رمـضـان بين الصـورة والحقيقـة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 
 

الحمد للّه رب العالمين والصلاة والـسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد:
فبإطلالة هذا الشهر الكريم بإشراقاته وأنواره حاملاً معه الـبـركــات والـخـيــرات ، تجعلنا نتوقف مع هذه المناسبة وقفة عرض ومحاسبة لأحوالنا في هذا الشهر وواقـعـنـا فـيـه بـيـن الـصـورة والحقيقة ، وما مدى التزامنا فيه بالهدي النبوي ، وماذا يتوجب علينا أن نقوم به لنكون فيه من المقبولين إن شاء الله.
هذا الـشـهـر الذي تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب جهنم وتصفد فيه الشياطين ، هو فرصة كبيرة لعودة كثير من المسلمين المسرفين على أنفسهم إلى الله توبة وهداية والتزاماً وحـســب من صامه إيماناً واحتساباً أن يغفر له ما تقدم من ذنبه ، كما قال بذلك الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-.


فقد كـان هــذا الشـهـر الـمبارك غرة في جبين تاريخ أمتنا كل عام ، وقد كان شهر الفتوح والانتصارات ، إذ إن كثيراً مـن الغزوات والمعارك الإسلامية كانت فيه من مثل (غزوة بدر وفتح مكة وفتح الأندلس وحطين...). ومما يؤسف له أن يتحول كثير منا في هذا الشهر إلى النقيض تماماً عما كان عليه سلفنا الصالح فيكونون في أحوال يرثى لها.


فتعالوا نتلمس آثار ذلك الشطط فيما يلي:


* من الناس من يستغل هذا الـشـهـر للسفر والسياحة لا لطلب الجو المريح والمناخ الجميل الذي يعينه على الصيام والقيام ، وإنما للهروب من الجو الرمضاني ليعاقر المنكرات ويبارز الله بالمعاصي والعياذ بالله وهؤلاء أحياناً قد يضطرون لصيام قسري لعلاج أمراض معينة.


* هناك صنف آخر من الناس يأخـــذون الإجازات في هذا الشهر ، فليلُهم سهر ونهارهم نوم ، فأي صيام هذا الذي لا تؤدى فيه الفرائض والسنن؟!


* من الصائمين من لا يلتزم بأخلاقيات الصيام في تعامله، فـتـجـده وهـــو الـصـائم عبوساً قمطريراً ، وإن تحدث لا يعف لسانه عن الوقوع في الغيبة والنميمة وخلافها.


* إن أحوال كثير من المصلين وقد أشرنا إلى بعض صورها مما يؤسف لها إذ فيها محاذير شرعية قد تصل إلى إحباط العمل ، وربما ينطبق على الكثير منها ما جاء في الحديث (رُبّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والـعـطــش ، ورُبّ قـائـم ليس له من قيامه إلا التعب والسهر \")، وهذا يقتضي من كل مسلم مخلص مراجعة حساباته في بداية هذا الشهر الكريم وأن ينظر لهذا الموسم بأنه فرصة كبرى ومجال مهم لتلافي الكثير من الأخطـاء والـزلات ، لـعل اللـه أن يتداركه برحمته ، وأن يختم له بالحسـنى ((ومــا تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت)).


إن قضاء هذا الشهر كما ينبغي وفقاً لسنة البشير النذير شرف عظيم لا يحظى به ولا يوفق له إلا الربانيون المقتدون بسنة خاتم الأنبياء والمرسلين ، ولعل القارئ الكريم أن يقف معنا متأملاً لهذه المعالم المهمة التي نذكر بها ، والذكرى تنفع المؤمنين ، ومنها: استشعار أن الصيام عبادة لا عادة وأن ثمرته المفترضة هي التقوى إذ أن الحكمة منه كما أشــار إليها جل وعلا ((... لعلكم تتقون)) هي التقوى.
زيــادة الارتباط بكتاب الله حفظاً وقراءة وتدبراً ، والاطلاع على ما تيسر من تفاسـيـــره الموثــوقـة ، ومن أجَلّها (تفسير العلامة ابن كثير) ، ومن أهم مختصراته (عمدة التفسير) للشيخ أحمد شاكر.
أن يكون الصيام كما كان عليه حال سلفنا الصالح تنافساً في الطاعات وتزوداً من النوافل والقربات ، ومن أهمها أداء الفرائض مع جماعة المسلمين والحرص على أداء صلوات التراويح والقيام وبذل الصدقات للمحتاجين ، وتجنب كل ما يطعن ويفسد الصيام من الأقوال والأفعال.
التفاعل مع واقع إخواننا المسلمين المستضعفين في أرجاء العالم الإسلامي بالبذل والمساعدة والمشاركة ما أمكن في الإغاثة، ودعم المشاريع الخيرية التي يعود ريعها لإخواننا المنكوبين.
إن أداء الصوم مع الصائمين من المسلمين والإحساس بالجوع والظمأ يذكرنا بحال إخواننا المنكوبين ، وما يعانونه من جـــــوع ومـسـغـبـة ، مما يدفعنا إلى بذل المزيد من التبرعات والهبات لصالح المشاريع الخيرية ، التي يعود ريعها لصالحهم.


وماذا بعد رمضان؟!


إن حال كثير من المسلمين في رمضان تتحسن ويتضاعف العمل الصالح فيه ولكن ما إن تبدأ أيام الشهر بالانصرام ، وبعد حضور بعضهم لـيـلـة القدر فيما يحسبون ، وحضور ختمة القرآن كما يحــرصـون يبدأ ذلك الـمشهد الفريد الـــذي تمـتـلـئ فيه المساجد بالمصلين بالانفراط، فتتناقص الصفوف وكأن القوم لا يعرفون الله إلا في ذلـك الـشـهر المبارك والله المستعان.
ثم من يضمن أن يختم لذلـك الناكص بخاتمة حسنة حينما يعود لمعاصيه وأخطائه وزلاته وسقوطه في دركات الخطايا؟! من يضمن له حسن الختام وهو لا يدري متى تكون النهاية المحتومة؟! إن حـيـاة المسلم الحق رجلاً كان أو امرأة يجب أن تكون موصولة كل الصلة بالله تعالى كل أيام السنة ، بل يجب على الجميع أن يستشعروا أن كل ما يقومون به من أعمال شرعية ، أو حتـى عادية يجب أن يقصد بها وجه الله والدار الآخـــــــرة ، أداء للواجبات وعملاً للصالحات مع الحرص في أدائها على أحسن وجه جودة وإتقاناً.


إن المسلم حقــاً يشعر أنه على ثغر من ثغور الإسلام ، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبله، مع الحــرص على أن يؤدي ما اؤتمن عليه بحماس وحيوية وإخلاص، فلعل الله أن يختم له بخـيـر ختام. والموفق حقاً والمقبول إن شاء الله من استمر على نشاطه وحيويـتــه بعد رمـضـان في أداء ما افترض عليه من عبادات وواجبات والتزامات ، واهتدى بهدي البشير النذير -صلى الله عليه وسلم-في سلوكه وتعامله.
والله نسأل أن يوفق الجميع لصيام هذا الشهر وقيامه على الوجه الذي يرضيه، وأن يـعـز الإسلام والمسلمين، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته بعز عزيز أو بذل ذليل.. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply