آداب وليمة الزواج


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الأولى:

روى أنس قال: رأى رسول الله على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة فقال: ((ما هذا؟)) قال: يا رسول الله، إني تزوجت امرأةً من الأنصار على وزن نواةٍ, من ذهب، فقال: ((بارك الله لك، أولم ولو بشاة)) متفق عليه.

هذا الحديث من النصوص الدالة على مشروعية الوليمة للزواج، وفي إعدادها والدعوة إليها إعلانٌ للزواج وإشهارٌ له، ويجتمع لها الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء والمعارف، فتحصل الألفة والمودة والأنس والتقارب. ولنقف عند وليمة الزواج والدعوة إليها الوقفات الآتية:

 

أولاً: أنَّها من السنن المستحبة عند أكثر العلماء، ومنهم من قال بوجوبها، روى أبو هريرة أن رسول الله قال: ((الوليمة حقٌ وسنة، فمن دعي فلم يجب فقد عصى الله ورسوله)) رواه الطبراني.

 

ولم يترك النبي الوليمة في النكاح قط، بل أولم لجميع نسائه، ووجه أصحابه إلى ذلك، كما في قصة عبد الرحمن بن عوف.

 

ثانيًا: أن وقت الوليمة موسَّع من عقد النكاح إلى ما بعد الدخول، والذي عليه أكثر العلماء أن النبي صنع هذه الوليمة بعد الدخول، فقد ورد أنه أصبح عروسًا بزينب فدعا القوم إلى الطعام، والعملُ عند أكثر الناس اليوم أنها تكون قبل الدخول، ولا حرج في ذلك، إذ ليس بين عمل الوليمة والدخول إلا وقت يسير، وهذا ما جرت عليه عادة الناس، فالعادة مُحَكَّمة.

 

ثالثًا: أن يولم بشاة أو أكثر، لا سيما إذا كان ممن أنعم الله عليه بالغنى والسَّعة، لكن لا يصل ذلك إلى حد الإسراف المنهي عنه. وفي حديث عبد الرحمن بن عوف أن النبيّ قال له: ((أولم ولو بشاة))، وروى أنس قال: ما رأيت رسول الله أولم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب، فإنه ذبح شاة فأطعمهم لحمًا وخبزًا حتى تركوه. متفق عليه.

 

رابعًا: لا يشترط أن تكون الوليمة باللحم، بل هي جائزة بأي طعام يتيسر ولو كان خاليًا من اللحم، وفي عمل النبيّ حين أولم لبعض نسائه لم يكن في طعام الوليمة لحم، فعن أنس أن النبي أولم على صفية بتمر وسويق، وعن صفية بنت شيبة أن النبيّ أولم على بعض نسائه بمد من شعير. رواه البخاري.

 

خامسًا: يستحب أن يشارك الأغنياء والقادرون في إعداد الوليمة وتوفير متطلباتها، وأن يكون لهم دور بارز في ذلك، وفي قصة زواج النبي بصفية - رضي الله عنها - أنه دخل بها فلما أصبح قال: ((من كان عنده شيء فليأت به))، فجعل الرجل يجيء بفضل التمر والسويق، وجعل الرجل يجيء بالأقط، والرجل يجيء بالتمر، والرجل يجيء بالسمن، فجعلوا من ذلك حَيسًا، فأكلوا منه، وشربوا من حياض إلى جنبهم من ماء السماء، فكانت تلك وليمة رسول الله على صفية - رضي الله عنها -. رواه مسلم.

 

وقد جرت عادة كثير من الناس في مجتمعنا أن يسهموا مع الزوج في القيام بتكاليف الوليمة ومؤنة الزواج وإعانته على ذلك، من باب التكافل والمودة والمحبة، وهي طريقة محمودة، تعطي دلالة واضحة على صدق التعاطف مع الزوج وسخاء النفس وطيب القلب.

 

سادسًا: من السنة أن تكون الدعوة إلى وليمة الزواج شاملة للأهل والأقارب والجيران والأصدقاء والأغنياء والضعفاء والقادرين والمعدمين، ولا يجوز أن يخص الداعي الأغنياءَ بالدعوة، أو يقتصر على دعوة الأثرياء وذوي الوجاهة والغنى، فقد قال: ((شر الطعام طعام الوليمة، يُدعى لها الأغنياء، ويُمنَعُها المساكين، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى اللهَ ورسولَه)) رواه مسلم. ذلك أن الفقير والمسكين بحاجة إلى الطعام، وهو الذي إذا دُعي بادر وأسرع في تلبية الدعوة وأجاب، بخلاف الغني فإنه قد يستثقل المجيء فلا يجيب، وهذا المراد من الحديث السابق، ومعناه أن شر طعام الوليمة ما اقتُصر فيه على دعوة الأغنياء وترك الفقراء، وليس المراد أن كل وليمةٍ, طعامها شر الطعام، وإلاَّ لما حث - عليه الصلاة والسلام - على إجابتها وأوجب ذلك على المدعو.

سابعًا: لو أمعنا النظر في حال كثير من الناس اليوم، لوجدنا عدة مخالفات ترتكب عند إقامة ولائم الزواج، منها تعمد البعض المفاخرة في وليمة زواجه أو زواج قريبه أو قريبته، بحيث يختار لها أفخم قاعات الفنادق وأغلى قصور الأفراح وأرقى صالات الاحتفالات، ويدفع مقابل ذلك مبالغ مالية باهظة، ويحرص البعض على ذلك رغبة في الظهور بمظهر الغني القادر، وتقليدًا أو محاكاة للآخرين، حتى يظهر أمام أهل الزوجة بمظهر الثري الذي لا يعجز أن يفعل مثلَ أو أكثر مما فعله غيره، وهذه نظرة خاطئة تجلب كثيرًا من المتاعب للشباب الذين لا يطيقون تحمل الأعباء المالية التي تزيدهم إرهاقًا مع دفع المهور المرتفعة، مما يُشكل عبئًا ماليًا كبيرًا، من شأنه أن يؤدي بالكثير منهم إلى الإحجام عن الزواج مع شدة الرغبة والتوقان إليه.

 

ثامنًا: أن إقامة ولائم الزواج لا تخلو في معظم حالاتها اليوم من الإسراف المتناهي، حيث يظهر البذخ والتبذير بتقديم الأطعمة من اللحوم وأنواع المأكولات والمشروبات والحلوى وغير ذلك بكميات كبيرة، تزيد في أكثر الحفلات عن أعداد المدعوين، إذ إن من يُدعى لحضور الولائم يتخلف كثيرٌ منهم، فتبقى تلك الأطعمة، ولا يؤكل إلا القليل منها، ويكون مصير الباقي منها الإتلاف دون الإفادة منها، أو توزيعها على الفقراء والمساكين والمعوزين والمحتاجين.

وذلك كله بسبب مخالفة الهدي الإلهي والتوجيه الرباني: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ, وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبٌّ المُسرِفِينَ [الأعراف: 31]، وعدم التقيد بالإرشاد النبوي الوارد في قول المصطفى الكريم: ((كلوا واشربوا وتصدقوا في غير إسراف ولا مخيلة)) رواه أحمد والنسائي.

فإلى متى يتمادى بعض النَّاس في الإعراض عن الضوابط الشرعية التي وضعها الإسلام في دعوته إلى الاعتدال والتوسط بين الإسراف والتقتير في المآكل والمشارب والملابس وما يقدم في الحفلات والمناسبات، وبالأخص ولائم

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply