حكم دراسة القانون الوضعي والعمل في مجاله


بسم الله الرحمن الرحيم

 

السؤال:

أنا شاب أدرس بالفرقة الثالثة في كلية الحقوق، و بالطبع ندرس قوانين الغرب الكافرة، فما حكم استمراري في دراسة هذه القوانين، و ما حكم عملي بعد التخرج في مجال المحاماة أو النيابة أو القضاء؟

 

الجواب:

أقول مستعيناً بالله - تعالى -:

فأحسب أن الأخ السائل لا يخالفني في الحكم بكفر من لم يحكم بما أنزل الله سواء كان مبدلاً أو مشرعاً أو قاضياً بغير الشريعة الغراء.

فقد قال - تعالى -في معرض الوعيد الشديد لمن أعرض عن حكمه العدل الفصل إلى ما سواه: (و َمَن لَم يَحكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ)، و قال: (وَ مَن لَم يَحكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) و قال أيضاً: (وَ مَن لَم يَحكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ) [المائدة: 44-45-47].

و أقل هذه الأوصاف هي الفسق، و الموصوف بها هو من يحكم بغير الشريعة في المسألة الواحدة لهوى في النفس، دون أن ينصب نفسه مشرعاً من دون الله، يقضي و يفصل بما لا يرضي مولاه.

أما الحكم العام للحاكم بغير ما أنزل الله فالأصل فيه أنه كفر، و حكم الكفر لا يرفعه إلا الإكراه، و لا أظن من يقدم طواعية لدراسة القانون أو العمل في القضاء الوضعي أو النيابة أو المحاماة يقدم على أيٍّ, من هذه الأمور مكرهاً، فتنبه!

فإذا تقرر كفر من هذه حاله و العياذ بالله، وجب التنبيه على أمور تتعلق بدراسة القانون الوضعي و العمل في مجاله بعد التخرٌّج فيما يلي بيانها:

 

• أولاً: الوسائل تأخذ حكم الغايات، و القاعدة الفقهية تقول: (الأمور بمقاصدها) فمن درس القانون الوضعي متذرِّعاً به إلى العمل في المحاكم الوضعية قاضياً أو نائباً أو مدعياً أو نحو ذلك، فهذه كلها ذرائع إلى الحكم بغير ما أنزل الله، و هي السبيل إلى الكفر الصراح، و العياذ بالله.

 

• ثانياً: إن مجرد تلقي علوم القانون في المعاهد و الجامعات مع العلم بكفر من يحكم بها، دون اقتران دراستها ببيان مفاسدها، أو مقارنتها بالشريعة الربانية لبيان البديل الشرعي الراجح على ما سواه بالحجج العقلية و النقلية، فالدراسة محرمة في هذه الحالº لأنها قد تفضي بقلب الطالب إلى أن يُشرَبَ الفتنة، أو تَتَمَكَّنَ منه الشُبهة.

 

• ثالثاً: في مقابل الحالة السابقة هناك من يدرس القانون الوضعي لمعرفة مفاسده و أخطاره على عقائد الناس و حقوقهم، فهذا من قبيل معرفة الشر للحذر و التحذير منه، و بيان مفاسده، و مثل هذا مثل من يدرس في كلية الاقتصاد ليقف على تفاصيل بعض التعاملات الربوية و ما يقابلها من البدائل الشرعية المتاحة، فهو بذلك قد يكون عوناً للمسلمين على الخير، و دالاً على ما يستحق أجر فاعله، إذ إن الدال على الخير كفاعله.

 

• رابعاً: إذا كان الطالب متذرعاً بدراسة القانون إلى كسب يحرزه، أو دنيا يصيبها، فكسبه من هذا الباب حرامٌ كله، فضلاً عما يلحقه من الخطر العظيم، خطرِ الردة بعد الإسلام، و الكفر بعد الإيمان.

 

• خامساً: تدرِّس بعض الجامعات المعاصرة مواد القانون الوضعي إلى جانب المواد الشرعية في كليات الشريعة (و منها كلية الشريعة في جامعات دمشق و بغداد و الإمارات و غيرها) و إن كان بعض تلك الكليات يحمل اسم كلية الشريعة و القانون للدلالة على منهجها المختلط.

و الدراسة في هذه الكليات مشروعة بحكم الأصل إذا سلمت النية فيها، لأن الأصل في مقرراتها و مناهج الدراسة فيها هو العلوم الشرعية، و علوم اللغة العربية، و نحو ذلك مما يعرف بعلوم الآلة، إلى جانب مواد القانون التي يتم تدريسها كمقررات ثانوية، يمكن للطالب المرور عليها مرور الكرام، و الوقوف على ما فيها من فساد يمكن عرضه على ما في المناهج الشرعية من سداد، و مج باطله في مستنقعات الباطل الأثيم، دون أن يؤثر في الطالب أو غيره.

 

• من درس القانون لمعرفة ما فيه من شر تمكن مقاومته، و سعى إلى إبراء ذمته بالتحذير من حكم البشر، و الدعوة إلى تطبيق الشريعة الربانية، و العمل على ذلك، بالوسائل المشروعة فهو مأجور على مسعاه، و بوسعه أن يستعين بما تعلمه في إنصاف المظلومين، كالدفاع عن المعتقلين و المتهمين زوراً و بهتاناً بما بات يسمى إرهاباً، حيث إن المحاكم التي تنظر في قضاياهم لا تقر بالوحي مصدراً للتشريع، و لا بالشريعة حكماً فيما شجر و يشجر بين الخلق من خلاف، فإن استغل معرفته بالقانون الوضعي للدفاع عن هؤلاء و إنصافهم و فك رقابهم فنعم الفعل فعله، و لا غضاضة فيه و لا حرج، بل هو مأجور غير موزور إن شاء الله، و الله أعلم.

 

و بالجملة أخي السائل الكريم أسأل الله - تعالى -أن يستعملك في طاعته، و أن ييسر لك سبل مرضاته، و أن يكفيك بالخير عن الشر، و بفضله عن الغير.

فالتمس رضاه فيما أحل لك، و إياك و مضلات الهوى، و موردات الردى في باب الحكم بغير ما أنزل الله، و غيره من الأبواب التي يستشرف من ولَجَها الشيطان.

و أذكرك بما جاء في السنّة المطهّرة من التحذير و التنفير من ولاية القضاء لمن لا يقدر على إنفاذ حكم الله - تعالى -فيما شجر فيه الخلاف بين المتخاصمين، فقد روى الترمذي و أبو داود و ابن ماجه و أحمد و الدار قطني و الحاكم و البيهقي بإسناد حسن عَن أَبِى هُرَيرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: « مَن وَلِىَ القَضَاءَ أَو جُعِلَ قَاضِياً بَينَ النَّاسِ فَقَد ذُبِحَ بِغَيرِ سِكِّينٍ, ».

قال صاحب التحفة: (فقد ذُبح) بصيغة المجهول (بغير سكين) قال ابن الصلاح: المراد ذبح من حيث المعنى لأنه بين عذاب الدنيا إن رشد وبين عذاب الآخرة إن فسد. وقال الخطابي ومن تبعه إنما عدله عن الذبح بالسكين ليعلم أن المراد ما يخاف من هلاك دينه دون بدنه وهذا أحد الوجهين. والثاني أن الذبح بالسكين فيه إراحة للمذبوح، وبغير السكين كالخنق وغيره يكون الألم فيه أكثر فذكر ليكون أبلغ في التحذير.

هذا و الله الهادي إلى سواء السبيل، و بالله التوفيق.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply