس من الربا المحرم، والله أعلم.

 

4- فتوى الشيخ عبد الوهاب خلاف وفيها:

سألني تاجر هل يحل شرعًا بيع الشيء بسعر أعلى لمن يدفع الثمن مؤجلاً؟ فأجبته: نعم، يحل هذا شرعًا، وليس فيه شيء من الربا المحرم، فيحل شرعًا بين الإردب من القمح بأربعة جنيهات لمن يدفع الثمن حالاً، وبيعه بخمسة جنيهات لمن يدفع الثمن مؤجلاً.

 

5- فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز:

يقول..فقد سئلت عن حكم بيع كيس السكر ونحوه إلى أجل بثمن أكبر من الثمن النقدي: والجواب عن ذلك أن هذه المعاملة لا بأس بها، لأن البيع النقد غير بيع التأجيل، ولم يزل المسلمون يستعملون مثل هذه المعاملة، فكان كالإجماع منهم على جوازها.

 

6.فتوى الشيخ بدر متولي عبد الباسط:

سئل عن جواز قيام بيت التمويل الكويتي بشراء السلع والبضائع وبيعها لهم بالأجل وبأسعار أعلى من أسعارها النقدية... فأجاب بقوله:

إن ما صدر عن طالب الشراء يعتبر وعدًا، ونظرًا لأن الأئمة قد اختلفوا هل الوعد ملزم -يعني قضاء- أو لا؟ فإني أميل إلى الأخذ برأي ابن شبرمة -رضي الله عنه- الذي يقول إن كل وعد بالتزام لا يحل حراما ولا يحرم حلالاً، يكون وعدًا ملزما قضاء وديانة، وهذا ما تشهد له الظواهر القرآنية والأحاديث النبوية. والأخذ بهذا المذهب أيسر على الناس، والعمل به يضبط المعاملات. لهذا ليس هناك من تنفيذ هذا الشرط مانع.

 

7 - فتوى \"مؤتمر المصرف الإسلامي الأول بدبي\" الذي اجتمع فيه 59 عالما من شتى أنحاء العالم الإسلامي، وقد عرضت على المؤتمر الصورة التالية:

يتطلب المتعامل من المصرف شراء سلعة معينة يحدد جميع أوصافها، ويحدد مع المصرف الثمن الذي سيشتريها به المصرف، وكذلك الثمن الذي سيشتريها به المتعامل من البنك بعد إضافة الربح الذي يتفق عليه بينهما.

 

فجاءت توصية المؤتمر: يرى المؤتمر أن هذا التعامل يضمن وعدا من عميل المصرف بالشراء في حدود الشروط المنوه عنها، ووعدا آخر من المصرف بإتمام هذا البيع بعد الشراء طبقا لذات الشروط.

إن مثل هذا الوعد ملزم للطرفين قضاء طبقا لأحكام المذهب المالكي، وملزم للطرفين ديانة طبقا لأحكام المذاهب الأخرى. وما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء إذا اقتضت المصلحة ذلك وأمكن للقضاء التدخل فيه.

 

8. فتوى د. أحمد الشرباصي:

السؤال: هل يعتبر البيع بالتقسيط حراما، إذا كان مجموع الثمن المقسط يزيد عن ثمن السلعة إذا بيعت فورًا؟

الجواب: البيع يكون إما بثمن معجل، وأما بثمن مؤجل إلى أجل معين، وقد نص الفقهاء على جواز النوعين، ومن الواضح أن البيع بالتقسيط من قبيل البيع بثمن مؤجل، وبهذا يعلم أنه يجوز شرعا بيع السلعة بثمن مؤجل زائد عن ثمنها الحالي إذا كان الأجل معلوما. فإذا كان الإنسان مثلاً يشتري جوال السماد بمائتين وخمسين قرشا بثمن مؤجل يدفعه بعد 4 أشهر من تاريخ الشراء يكون هذا البيع صحيحا ولا شك فيه.

 

9. فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: السعودية:

السؤال: أراد رجل الزواج مثلا، وليس عنده ما يكفي من مبلغ الصداق، فذهب إلى صاحب دكان فقال له أبيعك سيارة بسبعة آلاف ريال سعودي دينا، تدفعها كاملة عند نهاية السنة فهل هذا ربا، مع العلم أن قيمة السيارة نقدًا عشرة آلاف وخمسمائة ريال سعودي فقط، وهذه السيارة هي التي اشترط عليها وهي محور الاشتراط بين البائع ومن يريد الزواج؟

الجواب: إذا كان الواقع كما ذكر من شراء شخص من آخر سيارة لأجل بثمن أكثر مما تباع به نقدًا عاجلا ليبيعها المشتري إلى من شاء سوى من باعها عليه ومن في الحكمة فليس ربا بل هو عقد بين صحيح وجائز.

 

10. فتوى صادرة عن الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء ردا على السؤال التالي:

لدى السائل من يبيع السيارات بأقساط وعلى المبلغ المؤجل فوائد محددة، ولكنها تزيد بتأخير دفع القسط عن وعد تسديده.. فهل هذا التعامل جائز أم لا؟

وأجابت بما يلي: إذا كان من يبيع السيارة ونحوها إلى أجل يبيعها بثمن معلوم إلى أجل أو آجال معلومة زمنا وقسطا لا يزيد المؤجل من ثمنها حدا يتجاوزه فلا شيء، وإن كان المؤجل كما هو المفهوم من السؤال بتأخر دفعه القسط عن موعده المحدد بنسبة معينة فذلك لا يجوز بإجماع المسلمين لأنه ينطبق عليها ربا الجاهلية.

 

11. فتوى الهيئة العامة للفتوى بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - بالكويت:

السؤال: ما هو رأي الشرع في البيع بالأجل، هل يسمح الشرع بأن يكون هناك سعر للسلعة في حالة بيعها بالنقد، وسعر آخر لنفس السلعة في حالة بيعها بالأقساط؟

الجواب: أنه لا مانع من أن يكون سعر البيع بالتقسيط أعلى من سعر البيع بالنقد الفوري، وللبائع أن يحسب الأرباح التي يريدها بأي أسلوب حسابي...

 

12. فتوى الدكتور عبد الحليم محمود وقد جاء فيها:

لقد أباح جمهور الفقهاء أن يكون الثمن المؤجل أعلى من الثمن المدفوع فورا، وذلك لأن الثمن المدفوع فورا يمكن الانتفاع به في معاملات تجارية أخرى. أما الثمن المؤجل فإنه لا يتأتى فيه ذلك. وهذا النوع من المعاملات ليس داخلا في نطاق الربا...

 

13. فتوى مجلة منار الإسلام:

أجاب الشيخ موسى صالح شرف عن سؤال ورد إلى زاوية منكم وإليكم بالمجلة توقيع -مسلم المغرب- يقول فيه: أعمل بإحدى الشركات، وتقوم بتوزيع المنازل على من يرغب في شرائها بطريقتين: الأولى أن يدفع الثمن فورا، والثاني على أقساط تخصم من الراتب، والثمن بهذه الطريقة يفوق الثمن المؤدى فورا.. فهل الزيادة مشروعة أم لا؟

الجواب: يجوز للمسلم أن يشتري ويدفع الثمن فورا، كما يجوز أن يؤخر دفع الثمن كله أو جزءا منه إلى أجل بالتراضي مع الشركة أو صاحب الشيء المباع. وللبائع أن يزيد في الثمن الحالي. بشرط ألا يستغل المشتري أو يظلمه، والأصل في ذلك الإباحة. لم يرد نص في تحريمه على أن يحدد المشتري إن كان يريد نقدًا أو بالتقسيط منذ البداية وألا تكون الشركة تحسب الأقساط على أساس الربا. وأن يكون الثمن قابلا للزيادة فيما لو عجز المشتري عن دفع الأقساط في حينه.

 

مزايا البيع بالتقسيط وسلبياته:

بعد أن استعرضنا أدلة الفقهاء القائلين بجواز البيع التقسيط، والقائلين بعدم جوازه وترجح لدينا القول بجوازه هو القول الأقوى دليلا، والأولى بالترجيح، والأجدر بالعمل به -بعد هذا- أرى إتماما للفائدة أن نذكر فوائد هذه المعاملة وإيجابياتها، ومضارها وسلبياتها، فذلك يزيد إلى قناعتنا دليلا، وإلى يقيننا يقينا بصحة القول المختار.

 

أولا: مزايا بيع التقسيط:

1. تقديم الشركات والمؤسسات التجارية والمحلات التجارية التسهيلات لذوي الدخل المحدود ممن لا تسمح لهم حالاتهم المادية بدفع أثمان السلع التي يحتاجونها بثمن حال، وهذا من شأنه أن يرغبهم في الإقبال على التعامل معها، كما يعمل على ترويج السلع والبضائع كيلا تبقى مكدسة في المخازن.

2. التغلب على المشكلة التي تواجه كثيرا من الناس -لا سيما الفئات ذات المرتبات المتدنية- والمتمثلة في القدرة على التوفير والادخارº لأن ضيق ذات اليد وكثرة المطالب من جهة، وعدم توافر الإرادة التي لا غنى للإنسان عنها للادخار فقد تحول دون هذه الغاية.

3. إرضاء رغبة لدى الإنسان في الحصول على الشيء الذي يريده دون انتظار، فالتعامل بالتقسيط يشجع المشتري على الإقدام على الشراء.

 

أما عيوب البيع بالتقسيط فأبرزها:

1. ما يقع من مشكلات بين البائع والمشتري تنشأ في حالة عجز المشتري عن سداد الأقساط كليا أو جزئيا، وذلك بسبب تعذر استرداد البائع للسلعة، أو حصوله على حقه فالبائع يحول معظم أمواله إلى ديون على الغير لا تتوفر فيها ضمانة جدية فإذا عجز معظم المشترين عن الوفاء بسبب أزمة اقتصادية ضيع أمواله إلى ديون على الغير لا تتوافر فيها ضمانة جدية، فإذا عجز معظم المشترين عن الوفاء بسبب أزمة اقتصادية ضيع أمواله وعجز عن الوفاء لدائنه، وانعكس ذلك على الوضع الاقتصادي برمته.

ويجاب عن هذه السلبية: بأن الأحكام التي شرعت بقصد ضبط علاقة البائع بالمشتري في حالة البيع بالأجل، والتي تبين بدورها كل منهما والتزاماته إزاء الآخر من شأنها أن تتغلب على هذه المشكلات. على أن هذه المشكلات ليست قاصرة على البيع بالتقسيط بل قد توجد في البيع المطلق والإجارة وغيرها من العقود.

 

2. أن سهولة الحصول على السلعة والدفع قد تغري المشتري بالشراء لا سيما لسلع قد لا تكون ضروريةº مما يثقل كاهله بالدين، ويربك ميزانية أصحاب الدخول المحدودة إذا تنوعت الأقساط التي يلتزمون بها، ويكرس روح الاستهلاك في المجتمع، وهذا يتنافى مع توجيهات الإسلام إلى عدم التوسع في الاستهلاك والمبالغة في الإنفاق لا سيما في الأمور التحسينية.

ويجاب على ذلك بأن المسلم في تصرفاته عموما ومعاملاته المالية على وجه الخصوص لا يطلق لنفسه العنان كي يسترسل على هواها، بل هو محكوم فيما يأتي ويدع بتوجيهات الشرع وأحكامه التي تدعوه إلى أن يكون معتدلا في إنفاقه حتى في حالة اليسار: \"وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَم يُسرِفُوا وَلَم يَقتُرُوا وَكَانَ بَينَ ذَلِكَ قَوَامًا\" (الفرقان: 67)، فأنى للمسلم، وهو الذي يتمتع بالأفق الواسع، والعقل الراجح، فلا تستخفه شهوة، ولا يمد عينيه إلى متاع الدنيا وزهرتها إلى حدود المباح المعقول أن يغرق نفسه في الديون التي يعلم أنه سيؤديها ولو بعد حين، وأن يقع تحت وهم سهولة الحصول على السلعة عاجلا.

 

3. أن هذا النوع من البيع يدفع التاجر إلى رفع سعر السلع حتى يواجه احتمال إعسار المشتري وبخاصة في أوقات الانكماش الاقتصادي.

ويجاب عن هذا، بأن التاجر الذي يرتضي لنفسه هذا النوع من التعامل لا بد أن يكون على علم بطبيعته ومقتضاه، ويدرك أن سيقتضي إثمان السلع التي يبيع مؤجلة، ولأجل هذه الاعتبارات رخص له الشرع بأن يزيد من ثمن السلعة عن الثمن المعجل تعويضا له عن حرمانه من استثمار ثمنها بسبب التأجيل، ولكن على أن تكون الزيادة في الحدود المقبولة شرعا وإلا انقلب إلى الربح الفاحش الذي يحرمه الشرع.

علاوة على أن إغلاء السعر لا يختص بالبيع بالتقسيط، فقد يربح التاجر ربحًا فاحشا وإن كان يبيع بثمن حال، متى غابت من ضميره رقابة الله - سبحانه وتعالى - وفُقدت من قلبه الرحمة بعباده.

 

4. أن البيع بالتقسيط يتضمن خطرا بالنسبة للبائعº لأن المبيع تنقل ملكيته إلى المشتري ويصبح البائع دائنا بالثمن في حين يكون للمشتري التصرف في المبيع. ولذلك أجاز القانون المدني للبائع أن يتطلب فسخ البيع، واسترداد المبيع في حالة امتناع المشتري عن الوفاء بباقي الأقساط. ويُقال جوابا عن هذه السلبية: إن الضمانات التي منحها الشرع للبائع في حالة حدوث مثل هذا الخطر المتوقع تكفل التغلب على المشكلة وعلاجها.

 

5. أنه في حالة إفلاس المشتري لا يحق للبائع وفق القانون التجاري طلب الفسخ والاسترداد لسلعته ويقتصر أمره على أن يكون دائنا عاديا ويدخل بالباقي من الثمن في التفليسة، ويخضع لقسمة الغرماء تحقيقا للمساواة بينهم.

ويجاب على ذلك: بأن ما للبائع بالتقسيط من مال في ذمة المشتري لا يختلف عن سائر الديون التي يتحملها لغيره من الغرماء، فلا معنى لتمييزه، لا سيما أنه أقدم على هذا الضرب من التعامل بمحض اختياره فهو بالتالي مهيأ لتحمل نتائجه والتعامل معها بصورة إيجابية.

من هنا نرى أن سلبيات البيع بالتقسيط -إن وجد شيء منها- فهي طفيفة ضئيلة إزاء المزايا والإيجابيات التي ذكرناها له، كما أنها في أكثرها مُبالغ فيهاº مما يعزز ما ذهبنا إليه من القول بمشروعية البيع بالتقسيط، وحل التعامل به إن شاء الله - تعالى -. والله - تعالى -أعلم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply