الخلطة السيئة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين. أعلى كرامة بني الإنسان وجعلهم خلفاء في الأرض كتب على نفسه الرحمة، وبعث في الأميين رسولا منهم فأزال به عن الخلق الغمة - سبحانه - أبدع الكون بخلقه وبديع صنعه، كل شيء عنده بمقدار. خلق فسوى وقدر فهدى وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا محمدا عبده ورسوله وصفوته من خلقه وحبيبة هادي البشرية إلى كل خير ومحذرها من كل شر فصل اللهم عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين والتابعين وتابع التابعين ومن تبعهم بإحسان وإخلاص إلى يوم الدين وعلينا معهم بفضلك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين يا أرحم الراحمين يا رب العالمين. قديما قيل: (قل لي من ترافق، أقول لك من أنت). هذه المقولة الحكمة والحكيمة في الوقت ذاته، هي من أكبر ما نعيشه اليوم، وأكبر سبب لما نراه من نتائج سيئة في تربية أبنائنا، وبالتالي فهي حكمة عظيمة فيما أصبحنا نعانيه من سلوك أبنائنا، فهي قولة صائبة إلى أبعد الحدود، وحكمة بالغة جدا، وهي من الهدي النبوي الشريف على صاحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم تتعلق بتربية الكبير والصغير فينا، مقولة سديدة إلى حد بعيد ظلت راسخة في ذهني منذ أن سمعتها أيام كنت أجلس في إحدى أركان الفرع الزيتوني بجامع الربع ببنزرت، وكانت هاته المقولة، تبرز أمام عيني بين الحين والآخر. تطفو أحيانا على سطح الواقع، وتغيب أحيانا أخرى في غيابات عدم النظر إلى الواقع وأخذ العبرة منه. واليوم بكل أمانة أصبحت شخصيا بل كلنا أصبحنا نرى واقع هذه الحكمة البالغة وهذه المقولة العظيمة فنشعر، أكثر من أي وقت مضى، بما لا شك فيه، أن الخلطة السيئة هي آفة هذا العصر ومصيبته العظمى، بالنسبة لأبنائنا. فما نراه على ميدان الواقع ما هو النتيجة الحتمية لمصاحبة ومخالطة الأشرار، ومخالطة رفقاء السوء. كلنا يعلم مدى المعانات النفسية والمادية، التي يعيشها الآباء، والأمهات، من جراء انحرافات سلوك أبنائهم، نتيجة معاشرة الأشرار، ذوي السريرة الخبيثة. خصوصا البعض منهم الذين وهبهم الله قدرة على الإقناع، أولئك الذين منحهم الله قدرة فائقة على التأثير. هؤلاء هم من جند الشيطان تعزز بهم الشيطان وكانوا له سندا، في نشر الفواحش، والموبقات، وهدر الوقت، في اصطياد الفسق والفجور، وتبذير المال في الحرام...المخالطة في حد ذاتها ضرورية للإنسانَ، ضرورة الملح للطعام.لأن الإنسان مدني بالطبع، يعيش مع المجموعة البشرية اجتماعي بالغريزة، كما يرى ابن خلدون، وعلماء الاجتماع بصفة عامة. ولكن مخالطة الغير يجب أن تكون لها ضوابط، يجب أن تكون هاته المخالطة في الخير، الذي يعود بالنفع على الفرد وعلى المجموعة. وأن تكون هاته المخالطة مما يأتي بالخير والصلاح، وما يرضي الله.، كالتعاون على البر والتقوى، وتعلم العلم، والجهاد بأنواعه خاصة في سبيل طلب العلم وفي سبيل لقمة العيش، في سبيل الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فذلك جهاد وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة.. الدعوة إلى الله فذلك جهاد،. وفي نفس الوقت التعاون على محاربة الشر بأنواعه، كالإثم، والظلم، والعدوان، والرشوة، والريا وأكل أموال الناس بالباطل. فذلك جهاد فالمهتمون بالتربية يجمعون على أن ما آل إليه حال الكثير من أبنائنا، إنما كان مرده بالدرجة الأولى إلى الرفقة السيئة، الخلطة التي لا تأتي بخير، الرفقة السيئة، تأتي على الكثير من الجهد التربوي الذي يبذل في المدرسة. أي أن هاته الخلطة السيئة تتلف وتذهب الجهد المبذول في المدرسة بغية التربية وبغية تحصيل العلم، والخلطة السيئة تأتي على الكثير من الجهد التربوي الذي يبذل من الأولياء، أي تتلف وتذهب وتمحق الجهد الذي يبذله الأولياء في تربية أبنائهم، والأطفال وخاصة من هم في درجة المراهقة هم أكثر عرضة للتأثر بالوسط الاجتماعي أو ما أصبح يسمى الآن بالبيئة الثالثة، فإذا كان هذا الجو الاجتماعي الذي يحوم حول الطفل، جوا اجتماعيا صالحا تطبع الطفل طبعا بصلاحه، وإن كان فاسدا وسيئا تأثر به. لأن مجالسة أصحاب السوء لا تدفع بالطفل إلا إلى ارتكاب الأنواع المختلفة من الفساد وسوء السلوك من ذلك التدخين، وشرب الخمر، وتناول المخدرات، وإيتاء الفاحشة.. لأن الصبي يتأثر بالصبي الذي في مثل عمره أكثر مما يتأثر لا بما يتعلمه في المدرسة ولا بما يوجهه إليه أبواه. يقول ابن سينا: ((ما معناه أن الصبي يأخذ عن من في مثل عمره أكثر من ما يأخذ عن غيره ويحاكيه ويقلده أكثر من غيره ويتأثر به أكثر من غيره بل يستأنس به أكثر من استئناسه بغيره)) ويقول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وهو معلم الصغار والكبار ** [إنما مثل الجليس الصالح، والجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك، إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة. ** رواه البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أحبتي في الله، إن مجالس قرناء السوء كثيرا ما يزينها الكلام الفاحش، ويحضرها الشيطان لا سيما في غياب الرقيب والوازع الديني، وقد انتشرت في عالمنا اليوم الوسائل المعينة للشيطان، ومنها وسائل الإعلام التخريبية، والهدامة، والتي تتعاون كلها لعولمة النموذج الثقافي الغربي، أي لتصبح كل ثقافتنا عولمة غربية لا تعير أي اهتمام للأخلاق. فآفة قرناء السوء أصبحت ومنذ القدم تشمل كل الناس وليس الأطفال الصغار فحسب بل حتى الكبار، فآفـة قرناء السوء ليست خاصة بالأطفال، والمراهقين بل هي تتجاوز ذلك لتشمل الكبار منا وحتى الشيوخ حيث ترى من الانحلال الأخلاقي ما لا يخطر على بال. وخاصة من الكلام الفاحش والأفعال المشينة، وأن من لا يستطيع أن يمنع نفسه من مجالس وقرناء السوء فكيف له أن يمنع من ذلك ولده. أحبتي في الله، إن ديننا الإسلامي الحنيف دين مبني على الأخلاق العالية والقيم الثابتة السمحة هذه التي علينا أن نلقنها لأبنائنا ونحرص على حمايتها لديهم فلا نترك أي ثغرة يمكن أن تذهب أو تتلف أو تمس هذه القيم في أبنائنا فقد اقتضت حكمة الله - تعالى -في خلقه أن جعل الإنسان ميالاً بطبعه إلى مخالطة الآخرين ومجالستهم والاجتماع بهم وهي سنة الله في الحياة فهي الفطرة\" فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون \" الآية 30 من سورة الروم. وهذه المخالطة للآخرين من البشر والعيش معهم لها أثرها الواضح في فكر الإنسان وفي منهجه في الحياة، بل وفي سلوكه ككل، وربما كانت هذه المخالطة سبباً فعالاً في مصير الإنسان وسعادته الدنيوية والأخروية. وقد دل على ذلك الشرع والعقل والواقع والتجربة والمشاهدة. فالظالم يندم يوم القيامة ويأسف لمصاحبة من ضل وحاد وانحرف عن النهج الرباني فكان سبباً في ضلاله وانحرافه \" ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلا. لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا) [الفرقان 27]. والدين الإسلامي العظيم لا يعتبر الطفل أو الصبي مسؤولا عن سلوكياته، وتصرفاته إلا بعد أن يبلغ الحلم. أي عندما يرشد عند ما يصبح راشدا وهو سن التكليف، بل إن التكليف والمؤاخذة مرتبطان أساسا بالوعي والإدراك الذي هو مناط التكليف، فهؤلاء المكلفون أي الكبار الآباء الأمهات الإخوة هم الذين يخاطبهم ربهم في كتابه العزيز بما سيكون منهم يوم القيامة أي بالجواب الذي سيجيبون به يوم الوقوف بين يدي الله، \" ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين \" (العنكبوت 25). وقوله - تعالى - \"ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهوله قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءانا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين \" (سورة الزخرف آية 36-37) من خلال هذه الآيات، يتبين لنا أن المخاطب هم المكلفون أي الذين يحملون المسؤولية ويتحملون أمام الله - سبحانه وتعالى - نتائج عدم القيام بها على الوجه الأكمل، فنجد في طليعة هؤلاء، الأولياء من آباء أو أمهات الذين لم يرعوا أبناءهم حق الرعاية، وتخلوا عن مسؤولياتهم التربوية، فتخلوا عن أبنائهم وفلذات أكبادهم لقرناء السوء فكانت النتائج المفجعة التي نراها بأم أعيننا من سلوك تقشعر له الأبدان ومن كلام يندى له الجبين ومن نتائج سلبية في التربية وفي الأخلاق الحسنة، حتى أنك تسمع أحيانا العبارات الغريبة يتفوه بها الطفل فتسأل هذا الطفل ابن من؟ فيقال لك هذا ابن فلان فتأخذك الدهشة،، فأين ما نعرفه من صفات طيبة في أبيه هناك موضوع آخر وهو موضوع نبوغ أبنائنا وما أعطاهم الله من مواهب فهي كثيرة والحمد لله، لكنها لم تلق منا لا الرعاية ولا الصقل، وبالتالي فالموهبة عند أبنائنا أول من يقضي عليها هي الخلطة السيئة وإني أعرف شخصيا وفي محيط هذا الجامع مواهب غريبة في حسن الصوت والنتائج الطيبة في الدراسة والنبوغ في ميادين مختلفة ولكن أين هي الآن إنها ضاعت كلها ولم يبق منها أثر، ولاشك أن ضياعها مرده ومأتاه الخلطة السيئة، ونحن نتأهب لنرى نتائج أبنائنا في دراساتهم ونعلق عليها الآمال العريضة علينا أن نهتم بخلطة أبنائنا حتى لا نفاجأ المفاجآت الغير السارة وأنتم تذكرون كم من أبنائنا طرد من المدرسة بسبب سوء السلوك المتأتي من الخطة السيئة، كم من أبنائنا أصبح مدخنا بينما والداه لم يكونا كذلك كم من أبنائنا أصبح ممن يتناولون المخدرات وأبواه لا يعرفان حتى ما ذا تعني هذه الكلمة ثم أخيرا كم من أبنائنا أصبح من ذوي السوابق العدلية ولربما قابعا في السجون نتيجة الخلطة السيئة. فانتبهوا يا أحبتي في الله إن الخطب عظيم والأمر على غاية من الخطورة.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم أقول ما سمعتم واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولوالدي ولوالديكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ولا حول ولا قوة إلا باله العلي العظيم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply