تقويم نظام هبة الجزيرة


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإن تقويم نظام شركة \"هبة الجزيرة\" يتلخص في مقامين:

الأول: حقيقة النظام والهدف المقصود منه.

الثاني: حكمه وفقاً للقواعد الشرعية.

 

المقام الأول: حقيقة النظام والمقصود منه

بناء على الشرح المقدم في موقع الشركة، فإن العميل يشتري قرصاً ممغنطاً بخمسمائة ريال، ثم بعد فترة يمنح حافزاً قدره 700 ريال عن كل قرص اشتراه بحسب \"قوة السوق\"، ثم بعد فترة أيضاً وبحسب \"قوة السوق\"، يمنح المتسوق مبلغ 15000 ريال، وذلك \"هبة من الشركة\" على حد تعبير الموقع.

فالعميل إذن يدفع 500 ريال مقابل القرص من جهة، والحوافز والهبات التي تشكل في مجموعها 15700 ريال. ولا نحتاج لكبير عناء لنعرف ما هو مقصود العميل من الشراء. فالقرص قيمته 500 ريال، أما \"الهبة\" فتبلغ 15000. وكل عاقل يبحث عن مصلحته يدرك أن هذه \"الهبة\" أكثر قيمة وأجدى اقتصادياً من القرص. فالمقصود الأهم والأعظم من الشراء هو الهبة. أما القُرص فإما أن يكون غير مقصود أصلاً، أو على أحسن الأحوال مقصوداً بحسب قيمته. فإذا كانت قيمة القُرص 500 والهبة 15000، فسيكون القُرص مقصوداً بنسبة 3%، وهي نسبة 500/15500، أما الهبة فستكون مقصودة بنسبة 97%.

أما من الناحية الاقتصادية، فالسؤال الذي يطرح نفسه: من أين تأتي هذه \"الهبة\" التي تعادل أكثر من 32 ضعف الثمن المدفوع؟

إن الموقع نفسه يصرح بأن منح الهبة يعتمد على \"قوة السوق\"، كما ينص على أنه يتم توزيعها بين المتسوقين أو العملاء \"بالاعتماد على مبدأ الأول ثم الذي يليه\". وواضح أن هذه الهبات الكبيرة إذن تعتمد على تسلسل العملاء في الشراء، فالهبة تذهب لمن اشترى أولاً، ثم الذين اشتروا بعدهم وهكذا.

والموقع يشير إلى أن منح الهبة مرتبط بقوة السوق، والمقصود بذلك هو مستوى الإقبال على شراء المنتج من الشركة. فكلما ارتفع الإقبال وازداد عدد المتسوقين، كلما كانت فرصة الحصول على \"الهبة\" أكبر.

والموقع يذكر أن مصدر هذه الهبات هو الأرباح التي تحصل عليها الشركة بعد استقطاع نصيبها البالغ 10%. وبناء على ما جاء في الموقع، فإن سعر القُرص يجب ألا يقل عن 300 ولا يزيد عن 1000 ريال. وهذا يعني أن التكلفة لا تتجاوز 300 ريال بحال من الأحوال. فإذا افترضنا تنـزلاً أن التكلفة في حدود 150-200 ريال، فهذا يعني أن الربح يبلغ 300-350 ريال للقرص الواحد.

ويمكننا من باب التبسيط أن نفترض أن صافي الربح بعد استقطاع نصيب الشركة يبلغ 300 ريال للقرص. فكم يجب أن يكون عدد الأقراص المباعة لتمنح الشركة هبة 15000 ريال للمتسوق الأول؟ الجواب بحسب الافتراض السابق: 15000/300 = 50 قرصاً. أي أنه يجب أن يوجد 50 متسوقاً بعد المتسوق الأول، إذا كان كل متسوق يشتري قرصاً واحداً. ولكي يمنح المتسوق الثاني 15000 ريال فيجب أن يوجد بعده 50 متسوقاً أيضاً، وهكذا. وكل واحد من هؤلاء يحتاج 50 متسوقاً بعده ليحصل على هذه \"الهبة. \"

أي أن المتسوق الأول يحصل على هبات مالية من خلال ما يدفعه من يأتي بعده، ومن بعده ممن بعده، وهكذا. وكل منهم لا بد أن يوجد بعده عدد أكبر من المشتركين ليمكن تحقيق مبلغ \"الهبة\"، فتكون النتيجة النهائية هرماً من المتسوقين، كل طبقة فيه أكبر من التي تليها. وينمو هذا الهرم بحسب \"قوة السوق\" وبحسب مستوى الانضمام للهرم.

وهذا هو بعينه نظام التسلسل الهرمي الذي تقوم عليه شركات التسويق الشبكي، والذي تزعم الشركة أنه لا علاقة لها به إطلاقاً.

إن النظام الهرمي في جوهره لا يختلف بين هذه الشركات، بما فيها شركة هبة الجزيرة، لكن قد تختلف هذه الشركات فيما بينها في الإجراءات والتنظيمات التفصيلية. لكن المبدأ والجوهر واحد: كل عضو يدفع لكي يحصل على مبلغ ممن يليه، وكل طبقة من المشتركين يجب أن تليها طبقة أكبر منها ليمكن جمع العمولات أو \"الهبات\" الموعودة.

وكما سبق بيانه في مناسبات عديدة، فإن الهرم لا يمكن أن يستمر في النمو إلى ما لا نهاية. فإذا توقف كانت الطبقات الأخيرة قد دفعت الثمن دون أن تحصل على \"الهبة\" التي كانوا يحلمون بها. فهي في حقيقة الأمر خاسرة لأنها لم تحقق الغرض الذي دفعت الثمن لأجله. وحتى في أثناء نمو الهرم، فإن كل طبقة لا يتحقق مقصودها إلا إذا جاءت بعدها طبقة أو أكثر لتحصل على العمولات أو الهبات الموعودة. فالطبقات الأخيرة دائماً خاسرة إلا إذا وجد بعدها من يدفع ويتحمل الخسارة إلى أن يأتي بعدها من يتحملها بدوره، وهكذا.

فالقول بأن نظام هبة الجزيرة لا علاقة له بالتسلسل الهرمي قول ينافي الواقع ويناقض المعطيات المصرح بها في موقع الشركة. وليس هذا غريباً عن هذه الشركات التي تجتهد بكل وسيلة لإخفاء الحقيقة عن أعين الناس، ولو كانت كالشمس في رابعة النهار.

 

المقام الثاني: حكم هذا النظام وفق القواعد الشرعية

إن الحكم على هذا النظام يتناول جانبين: جانب العقد بين المتسوق والشركة، وجانب مجموع المتسوقين وكيفية عمل النظام بمجموعه.

أولاً: العقد بين المتسوق وبين الشركة

إن الشركة تصرح في أنظمتها أن المتسوق يدفع 500 ريال ليحصل على القُرص بالإضافة إلى حافز قدره 700 ريال وهبة قدرها 15000. وكل من الحافز والهبة غير مضمون، بل هو بحسب ما أسموه قوة السوق. أي أن الحوافز والهبات غير متيقنة ولا مضمونة، بل هي احتمالية. وإذا قصرنا النظر على الهبة فتكون النتيجة أن المتسوق يدفع 500 مقابل قُرص بالإضافة إلى 15000 احتمالية الحصول.

وسبق في المقام الأول أن مقصود المتسوق الأهم والأكبر هو الهبة وليس القُرص، وأن هذا هو شأن العقلاء الذين يبحثون عن مصالحهم. فالمقصود إذن هو مبادلة 500 ريال بـ 15000 ريال قد تحصل وقد لا تحصل، وهذا هو القمار والميسر المحرم شرعاً. وفوق ذلك فإنه مبادلة لنقد بنقد مع التفاضل والتأخير، فيدخل في الربا.

وأما وجود القُرص فهو إما أن يكون غير مقصود أصلاً، أو على أحسن الأحوال مقصوداً تبعاً، وإنما المقصود الأكبر والأعظم هو مبلغ الهبة. ومما يؤكد ذلك ما صرح به موقع الشركة أن من ثمرات النظام أنه \"تم عقد قران أربعة من الشباب الذين استفادوا من هبات هذا النظام. وقد امتلك ثلاثة من المتسوقين منازل خاصة بعد أن كانوا في منازل مستأجرة...\" إلخ.

ولك أن تتخيل أخي القارئ كم حجم الهبات التي حصل عليها من تمكن من الزواج أو شراء بيت. إنها لا بد أن تبلغ عشرات الألوف بل المئات منها. أليس هذا أوضح دليل على أن المقصود من النظام هو الهبات وليس الأقراص؟ فالأقراص لا تزوج عزباً ولا تشتري بيتاً. فإذا كان هذا هو المقصود الحقيقي من النظام فما الداعي إذن لوجود الأقراص ابتداء؟ ولم لا يكون النظام اشتراكات نقدية مقابل \"هبات\" تحصل بحسب \"قوة السوق\"؟ الجواب واضح، فإن غياب القُرص يكشف حقيقة النظام وأنه مبادلة نقد بنقد، من جنس اليانصيب. فكم من فقير وأعزب ومستأجر استغنى وتزوج وامتلك بيتاً بسبب جوائز اليانصيب، فهل هذا كاف في الحكم بالجواز؟ وهل بهذا تصدر الأحكام الشرعية؟

فإذا كان المقصود الحقيقي والأغلب من المبادلة هو الهبة، كان الحكم مبنياً على ذلك، فتكون مبادلة نقد بنقد محتمل، مع التفاضل والتأخير، فيجتمع فيها الميسر والربا. وأما الاحتجاج بأن هذا من أسباب مكافحة الفقر، فتأتي مناقشته إن شاء الله عند مناقشة النظام بمجموعه.

ضابط الحيل

تتنوع صور التحايل على الربا والقمار، إلا أن من أبرزها أن يضم صاحب الحيلة سلعة غير مقصودة إلى أحد البدلين، ثم يزعم أن المقصود هو السلعة وليس البدل المحرم.

ولكن الفقهاء كانوا أكثر فطنة من أصحاب الحيل، ولهذا اتفقوا على منع مبادلة نقد بنقد أكثر منه، ومع النقد الأكثر سلعة. وهذه المسألة تسمى عند الفقهاء: مُدّ عَجوة. وذلك كمن يبادل 1000 ريال بسلعة ومعها 1500، فلا خلاف بينهم في منع هذه المبادلة، وذلك أن الزيادة في النقد المضموم للسلعة لا يقابلها شيء في الطرف الآخر.

والبائع لا يقبل في الحقيقة هذا التبادل إذا كان النقد الأكثر حاضراً، لأنه زيادة بلا مقابل، فتكون خسارة محضة. وإنما يمكن أن يقبل ذلك إذا كان النقد الأكثر إما مؤجلاً في الذمة، فتكون المبادلة في الحقيقة قرضاً بزيادة وأدخلت السلعة تمويهاً وتحايلاً على الربا. أو يكون النقد الأكثر محتمل الحصول، فتكون تحايلاً على الميسر والقمار.

وهذا هو الحاصل بالضبط في نظام \"هبة الجزيرة\": فالمتسوق يدفع 500 مقابل القُرص ومعه 15000. ومعلوم أنه لا يمكن أن يقبل بذلك البائع إلا إذا كان مبلغ الـ 15000 احتمالياً قد يحصل ولا يحصل، فيكون وجود القُرص حيلة وتلبيساً لحقيقة المعاملة وهي الميسر والمقامرة.

والفقه الإسلامي بحمد الله أعظم وأجلّ من أن تنطلي عليه هذه الحيل المذمومة، وإن كان قد يقع خلاف بين الفقهاء في بعض المعاملات هل هي من الحيل المذمومة أم لا.

لكن فيما اتفقوا عليه وفي الأدلة الصحيحة ما يكشف وجه الحق في هذه المسائل، لأن الله - تعالى -عصم هذه الأمة من الاجتماع على ضلالة. وفي النهاية فإن الله - عز وجل - هو المطلع على قلب كل إنسان ومراده، فمن قصد الحق وبحث عنه وتجرد للدليل فسيتبين له الحق عاجلاً أو آجلاً، وهو في ذلك مأجور إن شاء الله. ومن أراد تتبع الرخص والتلفيق بين الآراء بما يرضي هواه لا بما يرضي مولاه، فسيجد عمله عند من لا تخفى عليه خافية.

 

الأسماء لا تغير الحقائق

وأما تسميتها بالهبة، فهو من تسمية الأشياء بغير اسمها الذي حذر منه النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث عديدة، في الصحيح وغيره. والأحكام الشرعية لا تتعلق بالأسماء إذا كانت تنافي الحقائق. فسواء سميت هبة أو هدية أو مكافأة أو منحة أو غير ذلك من الأسماء، فهذا لا يغير حقيقة أنها المقصود الأهم في المعاوضة.

وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الهدية قد تكون رشوة وغلولاً، كما في قصة الرجل الذي بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - لجمع الصدقة، فلما جاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فتنظر أيهدى إليك أم لا؟ \" ثم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: \"أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول هذا لكم وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة\" الحديث، متفق عليه، ورواه أحمد أبو داود.

فهذه التي أسماها الرجل هدية إنما هي سحت وغلول، فمجرد التسمية لا يغير من الحقيقة شيئاً، وإنما هي من التحايل المذموم على الشرع. ولذلك ذكر البخاري - رحمه الله - هذه القصة في كتاب الحيل. والتحايل لا يجعل الحرام حلالاً، بل يزيده تحريماً، لأنه يجمع بين حرمة الفعل وبين حرمة التحايل والتدليس.

فيقال لمن يسمي مبلغ الـ 15000 ريالاً هبة أو هدية: هلا جلست في بيت أبيك وأمك فتنظر هل يهدى إليك هذا المبلغ أم لا؟ فهذه الهدية لا تعطى إلا لمن اشترى ودفع الثمن، فتكون إذن جزءاً من المعاوضة، وليست هبة كما سموها.

وفي صحيح البخاري أن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قال لأبي بردة بن أبي موسى الأشعري: \"إنك بأرض الربا بها فاش، إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا\". فبين - رضي الله عنه - أن هذه التي تبدو هدية ظاهراً هي ربا في حقيقتها، وإخراجها على صورة هدية لا يغير من الحكم شيئاً. وعبد الله بن سلام - رضي الله عنه - كان من أحبار اليهود قبل أن يسلم، فهو خبير بالربا وصوره وأنواعه. فقوله هذا مبني على علم وخبرة بحقيقة الربا، مع ما منّ الله به عليه من العلم والفقه والصحبة.

ولذلك قرر شيخ الإسلام أن الهدية إذا وجدت لسبب أخذت حكم ذلك السبب، وجعل ذلك من أصول الشريعة: \"وهو أن كل من أهدي له شيء أو وهب له شيء بسبب، فإنه يثبت له حكم ذلك السبب، بحيث يستحق من يستحق ذلك السبب، ويثبت بثبوته، ويزول بزواله، ويحرم بحرمته، ويحل بحله حيث جاز له قبول الهدية. مثل من أُهدي له للقَرض، فإنه يثبت له حكم بدل القَرض. وكذلك من أُهدي له لولاية مشتركة بينه وبين غيره، كالإمام وأمير الجيش وساعي الصدقات، فإنه يثبت في الهدية حكم ذلك الاشتراك. ولو كانت الهدية قبل العقد (أي عقد النكاح)، وقد وعدوه بالنكاح فزوجوا غيره، رجع بها\" (الاختيارات ص334) وهذا يرجع في النهاية إلى قاعدة الشريعة في اعتبار المقاصد والنيات، وهي قاعدة كلية ثبتت من نصوص متواترة تبلغ حد القطع.

إذا ثبت ذلك فإن ما سمي هبة في هذه المعاملة ما هو في الحقيقة إلا عوض عن الثمن المدفوع، إذ لا يحصل على الهبة إلا من اشترى ودفع الثمن. ولما كان هذا العوض هو المقصود أساساً، وكان احتمالياً قد يحصل وقد لا يحصل، فالمعاملة إذن من الميسر المحرم بالنص والإجماع. ولا يفيد تسمية العوض الاحتمالي هبة أو هدية إلا زيادة الإثم والتحريم، كما سبق.

 

ثانياً: حكم النظام بمجموعه

سبق أن مصدر \"الهبة\" في هذه المعاملة هو مشتريات المتسوقين التالين للمتسوق الأول، وكل من يحصل على الهبة إنما يحصل عليها ممن يأتي بعده من المتسوقين. فالطبقات الأخيرة من المتسوقين لا تربح الهبة إلا إذا وجد بعدها طبقات جديدة. وهذا يعني أن من يكسب الهبة إنما يكسبها على حساب من يأتي بعده، وهذا لا يكسب إلا على حساب من بعده، وهكذا. فالطبقات الأخيرة دائماً خاسرة، لأن المقصود من الثمن هو الهبة كما سبق، والهبة لا تتحقق إلا بوجود طبقات تالية تتحمل هي الثمن لتحصل الهبة لمن سبقهم، وتحصل هي على الهبة ممن بعدهم. فلا يوجد من يربح إذن إلا بوجود من يخسر، وهذا هو حقيقة أكل المال بالباطل المحرم شرعاً.

أضف إلى ذلك أن من طبيعة النظام الهرمي الذي ينشأ بهذا الأسلوب أن الطبقات الدنيا الخاسرة أكبر بكثير من الطبقات العليا الرابحة. ورياضياً فإن نسبة من يربح في الهرم لا تتجاوز 6%، بينما 94% من أعضاء الهرم يخسرون. فالغالبية تخسر لكي تربح الأقلية، وهذا مع ما فيه من الظلم وأكل المال بالباطل، فإنه يؤدي إلى سوء تركيز الثروة الذي تحرمه جميع الشرائع التي تراعي العدالة الاجتماعية، فضلاً عن الشريعة الإسلامية.

فالنظام الهرمي في أصل طبيعته وتكوينه قائم على ربح الأقلية في أعلى الهرم على حساب الأكثرية ممن دونهم. وهذا النظام يجمع بين أكل المال بالباطل وبين سوء توزيع الثروة وتركيزها في يد الأقلية، وهي عين المفسدة التي تنشأ عن الربا والاحتكار، وحرمها القرآن بقوله - تعالى -: \"كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم\". فلا يشك عاقل درس هذا النظام وأدرك حقيقته وكيفية عمله أنه مناقض للشريعة الإسلامية مناقضة صريحة، فهو كما قيل: تصوره كاف في إبطاله.

 

الغاية لا تبرر الوسيلة

تفخر الشركة في موقعها بأن من ثمرات النظام زواج عدد من المتسوقين عن طريق الهبات التي حصلوا عليها، وتملك بعضهم بيوتاً بعد أن كانوا في منازل مستأجرة، \"وما علم الله به أكثر وأعظم. \" ثم أشاروا إلى ما لهذا النظام من \"الأثر الكبير في مكافحة الفقر والارتفاع بمستوى المعيشة بإذن الله - تعالى -. ومعلوم أن الشريعة الغراء من مقاصدها رفع الفقر عن المسلمين\" إلى آخر ما جاء فيه.

وأول ما يلاحظ هنا هو الاعتماد على مقاصد الشريعة بعد أن كانت مغيبة عند تبرير بيع القُرص وأنه عوض الثمن المدفوع. فإن كانت العبرة بالمقاصد فما الحاجة إذن لبيع الأقراص؟ إن هذه الأقراص لا تسمن ولا تغني من جوع في مكافحة الفقر وتزويج الشباب وإيواء المشردين. وكما سبق، فإن هذا من أوضح الأدلة على أن المقصود من النظام هو الهبات وليس الأقراص، فالواجب إذن تقويم النظام بهذا الاعتبار. ولكن هذا يعني أن النظام لا يعدو أن يكون صورة من الميسر، لأنه نقد مقابل نقد قد يحصل وقد لا يحصل.

ونقول ثانياً: لا ريب أن مكافحة الفقر من مقاصد التشريع الإسلامي، لكن الغاية لا تبرر الوسيلة، فلا يجوز سلوك طرق غير مشروعة لتحقيق الهدف المشروع. وقد كان الميسر في الجاهلية يتباهى به العرب في إعطاء المحتاج والفقير، ومع ذلك نزل القرآن بتحريمه قطعاً. كما أن اليانصيب الحكومي في دول الغرب وغيرها هدفه مكافحة الفقر وعلاج المرضى وتوظيف العاطلين، وغير ذلك من الأهداف الاجتماعية. فهل هذا يجعل اليانصيب مشروعاً؟ إن الله - تعالى -طيب لا يقبل إلا طيباً، فمن رام تحقيق الأهداف النبيلة فلا بد له من سلوك الطرق المناسبة لهذه الأهداف.

ونقول ثالثاً: إن هذا النظام هو نفسه من أسباب الفقر، لأنه يركز الثروة في أيدي القلة القليلة على حساب الكثرة الكاثرة، كما سبق. فإن كان الهدف هو مكافحة الفقر ومحاربة تركيز الثروة، فالواجب منع هذا النظام ومحاربته. وهذا يؤكد أن الوسائل المحرمة لا تفضي إلى مصالح مشروعة، بل إلى مفاسد محرمة. ومن نظر إلى الوسائل وأعرض عن المآلات، أو نظر إلى المآلات وأعرض عن الوسائل، وقع في التناقض ولا بد. ومن جمع بينهما ائتلفت عنده المقاصد والأحكام، واتفق الحكم الخاص بالعقد مع الحكم العام للنظام بمجموعه، وهذا بحمد الله بيّن لكل منصف.

 

الخلاصة

إن نظام هبة الجزيرة يجمع بين الميسر والربا، مع ما فيه من التحايل المذموم، فهو محرم شرعاً. وبيان ذلك:

1. إن المقصود الأهم من الشراء هو الهبة، وهذا هو شأن العقلاء الذين تتعلق بهم الأحكام الشرعية، وهو الواقع الذي ثبت بالرؤية والمشاهدة، وباعتراف أصحاب الشركة أنفسهم. والقُرص ما هو إلا ستار وحيلة لإخفاء حقيقة المعاملة.

2. إن المعاملة بذلك تصبح مبادلة بين 500 نقداً و15000 محتملة، وهذا يجمع بين القمار وبين الربا، وكلاهما محرم بالنص والإجماع.

3. إن النظام بمجموعه هو النظام الهرمي القائم على أكل المال بالباطل وربح الأقلية على حساب الأكثرية، وكلاهما محرم أيضاً بالنص والإجماع.

وختاماً

ندعو كل من يرتاب في صحة هذه النتائج إلى النظر في حقيقة هذه المعاملة وغايتها، والنظر في واقع المتعاملين وما الذي يسعون له فعلاً، ثم عرض هذه الحقيقة وهذه الغاية على قواعد الشريعة وأحكامها ومقاصدها. فالأحكام الشرعية تبنى على الحقائق والمقاصد، لا على الصور والمظاهر إذا ناقضت الحقائق.

اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدنا وإخواننا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

والحمد لله رب العالمين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply