الصيام والمفاهيم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المراقبون لنهضة الأمة، والمجاهدون لتوجيهها الوجهة الصحيحة نحو الهدف والغاية، يدركون أكثر من غيرهم خطورة المفاهيم إن أصابها الخلط والاضطراب، ويدركون قوتها ومكانتها في فكر الأمة ونهضتها.

وجامعة رمضان التي تستهدف بناء الأمة بناء متكاملاً، والكشف عن قواها الكامنة، تنطلق في ذلك من مرتكز رئيس، هو تصحيح المفاهيم حتى تكون حركة الحياة مؤسّسة على أسس متينة تمكن من النهوض والسير بالأمة في طريق الرقي والتقدم المادي والسلوكي.

المفاهيم التي نتعلمها في جامعة رمضان متعددة وكثيرة، في مقدمتها أن كل فرد من أفراد الأمة \"الصائمة\" يكون على معرفة وإدراك بالغاية التي ينشدها المسلم من شهره ومن ثم حياته كلها، فيترتب على ذلك أن يقف الإنسان مع نفسه في حالة من المحاسبة والمراجعة قد تكون نتائجها عاجلة أو أجلة إن مد الله في العمر- إلا أنها كمنهج حياة للمسلم- وإن تأخر ظهور ثمارها تعد إيجابية بكل المقاييس، فالمسلم الذي يدرك حجم بعده عن المنهج الرباني -حتى وإن لم يستقم أمره- يتكون لديه مفهوم سيؤدي يومًا ما بإذن الله- إلى وضوح في الرؤية والفكر، فتصح وجهته، وتتضح له معالم الطريق ويستقيم أمره.

وتكمن قوة الصيام على تصحيح المفاهيم في إذكاء جذوة الإيمان والتوحيد في نفس كل مسلم صائم، فالإخلاص لله هو أساس كل المفاهيم التي تُكوّن فكرنا ورؤيتنا للحياة والكون، ولا يمكن أن يتحقق الصيام بدون الإخلاص، الذي يعني الاقتناع الفكري والعاطفي، ويعني الرضا، والقبول، والاطمئنان، ومن ثم تتحول المفاهيم والأفكار إلى واقع سلوكي في الحياة.

الجميع داخل هذه الجامعة ينهل من المفاهيم والأفكار السديدة سواء شعر أم لم يشعر، وبقدر الاجتهاد يكون النصيب، أما أولئك الذين يعانون من اضطراب في المفاهيم، واختلاط في الفكر، -عافانا الله- فإنهم يقفون داخل جامعة رمضان مبهوتين أمام تلك الجموع القائمة، الداعية، المتصدقة، المتضرعة، في صور تبدد الاضطراب والتشتت، ووضوح يكشف التقصير والتناقض، وتمييز بين قوى الخير والشر، وكل نفس بعد ذلك بما كسبت رهينة.

هكذا هو رمضان، وسيأتي في كل عام لتصـحـيح المفاهيم التي شوّهها أعداء الإسلام، وترسيخ المفاهيم الإسلامية المغيبة، يتجلى فيه الصف الذي يجب أن نقف فيه، ونسد الثغر المُناط بنا فيه، ونحسن إلى من يقف معنا، ونستثمر كل قوى البشر ليقفوا معنا فيه.

اللهم بارك لنا في رمضان، وأعِده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة، إنك سميع مجيب.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply