الرسالة الرمضانية ¼ : الرسالة التربوية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 قلبك الذي بين جنبيك هو خلاصك ونجاتك، وفوزك وفلاحك.توازن شخصيتك وسلامتها متوقف على سلامة قلبك وسمو روحك، ألا تسمع إلى الحبيب الكريم عليه أزكى الصلاة والسلام وأفضل تسليم يهتف في أعماقك بكل حنو وأبوة، \"ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب\" رواه الشيخان عن النعمان بن بشير

فبما يكون صلاح هذا القلب وكيف تتم تزكية هذه النفس.

إنه لا مفر ولا منجى من باب التربية ثم التربية ثم التربية، بها تزكو النفوس، وتصلح القلوب.

وها هي الإعدادات الغيبية، والألطاف الإلهية تعد لك الأجواء الطاهرة، لتعينك على صلاح قلبك \"إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة\" أخرجه الترمذي والحاكم وقال: صحيح على شرطهما. فكيف نتمثل الرسالة التربوية في نفوسنا؟

 

نقترح على المسلمين، خطوات عملية لبلوغ ذاك المقام، أدام الله علينا نعمة الإيمان والإحسان.

1- صحبة ومحبة في الله

2- ذكر لله وتجديد العهد معه - سبحانه -

3- الصدق مع الله

1- صحبة ومحبة في الله:

 

إن هذه الإعدادات الربانية في عوالم الغيب، لا تهدف إلا لتطهير الأجواء لتلك المضغة التي أودع الله فيها - سبحانه - الفطرة الصافية لعلك تستيقظ فتتوب إلى الله - تعالى - وتكون مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وتفتح كل أبواب قلبك لله - تعالى - ليصرفه في طاعته.

فإذا كانت أهم عاطفة تسكن قلب الإنسان هي الحب، فاعلم أن الدين إنما هو محبة تحب وتحب، وإذا كان اللغو الإعلامي-اليوم- يجعل من حب الفحش والعشق والغرام والفسق هو الملاذ والسعادة، فإن الحبيب المصطفى نادى في العالمين أن الحب، حب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - هو طريق الإيمان الميسر \"والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم\" أخرجه مسلم والترمذي وأبو داوود عن أبي هريرة.

\"يا غافل! هذا عمرك يتصرم! فماذا أسست من صداقات وماذا بنيت لآخرتك من معارف، وما شغف قلبك من أحباب؟ أنت مع أولئك يوم القيامة وأنت من ذلك الصنف أيا كان... اهرب من قرناء الغفلة، وارتم في أحضان قوم صالحين، وابك على ربك ليرزقك محبته، عسى تنجو من ورطة الانحشار في زمرة الهالكين\" الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين الإحسان ج1 / ص 190 بتصرف.

الحث المتواصل من النبي - صلى الله عليه وسلم - على المحافظة على الفرائض وصلاة التراويح جماعة، والحض على تفطير المسلمين والأمر بالصبر والمواساة، كل ذلك من ميسرات الصحبة والمحفزات عليها. ولقد كان المسلمون يحيون هذه المعاني بكل تلقائية وعفوية لأنها خالطت أعماق نفوسهم، وباشرت شغاف قلوبهم، يصلون وقلوبهم ملآى محبة لمن يصلون معهم في صف واحد، يرفعون أيادي التضرع للمولى الكريم، وكلهم خشوع أن يرزق إخوانهم ما يرزق عباده الصالحين.

أفـق، بـني اليوم من غفلتك؟ *** تـًَرجلي الحق في يقظتك؟

تهت طويلا في شعـاب الهوى *** وآن وقت البـدء في أوبتك

الزم صحاب العدل، أمسك بهم *** ولازم الإحسان في صحبتك

شعر الأستاذ عبد السلام ياسين ديوان \" قطوف\" ص 38 قطف 32.

 

ذكر الله وتجديد العهد معه - سبحانه -:

الذكر أن تتذكر من أين جئت، وإلى من تعود وترجع. تذكر عند من كنت في غيابات العدم، فأوجدك. وفي سراديب الضعف فقواك وعضدك، ورزقك وما نسيك، وفي أحسن تقويم سواك وعدلك. أفلا تذكره لاهجاً باسمه؟ أفلا تشكره فرحا بمنه؟ أفلا تدعوه طمعا في رحمته؟ إنه الله الذي لا إله إلا هو - سبحانه -.

\"الذكر منشور الولاية، الذي من أعطيه اتصل، ومن منعه عزل. وهو قوت قلوب القوم التي إذا فارقها صارت الأجساد لها قبورا.. وهو سلاحهم الذي به يقاتلون قطاع الطريق، وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الحريق\" ابن القيم الوابل الصيب من الكلم الطيب.

واعلم، يا من تقرأ الرسالة التربوية الرمضانية بقلب مفتوح أن أمهات الأذكار ثلاثة:

 

1. ذكر التطهير:

وهو الاستغفار، وأوسط رمضان مغفرة، ومن الخصال التي طلب إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإكثار منها فيه الاستغفار: \"ّمن لزم الاستغفار، جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب\" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.

 

2. ذكر التعمير:

إذا كان الاستغفار يطهر أرض القلوب، ويقلبها لتكون مستعدة لتقبل غرس الإيمان، فإن ذكر التعمير هو الكلمة الطيبة، بها يتجدد الإيمان، بها تغرس الأنوار السنية في قلوب عباد الرحمان، يسمو المكثر من قولها في علياء الجنان، قال - صلى الله عليه وسلم -: \"جددوا إيمانكم. قيل كيف نجدد إيماننا يا رسول الله؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله\" رواه الإمام أحمد ورجاله ثقات.

يقول الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين: \"لا إله إلا الله حين نكثر من قولها نجدد بها إيماننا توحدنا وتذهب الخلاف. لا إله إلا الله حين نذكر بها ربنا ومصيرنا إليه توحدنا إذ تذهب عنا الغفلة عن الله. لا إله إلا الله حين تفتح لنا أبواب رحمة الله الواسعة، أبواب محبته والقرب منه، تنشلنا من مسارب الغضب والخلاف الضيقة المبعدة عن الله... \" المنهاج النبوي ص 104.

 

3. ذكر التنوير:

الصلاة على رسولهّ - صلى الله عليه وسلم -: \"إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما\" سورة الأحزاب الآية 56 ((هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤ منين رحيما)) سورة الأحزاب الآية 43.

فهلا جلست مرة طاهراً مستقبل القبلة، وأنت تصلي على المبعوث رحمة للعالمين، وأنت غاض لصوتك، خاشع بقلبك، ترعى حرمة من أنت بين يدي حضرة الصلاة عليه، ينقلك الله من الظلمات إلى النور، ذاك وعد غير مكذوب، اللهم صل على سيدنا محمد عدد خلقك، ورضا نفسك، وزنة عرشك، ومداد كلماتك.

 

واعلم أن الاجتماع على الله من أهم ما يوثق رابطة المحبة بين المؤ منين، فاحرص على مجالس الذكر والخير، والفضل والعلم، لعل الله يقذف في قلبك محبة مجالس يباهي الله - تعالى - بها ملائكته في رمضان، وفي غير رمضان، حتى تفوز بمحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

طـابت بذكر الله أيام لنـا *** والغـافلون تعلقوا بسواه

ذكر الإله صقال رين قلوبنا *** وثوى المغفل في ظلام هواه

بينما تـراه يصر في لذاتـه *** وفجوره جاء الردى فطواه

الإحسان ج 1 ص 263.

 

3- الصدق مع الله

ونروم منه استمرار الطاعة ما بعد رمضان، إذ الصدق أن تضع همتك في الآخرة، ومرمى بصيرة سلوكك حين يطوي الردى النفوس وتصير الجسوم عظاما نخرة، وتسكن الثرى بعد المساكن الفاخرة. تلك إذا كرة قاهرة، فاللهم ارحم النفوس الطاهرة، واحفظ الألسن الذاكرة، واقبل في المحسنين عندك القلوب الشاكرة. آمين.

من موقعك اليوم، من زمانك ومكانك تصفح نفسك التي بين جنبيك، فالعمر قصير، والحياة ابتلاء، ولا يملك الزمن إلا أن يسير، وإلى الله المصير. الصدق ألا يلهينا عن ربنا لاه، ولا ينسينا ساه. الصدق والدوام والاستمرار، الصادق الخالص مع الله لا يرتاح حتى يوارى في الأرض بحسن الخاتمة. اللهم اختم لنا بالحسنى. قال - صلى الله عليه وسلم - للإمام الحسن السبط - رضي الله عنه - وهو صبي هذا الحديث العظيم الذي حفظه ورواه: \"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة\" أخرجه الترمذي بإسناد صحيح. ما أحرى شباب الإسلام اليوم بحفظ هذه الوصية لفظا وعملا ونية ليدخلوا مدخل الصدق ويخرجوا مخرج الصدق على خطى المصطفى المجتبى - صلى الله عليه وسلم - لقنه الله - تعالى - (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) سورة الإسراء الآية 80.

... يا أخي! إن أردت أن يكون الله معك فالزم الصدق لأن الله مع الصادقين، كما جاء في القرآن الكريم. إن أردت أن ينصرك فانصره، وإن أردت أن يذكرك فاذكره، وإن أردت أن يستجيب لك فادعه؟. هذه المعاملة معه - سبحانه - لا تثبت مع رياح الهوى العاصفة بالنفوس الخاوية، لذلك نصحك - سبحانه - حيث قال (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) سورة التوبة الآية 119.

ولكل صدق مكان معلوم ونتائج معلومة. فصدق اللهجة أهله ناجون من شعبة واحدة من النفاق، وصدق العهد والوفاء به كذلك، والصادقون في مواجهة العدو وجهاده شهداء.

وهكذا حتى تجد الصادقين الكاملين في الصدق، أبرموا مع الله - عز وجل - ميثاقا غليظا ليكونوا له عبيدا. أولئك المفردون السابقون. انحيازك إليهم يرفعك إلى المنـزلة العظمى\" الإحسان ج 1 - ص 350-351.

 

لله بـالله سار الصـادقون إلى *** وعـد وثيق لمن قد خصه الله

لا ريب عندهم في عز مطلبهم *** ساروا على جربهم والموعد الله

تحدوهم للمعـالي همة سمقت *** وما يشـاؤون إلا ما يشاء الله

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply