ماذا لو عشنا السنة كلها بأخلاقيات رمضان


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الصوم من أهم الوسائل التي تحرر إنسانية الإنسان المؤمن الصادق الإيمان من تسلط العادة. بل وتسمو به إلى مرحلة من الصفاء لا تؤثر عليه فيها متع الحياة ومباهجها، إلى أن يصير إنساناً ربانياً يرتفع فوق طبيعته البشرية.

 

من أجل هذا يختص رمضان ببشارات للمؤمنين الصائمين تشرح صدورهم وتسعد قلوبهم لما يجئ به هذا الشهر الكريم من رحمة الله وتفضله على عباده حين يوفي الصائمون أجرهم بغير حساب. ويكون لهم من الكرامة ما ليس لغيرهم ويباهي بهم ملائكته ويكف عنهم أذى الشيطان ووسواسه ويعتق رقابهم من النار، بهذه البشارات وغيرها كثير جاءت في أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

فالصائمون في وقاية وحصن منيع من النار والآثام، وأفواههم طاهرة طيبة الرائحة عند الله، وجزاءهم على الصوم بغير حصر ولا عدد. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل، وأن امرؤ قاتله أو شاتمه، فليقل أني صائم أني صائم، والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصوم لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها)).

 

والصائمون لهم باب مخصوص يدخلون منه إلى الجنة لا يشاركهم فيه أحد غيرهم، وذلك من باب زيادة التكريم على الملأ وأمام جميع الناس، فقد خصهم الله - عز وجل - بالدخول من الباب الذي أسماه (الريان)، من دخل منه لم يظمأ أبداً. فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد)).

وعندما يقبل رمضان ويستظل الناس بظله، تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتكبل الشياطين بالسلاسل ويعتق الله رقاب المؤمنين من النار، فيحررهم من الخوف منها ومن عذابها، وعد صادق وتفضل كريم ليس لغير الصائمين مثل هذا الفضل وذلك العتق الذي يحدث في شهر رمضان وحده.

 

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادياً يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار كل ليلة)).

جاء في الحديث أن الصوم لا مثل له بين العبادات، وأن دعوة الصائم مستجابة. فعن أبي أمامه - رضي الله عنه -: قلت يا رسول الله، مرني بأمر ينفعني الله به، قال: ((عليك بالصوم فإنه لا مثل له)). أي عليك بالإكثار من الصيام، فإنه لا نظير له في صحة الجسم وكسر النفس وعظيم الأجر وصفاء القلب والقرب من الله - سبحانه وتعالى - .

 

 

 

إننا كأمة إسلامية تحتاج إلى أن تكون السنة كلها رمضان، وأخلاقيات رمضان، وصبر رمضان، ومجاهدة النفس في رمضان، في جميع شهور السنة حتى يتحقق فينا قول - عز وجل - في سورة آل - عمران، الآية 110:

أننا لو طبقنا هذا فعلاً نعيش في مجتمع مثالي، لا عداوة فيه ولا بغضاء، ولا أحث ولا شحناء، مجتمع يسوده الحب وتسيطر عليه المودة وتحفه التقوى، ويسري فيه التراحم. مجتمع الصبر والصبر جزائه الجنة، ومجتمع الصدق والصدق يهدي إلى البر، فيه المسلمون وحدة واحدة يسعى يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، ولم لا؟ وقد توحد هدفهم واتحدت غايتهم. لا يحقد فقير على غني، ولا يحقر غني فقيراً، فالكل فيه سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، فالتقوى هي الهدف وهي الغاية. وإذا توقفنا عند كلمة التقوى لنتعرف عليها، نجد أن التقوى في القرآن تطلق على ثلاثة أشياء:

 

الخشية والهيبة، قال - تعالى - في سورة البقرة، الآية 41:

 

الطاعة والعبادة، قال - تعالى - في سورة آل - عمران، الآية 102:

قال ابن عباس: أي أطيعوا الله حق طاعته، وقال مجاهد: أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر.

 

تنزيه القلب عن الذنوب وهذه حقيقة التقوى، يقول المولى - عز وجل - في سورة النور، الآية 52:

 

ومن أجل ما قيل في تفسير هذه الآية أن عظيماً من عظماء الروم أسلم بسببها، وعندما التقى بعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال له: لقد وجدت في كتابكم آية جمعت كل ما في الكتب السماوية. فقال عمر ما هي؟ فتلا الرجل الآية السابقة:\"ومن يطع الله ورسوله..\". ثم قال: إليك تفسيرها يا أمير المؤمنين كما فهمتها:\"ومن يطع الله في الفرائض والرسول في السنن، ويخشى الله فيما مضى، ويتقه في ما هو آت، فقد فاز فوزاً عظيماً، والفائز من زحزح عن النار وأدخل الجنة\". فقال عمر رضي الله عنه:\"فكن من أجل هذا تقياً نقياً\".

 

ويقول الإمام الغزالي في منهج العابدين: \"التقوى في القرآن ثلاثة: تقوى عن الشرك وتقوى عن المعاصي وتقوى عن البدعة\". وذلك قول ربنا - عز وجل - في سورة المائدة، الآية 93:

 

وقال الرازي: قال الأكثرون: الأول عمل الاتقاء، والثاني دوام الاتقاء، والثالث: اتقاء الظلم للعباد مع الإحسان إليهم. نعم، إن أكرم الناس عند الله أتقاهم. ولكن التقوى ليست مجرد شكل خال من المضمون فهي ليست طقوس تمارس، ولا لحية تطول وتسترسل، ولا زبيبة تظهر في الجبهة، ولا لقب يتحلى به صاحبه بين الناس. التقوى كما قال صلوات الله وسلامه عليه وهو يشير إلى صدره ثلاث مرات (التقوى ها هنا)، فيبين أنها مستقرة وثابتة بين الضلوع وفي حشايا النفس البشرية، تخشى الله وترعاه وتراقبه في السر والعلن، في الوضوح والخفاء.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply