رمضان.. لماذا لا تستمر نفحاتك؟!!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 يحتل شهر رمضان مكانًا خاصًّا في نفوس المسلمين، فهو شهر الخير والعطاء والقرآن، يأتي فيجد مكانه في القرية والمدينة معًا، يتسارع فيه المسلمون إلى بذل الخير والحرص على أداء العبادات، وصلة الأرحام، ومواساة الفقير، وحسن التعامل، والتخلق بأخلاق الإسلام من صدق وأمانة وكظم غيظ، وبعد عن الثرثرة والغيبة والنميمة، وتمتلئ المساجد بالمسلمين وتلمح بهاء الطاعة ونور الإيمان على الوجوه، غير أن كثيرًا من مظاهر هذا الخير تتوارى بعد انقضاء شهر رمضان، فيعود الناس إلى سالف عهدهم في التعامل مع الحياة بمعطياتها والتقصير في العبادات، وتختفي كثيرًا من مظاهر مواساة الفقير، كأن الفقير لا يُفطن إلى أنه من الأحياء إلا في شهر رمضان، وتذوب كثيرًا من الحدود الفاصلة بين المسلم والذنوب.

 

وفي هذا التحقيق نتناول مظاهر الخير في رمضان، والعقبات التي تعترض استمرارها، وكيفية التغلب عليها لنجعل من العام كله رمضان حتى ولو في بعض الأمور الضرورية.

 

من مظاهر الخير في رمضان:

تتنوع مظاهر الخير والبر التي يحرص المسلمون فتذهب ليلى خميس (31 سنة) - مدرس مساعد بكلية الألسن- أن مظاهر الخير التي تحرص عليها تتركز في محورين أساسيين، أولهما: العبادة والتي تأخذ شكلاً خاصًّا في رمضان فتحرص على صلاة القيام كل ليلة، وتختم القرآن الكريم أكثر من مرة. أما المحور الثاني فهو السلوكيات والمعاملات وتقول: \"فأحب مظاهرها إلى مشاركتي في أعمال الخير تجاه أهل الحاجة، وصلة الأرحام، وزيارة الأقارب ودعوتهم على إفطار جماعي\".

 

أما سامي حبيب (42 عامًا) تاجر – فيقول: \"أبرز أنشطتي الخيرية في رمضان إخراج زكاة المالº لأن بيوت الفقراء تكون في هذا الشهر محتاجة إلى المساعدة، وأستطيع بذلك تنفيس كربة عن المسلمين، إضافة إلى تصريف الزكاة في مصارفها الشرعية، وعلى اعتبار أني تاجر فأنا أبحث عن الثواب الأكبر في إخراج الزكاة في رمضان حيث الحسنات مضاعفة.

 

ويوافقه في هذا الاتجاه عبد الله عيد (45 سنة) – تاجر - في إخراج الزكاة في رمضان، وحيث إنه يرأس لجنة زكاة فيؤكد \"أنه يلحظ زيادة منسوب الإيمان في رمضان، وزيادة فعل الخيرات فتصبح الطاعة محببة إلى النفوس في أي شيءº لذلك نجد إقبالاً على المساهمة في \"شنطة رمضان\" وتوفير أقمشة للعيد، وأنه يسعى من خلال لتحقيق الكفاية لليتيم والمحتاج، وليس سدّ الرمق فقط، فالإحساس بالآخر هو الأساس في فعل الخير.

 

وتقول أمينة محمد - 25 سنة - مدرسة: إنها تساعد في شهر رمضان في جمع الصدقات المادية والعينية لمساعدة المحتاجين، والتواصي مع الآخرين على فعل الخير، وتحث الأولاد في المدرسة على الصلاة، وتنظم مسابقات دينية لهم، وعمل مجلات حائط تُذكّر بشهر رمضان وفضله والمعاني الحقيقية للصيام.

 

ويقول منتصر الأنصاري -30 عامًا- ماجستير في الاقتصاد: \"إن أبرز أنشطته في رمضان هي الاختلاء بالنفس، وذلك من خلال كثرة الجلوس في المسجد من بعد صلاة الفجر حتى الشروق، واعتكاف العشر الأواخر وصلة الأرحام، ومقاطعة برامج التلفاز نهائيًّا، وكظم الغيظ، وضبط النفس.

 

ويؤكد أسامة عبد القوي - 24 سنة- جامعي أنه يحافظ على قراءة ثلاثة أجزاء من القرآن يوميًّا في رمضان، مع مراجعة جزء حفظ خلال الشهر، والتهجد عشرة أيام على الأقل والاعتكاف ثلاثة أيام والتصدق مرة أسبوعيًّا.

 

لماذا لا نستمر؟

السؤال الذي يفرض نفسه بعد انتهاء شهر رمضان، هو لماذا لا نستمر في فعل الخيرات والطاعات بعد رمضان رغم أننا استطعنا أن نواظب عليها شهرًا كاملاً؟

 

يقول نبيل صلاح – 30 عامًا - مدرس: \"لا أستمر في العبادات بنفس المستوى بعد رمضان بسبب الانشغال بالعمل، وانخفاض الروحانيات، كما أن وقت العمل في رمضان يكون أقل من الأيام الأخرى بعد رمضان، مما يعطي فرصة للعبادة وهذا لا يتوافر بعد رمضان\".

 

ويؤكد محمود جاد - 40 سنة - مهندس \"أن لشهر رمضان روح معينة تدفع الناس إلى فعل الخيرات، غير أن هذه الشحنة تتفرغ بعد رمضان والأصل في المسلم أنه دائم الشحن والتفريغ، فالحالة الروحانية والبيئة المحيطة وروحانيات رمضان تغيب، ولعل هذا هو سبب قلة وضعف مظاهر الخير بعد رمضان.. كما أن الانشغال بالحياة يقفز على الروح المتوثبة التي كانت في رمضان\".

 

أما منتصر الأنصاري فيرى أن السبب هو كثرة الانشغالات واللهث وراء متطلبات الحياة، كما أن انتهاء الجو الإيماني المحفز على فعل الخير في رمضان هو السبب الحقيقي وراء ضعف مظاهر الخير بعد رمضان إضافة إلى ضيق الوقت وضعف العزيمة.

 

وتذهب ليلى خميس إلى أن شهر رمضان له خصوصية، وفضله من الناحية الدينية والروحانية كبير، واستدلت بما جاء في كتاب \"مختصر منهاج القاصدين\" عن شهر رمضان إنه قهر لعدو اللهº لأن وسيلة العدو الشهوات وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب، وما دامت أرض الشهوات مخصبة فالشياطين يترددون إلى ذلك المرعى، وبترك الشهوات تضيق عليهم المسالك.

 

وأكدت أنها لا تشغل نفسها في رمضان إلا بالعبادة ويعطيها الصيام متسعًا من الوقت يمكنها من قراءة القرآن أكثر من مرة ولا يتوافر ذلك بعد رمضان.

 

أما سامي حبيب فيقول: إن الحياة تأخذ الإنسان بعيدًا بعد رمضان، ومشاكل العملاء تعكّر صفو النفس، ورغم ذلك فهناك بعض الأعمال الخيرية الثابتة التي أحافظ عليها مثل كفالة الطفل اليتيم، وأتمنى ألا نعطي الفقير أموالاً فقط، بل نساعده على العمل والإنتاج كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين قال للرجل السائل: \"اذهب واحتطب\".

 

وتؤكد أم سندس - 27 سنة- مديرة حضانة أن أسباب قلة مظاهر الخير ترجع إلى الشياطين ووسوستهاº لأنها كانت مصفدة في رمضان، لكنها تتحرر بعده، إضافة إلى ما يعتري النفس من كسل ومشاغل الأسرة والعمل.

 

عقبات يمكن تجاوزها:

يؤكد محمود جاد أن حسن الصلة بالله أهم نقطة في استمرار الخير بعد رمضانº لأن ربّ رمضان هو ربّ جميع الشهور، فالاقتراب من الله يدفع الإنسان إلى الاستمرار في الخير، ولي تجربة مع شخص أعرفه بدأ في الصلاة في رمضان منذ عام، ولم يترك صلاة فجر حتى الآن، وأؤكد أن التردد ليس من صفات المؤمنين، كما أن التردد يدل على عدم عمق الصلة بالله، فالأساس هنا هو ربط الإنسان بربه قبل ربطه بشهر معين.

 

ويطرح نبيل صلاح فكرة التنسيق بين أوقات العمل وبين الأوقات المخصصة للعبادة حتى يستمر المسلم في فعل الخير، ويؤكد ضرورة اعتبار العبادة أمرًا لا بد من تأديته مهما كانت الظروف، كذلك من الضروري أن ينتقي المسلم من العبادة أمسها وأقربها لنفسه مع إشراك أسرته في العبادة وأعمال الخيرº حتى يجد الشخص من يعينه في بيته، وعدم ربط العبادات بمواسم معينة.

 

أما عبد الله عيد فيدعو إلى ضرورة توعية الناس بأهمية وضرورة الاستمرار في الخير بعد رمضان ويقول: \"والناس من خلال تجربتي فيها خير كثير والتذكرة ضرورية لإيقاظ الإيمان، ويؤكد أن خطيب الجمعة لا يعطي لفعل الخير وحثِّ الناس عليه نصيبًا ذا أهمية في خطبته، فينعكس ذلك على حجم الخير في المجتمع، فكل مزكٍّ, عندما يقابل ويرشد ويوعى فإن الخير سيزداد، ومن عجيب ما رأيت من الخطباء أنني طلبت من أحدهم أن يحض الناس على التبرع للجنة الزكاة، ومشروع كفالة الطفل اليتيم فقال لي: كفاية على الناس كده.. فاستغربت من إجابته لهذا فمن الضروري احتكاك الداعية والخطيب بجوانب الخير ومشاريع البر في المجتمعº حتى يطلع عن قرب عن حاجة المجتمع لفعل الخير حتى ولو بالمساهمة بالقليل فالخطيب مصدر هام للتوعية، وقادر على تفريغ شحنة الناس عن يقين وإيمان ودفعهم للخير.

 

ويؤكد عبد الله أنه قام بمساهمة بعض الميسورين بالتفكير والبدء في اتخاذ خطوات عملية لإنشاء مشروع للجنة الزكاة يعود بالخير على المجتمع وبدخل ثابت للفقير والمحتاج، وبالتالي لا يكون عمل الخير في انتظار ما تجود به الناس فقط، ونستطيع بذلك تجاوز مراحل الجفاف التي تواجه مسيرة الخير بالمجتمع، وكما تقول الحكمة: \"أعطني سنارة ولا تعطني سمكة\" كما أنه من الضروري العمل على أن يستغني الفقير عن لجنة الزكاة من خلال توفير مشروع له يسترزق منه.

 

أما أمينة محمد فتدعو إلى التخطيط السليم والدقيق للتغلب على العقبات التي تعترض مسيرة استمرار الخير بعد رمضان، وتقول: فمثلاً ضيق الوقت من الممكن أن نتغلب عليه بتجهيز بعض الأعمال في فترات الإجازات، وبالنسبة للعامل المادي نستطيع أن نتحرك في حدود ظروفنا، أما الإعراض والسخرية فنواجهها بأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم.

 

وتطالب أم سندس باستحضار الإيمان والمراقبة كسبيل للاستمرار في الخير بعد رمضان عن طريق القراءة وسماع دروس العلم، مع تنظيم الوقت، والاستعانة بالكتب التي تعرفنا كيفية إدارة الوقت، وتحديد أولويات اليوم الواحد وتنظيمها، والاستفادة من خبرات الآخرين في أمور المطبخ والأولاد.

 

ويدعو منتصر الأنصاري إلى التغلب على العقبات التي تعترض استمرار الخير بعد رمضان بإشاعة روح الالتزام والتقوى في المجتمع مثل التي كانت في رمضان من خلال تفعيل دور المسجد في الحياة في باقي شهور السنة، وألا يقتصر دور المسجد التنويري على شهر رمضان فقط.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply