من آيات النبي صلى الله عليه وسلم إبراء المرضى


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عن سهل بن سعد : أن رسول الله  -صلى الله عليه وسلم - قال يوم خيبر: ((لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)).

قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله  -صلى الله عليه وسلم -  كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: ((أين علي بن أبي طالب؟)) فقالوا: هو يا رسول الله  -صلى الله عليه وسلم - يشتكي عينيه، قال: ((فأرسلوا إليه))، فأتي به، فبصق في عينيه ودعا له بخير، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول الله  -صلى الله عليه وسلم -! أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال: ((انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله عز وجل، فوالله لأن يهدي بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)).

في هذا الحديث معجزة من معجزاته ، وهي إبراء المرضى بإذن الله.

وفيه منقبة عظيمة لعلي ، حيث شهد له الرسول  بأنه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، وفيه منقبة أخرى له وهي أن الله فتح خيبر على يديه.

 

وفيه حرص الصحابة جميعا على الخير وتنافسهم فيه، حيث باتوا يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبحوا أتوا النبي  كلهم يرجوا أن يعطاها.

وقد وقعت هذه المعجزة إبراء المرضى كثيرا لرسول الله  -صلى الله عليه وسلم - ، وحفظت السنة هذه الوقائع ومنها:

عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: بعث النبي  رهطا إلى أبي رافع، فدخل عليه عبد الله بن عتيك بيته ليلا وهو نائم فقتله، قال عبد الله بن عتيك: فوضعت السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره ، فعرفت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب حتى انتهيت إلى درجة فوضعت رجلي فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامة، فانطلقت إلى أصحابي، فانتهيت إلى النبي  فحدثته، فقال: ((ابسط رجلك)). فبسطت رجلي فمسحها فكأنما لم أشتكها قط.

 

وعن يزيد بن أبي عبيد قال: (رأيت أثر ضربة في ساق سلمة بن الأكوع فقلت: يا أبا مسلم! ما هذه الضربة؟ قال: ضربة أصابتني يوم خيبر، فقال الناس: أصيب سلمة، فأتيت النبي  فنفث فيه ثلاث نفثات، فما اشتكيتها حتى الساعة).

 

وعن قتادة بن النعمان : (أنه أصيبت عينه يوم بدر فسالت حدقته على وجنته، فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا رسول الله  -صلى الله عليه وسلم -  فقال: ((لا))، فدعاه، فغمز حدقته براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيبت؟ وفي رواية: فكانت أحسن عينيه).

 

وعن عثمان بن حنيف : أن رجلا ضرير البصر أتى النبي  فقال: ادع الله أن يعافيني، قال: ((إن شئت دعوت لك، وإن شئت صبرت، فهو خير لك))، فقال: ادعه، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه فيصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء: ((اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد! إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضي لي، اللهم فشفعه في، وشفعني فيه، قال: ففعل الرجل فبرأ)).

 

وقد فهم بعض الناس من هذا الحديث أنه يجوز التوسل بجاه النبي  وغيره من الصالحين، ولا حجة لهم فيه، بل هو دليل على جواز التوسل إلى الله تعالى بدعاء الصالحين فقط، لأن توسل الأعمى كان بدعاء النبي ، لا بذاته وجاهه، والأدلة على ذلك كثيرة، منها:

1- أن الأعمى إنما جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - ليدعو له، وذلك قوله: ((ادع الله أن يعافيني)) فهو قد توسل إلى الله تعالى بدعائه ، لأنه يعلم أن دعاءه  أرجى للقبول عند الله تعالى، بخلاف دعاء غيره.

ولو كان قصد الأعمى التوسل بذات النبي  أو جاهه أو حقه لما كان ثمة حاجة به إلى أن يأتي النبي  ويطلب منه الدعاء له، بل كان يقعد في بيته ويدعو ربه، كأن يقول مثلا: اللهم إني أسألك بجاه نبيك ومنزلته عندك أن تشفيني وتجعلني بصيرا. ولكنه لم يفعل، لماذا؟ لأنه عربي يفهم معنى التوسل في لغة العرب حق الفهم، ويعرف أنه ليس كلمة يقولها صاحب الحاجة يذكر فيها اسم المتوّسل به، بل لابد أن يشتمل على المجيء إلى من يعتقد فيه الصلاح والعلم بالكتاب والسنة وطلب الدعاء منه له.

 

2- أن النبي  وعده بالدعاء مع نصحه له ببيان ما هو الأفضل له، وهو قوله : ((إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك)). وهذا الأمر الثاني هو ما أشار إليه النبي  في الحديث الذي رواه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: ((إذا ابتليت عبدي بحبيبته فصبر عوضته منها الجنة)).

 

3- إصرار الأعمى على الدعاء، وهو قوله (فادع) فهذا يقتضي أن الرسول  دعا له، لأن رسول الله  -صلى الله عليه وسلم -  خير من وفى بما وعد، وقد وعده بالدعاء له إن شاء كما سبق، فقد شاء الدعاء وأصرّ عليه، فإذن لابد أنه  دعا له.

وجه  النبي -صلى الله عليه وسلم - الأعمى بدافع من رحمته، وبحرص منه على أن يستجيب الله تعالى دعاءه فيه، وجهه إلى نوع من التوسل مشروع، وهو التوسل بالعمل الصالح، ليجمع له الخير من أطرافه، فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين، ثم يدعو لنفسه، وهذه الأعمال طاعة لله سبحانه وتعالى، يقدمها بين يدي دعاء النبي  له، وهي تدخل في قوله تعالى:  ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة)  [المائدة:35].

وهكذا لم يكتف النبي -صلى الله عليه وسلم - بدعائه للأعمى الذي وعده به، بل شغله بأعمال فيها طاعة الله سبحانه وتعالى وقربة إليه، ليكون الأمر مكتملا من جميع نواحيه وأقرب إلى القبول والرضا من الله سبحانه وتعالى.

 

4- أن في الدعاء الذي علمه رسول الله  -صلى الله عليه وسلم -  إياه أن يقول: ((اللهم فشفعه فيّ)) وهذا يستحيل حمله على التوسل بذاته  أو جاهه أو حقه، إذ أن المعنى: اللهم اقبل شفاعته  فيّ، أي اقبل دعاءه في أن تردّ عليّ بصري.

 

والشفاعة لغة: الدعاء، وهو المراد بالشفاعة الثابتة له  ولغيره من الأنبياء والصالحين يوم القيامة، وهذا سببه أن الشفاعة أخص من الدعاء.

 

5- إن مما علّم النبي -صلى الله عليه وسلم - الأعمى أن يقول: ((وشفعني فيه)) أي اقبل شفاعتي أي دعائي في أن تقبل شفاعته  أي دعاءه في أن ترد علي بصري.

 

6- إن هذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم - ودعائه المستجاب، وما أظهره الله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من العاهات، فإنه بدعائه  لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره، ولذلك رواه المصنفون في دلائل النبوة، فهذا يدل على أن السر في شفاء الأعمى إنما هو دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم -، ويؤيده أنه لو كان السر في شفاء الأعمى أنه توسل بجاه النبي -صلى الله عليه وسلم - وقدره وحقه، لكان من المفروض أن يحصل هذا الشفاء لغيره من العميان الذين يتوسلون بجاهه  بل يضمون إليه أحيانا جاه جميع الأنبياء والمرسلين، وكل الأولياء والشهداء والصالحين، وجاه كل من له جاه عند الله من الملائكة والإنس والجن أجمعين، ولم نعلم ولا نظن أحدا قد علم حصول مثل هذا خلال هذه القرون الطويلة بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم - إلى اليوم، ولو كان هذا حقا ما بقي أعمى أبدا، لأن كل أعمى سيدعو بهذا الدعاء، وسيتوجه إلى الله بنبيه -صلى الله عليه وسلم -.

 

وإذا تبين هذا أن قول الأعمى في دعائه: ((اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد )) إنما المراد به أتوسل إليك بدعاء نبيك، أي على حذف مضاف، كما في قوله تعالى:  ( واسأل القرية ) [يوسف:82].

أي أهل القرية وأصحاب العير.

وتبين أيضا أن من التوسل المشروع:

 

التوسل بدعاء الصالحين.

التوسل بالعمل الصالح، ويشهد له حديث عمر بن الخطاب  قال: سمعت رسول الله  -صلى الله عليه وسلم -  يقول: ((انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدّت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم، قال رجل منهم: اللهم كان لي أبواب شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا، فنأى بي طلب الشجر يوما فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلا أو مالا، فلبثت والقدح على يدي انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، والصبية يتضاغون عند قدمي، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه.

 

قال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم، وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فأردتها على نفسها فامتنعت مني، حتى ألمت بها سنة من السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلت، فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه. فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها.

 

وقال الثالث: اللهم استأجرت أجراء، وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أد إلي أجري، فقلت: كل ما ترى من أجرك: من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي! فقلت: لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون)).

 

ج- التوسل بأسماء الله الحسنى، وصفاته العلى، كأن يقول المسلم في دعائه: اللهم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم، اللطيف الخبير، أو يقول: اللهم يا رزّاق ارزقني، يا شافي اشفني، ونحو ذلك.

قال تعالى:  ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها  ) [الأعراف:180].

وسمع النبي  -صلى الله عليه وسلم - رجلا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.

فقال : ((لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب)).

 

تنبيه:

اعلم أن قولنا لا يجوز التوسل بجاه النبي ولا بجاه غيره من الأنبياء والصالحين ليس معناه إنكار أن يكون لهم عند الله جاه أو قدر أو مكانة. وليس معناه أن من ينكر التوسل بجاههم يبغضهم وينكر قدرهم ومنزلتهم عند الله. كلا، فمنزلة الأنبياء فوق كل منزلة، وجاههم عند الله أعظم من جاه غيرهم، ولكنا نهينا عن الغلو في ديننا والإفراط فيه كما نهينا عن التفريط، قال تعالى:  ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم)  [النساء:171].

وقال النبي : ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)).

 

وليست محبة النبي  ادعاء يدعى، ولا شعارا يرفع، وإنما المحبة الاتباع، قال الله تعالى:  (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني)  [آل عمران:31].

فمن ادعى محبة الله ورسوله فعليه باتباع رسول الله  -صلى الله عليه وسلم -  واقتفاء أثره، والتمسك بسنته.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply