رمضان والأسواق


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

أيها الأخوة في الله: مع جمالِ أيامِ رمضان.. ومع حسنِ بهائها.. ونظارةِ لياليها.. خاصةً ليالي العشرِ المباركة.. إلا أن هناك بعضَ المعكرات.. وشيئاً من المكدرات.. المعكراتِ التي تثيرُ الأشجان.. وتجلبُ الأحزان.. والمكدراتِ التي تؤنبُ الضمائر.. وتقلقُ الخواطر.. نعم والله هناك أمورٌ.. تجعلُ الحليمَ حيران.. كيف يحدثُ هذا في الشهرِ المبارك ؟

 

عجباً لحال الناس.. إي وربي.. عجباً لحال الناس.. أما وجدوا أوقاتا غيرَ هذه الأوقات؟!! حتى في مواسمِ النفحات.. ومواسمِ تنـزلِ الرحمات.. لا يتخلى الناسُ عن بعضِ أفعالِهم.. وشيء من تصرفاتِهم.

 

انظر إلى الأسواق.. وقد ضاقت بالنساء!! انظر إلى المراكزِ التجاريةِ وقد امتلأتِ بالنساء!! انظر إلى الناسِ وهم يتهافتون على المراكزِ التجارية.. ويتسابقون إلى مسابقاتِها والتي إن سلمت من الميسرِ لم تسلم من الإضرارِ بالآخرين.. ويكفي أنها تُسببُ الاختلاطَ المحرم..

 

يا ترى أما وجدوا وقتاً لشراءِ حاجاتِهم غيرِ هذه الأوقاتِ الفاضلة.. والمواسمِ العامرة؟!!

 

والمتأملُ لحالِ الأسواقِ عامة.. وفي رمضانَ خاصةً.. يجدُ صُوراً مأساويةً.. تفتُ النفوسَ.. وتفطرُ الأكباد.. صورةُ المرأةِ وهي مع السائقِ وحدَها أو مع سائقِ الأجرة.. وصورةُ النساءِ المتبرجاتِ وهنَّ في الأسواقِ بلا محارم.. وصورةُ الولي وهو جالسٌ في سيارتهِ يُقلبُ صفحاتِ الجريدةِ وأهلُه في السوق.. وصورةُُ الولي مع أهلهِ بنقابِها الفاتنِ.. وعباءتِِها المخصرةِ أو على الكتف.. وصورةُ الأمِ مع بُنياتِها.. وهي تدورُ في السوقِ.. فتشعرُ بالتعبِ أثناءَ الدورانِ فتستريحُ ومن ثم تكملُ البُنياتُ التسوق.. وصورةُ الشبابِ الذين قدموا للأسواق.. بملابسَ غربيةً أو غيرِها.. وهم يتحينون الفرصةَ.. ويبحثون عن الفريسة!! ولا أُريدُ أن أكملَ فصولَ المأساة.. إنها مآسي تزدادُ في رمضان.. إي وربي تزدادُ في رمضان. وحتى لا يتصورُ البعض أننا ننطلقُ من عواطفَ جياشة.. وأننا نضخمُ الأمور.. إليك هذه الإحصائِيات. والتي توضحُ لك بجلاءٍ,.. صدقَ ما نقول:

 

بلغتِ نسبةُ المعاكساتِ في شهرِ شعبانَ الماضي.. في مكانٍ, واحدٍ, فقط تسعةً وعشرين حالة.

 

وأما في رمضانَ فقد بلغتِ نسبةُ المعاكساتِ.. في مكانٍ, واحدٍ, فقط.. مائةً وتسعاً وأربعين حالة.. منها في العشرِ الأواخرِ أربعٌ وخمسون حالة!! وبلغت نسبةُ الاختلاءاتِ المحرمةِ.. أربعاً وثلاثين حالة.. منها عشرُ قضايا في العشرِ الأواخرِ من رمضان.. وأما في أحرى الليالي بليلةِ القدر.. وهي ليلةُ السابعِ والعشرين.. فقد بلغت نسبةُ القضايا التي أُلقي القبضُ عليها سبعَ حالاتٍ, ما بين معاكساتٍ, واختلاءاتٍ, محرمة!!.

 

هذه أيها الأحبةُ في الله.. نِسَبٌ لمكانٍ, واحدٍ, فقط.. فكيف يكون الحالُ إذا جُمعتِ مع غيرِها؟!!.. وهذه نسبةُ الذين تمكن رجالُ الأمنِ من إلقاءِ القبضِ عليهم.. فما نسبةُ الذين تمكنوا من العبثِ بمحارمِ الناس؟!!.

 

إنها فاجعةٌ تؤرقُ قلوبَ الغيورين.. وكارثةٌ تلهبُ النارَ في نفوسِ المؤمنين.. الذين يخافون من عاقبةِ انتشارِ الفاحشةِ في المجتمع.. يقولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ولا ظهرتِ فيهم الفاحشةُ إلا فشا فيهمُ الموتُ) رواه الطبراني(1). ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت) (2).

 

وقد يتساءل البعضُ.. لم هذا التصاعدُ العجيبُ في حالاتِ المعاكساتِ ونحوها.. في شهرِ الله المبارك.. والجوابُ على ذلك ما تراه لا ما تسمعه.. فأي شهرٍ, من شهورِ العام.. يفوقُ شهرَ رمضانَ في كثرةِ خروجِ النساءِ للأسواق؟!! مع انشغالِ الأولياءِ إما بالتراويحِ والقيامِ، وإما بأعمالِهم التجاريةِ، أو جلساتِهم الليلية.

 

 إن شهرَ رمضانَ يحتلُ صدارةَ الشهورِ في كثرةِ خروجِ النساء فيه.. ولا حول ولا قوة إلا بالله. فرحماك يا إلهي ثم رحماك بأمةِ الإسلام.. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما تركتُ فتنةً أضرَ على الرجالِ من النساء) (3) ويقول - صلى الله عليه وسلم -: (اتقوا الدنيا واتقوا النساءَ فإن أولَ فتنةَ بني إسرائيلَ كانت في النساء) (4)

 

قل لي بربك أيها الأبُ الرؤوم: أليس الأولى قضاءُ وقتِ رمضان.. بالذكرِ وقراءةِ القرآن.. بدلاً من ضياعِه في الأسواقِ ونحوها؟!! أليستِ هي أياماً معدودة و لياليَ محدودة؟! إذن أين عقلك يا مؤمن؟!! إلى متى نفرطُ في مواسمِ الخيرات؟ إلى متى نظلٌّ ندورُ في الأسواق والمجمعات.. من سوقٍ, إلى سوق من أجلِ البحثِ عن أجملِ الفساتين؟!! أليست الآجالُ محدودة.. والأنفاسُ معدودة.. كم هم الذين صاموا معنا أولَ الشهرِ وهم الآنَ في قبورهِم يُنعمون أو يعذبون.. فاجأهم الموتُ وهم لا يشعرون.. وجاءتهم المنونُ من حيثُ لا يعلمون. قال إبراهيمُ التيمي: شيئانِ قطعا عني لذةَ الدنيا، ذكرُ الموتِ، وذكرُ الموقفِ بين يدي الله.

 

يا من بدنياه اشتغل *** وغَرهُ طولُ الأمـل

الموتُ يأتي بغتـةً *** والقبرُ صندوقُ العملِ

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم

 

الخطبة الثانية:

أيها المسلمون: إن أخذَ الزينةِ.. وشراءَ الملابسِ الجميلة.. والتي لا تخالفُ الشريعة، أمر لا بأس به.. لأن الله - تعالى - جميلٌ يحبُ الجمال.. والله - تعالى - يُحبُ أن يرى أثرَ نعمته على عبده.. لذا أحببت أن أذكر لك ما يمكن أن نجمع بين الأمرين دون إفراط ولا تفريط:

 

أولاً: يمكن أن تشتري ملابس العيد وأغراضه في شهر شعبان، حيث الأسعار مناسبة، والأعداد قليلة!! فتقضي حوائجك دون أن تخسر كثيرا أو أن تضيع وقتا فاضلا.

 

وإنني أتساءل.. لماذا يكونُ أهلُ التجارةِ الدنيوية.. أحرصَ منا على اغتنامِ هذا الشهر.. فأنتم ترونهم يستعدون للشهرِ قبلَ حلوله.. ويوفرون ما يحتاجونَه من بضائعَ ومستلزماتٍ, قبلَ دخوله؟ ونحن أحرى أن نفعلَ مثلَ فعلهِم.. بل خيراً من فعلهِم.. فنستعدَ للشهرِ قبلَ دخولهِ.. فيقضي الإنسانُ حوائجَه.. فيما يتعلقُ بملابسِ العيدِ ونحوها.. ليتفرغَ في شهرِ الخيراتِ والنفحات.. وموسمِ الطاعاتِ والرحمات.. لما هو خيرٌ وأبقى.

 

ثانياً: إن داهمك الوقتُ.. فيمكن أن يكون شراءُ ملابس العيد في أولِ الشهر.. وفي الأسواقِ التي لا يكثرُ فيها الفتن؟ لأن الأسواقَ تتفاوتُ في هذا الأمر كثيراً.. فحفاظا على نفسك وأهلك تجنب تلك المواطن.

 

ثالثاً: أن يكون خروجُ المرأةِ.. بالضوابطِ الشرعية.. والآدابِ المرعية.. فتخرجُ المرأةُ للسوقِ عند وجودِ الحاجةِ، بمعنى أن المرأةَ لا تذهبُ إلى السوقِ بهدفِ الفرجةِ وتضييعِ الأوقات، بل لابد من وجودِ حاجةٍ, حقيقيةٍ, تريدُ المرأةُ شراءَها، وأن يكون ذهابُها مع محرمِها القادرِ على الدفاعِ عنها، فماذا يفعلُ طفلٌ صغيرٌ مع الذئابِ البشريةِ التي تبحثُ عن فرستِها في الأسواق؟!! أيحمي نفسَه فضلاً أن يحمي أهلَه؟!! بل وصل الحالُ والذي نفسي بيده أن يضعَ أحدُ المعاكسين رقمَ الهاتفِ في كيس البضائعِ الذي تحملُه الفتاة.. وهي تسيُر جنباً إلى جنب مع والدهِا فهل يدركُ الأولياءُ خطورةَ تركِ النساءِ في الأسواقِ لوحدهِن.. ومن الضوابط كذلك أن تخرجَ المرأةُ بالحجاب الإسلامي الكامل، مع زيادة التحرز والاحتشام، لأن الأسواق أماكن يكثر فيها أصحاب القلوب المريضة، الذين ييتبعون العورات، فإذا ما وجودا امرأة أو فتاة غير محتشمة حاموا حولها، قاموا بمعاكستها، وهؤلاء إذا رأوا المرأة متسترة متحجبة لا يبدوا منها شيء لم يتعرضوا لها ولم ينظروا إليها، لأنه كما قيل: الطيور على أشكالها تقع.

 

كما يحسن بك أيها الولي أن يكون الحديث مع البائعين من قبلك، فإن تحدثت المرأة فلابد أن يكون بلا خضوعٍ, في القول.. لقول الله - تعالى -: (فَلا تَخضَعنَ بِالقَولِ فَيَطمَعَ الَّذِي فِي قَلبِهِ مَرَضٌ وَقُلنَ قَولاً مَعرُوفاً) (الأحزاب: من الآية32)

 

وأخيرا بادر إلى قضاء حوائجك التي كتبتها قبل أن تخرج إلى السوق بأسرع وقتº لأن الأسواق أبغض البلاد إلى الله - تعالى -كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولأن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - أوصى فقال: (لا تكن أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها، فيها باض الشيطان وفرخ)

 

أيها المسلمون: لعلي أرسل رسالة حرى إلى إخواننا الشباب، الذين يتصيدون الفتيات، في الأسواق والمجمعات.. لعلها تصل إلى قلوبهم.. فيعودا إلى رشدهم، ويتوبوا إلى ربهم، خاصة في مثل هذا الشهر الذي تكثر فيه النفحات.

 

أخي الشاب: تذكر وأنت تعاكس النساءَ في الأسواق، أن غيرك من الشباب قد يفعل نفسَ الفعل مع محارمِك فهل ترضى ذلك؟ أنا أعلم أن في قلبك من الغيرة والحمية ما لو قسم على سبعينَ من أهل البلد لكفاهم، إذن أخي الحبيب لا تتعرض لعوراتِ الناس حتى لا يُتعرض لعوراتك.. ألقى رجالُ الحسبةِ ـ وفقهم الله ـ القبضَ على شاب قد أركب فتاةً وتمت الإجراءاتُ الرسميةُ في حقه، فلما خرج، ومضت الأيامُ وبعد شهرينº ألقى القبضُ على فتاةٍ, قد ركبت مع شاب منحرفº فاتُصل على وليها ليحضر لمركز الهيئة.. وهنا كانت المفاجأةُ.. والتي أذهلت أعضاءَ المركز.. تلك المفاجأةُ المريرةُ وهي أن هذه الفتاةَ هي أخت لذلك الشاب الذي ألقي القبضُ عليه منذ شهرينِ وقد أركب فتاة!! فلا إله إلا الله فكما تدين تدان:

 

عفوا تعف نساؤكم في المحرم *** وتجنبوا ما لا يليق بمسلـــم

 

إن الزنى دين فإن أقرضـته *** كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم

 

 من يزني في قوم بألفي درهــم *** في أهله يُزنى ولو بالـــدرهم

 

فاتق الله أيها المبارك.. وتجنب أماكن الفتن، وعليك بالصديق الصالح الذي يعينك على الخير، ويدلك عليه، وأكثر من الدعاء أن يشرح الله صدرك، يهدي قلبك، وألح عليه بالدعاء خاصة في مثل هذا الشهر العظيم، أسأل الله - تعالى -أن يشرح صدرك للإيمان، ويجعلك من حزب الرحمن، وأن يوفقك للتوبة الصادقة، ويجعلك في هذا الشهر المبارك من المقبولين، ومن النار من المعتقين، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى..

 

----------------------------------------

(1) قال الهيثمي في المجمع (3/65)رواه الطبراني في الكبير(11/45) وفيه إسحاق بن عبد الله ابن كيسان المروزي لينه الحاكم وبقية رجاله موثقون وفيهم كلام. وقال المنذري في الترغيب (1/310): (رواه الطبراني في الكبير وسنده قريب من الحسن وله شواهد)

(2) رواه الحاكم في المستدرك (2/136) وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الحافظ ابن حجر ـ - رحمه الله - ـ في الفتح (10/193): إسناده جيد.

(3) رواه البخاري ورقمه (5096) ومسلم ورقمه (2741) من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما -.

(4) رواه مسلم ورقمه (2742) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply