توجيه القائمين على الوقف لأداء الحقوق والأمانة في عملهم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ذكّر -رحمه الله - في مستهلّ الخطبة بوجوب تقوى الله وأداء الأمانات إلى أهلها، والترهيب من الخيانة. وأن الأمانة تشمل معاملة العبد مع ربه ومع الناس، ثمّ أشار إلى أنّ الأمانة مع الله بالإخلاص في القيام بالأوامر والنواهي مع اتباعه - صلى الله عليه وسلم -، وأنّ الأمانة مع الخلق تكون في البيع والشراء والصناعة والولاية والودائع والأقوال.

وبعد ذلك وجّه القائمين على الوقف لأداء الحقوق والأمانة في عملهم. ثم ذكر بعضا من أحكام الوقف وعلى رأسها أحكام الناظر على الوقف، والتصرف في الوقف وأحكامه ثم ذكر بعض صور التعدي في الأوقاف.

 

جاء فيها...

أيها الناس: اتقوا الله - تعالى -وأدوا ما تحملتموه من الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا، وقد أمركم الله في كتابه أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها على الوجه الذي تحملتموها عليه، وأن لا تخونوها بأخذ منها أو تصرف بها. وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا إيمان لمن لا أمانة له)) وقال: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم)) وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكمل غادر لواء فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان)).

 

أيها المسلمون: ولقد حدث النبي - صلى الله عليه وسلم - عن رفع الأمانة فقال: ((ينام الرجل نومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبرا وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال إن في بني فلان رجلا أمينا حتى يقال للرجل ما اجلده ما أظرفه ما أعقله وما في قبله مثقال حبة من خردل من إيمان)).

أيها المسلمون: إن الأمانة تكون في معاملة العبد مع ربه كما تكون في معاملة الخلق، فالأمانة في العبادة أن تقوم بأوامر الله مخلصا له متبعا لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن تترك ما نهى الله عنه ممتثلا بذلك أمر الله ورسوله.

ألا وإن الأمانة تكون في البيع والشراء والصناعة وولاية النكاح والودائع التي تودع إياها والأقوال التي تكون سرا بينك وبين صاحبك والولايات التي تتولاها شرعا أو عرفا، فالوكيل أمين، وولي اليتيم أمين، وناظر الوقف أمين، والفلاح أمين، والراعي أمين، فالأمانة تكون في الدين كله، والأعمال كلها، فمن أدى الأمانة على الوجه المطلوب فهو من المفلحين، ومن خانها أو تهاون فيها كان من الخاسرين.

أيها المسلمون: أن بين أيديكم أوقافا أنتم الأمناء عليها، فأدوا الأمانة فيها، وراعوا فيها حقوق المستحقين من بعدكم، فإن لهم حقوقا فيها كما لكم فيها حقوقاً فليست الأوقاف لكم تتصرفون فهيا كما تحبون وإنما هي أمانة بين أيديكم تنفذونها بحسب شروط الموقفين.

أيها المسلمون: إني أحب أن أبين لكم في خطبتي هذه أمرين من أمور الوقف: أحدهما في الناظر على الوقف، والثاني في التصرف في الوقف.

أما الأمر الأول: وهو الناظر فإن كان الموقف قد عين ناظرا بشخصه أو بوصفه فالنظر لمن عينه وإن كان الموقف لم يعين ناظرا لا بشخصه ولا بوصفه فإنه إن كان الوقف على جهة عامة كالوقف على الفقراء وعلى المساجد ونحوها فالنظر للحاكم، وإن كان الوقف على معين كالأولاد ونحوهم كان النظر للموقوف عليهم جميعا.

ألا وإن من الجهة العامة وقف أماكن الوضوء والاغتسال التي تسمونها الحساوة، فإذا أوقف الإنسان حسواً للمسلمين والحاكم نائبهم، وعلى هذا فالآبار السبل التي في الأسواق ولم يذكر الواقف لها ناظرا فإنه يتولاها القاضي دون غيره، وقد سمعنا أن بعض الناس لما غارت ماء بئر الحسو السبيل سده ولم يعرف كيف يتصرف فيه، والواجب عليه إذا تعطلت منافعه ولم يمكن إصلاحه أن يبيعه أو يصبره ويصرف العوض في نفع عام بعد مراجعة القاضي.

أما الأمر الثاني الذي أريد بيانه فهو التصرف في الوقف، فالوقف إذا تم لا يجوز بيعه ولا التصرف فيه إلا على الوجه الذي شرطه الموقف ما لم يكن في ذلك مصلحة شرعية أنفع مما عينه الموقف فإنه يسأل أهل العلم أو القاضي ويعمل بما يقولون، إلا أنه إذا تعطلت مصالح الوقف وصار لا ينتفع به لا بسكنى ولا بإجارة فإنه يجوز بيعه أو تصبيره ويشتري بعوضه إن بيع ما يكون بدلا عنه.

أيها المسلمون: لقد سمعنا أن بعض الناس بدأوا يصبرون الأوقاف من دور أو دكاكين مع أنها لم تتعطل منافعها ويمكن إجارتها بدراهم تكفي ما عين فيها من تنافيذ، وهذا غلط منهم وتعَدٍ, على حق الواقف وحق من بعدهم من المستحقين، فلا يجوز لهم أن يحكروها بالصبرة عمن بعدهم فإنه ربما تكون الأجرة في المستقبل أضعاف أضعاف الصبرة فيحولون بتصبيرهم بين هذه الزيادة وبين مستحقيها من البطون المستقبلة فيلحقهم الإثم في قبورهم وربما دعا عليهم من بعدهم لظلمهم إياهم ودعاء المظلوم مستجاب.

فاتقوا الله أيها المسلمون وأدوا الأمانة واسلكوا سبيل السلامة ولا تتبعوا أنفسكم شيئا يشغل ذمتكم فلقد كان السلف الصالح - رضي الله عنهم - لا يعدلون بالسلامة شيئا.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply