الجمرات مواضع الشيطان


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

يتكرر في كل عام مشهد الأموات عند جسر الجمرات ولا شك أن هذا أمر يحز في قلب كل مسلم ويغيضه، إن وجود جسر لاداعي له أصلاً لو فتح الرجم 24 ساعه وأن جميع الوقت متساوٍ, ويتفهم الجميع ذلك فالحجاج من أقطار شتى ولهم علماء يرجعون إليهم في الفتوى ومن الهلكة إلزامهم بفتوى واحدة في حال ووضع الإختلاف فيه أفضل من الإتفاق، ثم إن الأعمال التي في يوم النحر على اختيار الحاج يفعلها متى شاء دون مسايرة أحد. ولو حصل هذا لما كان هناك زحام ولما كان هناك أضرار ولما كان هناك إزهاق لأرواح مسلمة وتشويه لهذه الشعيره العظيمة.

والرسول -صلى الله عليه وسلم- رخص في الأوقات فرجم قبل الوقت في زمانه وأخر الرجم وجمع اليومين في زمانه وكان عددهم بالنسبة لزماننا يساوي تقريبا 3% فقط.

وإذا كان الركن فضلاً عن الواجب يسقط عندما يحصل لك ضرر بقيامه فما بالك بالمندوب ثم إذا كان هناك أذيه إلى غيرك فهو أعظم جرماً فكيف إذا كان هناك قتل بسبب هذا الزحام، ويأثم من رأى زحاماً ثم ذهب إليه وأخشى أن يدخل في قول الله -تعالى-: {وَمَن يَقتُل مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}النساء 93.

يتكرر في كل عام مشهد الأموات عند جسر الجمرات ولا شك أن هذا أمر يحز في قلب كل مسلم ويغيضه، إن وجود جسر لا داعي له أصلاً لو فتح الرجم 24 ساعة وأن جميع الوقت متساوٍ, ويتفهم الجميع ذلك فالحجاج من أقطار شتى ولهم علماء يرجعون إليهم في الفتوى ومن الهلكة إلزامهم بفتوى واحدة في حال ووضع الإختلاف فيه أفضل من الإتفاق إضافة أن الترخيص في الوقت أولى من الترخيص في بناية جسر لأنه لم يبنى في زمانه -صلى الله عليه وسلم- ولا الخلفاء الراشدين من بعده ولا من بعدهم مع أنه لا بأس به إذا كان واحداً مع إزالة الشاخص، أما الجسور فوق الجسور فمعناه بنايات شامخة وصرح للشيطان لم يفعله أحد من بلاد العالم بل هو في البقاع المقدسة وماذا أيضاً في فريضة الحج وأيضاً في قبلة الحجاج إلى الصلاة فأي فتنة عظيمة تُدَق أجراسها، والحجيج من أقطاره المتباعدة يأتي على جهل وجهد ومجاهدة للحصول على تلك الحجة ثم يرى هذه العظمة للشيطان الذي هو أعلى من الكعبة بناية 40م علواً وسيغطي مدخل منى عرضاً فأي شر ينتظر هذه الأمة..

ثم الشاخص لماذا يضخم فهو ليس المقصود بالرمي بل المرمى -الحوض- هو المقصود، وهو ضلال لأنه إنحراف بالعبادة من رمي الحوض إلى رمي الشاخص ولأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يفعله ولا من بعده ولأن الناس سيأخذون الحجارة الكبيره ليرموه غلواً والحجارة إذا ضربت الشاخص سوف ترتد إلى الناس فتصيبهم بأذى، كما أن فيه تعظيم لمواقع الشيطان بهذه البناية الشامخة كما ورد الحديث بها (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لما أتى إبراهيم خليل الله صلوات الله عليه وسلامه المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض قال ابن عباس -رضي الله عنهما- الشيطان ترجمون وملة أبيكم إبراهيم تتبعون) أخرجه الحاكم في مستدركه.وابن خزيمة في صحيحه. وابن حنبل في مسنده. والطبراني في معجمه الكبير. والبيهقي في سننه الكبرى. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب. إضافة أن العلامات الموجودة قد بينت حتى اسم الجمرة فهي واضحة جداً ولاشك أن إزالة الشاخص الآن فيه نفع كبير.

ومثله الزيادة في توسعة الحوض السفلي. والشيطان يتعاظم حين يكون التعامل معه خلاف السنة كما ورد الحديث بذلك (عن أبي المليح عن رجل قال كنت رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- فعثرت دابته فقلت تعس الشيطان فقال لا تقل تعس الشيطان فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول بقوتي ولكن قل بسم الله فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب) وهذا سب للشيطان فكيف بالبنايات العظيمة لمواقعه!

أخرجه أبي داود في سننه. و ابن حنبل في مسنده. والحاكم في مستدركه. والطبراني في معجمه الكبير. والنسائي في سننه الكبرى. وابن عمرو الشيباني في الآحاد والمثاني. وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير.

ثم إليك أخي الكريم أقوال العلماء في حكم الرمي ووقته

 

فأما حكمه:

اختلف فيه فالجمهور على أنه واجب يجبر تركه بدم وعند المالكية سنة مؤكدة فيجبر، وعندهم رواية أن رمي جمرة العقبة ركن يبطل الحج بتركه، ومقابله قول بعضهم أنها إنما تشرع حفظا للتكبير فإن تركه وكبر أجزأه حكاه بن جرير عن عائشة وغيرها. فتح الباري 3 \\ 579

 

وأما وقته:

في المذهب الشافعي:

ويبقى الرمي لجمرة العقبة وللجمرتين الأخيرتين أداء إلى آخر أيام التشريق.

المنهج القويم ج1/ص591

فإن ترك الرمي في اليوم الأول إلى اليوم الثاني أو ترك الرمي في اليوم الثاني إلى اليوم الثالث فالمشهور من المذهب أن الأيام الثلاثة كاليوم الواحد فما ترك في الأول يرميه في اليوم الثاني وما تركه في اليوم الثاني يرميه في اليوم الثالث والدليل عليه أنه يجوز لرعاة الإبل أن يؤخروا رمي يوم إلى يوم بعده فلو لم يكن اليوم الثاني وقتا لرمى اليوم الأول لما جاز الرمي فيه. المهذب ج1/ص230

ويكون الرمي إلى الجمرات الثلاث بعد الزوال فلا يصح الرمي قبل الزوال وهذا بالنسبة لرمي اليوم الحاضر أما بالنسبة لرمي اليوم الغائب فيتدارك في بقية أيام التشريق ولو كان قبل الزوال.

واعلم أن الرمي أيام التشريق ثلاثة أوقات وقت فضيلة وهو بعد الزوال ووقت اختيار وهو إلى غروب شمس كل يوم ووقت جواز وهو إلى آخر أيام التشريق. إعانة الطالبين ج2/ص306

والواجب الثاني رمي الجمار الثلاث كل يوم من أيام التشريق الثلاث ويدخل رمي كل يوم من أيام التشريق بزوال شمسه ويخرج وقت اختياره بغروبها وأما وقت جوازه فإلى آخر أيام التشريق.

الإقناع للشربيني ج1/ص257

ويدخل رمى التشريق بزوال الشمس ويخرج وقته الاختياري بغروبها من كل يوم وأما وقت الجواز فيمتد إلى آخر أيام التشريق وقيل يبقى وقته الاختياري إلى الفجر وهذا في غير اليوم الثالث أما هو فيخرج وقت رميه بغروب شمسه لخروج وقت المناسك. السراج الوهاج ج1/ص165

 

في المذهب الحنبلي:

وإن أخر رمي يوم ولو يوم النحر إلى آخر أيام التشريق أجزأ أداء ويجب ترتيبه بالنية.

كشف المخدرات ج1/ص328

ويرمي -ليوم النحر- بعد طلوع الشمس هذا هو الأفضل وذكر جماعة يسن بعد الزوال فإن رمى بعد نصف الليل أي ليلة الأضحى أجزأه فإن أخره إلى آخر النهار جاز فإن غربت قبله فمن غد بعد الزوال. المبدع ج3/ص241

وإن أخر الرمي كله ومن جملته رمي يوم النحر فرماه في آخر أيام التشريق أجزأه لأنه وقت الرمي فإذا أخره إلى آخر وقته لم يلزمه شيء ويرتبه بنيته. المبدع ج3/ص252

وإن أخر رمي يوم إلى آخر أو أخر الرمي كله إلى اليوم الثالث ترك السنة ولا شيء عليه لكنه يقدم بالنية رمي الأول ثم الثاني ثم الثالث لأن أيام التشريق كلها وقت للرمي فجاز تأخيره إلى آخر وقته.

الكافي في فقه ابن حنبل ج1/ص453

والمستحب رميها ـ أي جمرة العقبه ـ بعد طلوع الشمس وأول وقته بعد نصف الليل لحديث عائشة.

الكافي في فقه ابن حنبل ج1/ص445

 

في المذهب الحنفي:

عن أبي حنيفة -رحمه الله- قال أحب إلي أن لا يرمي في اليوم الثاني والثالث حتى تزول الشمس فإن رمى قبل ذلك أجزأه وحمل المروي من قوله -عليه الصلاة والسلام- على اختيار الأفضل.

شرح فتح القدير ج2/ص499

المختار عند مشايخ بخارى أنه يرمي كيف يشاء ولم يبين وقت هذا الرمي وله أوقات أربعة الأول الجواز وهو من طلوع الفجر يوم النحر إلى طلوع الفجر من اليوم الثاني حتى لو أخره لزمه دم عند الإمام خلافا لهما والثاني الاستحباب وهو من طلوع الشمس إلى الزوال والثالث الإباحة وهو من الزوال إلى الغروب والرابع الكراهة وهو قبل طلوع الشمس من يوم النحر وبعد غروبها كما في المحيط.

مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر ج1/ص413

فيرمي الجمار الثلاث في اليوم الثاني من أيام النحر بعد الزوال وهو المشهور من الرواية عن الإمام إلى الغروب استحبابا وإلى آخر الليل جوازا.

مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر ج1/ص415

 

أقوال لعلماء آخرين:

وأما وقت الجواز فأوله نصف الليل من ليلة النحر وبذلك قال عطاء وابن أبي ليلى وعكرمة بن خالد والشافعي

وأحمد أن يجزىء بعد الفجر قبل طلوع الشمس وهو قول مالك وأصحاب الرأي وإسحاق وابن المنذر وقال مجاهد والثوري و النخعي لا يرميها إلا بعد طلوع الشمس لما روينا من الحديث ولابن قدامة الرمي من نصف الليل. المغني ج3/ص219

وقال الشافعي وقت رمي جمرة العقبة الذي أحبه بعد طلوع الشمس ولا أكرهه قبل الفجر وهو قول عطاء وعكرمة. الاستذكار ج4/ص293

وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي إن أخر رمي جمرة العقبة إلى الليل أو إلى الغد رمى ولا شيء عليه وهو قول أبي ثور. الاستذكار ج4/ص295

وروي عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال رمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها. الاستذكار ج4/ص353

وقال أبو يوسف ومحمد يرمي من الغد ولا شيء عليه وقال الشافعي من أخر أو نسي شيئا من الرمي أيام منى قضى ذلك في أيام منى فإن مضت أيام منى ولم يرم أهراق دما وهو قول أبي ثور. الاستذكار ج4/ص356

وروي عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال رمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها. بداية المجتهد ج1/ص258

ورخص كثير من العلماء في جمع يومين في يوم سواء تقدم ذلك اليوم الذي أضيف إلى غيره أو تأخر ولم يشبهوه بالقضاء. بداية المجتهد ج1/ص257

وكان الحسن البصري يرخص في رمى الجمار ليلا. تفسير القرطبي ج3/ص9

فيمن رمى ـ جمرة العقبة ليوم النحر ـ قبل الفجر فقال الشافعي يجوز تقديمه من نصف الليل وبه قال عطاء وطاوس والشعبي. نيل الأوطار ج5/ص143

وقال عطاء وطاوس يجوز الرمي قبل الزوال مطلقا ورخص الحنفية في الرمي يوم النفر قبل الزوال وقال إسحاق إن رمى قبل الزوال أعاد إلا في اليوم الثالث فيجزيه.

نيل الأوطار ج5/ص161

وقال طاوس وعطاء يجزئه في الأيام الثلاثة قبل الزوال.

شرح النووي على صحيح مسلم ج9/ص48

 

الأدلة على فسحة وقت الرمي وجوازه قبل الزوال:

}فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجٌّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيُّ عَنِ العَالَمِينَ} 97 آل عمران

(عن أبي هريرة قال خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه) أخرجه مسلم في صحيحه و النسائي في سننه و ابن حبان في صحيحه و ابن خزيمة في صحيحه و الترمذي في سننه و ابن ماجه في سننه و أبي داود في سننه و ابن حنبل في مسنده و الحاكم في مستدركه و الطبراني في معجمه الكبير و النسائي في سننه الكبرى والدارقطني في سننه و الطبراني في مسند الشاميين و ابن راهويه في مسنده و البيهقي في سننه الكبرى و أبي يعلى في مسنده و الدارمي في سننه وفسر إستطاعة السبيل بوجود الزاد والراحلة وأمن الطريق ونص الفقهاء على سقوطه بظن حصول الضرر ولو يأخذ خفارة من ماله مجحفة وقيل غير مجحفة وهكذا سائر العبادات ما قدر عليه منها فعله وما أعجزه سقط عنه إما سقوطاً كليا ًأو إلى بدل.

والرسول -صلى الله عليه وسلم- رخص لرعاة الإبل ومعها سقاؤها وحذاؤها أن يقدموا الرجم ليس فقط قبل الزوال بل في اليوم الذي قبله وليس هناك خوف ضرر ولاهلاك وبإمكان الراعي الحضور راكباً أوالتناوب على الرعي بحيث يأخذ هذا بعض الوقت والآخر بعضه.

(عن أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه أن رسول الله رخص للرعاة في البيتوتة يرمون يوم النحر واليومين اللذين بعده يجمعونهما في أحدهما) أخرجه النسائي في سننه وصححه الألباني. وأخرجه ابن حبان في صحيحه. وابن خزيمة في صحيحه. والترمذي في سننه. وابن ماجه في سننه. وأبي داود في سننه. وابن حنبل في مسنده. ومالك في الموطأ. والحاكم في مستدركه.

وأيضاً إذنه للعباس بترك المبيت والرجم مع إمكانه الحضور على الخيل ومنى قريب من الحرم (فعن بن عمر قال استأذن العباس بن عبد المطلب رسول الله أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له) أخرجه البخاري في صحيحه و مسلم في صحيحه وابن حبان في صحيحه وابن خزيمة في صحيحه وابن ماجه في سننه وأبي داود في سننه وابن حنبل في مسنده.

ومع أن الرسول رمى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس إلا انه أذن للنساء بالرجم ليلا قبل دخول وقت الرجم مع عدم خوف ضرر ولاموت لاتساع وقتها وايضاً ليست إلا جمرة واحدة وهذه الرخصة أيضاً في زمانه.

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت أرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمر قبل الفجر ثم مضت فأفاضت وكان ذلك يوم الثاني الذي يكون عندها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخرجه الحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرطهما لم يخرجاه وأخرجه أبي داود في سننه ولم يعله وابن حنبل في مسنده والطحاوي في شرح معاني آثار  الطيالسي في مسنده والدارقطني في سننه والبيهقي في سننه الكبرى وقال إسناده صحيح لا غبار عليه، وانظر نصب الراية.

(عن عبد الله مولى أسماء أن أسماء نزلت ليلة جمع دار المزدلفة فقامت تصلي فقالت يا بني قم أنظر هل غاب القمر قلت لا فصلت ثم قالت يا بني أنظر هل غاب القمر قلت نعم قالت ارتحل فارتحلنا فرمينا الجمرة ثم صلت الغداة في منزلها قال فقلت لها يا هنتاه لقد رمينا الجمرة بليل قالت كنا نصنع هذا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا حديث بندار قال بن معمر أخبرني عبد الله مولى أسماء عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها- أنها قالت أي بني هل غاب القمر فقلت نعم قالت فارتحلوا قال ثم مضينا بها حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت لها يا هنتاه هل غلسنا قالت كلا يا بني أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- أذن للظعن).

أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وأبي داود في سننه وابن حنبل في مسنده والبيهقي في سننه الكبرى.

فليست هذه الوقائع التي حصلت في زمانه بفتياه -صلى الله عليه وسلم- وفعل الصحابة إلا دليل واضح كالشمس على فسحة الوقت وسعته والحث على الرفق والسهولة والتي قصدها الشارع في هذه الشعيرة.

أيضا ورد (عن بن عباس قال كان النبي يسأل يوم النحر بمنى فيقول لا حرج فسأله رجل فقال حلقت قبل أن أذبح قال اذبح ولا حرج وقال رميت بعد ما أمسيت فقال لا حرج) أخرجه البخاري في صحيحه والنسائي في سننه وابن خزيمة في صحيحه والنسائي في سننه الكبرى.

ومسمى المساء يدخل فيه الليل ورده صلوات الله وسلامه عليه بقوله إفعل ولا حرج تأكيد الشارع على قصد الرفق واليسر الذي هو من مقاصد الشارع أصلاً وهنا خاصة. فهذا الشخص رمى خلاف الوقت الذي رمى فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة وجواز التأخر عن الوقت يجيز التقدم عليه فلم يقل يجوز لك ولكن لا تعد أو هذا قضاء للرمي أو حتى أن وقته ينتهي إلى كذا ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

ثم انه لم يرد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا حديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف فيه نهي عن الرمي قبل الزوال أو بعد الغروب أو مجرد تحديد له أو تحديد لأفضليته ولا يصح أن يقال أن الرمي بعد الزوال هو أول الوقت لأن أول الوقت هو الأفضل لرميه -صلى الله عليه وسلم- (عن جابر قال رمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمرة يوم النحر ضحى وأما بعد فإذا زالت الشمس) رواه مسلم في صحيحه وابن حبان في صحيحه وابن خزيمة في صحيحه وأبي داود في سننه وابن حنبل في مسنده والدارقطني في سننه.

فمثلاً صلاة العشاء تأخيرها عن أول وقتها هو الأفضل فلا بد من الدليل على التحديد. ولا يجوز إلزام الناس بشيء لم يلتزمه الشرع ولا القول بعبادة أمر لم يتعبده الشارع. وإن حرجنا على أنفسنا فغاية القول إنه من المسكوت عنه (عن أبي ثعلبة الخشني قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن الله -عز وجل- فرض فرائض فلا تضيعوها وحرم حرمات فلا تنتهكوها وحد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها) أخرجه الدارقطني في سننه و الطبراني في معجمه الكبير والأوسط والصغير أخرجه الحاكم في مستدركه والإيمان لابن تيمية وتخريج الطحاوية للألباني وقال حسن لغيره وهو ما يفيده الحديث السابق وهو قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- "ذروني ما تركتكم".

و ورد أيضاً (عن بن عباس قال كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرا فبعث الله -تعالى- نبيه وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو وتلا قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما إلى آخر الآية) أخرجه أبي داود في سننه، وصححه الألباني، و الحاكم في مستدركه وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وصححه الذهبي.

(وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- رفع الحديث قال ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله العافية فإن الله لم يكن نسيا ثم تلا هذه الآية وما كان ربك نسيا) أخرجه الحاكم في مستدركه وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وصححه الذهبي. وأخرجه الدارقطني في سننه. والبيهقي في سننه الكبرى. وابن أبي شيبة في مصنفه.

لكن الوضع خلاف العافية.

أما اختيار الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما بعد الزوال فهذا لحكمة لا نعلمها حيث أنه في أشد الأوقات ضياءأً يرمى فيه رموز الشيطان التي هي الظلمات. وهذا فعل والفعل لا يقتضي تحديد المفعول فيه بمجرده ولكون الفعل لا يدل على الوجوب. ثم إن رميه بعد الزوال هو الأيسر لأنه يكون خروجاً واحداً للصلاة والرمي ولا شك أن الأيسر الآن خلاف ذلك، كذلك هو عند نشاط الناس كلهم أما بعد طلوع الشمس فيغلب النوم ومدافعة الشيطان تكون بنشاط لا بكسل والرمي الآن متواصل حتى آخر الليل، كذلك أراد بفعله صلوات الله وسلامه عليه بذلك أن يكون الرمي في وقت فريضة فيرمى الشيطان وهو البراءة من الكفر ورأسه ثم بعده القيام بالتوحيد وطاعة الرحمن وذلك بأداء الصلاة أعظم الشعائر، فهذه الحكم يتواجد بعضها في الأوقـات الأخرى.

أما تتابع السلف على هذا الوقت فهو رغبة في تطبيق السنة مع عدم المحذور وقد أخرج البخاري في صحيحه (عن وبرة قال سألت بن عمر -رضي الله عنهما- متى أرمي الجمار قال إذا رمى إمامك فارمه فأعدت عليه المسألة قال كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا) ورواه أبو داود في سننه و البيهقي في سننه الكبرى.

ومعلوم شدة حرص ابن عمر على اتباع سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكان من أبرز الصحابة رضي الله عنهم في ذلك يأمر من سأله عن وقت رمي الجمار بأن ذلك موكول لإمامه بحيث يكون الوقت المناسب هوأداء هذه الشعيرة بذكر وخشوع بعيداً عن الإضرار بالنفس والآخرين حتى لو كان صباحاً باكرا، يشهد لهذا الرواية الأخرى وقد رواها بن عيينة عن مسعر بهذا الإسناد (فقال فيه فقلت له أرأيت إن أخر إمامي أي الرمي فذكر له الحديث) أخرجه بن أبي عمر في مسنده. فعندما سأله عن تأخير الرمي بين ما كانوا عليه دليل على أنه يرفض التأخير ويرغب في التقديم أيضا أنه لم يضف رمي الزوال إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- صراحة دليل آخر على إجازته للرمي قبله إن لم يكن مفضلاً عنده وذلك وقت السؤال عندما كثر الناس.

وإن الرمي قبل الزوال في أيام التشريق أولى بالتخفيف من الرمي قبل طلوع الشمس ليوم العيد لأنه بعد التحلل الثاني فناسب التخفيف فأما يوم العيد فإنه يقع قبل التحلل من الحج فوجب الاحتياط له وأيضاً أنه ورد النهي عن الرجم قبل طلوع الشمس يوم العيد (عن بن عباس قال بعثنا رسول الله أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات يلطح أفخاذنا ويقول أبيني لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس) أخرجه النسائي في سننه وابن حبان في صحيحه وابن ماجه في سننه وأبي داود في سننه و ابن حنبل في مسنده والطحاوي في شرح معاني الآثار والطيالسي في مسنده والحميدي في مسنده.

ومع ذلك رجم قبل الوقت المحدد. وبما أن رسول الله نحر يوم العيد ضحى وحلق يوم العيد ضحى وطاف طواف الإفاضة يوم العيد ضحى وسكت عن التحديد فجعله العلماء موسعاً يفعل في أي ساعة من أيام التشريق فكذلك الرمي.

وإضافة أن الرجم نهارا قبل الزوال أيام التشريق أقرب إلى إصابة السنة حيث أنه في اليوم نفسه أما الرمي ليلة العيد فهي خارج اليوم فاليوم يطلق على النهار. إضافة أن رمي جمرة العقبة يوم العيد قبل الزوال وهي من الرجم وعلى ذلك يجوز الرجم فبل الزوال في أيام التشريق لفعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلا فرق إنما بكر بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- تخفيفاً على المسلمين لأجل إحلالهم ولكثرة الأعمال المزاولة ذلك اليوم كانت جمرة واحدة فقصد التخفيف والتسهيل بين وواضح.

والحج ليس عبادة في متناول الناس في السابق وحتى الآن فهي مرة واحدة في السنة وفيها دفع أموال ومفارقة أوطان لذا تجد الحرص في تطبق السنن فيها كبير وإن كانت هذه السنة تقود إلى كبيرة من كبائر الذنوب لذلك لابد من تثقيف المسلمين بما هو الأفضل برؤية شرعية متكاملة فليس سنة كرمي عند الزوال لم يرد فيها حتى حديث ترغيب تقدم على كبيرة من أكبر الكبائر وهي قتل مسلم أو الإلحاق الضرر به متعمداً لأنه يعرف وقوع ذلك سنوياً سماعاً ورأي البصر يقول الله فيها في محكم تنزيله {وَمَن يَقتُل مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} 93 النساء.

إنك أخي ترى كثرة المداخل والمخارج في هذا المقترح بما يتطلب جهد مضاعف وإلا فالحجاج معرضين لما حصل في الأعوام السابقة.

وإن تم تجمع الحجاج عند الجمرات وعدم رميهم إلا عند الزوال كما عليه كل عام فلن تنفع هذه البدعة المعظمة ـ وهي الجسور فوق الجسور التي ستبنى على مدار عامين إن لم يتدارك الوضع ـ وسترتد على المسلمين بالضلال الكبير فالحل الأصلح والأسلم والأسهل هو جعل الرجم على مدار 24 ساعة مع إمكانية جمعها كلها في يوم واحد ويتم إرشاد الحجاج بذلك.

والله أعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply