الحكمة في القصاص والحدود


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الحكيم العليم العزيز الرحيم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي خلق فأتقن وحكم فأحكم ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون، وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله الذي كان بالمؤمنين رحيماً وكان لحدود الله حافظاً مقيماً، أقسم بالذي نفسه بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع يدها عدلاً شاملاً وهدياً قويماً صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً.

 

أما بعد، أيها المؤمنون اتقوا الله - تعالى - وتأملوا أحكامه وحدوده بعلم وإيمان تجدوها تابعة للحكمة والمصلحة في كل زمان ومكان، فإن الذي وضع تلك الحدود هو أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين، علم أن مصالح العباد لا تقوم إلا بها فشرعها وعلم أن بها درءاً للمفاسد فأمر بها وحتمها. فالحدود تمنع من الجرائم وتكفر ما اقترفه المجرم من المآثم، انظروا إلى البلاد التي تقام فيها الحدود كيف يستتب فيها الأمن والاطمئنان، وأما البلاد التي لا تقام فيها الحدود فتكثر فيها الجرائم والاعتداء والطغيان. فمن الأحكام التي شرعها الله - تعالى - قتل القاتل، فإن القاتل المتعمد للقتل يقتل إذا تمت شروط القصاص {وَلَكُم فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ} لأن القاتل إذا علم أنه سيقتل فلن يقدم على القتل وبذلك تكون الحياة، ثم إن القتل حق لأولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوا القاتل وإن شاؤوا عفوا عنه مجاناً أو أخذوا الدية، وعليهم أن يراعوا المصلحة في ذلك فيأخذوا بما هو أصلح من عفو أو دية أو قصاص. انظروا إلى السارق كيف يسرق ما يساوي ربع دينار فتقطع يده بذلك حفظاً للأموال عن الاعتداء عليها، فإن السارق إذا علم أنه تقطع يده اليمنى إذا سرق فإنه لا يمكن أن يسرق، وإذا قطعت اليد المحترمة التي لا يباح قطعها كان فيها نصف الدية خمس مئة دينار. فلله ما أعلى هذه الحكمة وأبلغها وأنسبها للمصالح، تقطع اليد بربع دينار إذا سرقت حفظاً للأموال، وتضمن إذا قطعت ظلماً بخمس مئة دينار حفظاً للأبدان. انظروا - رحمكم الله - إلى جريمة الزنا وهي فاحشة نكراء، كيف جعل الله فيها حدا مناسباً لحال الزاني؟ فإن الزاني إن كان بكراً وهو الذي لم يتزوج فإن حده أن يجلد مئة جلدة ويغرب عن وطنه سنة ليبعد عن محل الفاحشة لعله ينساها ويتوب، وإن كان الزاني ثيباً وهو الذي من الله عليه بنكاح صحيح ووطئ زوجته فيه، فهذا حده الرجم وهو أن يرجم بالحجارة حتى يموتº لأن من زنى بعد أن من الله عليه بالزواج والوطء الحلال فهو جرثومة فاسدة في المجتمع لا يليق به إلا الزوال.

ومن حكمة الله أن جعل حده الرجم بالحصى ليتألم جميع بدنه به كما تلذذ بشهوة الزنا جزاء وفاقا. وأما جريمة اللواط وهي الفاحشة الكبرى والمصيبة العظمى فما أعظمها من جريمة وأطمها، وما أجدر نفساً تعاطتها بالإتلاف وأحقها. ففي السنن عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)) قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ولم يختلف الصحابة في قتله، لكن اختلفوا كيف يقتل، وأكثر السلف على أن يرجم رجماً، وإنما كانت عقوبة هذه الفاحشة هي القتل بكل حال لما فيها من إفساد المجتمع وعسر التحرز منها في الحال والمآل. ومن نظر إلى حكم الله - تعالى -في الحدود وجده الحكم المتضمن للحكمة التي تبهر العقول، وأنه لا حكم أحسن منه وأصلح للأمة وأن ما سواه فهو جهل وطغيان لا تقوم به المصالح ولا تندرئ به المفاسد قال الله - تعالى -:{أَفَحُكمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبغُونَ وَمَن أَحسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكماً لِقَومٍ, يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...إلخ.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply