الملتزم، مكانه، والدعاء عنده


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

هذه بعض المسائل المتعلقة بـ "الملتزم" وقع البحث في بعضها في بعض المنتديات.

1.    أصل الكلمة:

قال الفيومي:

(ل ز م): لزم الشيء يلزم لزوما ثبت ودام ويتعدى بالهمزة فيقال ألزمته أي أثبته وأدمته ولزمه المال وجب عليه ولزمه الطلاق وجب حكمه وهو قطع الزوجية وألزمته المال والعمل وغيره فالتزمه ولازمت الغريم ملازمة ولزمته ألزمه أيضا تعلقت به ولزمت به كذلك.

والتزمته اعتنقته فهو ملتزم ومنه يقال لما بين باب الكعبة والحجر الأسود الملتزم لأن الناس يعتنقونه أي يضمونه إلى صدورهم. "المصباح المنير"(ص 553، 554).

2.    مكان الملتزم:

الذي ورد عن السلف في هذا أن مكان الملتزم هو ما بين الركن والباب وهو الأشهر من فعلهم والأكثر من قولهم -، وورد عن بعضهم أنه التزم "دبر الكعبة"، وورد التزام ما تحت الميزاب، وورد التزام الكعبة جميعها من غير تخصيص.

أ. ما جاء أنه ما بين الباب والركن:

عن ابن عباس قال: الملتزم ما بين الركن والباب.

عن الشيباني قال: رأيت عمرو بن ميمون وهو ملتزم ما بين الركن والباب.

عن مجاهد قال: كانوا يلتزمون ما بين الركن والباب ويدعون.

عن محمد بن عبد الرحمن العبدي قال: رأيت عكرمة بن خالد وأبا جعفر وعكرمة مولى ابن عباس يلتزمون ما بين الركن وباب الكعبة ورأيتهم ما تحت الميزاب في الحجر.

عن حنظلة قال: رأيت سالما وعطاء وطاوسا يلتزمون ما بين الركن والباب.

رواها ابن أبي شيبة في "المصنف"(3 / 236).

ب. ما جاء فيمن كان يلتزم دبر الكعبة.

(1)             حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق قال: رأيت عمرو بن ميمون يلتزم دبر الكعبة.

(2)             حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع عن نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة عن عمر بن عبد العزيز أنه أتى دبر الكعبة يستعيذ.

(3)             حدثنا أبو بكر قال حدثنا معن بن عيسى عن محمد بن صالح قال: رأيت القاسم يلتزم خلف الكعبة.

(4)             حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو يحيى الرازي عن حنظلة قال: رأيت القاسم يتعوذ في دبر الكعبة ويقول: اللهم إني أعوذ بك من بأسك ونقمتك وسلطانك.

(5)             حدثنا أبو بكر قال حدثنا معن بن عيسى عن ثابت بن قيس قال: رأيت نافع بن جبير يلتزم ما بين الحجر والباب وخلف الكعبة، كل قد رأيته.

(6)             حدثنا أبو بكر قال حدثنا ابن عيسى عن خالد بن أبي بكر قال: رأيت عبيد الله بن عبد الله يلتزم خلف الكعبة مما يلي المغرب يلصق بها صدره.

(7)             حدثنا أبو بكر قال حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن حسن عن أبي إسحاق قال: رأيت عمرو بن ميمون قد التزم الكعبة وألصق بطنه من مؤخرها من الجانب الذي يلي الركن اليماني.

(8)             حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عبد الرحمن بن الأسود أن أباه كان يلتزم دبر الكعبة.

(9)             حدثنا أبو بكر قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن الأعمش قال: رأيت أبا بكر بن عبد الرحمن يلتزم مؤخر الكعبة.

"مصنف ابن أبي شيبة" (3 / 237، 238).

ج. ما جاء في التزام ما تحت الميزاب:

أ. عن محمد بن عبد الرحمن العبدي قال: رأيت عكرمة بن خالد وأبا جعفر وعكرمة مولى ابن عباس يلتزمون ما بين الركن وباب الكعبة ورأيتهم ما تحت الميزاب في الحجر.

رواها ابن أبي شيبة في "المصنف"(3 / 236) وقد سبق في "أ".

ب. قال المرداوي:

قوله (وإذا فرغ من الوداع: وقف في الملتزم، بين الركن والباب) وهذا بلا نزاع بين الأصحاب وذكر أحمد: أنه يأتي الحطيم أيضا وهو تحت الميزاب فيدعو.

"الإنصاف"(4 / 53).

ج. والقول الرابع: هو جواز التزام كل بقعة في بناء الكعبة، والعجيب أن هذا مع عدم شهرته له ما يؤيده من صحيح السنة المرفوعة، وهو يدل على أن فعل الصحابة والسلف لم يكن بقصد التخصيص، بل حسبما اشتهر أو تيسر لهم.

أ. عن أسامة بن زيد قال: دخلت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البيت فجلس فحمد الله وأثنى عليه وكبر وهلل، ثم قام إلى ما بين يديه من البيت، فوضع صدره عليه وخده ويديه، ثم هلل وكبَّر ودعا، ثم فعل ذلك بالأركان كلها، ثم خرج فأقبل على القبلة وهو على الباب، فقال: هذه القبلة، هذه القبلة مرتين أو ثلاثة.

ب. وعن أسامة بن زيد ثم أنه دخل هو ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيت فأمر بلالا فأجاف الباب والبيت إذ ذاك على ستة أعمدة فمضى حتى أتى الاسطوانتين اللتين تليان الباب باب الكعبة والحاصل فحمد الله وأثنى عليه وسأله واستغفره ثم قام حتى أتى ما استقبل من دبر الكعبة فوضع وجهه وجسده على الكعبة فحمد الله وأثنى عليه وسأله واستغفره ثم انصرف حتى أتى كل ركن من أركان البيت فاستقبله بالتكبير والتهليل والتسبيح والثناء على الله -عز وجل- والاستغفار والمسألة ثم خرج فصلى ركعتين خارجا من البيت مستقبل وجه الكعبة ثم انصرف فقال هذه القبلة هذه القبلة.

مسند أحمد (36 / 147)، (36 / 151، 152)، والنسائي (2915) و(2917).

وصححه ابن خزيمة (3004) و(3005).

قال الشوكاني:

قوله: "ثم فعل ذلك بالأركان كلها" فيه دليل على مشروعية وضع الصدر والخد على جميع الأركان مع التهليل والتكبير والدعاء. "نيل الأوطار"(5 / 105).

وهذا الفعل منه -صلى الله عليه وسلم- وإن كان داخل الكعبة فالظاهر أنه لا فرق بينه وبين خارجها، ولعل هذا أن يكون مستند الصحابة والسلف في فعلهم، والله أعلم.

3.    الدعاء عنده مستجاب، وما يقول عنده

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

والدعاء مستجاب عند نزول المطر وعند التحام الحرب وعند الأذان والإقامة وفي أدبار الصلوات وفي حال السجود ودعوة الصائم ودعوة المسافر ودعوة المظلوم وأمثال ذلك فهذا كله مما جاءت به الأحاديث المعروفة في الصحاح والسنن والدعاء بالمشاعر كعرفة ومزدلفة ومنى والملتزم ونحو ذلك من مشاعر مكة والدعاء بالمساجد مطلقاً وكلما فضل المسجد كالمساجد الثلاثة كانت الصلاة والدعاء فيه أفضل. "مجموع الفتاوى"[27/129-130[.

وقال:

وإن أحبَّ أن يأتيَ الملتزم -وهو ما بين الحجر الأسود والباب- فيضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه ويدعو ويسأل الله -تعالى- حاجته فعل ذلك وله أن يفعل ذلك قبل طواف الوداع فإنَّ هذا الالتزام لا فرق بين أن يكون حالَ الوداع أو غيره، والصحابة كانوا يفعلون ذلك حين دخول مكة، وإن شاء قال في دعائه الدعاء المأثور عن ابن عباس: اللهمَّ إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرتَ لي مِن خلقك وسيرتَني في بلادك حتى بلغتَني بنعمتِك إلى بيتِك وأعنتَني على أداء نسكي فإن كنتَ رضيتَ عني فازدَد عني رضا وإلا فمِن الآن فارضَ عني قبل أن تنآى عن بيتك داري فهذا أوان انصرافي إن أذنتَ لي غير مستبدلٍ, بك ولا ببيتِك ولا راغبٍ, عنك ولا عن بيتِك اللهمَّ فأصحبني العافيةَ في بدني والصحةَ في جسمي والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتَني واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير.

ولو وقف عند الباب ودعا هناك من غير التزام للبيت كان حسناً. "مجموع الفتاوى"[26/142-143[.

4.    تخريج أشهر ما ورد فيه مرفوعاً وموقوفاً.

أ. حديث عبد الرحمن بن أبي صفوان:

عن عبد الرحمن بن صفوان قال: لما فتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة قلت: لألبسن ثيابي، وكانت داري على الطريق فلأنظرن كيف يصنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فانطلقت فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- قد خرج من الكعبة هو وأصحابه وقد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم وقد وضعوا خدودهم على البيت ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسطهم.

رواه أبو داود (1898) وأحمد (15124) والبيهقي (5/92).

وفيه: يزيد بن أبي زياد، ضعَّفه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم.

انظر "الجرح والتعديل"(9/265).

ب. حديث عبد الله بن عمرو:

عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: طفت مع عبد الله فلما جئنا دبر الكعبة قلت: ألا تتعوذ؟ قال: نعوذ بالله من النار، ثم مضى حتى استلم الحجر، وأقام بين الركن والباب، فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطا، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله.

رواه أبو داود (1899) وابن ماجه (2962) والبيهقي (5/93).

وفيه: المثنى بن الصباح، ضعَّفه الإمام أحمد وابن معين الترمذي والنسائي وغيرهم.

انظر "تهذيب الكمال"(27/203).

قلت: والحديثان يشهد كلُّ منهما للآخر.

وقد صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة"(2138) بشاهدين:

مرفوع: وهو حديث عبد الرحمن بن صفوان.

وموقوف: وهو أثر ابن عباس عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة "الملتزم بين الركن والباب".

 فائدة:

قال ابن القيم:

وأما الحطيم: فقيل فيه أقوال: أحدها: أنه ما بين الركن والباب، وهو الملتزم، وقيل: هو جدار الحِجرº لأن البيت رُفع وترك هذا الجدار محطوماً.

والصحيح: أن الحطيم الحِجر نفسه، وهو الذي ذكره البخاري في "صحيحه" واحتج عليه بحديث الإسراء، قال: "بينا أنا نائم في الحطيم"، وربما قال: "في الحِجر"، قال: وهو حطيم بمعنى محطوم، كقتيل بمعنى مقتول.

" شرح تهذيب سنن أبي داود"(5 / 247).

ج. عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما بين الركن والمقام ملتزم ما يدعو به صاحب عاهة إلا برأ".

رواه الطبراني في "الكبير"(11 / 321).

قال الهيثمي:

رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه عباد بن كثير الثقفي، وهو متروك.

"مجمع الزوائد"(3 / 246).

وقال الشيخ الألباني:

"ضعيف جدّاً" انظر حديث رقم: 2358 في "ضعيف الجامع".

قلت: وانظر ترجمته في "ميزان الاعتدال"(4 / 35).

5.    وقته:

ورد ما يدل على أنه يفعل عند القدوم، وعند الوداع، وفي كل وقت، والأكثر من الصحابة على الأول، ومن الفقهاء على الثاني، ومن السلف على الثالث.

أ. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

وإن أحب أن يأتي الملتزم وهو ما بين الحجر الأسود والباب فيضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه ويدعو ويسأل الله - تعالى -حاجته: فعل ذلك، وله أن يفعل ذلك قبل طواف الوداع فإن هذا الالتزام لا فرق بين أن يكون حال الوداع، أو غيره، والصحابة كانوا يفعلون ذلك حين يدخلون مكة.

"مجموع الفتاوى"(26 / 142).

ب. قال الشيخ ابن عثيمين:

وهذه مسألة اختلف فيها العلماء مع أنها لم ترد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما عن بعض الصحابة -رضي الله عنهم-، فهل الالتزام سنة؟ ومتى وقته؟ وهل هو عند القدوم، أو عند المغادرة، أو في كل وقت؟.

وسبب الخلاف بين العلماء في هذا: أنه لم ترد فيه سنة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يفعلون ذلك عند القدوم.

والفقهاء قالوا: يفعله عند المغادرة فيلتزم في الملتزم، وهو ما بين الركن الذي فيه الحجر والباب...

وعلى هذا: فالالتزام لا بأس به ما لم يكن فيه أذية وضيق.

"الشرح الممتع"(7 / 402، 403).

ج. وقال الشافعي:

وأحب له إذا ودع البيت أن يقف في الملتزم وهو بين الركن والباب فيقول: اللهم إن البيت بيتك والعبد عبدك.

" الأم"(2 / 244).

د. وقال الكاساني:

وذكر الطحاوي في مختصره عن أبي حنيفة أنه إذا فرغ من طواف الصدر يأتي المقام فيصلي عنده ركعتين ثم يأتي زمزم فيشرب من مائها، ويصب على وجهه ورأسه ثم يأتي الملتزم، وهو ما بين الحجر الأسود والباب، فيضع صدره وجبهته عليه، ويتشبث بأستار الكعبة، ويدعو ثم يرجع.

"بدائع الصنائع"(2/161).

هـ. وقال ابن قدامة:

ويستحب أن يقف المودع في الملتزم، وهو ما بين الركن والباب، فيلتزمه، ويلصق به صدره ووجهه، ويدعو الله -عز وجل- لما روى أبو داود، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال طفت مع عبد الله...

"المغني"(3/240).

والله أعلم.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply