وداع رمضان والحث على زكاة الفطر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، نحمده - سبحانه وتعالى - على ما منّ علينا من إعانتنا على أداء الواجبات، ونسأله - تعالى - بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يتقبل صيامنا وقيامنا وسائر العبادات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خير الدعاة ومرشدهم إلى طريق النجاة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن نهج نهجهم واقتفى أثرهم إلى أن نلقى رب البريات.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله - تعالى -واعلموا أن شهر رمضان المبارك قد آذن بالرحيل، ولم يبق منه إلا أيام معدودة، ( مَّن عَمِلَ صَـالِحًا فَلِنَفسِهِ وَمَن أَسَاء فَعَلَيهَا وَمَا رَبٌّكَ بِظَلَّـامٍ, لّلعَبِيدِ ) [فصلت: 46].

ويا سعادة وفوز من اتخذ من رمضان موسمًا لطاعة الله - تعالى -، فصام نهاره وأحسن صيامه وصانه، وقام ليله فأحسن قيامه، وبتلاوة القرآن زانه، وشكر نعم الله - تعالى -عليه فلم ينس إخوانه من الضعفاء والمحرومين، فبذل لهم ماله.

ويا لشقاوة من لم ينتفع برمضان، فلم يستفد من صيامه ولا قيامه، وإنما كان شغله الشاغل ما يملأ المعدة من أصناف المطعومات، وما يطفئ روح النفس من الطيش والسباب، وأطلق فيما حرم الله عليه لسانه، وشتان شتان ـ رحمكم الله ـ بين من حظه من رمضان القبول والتوبة الصادقة والغفران ومن كان حظه فيه الخيبة والندامة التعب والخسران.

واسمعوا معي ـ عباد الله ـ ما قاله الصحابي الجليل أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: صعد رسول الله المنبر فقال: ((آمين آمين آمين))، فقيل له: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر فقلت: آمين آمين آمين! فقال: ((أتاني جبرائيل - عليه السلام - فقال: يا محمد، رغم أنف امرئ دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يغفر له، قل: آمين، فقلت آمين، ثم قال: رغم أنف امرئ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة، قل: آمين، فقلت آمين، ثم قال: رغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك، قل: آمين، فقلت: آمين)). - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- .

فيا عباد الله، أوصي نفسي وإياكم أن نتدارك أنفسنا وخاصة في هذه الأيام القليلة الباقية المحدودة، فعسى أن تكون فيها ليلة القدر، الليلة المباركة التي يكون العمل فيها خيرًا من ألف شهر، وعسى أن تكون التوبة والإقلاع والندم ترقع من الصيام ما انخرق، وعسى للمنقطعين عن ركب المقبولين أن يفوزوا باللحاق، وعسى برحمة من الله أن من استوجب النار أن يعتق من النار فرحمة الله وسعت كل شيء.

فلا تقنطوا ـ عباد الله ـ من رحمة الله - تعالى -، وبادروا بالتوبة الصادقة النصوح والأعمال الصالحة، واستبشروا بقول نبي الرحمة: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه))[1].

وأخلصوا ـ عباد الله ـ في الدعاء، وألحوا عليه - جل وعلا - وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الأعمال بالخواتيم، فنسأل الله - عز وجل - أن يختم لنا بصالح الأعمال المرضية، وأن يصلح لنا النية والذرية.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَليَستَجِيبُوا لِي وَليُؤمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ ) [البقرة: 186].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

----------------------------------------

 [1] رواه البخاري في صلاة التراويح، باب: فضل من قام رمضان وباب: فضل ليلة القدر (2/3251)، ومسلم في صلاة المسافرين، باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح (759).

 

الخطبة الثانية

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله، واعلموا أن يوم العيد يوم فرح وسرور بنعمة الله - تعالى -، فينبغي تعميم السرور على كل أبناء المجتمع المسلم، ولن يفرح المسكين ويسر إذا رأى الآخرين يأكلون ما لذ وطاب وهو لا يجد قوت يومه في يوم عيد المسلمين.

ولحكمة بالغة من الله ولتطهير الصائم اقتضت حكمة الشارع أن يفرض للفقراء والمساكين ما يغنيهم عن الحاجة وذلّ السؤال في يوم الفرح والسرور، مما يؤدي إلى إشاعة المحبة والمودة والسرور في المجتمع الإسلامي وخاصة المساكين وأهل الحاجة.

وإلى جانب هذا الأمر العظيم فهناك حكمة أخرى سامية وهي تتعلق بالصائمين في شهر رمضان، وما عساهم أن يكونوا قد ارتكبوا من ذنب أو وقعوا في إثم من لغو القول ورفث الكلام وصغار الذنوب، فجاءت هذه الزكاة في ختام الشهر لتجبر ما كان فيه من قصور وتستر ما وقع فيه من خلل، ولذا جاء في الحديث عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات[1].

واعلموا ـ رحمكم الله - تعالى -ـ أن زكاة الفطر لا يشترط فيها ما يشترط في الزكوات الأخرى، فتلك زكاة الأموال، أما هذه فزكاة الأشخاص، لذا فهي واجبة على الذكر والأنثى والحر والعبد والصغير والكبير، كما جاء في الصحيح عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: فرض رسول الله زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأن تؤدّى قبل خروج الناس إلى الصلاة[2]. وقال بعض أهل العلم يستحب إخراجها عن الحمل.

ووقت زكاة الفطر يوم العيد قبل الصلاة، ويجوز إخراجها قبل يوم عيد بيوم أو يومين أو ثلاثة لما ورد أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة. وهي صاع من القوت الغالب في البلد، وتدفع إلى الفقراء والمساكين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغفِرَةٍ, مّن رَّبّكُم وَجَنَّةٍ, عَرضُهَا السَّمَـاواتُ وَالأرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالكَـاظِمِينَ الغَيظَ وَالعَـافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبٌّ المُحسِنِينَ)  [آل عمران: 133، 134].

فاللهم نسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تتقبل منا طاعتنا، وأن تعيد علينا هذا الشهر ونحن في عافية في ديننا ودنيانا، وأن تجعلنا من عتقائك من النار يا أرحم الراحمين.

 

----------------------------------------

[1] رواه أبو داود في الزكاة، باب: زكاة الفطر (1609)، وابن ماجه في الزكاة باب: صدقة الفطر (1827)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (843).

[2] رواه البخاري في الزكاة، باب: فرض صدقة الفطر (2/138)، ومسلم في الزكاة، باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير (984).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply