علم الغيب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتّقوا الله - تعالى - حقَّ التقوى.

عبادَ الله، إنَّ مِن رحمة الله بهذه الأمّة أن حفِظ عليها مصدَرَ تشريعها، وهو كتابُه العزيز الذي تكفَّل بحفظِه ولم يكِل حفظَه لسواه، {إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـافِظُونَ [الحجر: 9].

بيَّن فيه الحلالَ والحرام، قصَّ القصصَ والأخبارَ، ذكرَ فيه الحدودَ وحرَّم التعدّيَ عليها، ذكر الحدودَ في الاعتقاد والقول والعمَل، حفِظ هذا الكتاب العزيزَ بأنواعٍ, من الحفظ، حفِظه في اللّوح المحفوظ بَل هُوَ قُرءانٌ مَّجِيدٌ فِى لَوحٍ, مَّحفُوظٍ, [البروج: 21، 22]، حفِظه في الأرض، فهيَّأ له من جَمَعه وكتبَه واعتنى به، حفِظه في صدورِ الرجال بَل هُوَ ءايَـاتٌ بَيّنَـاتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ [العنكبوت: 49]، حفِظه حين وَحيِه وتنزيله، فلم تستطِع أيدي شياطين الجنّ والإنس العبثَ به، لقد كان الجنٌّ قبل مبعثِ محمّد يسترِقون السّمع، فيسمعون شيئًا ممّا تقوله الملائكة مِن أوامر الله، فيسمَع الكلمةَ مسترقُ السمع، فيرسلها إلى أخيه الكاهن مِن الإنس، فيكذِب معها مائةَ كذبة، فيُظنّ صدقه على ما يقول، ولمّا اقترب مبعث محمّد حرس الله السماءَ بالشهب، فلم يستطيعوا الوصولَ إلى شيء من ذلك، وَأَنَّا لَمَسنَا السَّمَاء فَوَجَدنَـاهَا مُلِئَت حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا وَأَنَّا كُنَّا نَقعُدُ مِنهَا مَقَـاعِدَ لِلسَّمعِ فَمَن يَستَمِعِ الآنَ يَجِد لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا وَأَنَّا لاَ نَدرِى أَشَرُّ أُرِيدَ بِمَن فِى الأَرضِ أَم أَرَادَ بِهِم رَبٌّهُم رَشَدًا [الجن: 8-10]. رُميت الشياطين بالشّهب قبلَ المبعث النبوي، فأصاب الناسَ ذهول ممّا رأوا، فالإنس مِنهم مَن أيقن بهلاكه، فترك بهائمَه وهَام، والجنّ بحثوا ما مصدرُ ذلك؟ حتّى وجدوا النبيَّ يقرأ القرآن، وَإِذ صَرَفنَا إِلَيكَ نَفَرًا مّنَ الجِنّ يَستَمِعُونَ القُرءانَ الآية [الأحقاف: 29].

أيّها المسلمون، فحرس الله السمواتِ بالشّهب، وحفِظ الغيبَ فلم تمتدَّ إليه أيدي العابثين، لا من الجنِّ ولا من الإنس، فالغيبُ ممّا يجري في ملكوتِ السموات والأرض علمُه عند الله، فلا يعلم الماضي والحاضرَ والمستقبل إلا ربٌّ العالمين أو مَن أطلعَه الله على شيء من ذلك كما قال - جل وعلا - في كتابه العزيز: إِلاَّ مَنِ ارتَضَى مِن رَّسُولٍ, [الجن: 27].

أيّها المسلمون، لقد زاغَ قومٌ عن الهداية وتنكَّبوا الصّراط المستقيمَ وارتكبوا الغواية، وزعموا أنّهم يعلمون الغيبَ، واستدلّوا بالحوادث الفلكية على ما يجري في الأرض، نظَروا في الأفلاك في اجتماعها وافتراقها ومنازلها، فاستدلّوا بذلك على ادِّعائهم علمَ الغيب، وادّعاء علمِ الغيب إنّما هو تكذيبٌ لله ورسوله، وكفرٌ ومنازعة لله في سلطانِه.

أيّها المسلم، تأمَّل قولَ الله - جل وعلا -: قُل لاَّ يَعلَمُ مَن فِى السَّمَـاواتِ والأرضِ الغَيبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشعُرُونَ أَيَّانَ يُبعَثُونَ [النمل: 65]، فأخبَر - تعالى -أنَّ الغيبَ في السموات والأرض لا يعلمه إلا الله، والمؤمنون يؤمنون بالغيبِ وبما أخبرَ الله مما غاب عنهم يؤمنون به، الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِالغَيبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلواةَ وَمِمَّا رَزَقنَـاهُم يُنفِقُونَ [البقرة: 3].

تأمَّل قولَ الله - تعالى -: قُل لاَّ أَقُولُ لَكُم عِندِى خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعلَمُ الغَيبَ وَلا أَقُولُ لَكُم إِنّى مَلَكٌ إِن أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ قُل هَل يَستَوِى الأعمَى وَالبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام: 50]. هذا نبيٌّنا يأمره الله أن يقول: قُل لاَّ أَقُولُ لَكُم عِندِى خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعلَمُ الغَيبَ، ويقول - جل وعلا - له أيضًا: قُل لا أَملِكُ لِنَفسِى نَفعًا وَلاَ ضَرّا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لاستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَمَا مَسَّنِىَ السٌّوء [الأعراف: 188].

أيّها المسلم، إنَّ هناك منكرًا عند بعض الناس، وهم أولئك الذين يدَّعون علمَ الغيب، فيستدلّون بالطوالع والبروج على ما يقولون، فيربطون بينها وبين ما يقَع من نفع أو ضرّ أو سعادةٍ, أو شقاء للبشرية، على ما يدَّعونه من علم الغيب، وكذبوا والله، والغيبُ لا يعلمه إلا الله.

أيّها المسلم، إنَّ نبيّنا يقول: ((مَن أتى كاهنًا فصدَّقه بما يقول فقد كفَر بما أُنزل على محمّد))[1]، ويقول: ((مَن أتى كاهنًا فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين يومًا))[2].

أيّها المسلم، إنَّ ما يخبر به أولئك من المغيَّبات التي لا يعلمُها إلا الله، يقولون: سيحصل في هذا الشهر وفي هذا العام في هذا اليوم في تلك الليلة حوادثُ كذا وكذا، فإذا وقع أمرٌ ما قالوا: نحن قد علِمنا وأخبَرنا وتوقَّعنا ما يجري، وكلّ هذا من المغالطات، كلّ هذا من ادِّعاء علم الغيب، كلّ هذا من الكذِب والافتراء، هذا مذهبُ الفلاسفة والمجوس والصابئة الذين هُم كَفَرة بما جاءت به الأنبياء.

أيّها المسلم، إنَّ علمَ الغيب ممَّا اختصَّ الله به، فهو الذي يعلم ما كان وما يكون، إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزّلُ الغَيثَ وَيَعلَمُ مَا فِى الأرحَامِ وَمَا تَدرِى نَفسٌ مَّاذَا تَكسِبُ غَدًا وَمَا تَدرِى نَفسٌ بِأَىّ أَرضٍ, تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ [لقمان: 34]، وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيبِ لاَ يَعلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعلَمُ مَا فِى البَرّ وَالبَحرِ وَمَا تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ, إِلاَّ يَعلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ, فِى ظُلُمَـاتِ الأرضِ وَلاَ رَطبٍ, وَلاَ يَابِسٍ, إِلاَّ فِى كِتَـابٍ, مٌّبِينٍ, [الأنعام: 59].

أخي المسلم، إنَّ أولئك الكهّان والمدَّعين علمَ الغيب علمَ ما سيكون وما سيجري يأتيهم الإنسانُ فيسألهم عن حالِه وعن مستقبلِه، ويأخذون منه الأموالَ الطّائلة، فيقول: حظّك كذا، يأتيك كذا، يتحقّق لك كذا، سيأتيك مالٌ سيأتيك كذا إلى آخره، ويظنّ هذا الظانّ أنَّ هؤلاء صادقون، وأنّهم يخبرون عن حقائق، وكذبوا والله، فلا علمَ عندهم، ولا معرفةَ عندهم، ولكنَّ الكذب هو المسيطر عليهم. وافق أمرُهم هوًى في بعض النفوس وضعفًا في الإيمان وقلّةً في العلم والمعرفة.

أيّها المسلم، إنّ الله - جل وعلا - قدَّر الأشياء، وعلِم ما العباد عاملون، وكتب هذا العلمَ قبل أن يخلقَ الخليقة بخمسين ألف سنة، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكُن، إذًا فما الفائدةُ من أولئك؟! وما الفائدة من الاستفسار منهم؟!

أيّها المسلم، أخفى الله عنك الأمورَ الآتية، وحجب عنك علمَها، ويجري ما يجري بقضاء الله وقدره، لا رادّ لقضائه، ولا معقِّب لحكمِه وهو سريع الحساب. خُذ بالأسباب النافعة، واتَّق الأسبابَ الضارّة، واستعِن بالله في أمورِك كلّها، سلِ اللهَ الثباتَ على الحق والاستقامة على الهدى، خُذ بالأسباب التي أذِن الله لك بتعاطيها، مع الثّقة بالله، وقوّة اليقين والتوكّل على الله، وتفويضِ الأمر إلى الله، وكُن دائمًا ملتجِئًا إلى الله، سائلا اللهَ العفوَ والعافية في الدّنيا والآخرة، سائلا الله من خيره وفضله، مستعيذًا به من البلاءِ والشرّ، الجَأ إلى الله، وعلِّق بالله أملك، وقوِّ يقينَك وتوكّلك على الله، ثمّ لا يضرّك شيء بعد هذا، في الحديث: ((ولا يردّ القدرَ إلا الدّعاء))[3]، فكثرةُ الدّعاء والالتجاء إلى الله والتضرّع بين يديه يدفع الله به عنك البلاءَ، ويحقّق لك الخير، والله أمَرك بدعائه: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة: 186]. أمّا أولئك الدجّالون الكذّابون فلا علم عندهم بحقائقِ الأمور، وليسوا صادقين فيما يقولون، تخرٌّص وظنون وأكاذيبُ وافتراء.

فاتّق الله أيّها المسلم، وإيّاك أن تسألهم عن شيء، إيّاك أن تستفسرَ منهم عن أمر، الآتي علمُه عند الله، ولا يؤمِّنك من المخواف ولا ينجيك من المكاره إلاّ التجاؤك إلى الله، وثقتك بالله، وسؤالُ الله أن يجعلَ فيما قضى وقدّر لك خيرًا، وقل دائمًا: اللهمَّ ما قضيتَ من قضاء فاجعل عاقبتَه لنا رشدًا. فمن ألحَّ على الله والتجأ إليه، كفاه وعافاه، ومَن اتّكل على أولئك الكهّان والدجّالين ألحقوا به الأذى والضّرر، فإن أعطاهم من المال ما يرضيهم حسَّنوا له كلَّ المستقبل، وقالوا: يأتيك المال والولدُ والجاه وإلى غير ذلك، وإن قلّ ما يعطيهم أخافوه فقالوا له: سيأتيك كذا وكذا، فأدخَلوا على قلبه الخوفَ والرعب، ممّا يدلّ على كذبهم وتناقضهم في كلّ ما يقولون.

أسأل الله لي ولكم التوفيقَ والهداية والعونَ على كل خير.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتّقوا الله - تعالى - حقَّ التّقوى.

عبادَ الله، للأسَف الشّديد أنَّ بعضَ المحطّات الفضائية يوجد فيها برامِج ما يسمّى بحظِّ الإنسان ومستقبَل الإنسان، ينتصِب لذلك أقوامٌ أهلُ كذِب ودجلٍ, وباطل، يتّصل بهم الكثيرُ من النّاس، يسألونهم: ما هو مستقبلي؟ ما حظي؟ ماذا سأنال في السنين الآتية؟ ماذا سيكون وضعي وحالي وأولادي؟ ما ستكون ثروتي؟ ماذا سيكون جاهي؟ ماذا سيكون موقعي في الحياة؟ إلى آخر ذلك، ثم ينبري أولئك الكهّان الكذّابون الدجّالون فيقول للواحد منهم: حظّك كذا، يسأله: متى وُلدتَ؟ في أيّ البروج؟ في أيِّ الأعوام؟ في أيِّ الطّوالع كان مولدُك؟ فيقول: كذا، فيقول: هذا طالِع سعد وهذا طالِع سعادة وطالِع خير وطالع كذا، فهَذا كلٌّه مِن الكذِب والباطل. يتَّصل بهم الكثيرُ من أولئك، يظنّون أنّ عند أولئك علمًا، لا وربِّي، لا علمَ عندهم، ولا معرفةَ عندهم، ولكنّ الكذِب والافتراء هو الذي يكون عندهم.

أيّها المسلم، يا أخي المسلم، ما الفائدة من الاتِّصال بهم؟ ماذا تستفيدُ منهم؟ إمّا أن يغروك بأشياء، ويعِدوك بوعود تعلِّق عليها أماني، والأمَاني رأسُ أموال المفلِسين، أو يدخلونَ عليك رعبًا وخوفًا فتصاب بالهموم والأحزان.

يا أخي، الجَأ إلى ربِّك، اسأل ربَّك من فضله وكرمه، خذ بالأسباب النافعة التي أذِن الله لك بتعاطيها، الجَأ إلى ربِّك وفوِّض أمرك إلى ربِّك، واسأله العفوَ والعافية في الدنيا والآخرة، يقول نبيّنا لعمّه العبّاس: ((يا عم، سلِ الله العافيةَº فما أعطِي أحدٌ بعد اليقين خيرًا من العافية))[4]، فاسألِ الله العافيةَ في الدّين والبدن، كان من دعاءِ نبيّكم: ((اللهمَّ إنّي أسألك العفوَ والعافيةَ في الدّنيا والآخرة. أسألك ـ يا ربِّ ـ العافيةَ في ديني وبدني وأهلي ومالي. اللهمَّ استر عورتي، وأمِّن روعتي، واحفظني من بين يديّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي، أعوذُ بعظمتك أن أغتال من تحتي))[5]، وفي الدّعاء المأثور: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من جهدِ البلاء ودرَك الشقاء وشماتَة الأعداء وسوءِ القضاء))[6]، ((اللهمّ إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك ومِن تحوٌّل عافيتك ومن فجاءة نقمتِك))[7].

أيّها المسلم، فالاتِّصال بأولئك ومحادثتُهم ومحاولة استكشافِ ما عندَهم هذا كلٌّه من الجهل، كلّه من الخطأ، كلّه من ضَعف الإيمان وقلّة اليقين، أن تظنَّ بأولئك الضالّين خيرًا، أو تحسنَ الظنّ بهم، أو تظنّ أنّ عندهم علمَ الغيب، حُجب علمُ الغيب عن أنبياء الله وخير خلق الله، أفيكون عندَ أولئك خير؟! إنّ أولئك ليسوا بعلماء، وليسوا بأهلِ علم وفضلٍ,، ولكنّهم أهل دجل وكذب، استطاعوا بكذبِهم وبهرجهم أن يخدَعوا عقولَ بعض الناس، فيزعمون أنّهم يحدِّدون مستقبلَهم، ويعلمونهم بما سيأتيهم، وكلّ هذا من الخطأ، هذه الأمورُ استأثر الله بعلمها، قَد جَعَلَ اللَّهُ لِكُلّ شَىء قَدراً [الطلاق: 3]، في الحديث: ((لن تموتَ نفسٌ حتّى تستكملَ رزقها وأجلَها))[8]، فالأرزاق والآجالُ علمُها عند الله، إذا بلَغ الجنينُ في بطنِ أمّه أربعةَ أشهر جاءَ الملك فكتَب رزقَه وأجلَه وعمله وشقيّ أم سعيد، كلّ ذلك مكتوب، وَعِندَهُ أُمٌّ الكِتَـابِ [الرعد: 39]، لاَ يَعزُبُ عَنهُ مِثقَالُ ذَرَّةٍ, فِى السَّمَـاواتِ وَلاَ فِى الأرضِ وَلاَ أَصغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكبَرُ إِلاَّ فِى كِتَـابٍ, مٌّبِينٍ, [سبأ: 3]، فما بالُنا ندَع الالتجاءَ إلى الله ونتّكل على أولئك الكهان وتوقّعاتهم السيّئة؟! وإن كانوا يدّعون أنهم أهلُ حضارةٍ, وعِلم، لكِن الكهانةُ في أولئك كثيرة، فلا تثق بهم، ولا تطمئنّ إليهم، ولا تحاول سؤالَهم ولا استطلاعَ ما وراءهم. كن واثقًا بربِّك متَّكلا عليه معتمِدًا عليه مفوِّضًا أمورَك إليه، وَأُفَوّضُ أَمرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ [غافر: 44].

واعلموا ـ رحِمكم الله ـ أنَّ أحسنَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.

وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على عبد الله ورسوله محمّد كما أمركم بذلك ربّكم، قال - تعالى -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِىّ يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلّمُوا تَسلِيمًا [الأحزاب: 56].

اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد، وارضَ اللهمَّ عن خلفائه الراشدين...

 

----------------------------------------

[1] أخرجه البزار (3045 ـ كشف الأستار) من حديث جابر - رضي الله عنه -، وجوَّده المنذري في الترغيب (3/619)، وقال الهيثمي في المجمع (5/117): \"رجاله رجال الصحيح خلا عقبة بن سنان وهو ضعيف\"، وصححه الألباني في غاية المرام (285). وله شواهد منها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه زيادة، أخرجه أحمد (9290، 9536)، وأبو داود في الطب (3904)، والترمذي في الطهارة (135)، والنسائي في الكبرى (9017)، وابن ماجه في الطهارة (639)، والدارمي (1136)، وابن الجارود (107)، والحاكم (1/8)، وقال الترمذي: \"ضعف البخاري هذا الحديث من قبل إسناده\"، ونقل المناوي في الفيض (6/24) تضعيفَ البغوي وابن سيّد الناس والذهبي لهذا الحديث، ووافقهم على ذلك.

[2] أخرجه مسلم في السلام (2230) عن صفية عن بعض أزواج النبي بنحوه.

[3] أخرجه أحمد (37/68) (22386)، وابن ماجه في المقدمة (90) من حديث ثوبان - رضي الله عنه -، وصححه ابن حبان، والحاكم (1/493)، وقال البوصيري في الزوائد: \"سألت شيخنا أبا الفضل العراقي عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث حسن\"، وأخرجه الترمذي في القدر (2139) من حديث سلمان وقال: \"حديث حسن غريب\"، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (154).

[4] هذا النص مركّب من حديثين، الأول: حديث العباس - رضي الله عنه - قال: أتيت رسول الله فقلت: يا رسول الله، علمني شيئا أدعو به، فقال: ((سل الله العفو والعافية))، قال: ثم أتيته مرة أخرى فقلت: يا رسول الله، علمني شيئا أدعو به، قال: فقال: ((يا عباس، يا عم رسول الله، سل الله العافيةَ في الدنيا والآخرة))، أخرجه أحمد (1/209)، والبخاري في الأدب المفرد (726)، والترمذي في الدعوات (3514)، وقال الترمذي: \"هذا حديث صحيح\"، وصححه الضياء في المختارة (8/378-380)، والألباني في صحيح سنن الترمذي (2790).والثاني: حديث أبي بكر - رضي الله عنه - قال: قام رسول الله عامَ الأوّل على المنبر ثم بكى فقال: ((اسألوا الله العفو والعافيةº فإنّ أحدا لم يعطَ بعد اليقين خيرا من العافية))، أخرجه أحمد (1/3)، والترمذي في الدعوات، باب: في دعاء النبي (3558) واللفظ له، والنسائي في عمل اليوم والليلة (882)، وابن ماجة في الدعاء، باب: الدعاء بالعفو والعافية (3849)، والبزار (75)، والطيالسي (5)، والحميدي (7)، وأبو يعلى (121)، قال الترمذي: \"هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه\"، وصححه الضياء المقدسي في المختارة (1/156)، والألباني في صحيح سنن ابن ماجه (3104).

[5] أخرجه أحمد (2/25)، والبخاري في الأدب المفرد (1200)، وأبو داود في الأدب (5074)، والنسائي في الكبرى (10401)، وابن ماجه في الدعاء (3871)، والطبراني في الكبير (10/343) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - بنحوه، وصححه ابن حبان (961)، والحاكم (1902)، وهو في صحيح الترغيب والترهيب (659).

[6] أخرجه البخاري في الدعوات (6347)، ومسلم في الذكر (2707) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله يتعوّذ من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء.

[7] أخرجه مسلم في الذكر (2739) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

[8] أخرجه البزار (2914) من حديث حذيفة - رضي الله عنه - بنحوه، وقال المنذري في الترغيب (2/340): \"رواته ثقات إلا قدامة بن زائدة بن قدامة، فإنه لا يحضرني فيه جرح ولا تعديل\"، وقال نحوه الهيثمي في المجمع (4/71)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1702). وفي الباب عن جابر - رضي الله عنه -، أخرجه ابن ماجه في التجارات (2144)، والطبراني في الأوسط (9074)، والقضاعي في مسند الشهاب (1152)، وصححه ابن حبان (3239، 3241)، وهو في صحيح سنن ابن ماجه (1743). وعن أبي أمامة - رضي الله عنه -، أخرجه الطبراني في الكبير (8/166)، وأبو نعيم في الحلية (10/27)، قال الهيثمي في المجمع (4/72): \"فيه عفير بن معدان، وهو ضعيف\". وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -، أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (1151)، وعزاه الحافظ في الفتح (1/20) لابن أبي الدنيا في القناعة، وقال:\"صححه الحاكم\".

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply