هل نجاهد عدونا الأكبر ونخرجه من حياتنا؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد.

 

أخي المسلم..أختي المسلمة..

نبارك لكم قدوم هذا الشهر العظيم، شهر المغفرة والرحمة والعتق من النار.. وهنيئاً لنا ولكم !ن بلغنا الله إياه، فوالله إنها لنعمة عظيمة، ومنة كبيرة أن مد في عمرنا حتى أكرمنا بصيامه وقيامه، ونسأل الله تمامه وقبوله.. آمين.

 

إخوتنا الأحبة..

بمناسبة هذا الشهر المبارك، يطيب لنا أن نبعث لكم مع هذه التهنئة الخالصة، نفحات قلبية، وخواطر صادقة، جاءت من وحي هذه الأيام الفاضلة، وعبير هذه اللحظات الروحانية، علها تكون - بإذن الله تعالى - عونا لنا على حسن الاستفادة من هذا الضيف الكريم، وتذكرة لنا من الغفلة والنسيان، فالقلب يصد،، والروح تموت، والنفس تمرض، وجلاء كل ذلك ذكر الله ومواعظه (( لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد )) وقبل الدخول مع تلك الوقفات لعلنا نتحدث عن ظاهرة مهمة أظن أننا نشترك جميعا في الاتفاق عليها ألا وهي: ما نلحظه من سرعة الزمان، ومضي الأيام، حتى لا نكاد نشعر من أشهر العام إلا بشهر رمضان، لما له من خصائص معينة، وأجواء خاصة كالصيام والقيام والعمرة والصدقة وغيرها، أما بقية الأشهر، فضلاً عن الأسابيع والساعات، فقد أصبح بعضنا لا يشعر بمرورها، ولا يبالي بقيمتها، كمن يعيش خارج حدود الزمن وخلف، سوار الحياة!! وتدليلا على هذا القول: لينظر كل واحد منا بكل صدق وتجرد في سير حياته منذ أن ودع شهر رمضان العام الماضي إلى أن عاد مرة أخرى هذا العام، وما الذي قدمه من أعمال تستحق الإشادة والرضا مما فيها نفع لنفسه أو للإسلام والمسلمين:

 

- هل حافظ – مثلا - على تكبيرة الإحرام ولم تفته مرة واحدة لمدة أربعين يوما؟

- هل حفظ شيئا من القرآن؟ وكم مرة ختمه؟

- هل كفل يتيما؟ هل ساعد محتاجا؟

- هل دل على خير؟ وكم قرأ من كتاب مفيد؟

- هل هدى الله على يديه إنسانا وأنقذه من الضلال أو النار؟

- هل كان له دور في الدعوة والإصلاح من خلال موقعه الأسري

و الاجتماعي أو الوظيفي..؟

- وهل...؟

هذه هي مجالات الغبطة وأمثالها بين المؤمنين..

أما أن تقول. قد ترفعت مرتبة في وظيفتي، أو فتحت محلا تجاريا، أو اشتريت سيارة جديدة، أو بنيت منزلا جديدا، !و غير ذلك، فإن هذه كلها من حظوظ النفس وزخرف الدنيا الزائل، وهي وسائل إلى هدف أسمى، وليست غايات في نفسها.

 

ومن هنا يتأكد لنا حقيقة مهمة قد غابت عن بعضنا في ظل استعجاله مرور الأيام وذهاب الوقت، وكأنه ينتظر أملاً قادماً، أو شيئا مفقودا، ألا وهي. أن مضي الزمن معناه، طي أعمارنا المحدودة، ونقص أنفاسنا المعدودة، وقربنا من أجلنا المحدد الذي لا يتقدم ولا يتأخر، مما يتحتم علينا إزاء هذا الأمران نقف مع أنفسنا وقفة جادة نحو قطع التسويف الذي يمليه علينا عدونا الشيطان وذلك: بالاستفادة من دقائق عمرنا، ولحظات حياتنا، ومن مرور المناسبات الفاضلة، بما يقربنا إلى الله، ويزيد من إيماننا وتقوانا ويرفع من شأن أمتنا في كل مجال وميدان. ولما كانت النفوس مقبلة في هذا الشهر الكريم على الخير، راغبة في الطاعات، كان من الحكمة أن يستغل كل مسلم في نفسه هذا التهيؤ لإجراء بعض الإصلاحات المهمة، والتغيرات الجوهرية في حياته، مستفيد، من هذا الصيام ببعض الفوائد الإيمانية والتربوية والأخلاقية والتي منها.

 

أولا: العودة إلى الله:

إن من أهم فوائد رمضان أن يكون فرصة لكل مسلم ومسلمة لتأكيد عودته إلى ربه- سبحانه وتعالى- عودة كاملة، وذلك بالالتزام بجميع أوامره، والابتعاد عن جميع نواهيه، لأنه قد لوحظ من بعض المسلمين في هذا العصر من صار يطبق بعض أوامر الدين كأداء بعض الصلوات في غير شهر رمضان، وأدائها كاملة هذا الشهر، وصوم رمضان وأداء الحج !! ولكنه يترك بعضها الآخر مما لا يوافق هواه أو يتلاءم مع شهواته، كتركه أداء فريضة الزكاة، أو ارتكاب بعض المحرمات والمنكرات !!

 

وهذه التجزئة في الأخذ والرفض من  أمر الدين شأنها خطيرº لأن المسلم ليس حر، في أن يأخذ من الدين ما يشاء ويدع ما يشاء، كلا، بل المطلوب منه !ن يأخذ الإسلام جملة وتفصيلا، وأن يدخل فيه دخولا كاملا، كما قال – تعالى -: (( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة)) البقرة: 208، أي في الإسلام، وذلك بالالتزام بجميع أوامره وترك جميع نواهيه. فيا أخي المسلم هل نبدأ في تفتيش حياتنا، لننظر ما وجوه الخير والطاعة لدينا لنحمد الله عليها ونواصل التمسك بها، وما وجوه التقصير في الصالحات لنعمل على استدراكها، وما أنواع الذنوب التي نحن مصرون عليها لنبادر بالتوبة منها، حتى نقول لأعيننا وألسنتنا ولآذاننا ولأيدينا ولأرجلنا صومي عما حرم الله كما يصوم البطن والفرج عما  أحل الله.. \"إنه ليس عيب أن يقع الإنسان في الخطأ والذنب (فكل بنى آدم خطاء) كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن العيب والجهل والحرمان أن يتمادى في ارتكاب ذنوبه ويواصل تقصيره، فلا يتوب من ذاك ولا يصحح هذا، لأجل ذلك كان (خير الخطائين التوابون) الذين عزموا بصدق وإخلاص على العودة إلى ربهم، وترك جميع ذنوبهم قبل فوات الأوان، وقبل أن يقال للإنسان: قد حان موعد رحيلك عن هذا الحياة، واستعد للقاء ربك!! فحينئذ يندم على ما سلف من ذنوبه وتقصيره عندما لا تنفع ساعة الندم ولا لحظة الحسرة.

 

فهل نبدأ منذ هذه اللحظة ونعزم على العودة والتوبة؟ نرجو ذلك.

 

ثانيا: الجدية في الحياة.

ولعل رمضان فرصة كذلك لأن يعيد الإنسان تقويم نظرته للحياة، وما هدفه الحقيقي من وجوده فيها، مع ما يتبعه من ترتيب لأوضاعه النفسية وإنشطته الاجتماعية، والكثير من أخلاقه وسلوكه.

إن غالب المسلمين اليوم- مما يؤسف له- أصبح يعيش في هذه الحياة بلا هدف واضح ولا غاية محددة، يمشي مع الناس أينما ساروا، وتسيره الظروف كيفما شاءت، وكأنه ريشة في مهب الريح، بلا اختيار ولا تفكير ولا إرادة\"

فأنت مثلا عندما تلحظ كسل المسلم عن أداء الواجبات الأساسية من دينه، وزهده في القيام بالطاعات، تتعجب من هذا الانصراف وقلة

 

الرغبة فيما يزيد من حسناته، وتتساءل: ألا يريد الجنة ويطمح في الدرجات العلى منها؟ ولا يخاف النار وما يقرب إليها من أسباب؟

وعندما تجد كذلك كلف المسلم واستغراقه في وسائل الحياة من مأكل ومشرب، وكد في العمل وجمع للمال، واهتمام بالمناكح والشهوات على حساب دينه تتساءل في نفسك: هل خلق هذا لأداء رسالة؟ وهل كلف بحمل أمانة؟

إنه من المؤكد أن هذا الأسلوب المعيشي اللاهي، من التخلي عن الواجبات، والوقوع في المحظورات، لا يتفق أبدا مع الوظيفة السامية التي من أجلها خلقه الله، ولا مع الدور الريادي الذي شرف بأدائه، ولا مع تلك الرسالة التي كلف بها، سواء نحو نفسه: بقيامه بطاعة الله وعبادته والالتزام بأمره وشرعه، والابتعاد عن نهيه ومعصيته، أو نحو غيره بتعبيدهم الله بالدعوة والإصلاح والتوجيه، ولكنه بسبب ما طغى على حياته من لهو ولعب، وهزل ومرح، وتعلق بتافه الأمور ووسائل الحياة نمسي كل ذلك أو تغافل عنه

فهل يكون رمضان مناسبة جديدة لتحديد الهدف والجدية في الالتزام بالإسلام إلى الممات، وهل يكفي ما مضى من الضياع والغفلة، واللهو واللعب فيما لا فائدة منه؟! نرجو ذلك.

 

ثالثا: الانتصار على الشيطان.

ورمضان كذلك فرصة عظيمة للانتصار على عدونا الأكبر الذي أغوى أبانا آدم - عليه الصلاة والسلام -، وأقسم بالله أن يضل ذرته ويصرفهم عن الحق والهدى، ويوقعهم في الحرام والموبقات، ويثبطهم عن الصالحات والطاعات ما استطاع إلى ذلك سبيلا.

 

إننا إذا نظرنا إلى واقع بعض المسلمين أدركنا أن الشيطان قد استطاع بكل خبث ومكر أن يتصرف في شؤون حياتهم، وأن يسيرها كيف يشاء، رغم زعمهم أنهم  أحرار منه ولا سيطرة للشيطان عليهم من قريب أو من بعيد.

 

وحتى لا نكون مبالغين في تلك النتيجة، هذه نماذج من تلك المعاصي والمخالفات الشرعية التي انتشرت بيننا نحن المسلمين، والتي غزا بها الشيطان إيماننا، وخرق بها حصانة نفوسنا، وهز بها جدران أخلاقنا، ومنها:

1- تضييع صلاتي الفجر والعصر مع الجماعة وعدم أدائهما إلا بعد خروج وقتهما.

2- عقوق الوالدين والجفاء والغلظة معهم.

3- سوء الخلق مع الزوجة والأولاد والأقارب والاتصاف بأخلاق سيئة كالبخل والشك والأنانية.

4- التعامل بالربا وأكل أموال الناس بالباطل من الغش والخداع والتدليس.

5- ارتكاب بعض الفواحش والمنكرات والتساهل فيها.

6- إهمال تربية الأسرة ووقوع نسائها في التبرج والسفور وغيرها من المحرمات.

7- التفكك الأسري وضعف التلاحم الاجتماعي وحدوث التقاطع والتها جر.

8- مصادقة الصحبة السيئة مع ما يتبعها من الوقوع في المحرمات كالمخدرات والدخان والشيشة وأنواع السموم القاتلة الأخرى.

9- السهر على معاصي الله من سماع الغناء ومشاهدة قنوات الشر والفساد وغيرها. إلى غير ذلك مما لا يعد ولا يحصى من تلك المخالفات التي زينها الشيطان لبعضنا ظانين انه يوصلهم بها إلى بر الأمان، وواحة السعادة وأنها الخير والحرية والرجولة وهي خلاف ذلك. فهل نستعين بالله في هذا الشهر الكريم على مجاهدة هذا العدو اللدود ونخرجه من ساحة وجودها فلا يكون له علينا أدنى طاعة أو استجابة؟ نرجو ذلك.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply