علامات البلوغ وموجباته


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

فهذا بحث عن علامات البلوغ وعن أقوال أهل العلم ومذاهبهم واختلافاتهم في ذلك، وعما ينبني عليه من الأحكام والأوامر، لعل الله ينفع بذلك ويثيب الكاتب والمطلع والقارئ.

فأقول وبالله التوفيق:

تعريف البلوغ:

وصول صغير وجارية وقت التكليف بعلامة من علامات البلوغ.

 

علامات البلوغ:

خمسة هي:

1.    الاحتلام.

2.    الإنبات.

3.    بلوغ السن.

4.    الحيض.

5.    الحَبَل أو الحمل.

الثلاثة الأولى يشترك فيها النساء والرجال، والاثنان منها وهما الحيض والحَبَل يخصان النساء.

وسنتحدث بشيء من الإيجاز عن كل واحدة من هذه العلامات، مبينين أقوال أهل العلم ومذاهبهم والراجح من أقوالهم.

 

1.    الاحتلام:

أجمع أهل العلم على أن الاحتلام للولد والجارية علامة من علامات البلوغ، وذلك لقوله -تعالى-: "وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم"، وقوله: "حتى إذا بلغوا النكاح" أي الحلم، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "غسل الجمعة على كل محتلم وسواك، ويمس من طيب ما قدر عليه".

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: (أجمع العلماء على أن الاحتلام في الرجال والنساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام).

 

2.    الإنبات:

من علامات البلوغ المشتركة بين الولد والجارية الإنبات، أي إنبات شعر العانة، ودليله ما رواه أحمد في مسنده إلى عطية القرظي قال: "عرضنا على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم قريظة، فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت خلي سبيله، فكنت فيمن لم ينبت فخلي سبيلي".

وما صح عن عمر -رضي الله عنه- فيما يرويه عنه عبد الله ابنه قال: "كتب عمر إلى أمراء الأجناد أن لا تقتلوا امرأة ولا صبياً، وأن تقتلوا من جرت عليه الموسى".

أقوال أهل العلم في اعتبار الإنبات من علامات البلوغ:

ذهب أهل العلم في ذلك مذاهب عدة، ملخصها:

1.    الإنبات ليس بعلامة للبلوغ ولا يوجب حقاً لله وللآدميين، وهذا مذهب الحنفية.

2.    الإنبات علامة مطلقة توجب حق الله وحق الآدميين، وهذا مذهب الحنابلة ورواية عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة وقول للمالكية والشافعية.

3.    الإنبات علامة لكنه يوجب بعض الحقوق دون بعض، وهي حقوق الآدميين، وهو قول لبعض المالكية.

4.    الإنبات علامة على البلوغ في حق صبيان الكفار، وهذا مذهب الشافعية.

القول الراجح هو ما ذهب إليه الحنابلة ومن وافقهم من المالكية والقاضي أبو يوسف للحديث والأثر السابقين.

قال القرطبي -رحمه الله-: (وأما الإنبات فمنهم من قال: يستدل به على البلوغ، روي عن ابن القاسم وسالم، وقاله مالك مرة، والشافعي في أحد قوليه، وبه قال أحمد وإسحاق وأبوثور، وقيل: هو بلوغ إلا أنه يحكم به في الكفار فيقتل من أنبت، ويجعل من لم ينبت في الذراري، قاله الشافعي في القول الآخر، لحديث عطية القرظي، ولا اعتبار بالخضرة والزغب، وإنما يترتب الحكم على الشعر وقال ابن القاسم: سمعت مالكاً يقول: العمل عندي على حديث عمر بن الخطاب: لو جرت عليه المواسي لحددته قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: وأحب إليَّ ألا يقام عليه الحد إلا باجتماع الإنبات والبلوغ وقال أبو حنيفة: لا يثبت بالإنبات حكم، ليس هو ببلوغ ولا دلالة على البلوغ وقال الزهري وعطاء: لا حد على من لم يحتلم وهو قول الشافعي  ومال إليه مالك مرة، وبه قال أصحابه، وظاهره عدم اعتبار الإنبات والسن).

 

3.    السن:

من علامات البلوغ التي اختلف فيها أهل العلم اختلافاً لا يسنده دليل السن التي تعتبر علامة من علامات البلوغ لمن لم يحتلم، فمنهم من قال:

أ. تمام الخامسة عشر، وهو الراجح لقول ابن عمر -رضي الله عنه-: "عرضني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني".

ولقول نافع مولى ابن عمر -رضي الله عنهما- كذلك: "قدمت على عمر بن عبد العزيز وهو يومئذ خليفة، فحدثته هذا الحديث، فقال: إن هذا الحد بين الصغير والكبير فكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن كان ابن خمس عشرة سنة، ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال".

وهذا مذهب الشافعية والحنابلة، واختاره ابن وهب من المالكية وأبو يوسف ومحمد من الحنفية، وهو رواية عن أبي حنيفة.

أما بقية الأقوال التي ليس لها مستند فهي:

ب. ثماني عشرة للغلام، وسبع عشرة للجارية، وهذا مذهب الأحناف.

ج. وفي مذهب مالك أقوال، أشهرها ثماني عشرة سنة للذكر والأنثى، وقيل تسع عشرة، وقيل: سبع عشرة، وقيل ست عشرة.

د. وقال ابن حزم: تمام تسع عشرة.

قال القرطبي: (فأما الإنبات والسن فقال الأوزاعي والشافعي وابن حنبل: خمس عشرة سنة بلوغ لمن لم يحتلم، وهو قول ابن وهب، وأصبغ، وعبد الملك بن الماجشون، وعمر بن عبد العزيز، وجماعة من أهل المدينة، واختاره ابن العربي، وتجب الحدود والفرائض عندهم على من بلغ هذا السن، قال أصبغ بن الفرج: والذي نقول به إن حد البلوغ الذي تلزم به الفرائض والحدود خمس عشرة سنة، وذلك أحب ما فيه إليَّ وأحسنه عندي، لأنه الحد الذي يسهِّم فيه في الجهاد ولمن حضر القتال.

إلى أن قال: قال أبو عمر بن عبد البر: هذا فيمن عرف مولده، فأما من جهل مولده وعدة سنه أو جحده فالعمل فيه بما روى نافع عن أسلم عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه كتب إلى أمراء الأجناد: ألا تضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسي وقال عثمان في غلام سرق: انظروا إن كان قد اخضر مئزره فاقطعوه.

 

ما يوجبه البلوغ:

1.    وجوب الفرائض الشرعية كالصلاة والصوم والحج.

2.    إقامة الحدود والقصاص.

3.    يسهم للبالغ في الغنائم.

4.    دخول الزوجة على زوجها.

5.    صحة العتق، والطلاق، والهبة، ونحوها.

6.    دفع الأموال إلى القصر مع اختلاف في ذلك.

قال تعالى: "فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم"، فقد اشترط وجود الرشد مع البلوغ.

فأجاز أبو حنيفة أن تدفع له أمواله إذا بلغ، ومنع من ذلك الجمهور، حيث اشترطوا الرشد مع البلوغ للآية.

قال القرطبي: (إذا ثبت هذا فاعلم أن دفع المال يكون بشرطين: إيناس الرشد والبلوغ، فإن وجد أحدهما دون الآخر لم يجز تسليم المال، كذلك نص الآية، وهو رواية ابن القاسم، وأشهب، وابن وهب عن مالك في الآية، وهو قول جماعة الفقهاء إلا أبا حنيفة، وزفر، والنخعي، فإنهم أسقطوا إيناس الرشد ببلوغ خمس عشرة سنة).

الراجح ما ذهب إليه الجمهور لظاهر الآية، وللمحافظة على أموال الأيتام والقصر.

والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply