حق الراعي والرعية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله حقّ التقوى تسعدوا دُنيًا وأُخرى.

معاشر المسلمين، من سُنَّةِ الله - جل وعلا - التي مضت في خلقه أن جعل الموت مَطَيّتهم من الدنيا إلى الأخرى، واقعٌ ما له دافِع، ولا مردّ له ولا شافِع، {كُلٌّ نَفسٍ, ذَائِقَةُ المَوتِ} [آل عمران: 185]. لباسه لا يستثني مخلوقًا، وكأسه لا يترك جوفًا، الكُلٌّ لكأسه شاربٌ، ولطعمه ذائق، والله المستعان. {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُم يَومَ القِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُم تَختَصِمُونَ} [الزمر: 30].

الموت ـ عباد الله ـ مُفرّق الجماعات، وهادم اللذات، وقاطع الأُمنيات، كم أنزل راكبًا عن مركوبه الفاخر! وكم نقض بنيانًا شُيّدَ تشييدًا زاخرا! كم من أفراح جعلها همًّا وأتراحًا، وصيّرها غمًّا وآلامًا! فسبحان الله جلّت حكمته، وعظمت قدرته، وهو الحي الذي لا يموت! يقول الحسن - رحمه الله -: \"إن الموت قد فضح الدنيا فلم يدع لذي لُبٍّ, بها فرحًا\"، ويقول مُطرّفٌ - رحمه الله -: \"إن هذا الموت أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا نعيمًا لا موت فيه، لقد أَمِنَ أهل الجنة الموت فطاب لهم عيشهم، وأمنوا الأسقام فهنيئًا لهم طول مقامهم\". ويقول بعض السلف: \"شيئان قطعا عني لَذَاذة الدنيا: ذكر الموت، والوقوف بين يدي الله - جل وعلا -\".

إخوة الإسلام، الموت أكبر واعظ وأعظم زاجر، ومن هنا أوصى النبي أمّته بالإكثار من ذكره: ((أكثروا من ذكر هاذم اللذات)) حديث صحيح[1]. ذلكم أن الموت يذكّر العبد أن هذه الدنيا دنيا يُفجَع فيها الواثق، ويُصرَع فيها المطمئنّ، سلطانها دُولٌ، وحلوها مُرُّ، وعَذبُهَا أُجَاجٌ، العزيز فيها مغلوب، والعظيم فيها أسير، وجودها إلى عدم، سرورها إلى حَزَن، وكثرتها إلى قِلّة، وعافيتها إلى سَقَم، وغناها إلى فقر، جاء عن النبي بسندٍ, حسن أنه قال: ((فما ذكره ـ أي الموت ـ أحدٌ في ضيق من العيش إلا وسَّعَه، ولا في سَعَة إلا ضيّقها))[2].

عباد الله، اذكروا الموت والسَّكَرات، وحَشرَجَة الروح والزَّفَرَات، فما أَلَزمَ عَبدٌ قلبه ذكر الموت إلا وهان عليه أمر هذه الدنيا. قال القرطبي: \"قال الدقّاق: من أكثر من ذكر الموت أُكرم بثلاثة: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، والنشاط في العبادة. ومن نسي الموت عوقب بثلاثة: تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة\". فواجب على العقلاء أن يتّعظوا، وعلى الغافلين أن ينتبهوا، وفرض على المسلم أن يذكر الموت حق الذكر، بمحاسبة النفس بالأعمال والأماني، فرحم الله عبدًا أعتق نفسه من رِقِّ شهواتها، ونَظَرَ لها قبل مماتها، وأخذ من جِدَتِه عتادًا لفقره، وادَّخَر من صحّته زادًا لقبره. وقف النبي على شَفِير قبر ثم بكى حتى بَلَّ الثَّرَى، ثم قال: ((إخواني، لِمِثلِ هذا فَأَعِدٌّوا)) حديث حسن[3]. وسئل النبي: من أكيس الناس؟ فقال: ((أكثرهم ذكرًا للموت، وأشدهم استعدادًا له، أولئك هم الأكياس، ذهبا بشرف الدنيا وكرامة الأخرى)) رواه ابن ماجه والطبراني وسنده حسن[4].

أيها المسلمون، بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، أُصيبت الأمة الإسلامية عامّة وبلاد الحرمين خاصة، بمصاب جَلَل وهو فقدان قائدها وإمامها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد - رحمه الله -، وغفر له، وأسكنه فسيح جناته، وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وإنا لله وإنا إليه راجعون، لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمّى، وأحسن الله العزاء وأعظم الأجر للجميع.

عرفته الأمة رائدًا من روّاد التضامن العربي الإسلامي، عُرف بمدّ يده للمساعدة في الكوارث والمحن في كل مكان، دَعَمَ المسلمين وقضاياهم بما كان معلَنًا وغير معلَن، اهتم بالدعوة للإسلام ودعمها، شَيَّدَ المساجد، وأقام المراكز الإسلامية في أرجاء العالم، فجزاه الله خيرًا على ما قدّم. ولا غَروَ فهو القائل - رحمه الله -: \"إن العقيدة الإسلامية هي الخير والبركة، والالتفاف حولها هو الأساس والقاعدة الأساسية، والمنطلق لهذه البلاد\".

 

عرفته الأمة بنصرة قضية فلسطين والاهتمام بها، والانشغال بشأنها بحكمة وحِنكَةٍ,، له من المشاريع القيمة والأفعال الطيبة والمواقف المشرّفة ما يُذكَر فيُشكَر، فجزاه الله عن ذلك خير الجزاء، وأعلى درجته في جنات النعيم.

فمن مناقبه الكبرى: هذه التوسعة المشهودة للحرمين الشريفين، بما لم يشهد له التاريخ مثيلاً ولا نظيرًا، كيف وقد لقّب نفسه بخادم الحرمين الشريفين. ومن مآثره العظمى: تأسيس مطبعة للمصحف الشريف وترجماتهº من أجل نشر الإسلام في أصقاع الأرض، ومن لا يَشكُرِ الناسَ لا يَشكُرِ الله، - رحمه الله - رحمة واسعة وأعلى درجته في المهديين.

معاشر المسلمين، بلاد الحرمين كانت ولا تزال ـ بحمد الله ـ تقوم على أساسها التي أسّست عليه، القرآن والسنة دستورها، والإسلام منهجها، قامت على تحقيق هذا الدين، والقيام بتوحيد رب العالمين، والالتزام بشرعه، والاعتصام بحبله، يتوارث ذلك قادتها، ويتواصون به كابرًا عن كابر. وإننا ـ وبحمد الله ـ وقد اجتمعت كلمتنا، وانعقدت بيعتنا الشرعية بالإمامة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وبولاية العهد لأخيه الأمير سلطان بن عبد العزيز ببيعة شرعية على كتاب الله وسنة رسوله، وهما ـ بحمد الله ـ خير خلف لخير سلف، فإننا حين إذن نذكّر أنفسنا جميعًا أن الدِّين بالسلطان يقوى، والسلطان بالدِّين يبقى، والصلاح للجميع في الدارين يتحقّق بتعاون الحاكم والمحكوم على البرّ والتقوى، وإقامة شرع الله وتنفيذ أحكامه وإقامة شرائعه. قال علي: (الناس لا يصلحهم إلا الإمام بَرًا كان أو فاجرًا). يقول بعض الحكماء: \"السلطان زِمام الأمور ونظام الحقوق وقِوَامُ الحدود، والركن الذي عليه مدار الدين والدنيا، وهو حِمَى الله في البلاد، وظلّه الممدود على عباده، وبه يمتنع المجرم، وينتصر المظلوم، ويأمن الخائف\". وفي كلام متين قوي يقول شيخ الإسلام ـ في السياسة الشرعية، - رحمه الله - رحمة واسعة، يقول ـ: \"يجب أن يُعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام لدين إلا بهاº فإن بني آدم لا تتمّ مصلحتهم إلا بالاجتماع، لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس\"، إلى أن قال - رحمه الله -: \"فالواجب اتخاذ الإمارة دينًا وقربة يُتقرّب بها إلى الله - جل وعلا -، وإن انفرد السلطان عن الدِّين أو الدِّين عن السلطان فسدت أحوال الناس\" انتهى[5].

فالتمسّك بالبيعة الشرعية لولي الأمر، والثبات عليها واجب شرعي ومطلب ديني، وهو ما تحقّق في هذه البلاد ـ بحمد الله ـ لولي أمر هذه البلاد الملك عبد الله، ولولي عهده بولاية العهد، فالبيعة لهما صدرت من رعيتهم من منطلق إسلامي وواجب ديني، فلله الحمد والمنة. يقول عبادة بن الصامت مخبرًا عن منهج أهل التوحيد، منهج صحابة رسول الله: (بايعنا رسول الله على السمع والطاعة، في مَنشَطِنا ومَكرَهِنا وعُسرِنا ويُسرِنا، وَأَثَرَة علينا) الحديث متفق عليه[6].

وروى مسلم عن النبي أنه قال: ((من خَلَع يدًا من طاعة لقي الله ولا حجّة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية))[7]. ومن هنا واجبٌ على الرعية في أرض هذه البلاد، أن يعلموا أن واجبهم الديني الطاعة لولي الأمر، فطاعته في غير معصية واجبة فيما رضوا وكرهوا، فذلك أصل من أصول الإيمان في المنشط والمكره، لا تتوقّف على رغبة وهوى ولا على محبة ورضا، {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم} [النساء: 59]، ورسولنا يقول: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني))[8]، وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، أن النبي قال: ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية فإن أُمِرَ بمعصية فلا سمع ولا طاعة)) متفق عليهما[9].

إخوة الإسلام، ومن الواجب المُحَتَمَّ إكرام السلطان في الأرض، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله: ((إن من إجلال الله - تعالى -إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط)) حديث حسّنه المحقّقون[10]. قال سهل بن عبد الله: \"لا يزال الناس بخير ما عظّموا السلطان والعلماء، فإذا عظّموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإذا استخفّوا بهذين فسدت دنياهم وأخراهم\".

 

وإنّ مما يرفع الله به الدرجات، ويحقّق به الخير والإصلاح الإكثار من الدعاء لولي الأمر وولي عهده بكل خير بالحماية والرعاية والصلاح والتوفيق والسداد والإعانة والرشاد، يقول القاضي عياض: \"لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لجعلتها في الإمام\"، وروي عن الإمام أحمد مثل ذلك.

إخوة الإسلام، أعظم واجب على الحاكم والمحكوم تحقيق تقوى الله في كل أمر خاص أو عام، ومراقبته في كل شأن. ومن أهم هذه الأمور التعاون بين الحاكم والمحكوم على تحقيق شرع الله، والالتزام بالتوحيد والإسلام شريعة ومنهجًا، سلوكًا وعملاً، قولاً وفعلاً، مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسعي بإصلاح أمور الحياة من منطلق الوحيين ونور الهديين، والواجب على الجميع التآلف وتحقيق المحبة، والسعي لما يحقق الأمن والرخاء والاستقرار للمسلمين جميعًا، {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقوَى} [المائدة: 2]، {وَالعَصرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ, إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ} [سورة العصر]. فبذلك صلحت حياتنا في هذه البلاد، واستقامة أمورنا، وعزّ شأننا، كما قال ربنا - جل وعلا -: {الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُم فِي الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَن المُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج: 41]، فبلاد الحرمين كانت ـ ولا تزال ـ وستستمرّ بإذن الله على التوحيد والإسلام.

معاشر المسلمين، واجب على الحاكم والمحكوم التناصح وفق القاعدة الشرعية، والآداب المرعية للنصيحة في الإسلام، فبذلك تصلح الأحوال وتستقيم الأمور، فرسولنا يقول: ((الدين النصيحة)) ثلاثًا، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم))[11]. وفي حديث جرير قال: (بايعت رسول الله على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم) متفق عليه[12].

ومن أعظم النصيحة للإمام الصدق معه ظاهرًا وباطنًا، وبذل كل الجهود الخيّرة فيما يعين الإمام على خير دينه ودنياه، وفيما يحقّق الصالح العام، خاصةً ممن ولاّه ولي الأمر مسؤولية ما، أو استرعاه ولي الأمر على شيء من مصالح رعيته، قال في الحديث الذي رواه البخاري: ((ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضّه عليه، والمعصوم من عصم الله))[13]. وفي حديث روته عائشة عن النبي أنه قال: ((إذا أراد الله بالأمير خيرًا جعل له وزير صدق، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد له غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه)) رواه أبو داود بإسناد جيد على شرط مسلم، وأخرجه النسائي وسنده صحيح[14].

اللهم هيّئ لخادم الحرمين الشريفين الولاة الصادقين، والوزراء الناصحين، والرعية المطيعين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

----------------------------------------

 [1]أخرجه أحمد (2/292)، والترمذي في كتاب الزهد، باب: ما جاء في ذكر الموت (2307)، والنسائي في كتاب الجنائز، باب: كثرة ذكر الموت (1824)، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب: ذكر الموت والاستعداد له (4258). قال الترمذي: \"حديث حسن صحيح غريب\". وصححه ابن حبان (2992)، وذكره الضياء في المختارة (1701-1702). وحسّن المنذري إسناده في الترغيب (4/117)، وقال الهيثمي في المجمع (10/308): \"رواه البزار والطبراني وإسنادهما حسن\". وصححه الألباني بشواهده في إرواء الغليل (682).

[2] أخرجه الطبراني في الأوسط (8/256)، والقضاعي في مسنده (670)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وصححه ابن حبان (2993). قال المنذري في الترغيب (4/118): \"إسناده حسن\". وتبعه الهيثمي في المجمع (10/556)، والألباني في صحيح الترغيب (3333).

[3] أخرجه أحمد (4/294)، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب: الحزن والبكاء (4195)، وحسّن إسناده المنذري في الترغيب (4/120)، والألباني في السلسلة الصحيحة (1751).

 

[4] سنن ابن ماجه كتاب الزهد، باب: ذكر الموت والاستعداد له (4259) مختصرًا، والطبراني في الكبير (13536) واللفظ له، من حديث ابن عمر. وحسّن الهيثمي إسناد الطبراني في مجمع الزوائد (10/556). وحسّن الألباني الحديث بطرقه في السلسلة الصحيحة (1384).

 [5] السياسية الشرعية (136) وما بعدها.

 [6] صحيح البخاري كتاب الفتن، باب: قول النبي: ((سترون.. )) (7056)، وصحيح مسلم كتاب الإمارة (1709).

[7] صحيح مسلم كتاب الإمارة (1851)، من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.

[8] أخرجه البخاري في الأحكام، باب: قول الله - تعالى -: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول (7137)، ومسلم في الإمارة (1835)، من حديث أبي هريرة.

[9] صحيح البخاري كتاب الأحكام، باب: السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية (7144)، وصحيح مسلم كتاب الإمارة (1839)، واللفظ له.

[10] أخرجه أبو داود في الأدب، باب: في تنزيل الناس منازلهم (4843)، وابن أبي شيبة في المصنف (4/440)، والبيهقي في الشعب (2/550). من حديث أبي موسى الأشعري. وحسنه ابن حجر في التلخيص الحبير (2/118)، والألباني في صحيح أبي داود (4053).

[11] أخرجه مسلم في الإيمان (55) بنحوه، من حديث أبي الدرداء. والترمذي في البر والصلة، باب: ما جاء في النصيحة (1926)، واللفظ له.

[12] صحيح البخاري كتاب الإيمان، باب: الدين النصيحة (57)، وصحيح مسلم كتاب الإيمان (56)، من قول جرير بن عبد الله البجلي.

[13] صحيح البخاري كتاب الأحكام، باب: بطانة الإمام وأهل مشورته (7198)، من حديث أبي سعيد الخدري.

[14] سنن أبي داود كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب: في اتخاذ الوزير (2932) واللفظ له، والنسائي في البيعة، باب: وزير الإمام (4204) مختصرًا، وكذا أخرجه أحمد (6/70). وصححه ابن حبان (4494)، والألباني في صحيح أبي داود (2544).

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا لا ينفذ، وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من تعبّد. اللهم صلِّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها المسلمين، أوصيكم ونفسي بتقوى الله - عز وجل -، فهي وصية الله - جل وعلا - لعباده الأوّلين والآخرين.

عباد الله، نحن في مستهلّ رجب شهر كريم، ينبغي أن يُعمَرَ كغيره من الأوقات والأزمان بطاعة الرحمن والبُعد عن سَخَط الديّان، ولكن الحذر من تعبّدات محدثة لا برهان عليها من كتاب الله وسنة رسوله، فالأصل المقطوع به في الدين النهي عن تخصيص زمان أو مكان بعبادة من العبادات إلا بدليل من الوحيين. فما أحدث من صلاة الرغائب وهي ما يفعل من الركعات ليلة أول جمعة من رجب، اعتقادًا بشرعيتها وفضيلتها في هذا الزمان بعينه، فذلك بدعة محدثة، كما صرح بذلك النووي وشيخ الإسلام والعز ابن عبد السلام والشاطبي وغيرهم.

واعلموا ـ عباد الله ـ أن ما شاع عند بَعضٍ, من الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ليلة السابع والعشرين من رجب، فهو أمر محدث لم يكن عليه عمل النبي ولا أصحابه، ولا القرون المفضّلة، ولا من تبعهم بإحسان من أهل الفضل والإيمان. ثم إن هذا العمل كما هو خطأ شرعًا فهو خطأ تاريخيًاº فإن تحديد هذه الواقعة بهذه الليلة لم يثبت تاريخيًا، قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: \"وذكر بعض القصّاص أن الإسراء والمعراج كان في رجب، وذلك كذب\". ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عند الكلام عن ليلة الإسراء والمعراج ـ: \"ولم يقم دليل معلوم لا على شهرها ولا على عَشرها ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس فيها ما يُقطع به، ولا شُرِعَ للمسلمين تخصيص الليلة التي يُظنّ أنها ليلة الإسراء، بقيام ولا غيره بخلاف ليلة القدر\".

فيا أمة محمد، احذروا الخروج عن هديه، والتزموا سنّتهº تنالوا الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة.

ثم إن الله أمرنا بأمر عظيم، ألا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلّم وبارك على سيدنا ورسولنا محمد...

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply