حكم زواج المسلم بالكتابية ( 3 )


بسم الله الرحمن الرحيم

 

المانعين الزواج بالكتابية مطلقاً

* المذهب الثاني:-

تحريم الزواج بالكتابية على المسلم:

وهو قول ابن عمر - رضي الله عنه - وابن حزم والهادوية (1).

* أدلتهم:

واستدل أهل هذا المذهب بأدلة:

الدليل الأول: من القرآن، وفيه آيتان صريحتان في النهي عن زواج المسلم بالمشركة، والكتابيات مشركات والنهي عن إمساك المسلمين نساءهم الكوافر الذي كان مسكوتاً عنه في أول الإسلام.

الآية الأولى: آية البقرة، وهي قوله - تعالى -: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون)(2).

وجه الدلالة من الآية أن الله - تعالى -نهى عن نكاح كل امرأة مشركة وجعل غاية النهي عن ذلك الإيمان، فكل مشركة داخلة في هذا العموم، والكتابيات مشركات بدليل وصف الله - تعالى -أهل الكتاب بذلك، كما في قوله - تعالى -:

(وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون * اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو - سبحانه - عما يشركون)(3). فقد وصف اليهود والنصارى بأنهم يشركون به - تعالى -، وعلى هذا القول تعتبر آية البقرة ناسخة لآية المائدة على عكس ما ذهب إليه بعض أهل القول الأول وقد ذكر ابن حيان قولاً لابن عباس: أن آية البقرة هذه عامة في الوثنيات والمجوسيات والكتابيات وكل من على غير دين الإسلام ونكاحهن حرام، والآية محكمة على هذا ناسخة لآية المائدة، وآية المائدة متقدمة في النزول على هذه الآية، وإن كانت متأخرة في التلاوة ويؤيدها قول ابن عمر في الموطأ: ولا أعلم شركاً أعظم من أن تقول المرأة: ربها عيسى....\"(4)، ومعنى هذا أن سورة المائدة وإن كانت من آخر سور القرآن نزولاً، فلا يمنع ذلك من أن تكون آيتها متقدمة على بعض آيات السور التي نزلت قبلها في الجملة.

جواب الجمهور:

وأجيب عن دعوى نسخ آية المائدة بآية البقرة بأمرين:

الأمر الأول: عدم وجود الدليل على تأخر آية البقرة على آية المائدة، ودعوى نسخ آية البقرة بآية المائدة أولى، لأن سورة المائدة متأخرة عن سورة البقرة باتفاق العلماء (5)، وعلى فرض عدم تأخر آية المائدة على آية البقرة فإن الأولى المصير إلى الأمر الثاني.

الأمر الثاني: وهو الجمع بين النصوص إذا أمكن بدلاً من إعمال أحدها وإهمال حكم الآخر، والجمع هنا ممكن وهو ما ذهب إليه الجمهور من اعتبار آية البقرة عامة تشمل جميع الكافرات بما فيهن الكتابيات وآية المائدة استثنت الكتابيات من النهي فبقين على الجواز.

والآية الثانية: هي قوله - تعالى -: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر)(6)ولفظ الآية عام يتناول كل كافرة، فلا تحل كافرة بوجه من الوجوه، ولا عبرة بخصوص سبب نزولها في نساء المسلمين من مشركات مكة، بل العبرة بعموم لفظها.

وأجيب عنها بما أجيب عن آية البقرة السابقة بأن الكتابيات مستثنيات بآية المائدة ودل عليها عمل الصحابة بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - (7).

 

----------------------------------------

(1)انظر: المبسوط (4/210) والمحلى (9/445) والسيل الجرار (2/252-254).

(2) البقرة: (221).

(3) التوبة: (30-31)

(4) التفسير الكبير (2/164) وراجع فتح الباري لابن حجر (9/417. 416).

(5) راجع مجموع الفتاوى لابن تيمية (32/178) وما بعدها.

(6) الممتحنة 10

(7) راجع الجامع لأحكام القرآن (18/65) ومابعدها

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply