حديث فضل التبكير إلى الجمعة رواية ودراية ( 2- 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تناول الكاتب في حلقته الأولى من هذه الدراسة المؤصلة للأحاديث الدالة على فضل التبكير إلى الجمعة، ثم ركز دراسته على حديث أوس بن أوس - رضي الله عنه -، وخرجه باستفاضة وذكر أقوال أهل الحديث فيه، ثم ذكر كثيراً من الأحكام والفوائد المستنبطة منه، مع التفصيل في المسائل المهمة، ثم ذكر أموراً مهمة تعين المسلم على التبكير لصلاة الجمعة.

 

وقت التهجير:

اختلف أصحاب القول الثاني متى يكون التهجير على قولين:

1- أول التبكير من طلوع الشمس. وهو قول الثوري، وأبي حنيفة، والبوشنجي، ورجحه الخطابي وغيرهº لأن ما قبله وقت للسعي إلى صلاة الفجر، ورجح هذا القول عبد الملك بن حبيب المالكي، وهؤلاء حملوا الساعات على ساعات النهار المعهودة، وهو الظاهر المتبادر إلى الفهم(1).

2- من طلوع الفجر وهو ظاهر مذهب الشافعي، وأحمد.

وقال ابن حجر في تعقيبه على أصحاب القول الثاني: وفيه نظر إذا يلزم منه أن يكون التأهب قبل طلوع الفجر.

وقال العراقي في تعقيبه على القول الثاني: الأصح عند الشافعية من طلوع الفجر، وقال والدي - رحمه الله - ولكن ليس العمل عليه في أمصار الإسلام قديماً وحديثاً أن يبكر للجمعة من طلوع الفجر وفيه طول يؤدي إلى انتقاض الطهارة، وتخطي الرقاب.

وقد أخرج البخاري عن أنس - رضي الله عنه - قال: كنا نبكِّر إلى الجمعة ثم نقيل(2).

وقد أخرج الدارقطني عن سهل بن سعد قال: \" كنا نبكِّر إلى الجمعة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم نرجع فنتغدى ونقيل\"(3)، وأصله في البخاري ولفظه: \"ما كنا نقيل ولا نتغدى إلاّ بعد الجمعة\".

وقد روى الأثرم عن عبد الله بن رواحة: أنه كان يبكر إلى الجمعة ويخلع نعليه ويمشي حافياً ويقصد في مشيه(4).

وقال ابن سعد: أخبرنا عفان بن مسلم قال أخبرنا حماد بن سلمة قال أخبرنا علي بن زيد بن جدعان: أن عبيد الله بن نوفل وسعيد بن نوفل والمغيرة بن نوفل كانوا من قراء قريش وكانوا يبكرون إلى الجمعة إذا طلعت الشمس يريدون بذلك الساعة التي ترجى(5).

وروى معاوية بن قرة قال: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم الجمعة اغتسلوا ولبسوا من صالح ثيابهم ومسوا من طيب نسائهم ثم أتوا الجمعة فصلوا ركعتين ثم جعلوا يبثون العلم والسنة حتى يخرج الإمام(6).

وكان محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب يروح إلى الجمعة باكراً فيصلي إلى أن يخرج الإمام (7).

وقال الوليد بن مسلم: قلت لسعيد ابن عبد العزيز: من أدركت من التابعين كان يبكر إلى الجمعة؟ قال: ما رأيت أبا عمرو - أي الأوزاعي - قلت: بلى، قال: فإنه قد كفا من قبله فاقتد به فلنعم المقتدى(8).

وجاء عن الإمام أبي حنيفة أنه كان يبكر إلى الجامع فيغتسل غسل الجمعة ويمس شيئا من دهن ثم يمضي إلى الصلاة(9).

وذكر الخلال في جامعه: أن الإمام أحمد كان يبكر إلى الجمعة وينصرف أول الناس(10).

وقال الإمام أحمد في ذكره لأصناف الناس في الصلاة: وأعجب من ذلك أقوام يسبقون إلى الفضل ويبكرون إلى الجمعة طلباً للفضل في التبكير ومنافسة فيه فربما صلى أحدهم الفجر بالمسجد الجامع حرصاً على الفضل وطلباً له، فلا يزال مصلياً وراكعاً وساجداً وقائماً وقاعداً وتالياً للقرآن وداعياً لله - عز وجل - وراغباً وراهباً وهذه حاله إلى العصر ويدعو إلى المغرب (11).

قال الشيخ أبو طالب المكي - رحمه الله -: كان يُرى في القرن الأول في السحر وبعد الفجر الطرقات مملوءة من الناس يمشون في السرج ويزدحمون بها إلى الجامع كأيام العيد، حتى اندرس ذلك، وكثير من السلف كان يصلي الغداة يوم الجمعة في الجامع ويقعد ينتظر صلاة الجمعة لأجل البكورº ليستوعب فضل الساعة الأولى، ولأجل ختم القرآن، وعامة المؤمنين كانوا ينحرفون من صلاة الغداة من مساجدهم فيتوجهون إلى جوامعهم. وقيل: أول بدعة حدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجامع إلى الجمعة.

وقال الغزالي - رحمه الله -: وكيف لا يستحي المسلمون من اليهود والنصارى وهم يبكرون إلى البيع والكنائس يوم السبت والأحد! وطلاب الدنيا كيف يبكرون إلى رحاب الأسواق للبيع والربح، فلماذا لا يسابقهم طالب الآخرة؟! (12).

وروى الآجري، وابن بطة مرفوعاً من حديث ابن عباس وفيه: \"وأقربهم منه مجلساً أسرعهم إليه يوم الجمعة وأبكرهم غدواً\" (13).

وروى أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: \"سارعوا إلى الجمعة فإن الله - عز وجل - يبرز لأهل الجنة في كل يوم جمعة في كثيب من كافور أبيض فيكونون في الدنو منه على مقدار مسارعتهم في الدنيا إلى الجمعة فيحدث لهم من الكرامة شيئ لم يكونوا رأوه فيما خلا. قال: وكان عبد الله بن مسعود لا يسبقه أحد إلى الجمعة، قال: فجاء يوماً وقد سبقه رجلان فقال: رجلان، وأنا الثالث إن الله يبارك في الثالث\"(14).

روى عمرو بن قيس عن ابن مسعود أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى(15) وقال الذهبي: بإسناد جيد (16).

والناظر في عصرنا هذا يرى التقصير في هذا الأمر، فلا تكاد ترى الناس يحضرون إلى الجمعة إلا قبل ساعة واحدة، وبعضهم إذا بدأ الإمام يخطب، وبعضهم إذا إقيمت الصلاة...والله المستعان.

وقد ذكر لي شيخنا الشيخ صالح الفوزان: أنهم عندما كانوا صغاراً كانوا يذهبون مبكرين كان أحدهم يقرأ قريباً من نصف القرآن حتى يخرج الإمام.

قوله \"ومشى ولم يركب\".

حكي عن الأثرم في قوله \"مشى ولم يركب\" أنها للتأكيد، وأنهما بمعنى واحد. واختار النووي أن هذا احتراز من شيئين:

1- نفي توهم حمل المشي على المضي والذهاب، وإن كان راكباً.

2- نفي الركوب بالكليةº لأنه لو اقتصر على المشي لاحتمل أن المراد وجود شيء من المشي ولو في بعض الطريق، فنفى ذلك الاحتمال وبين أن المراد مشي جميع الطريق ولم يركب في شيء منها(17).

وقد روي عن عبد الله بن رواحة بسند صحيح أنه كان يأتي الجمعة ماشياً، فإذا رجع كيف شاء: إ

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply