الفتوى : الحاجة والضرورة (2 ـ 2)


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الضرورة اصطلاحاً:

الضرورة في الاصطلاح فقهية وتطلق إطلاقين أحدهما: ضرورة قصوى تبيح المحرّم سوى ما استُثني، والثانية: ضرورة دون ذلك وهي المعبّر عنها بالحاجة إلاّ أنهم يطلقون عليها الضرورة في الاستعمال توسعاً.

وغير الفقهية وتُسمى ضرورة أصولية وهي: الضرورة العامة بالجنس ولعل إمام الحرمين من أول من انتبه إلى ذلك حيث قال في البرهان: «إن الضرورة على أقسام، فقد لا تبيح الضرورة نوعاً يتناهى قبحه كما ذكرناه».

وقد تبيح الضرورة الشيء، ولكن لا تثبت حكماً كليّاً في الجنس، بل يعتبر تحققها في كل شخص كأكل الميتة وطعام الغير ـ وهذه هي الضرورة التي سميناها بالضرورة الفقهية بالمعنى الأخص ـ.

والقسم الثالث ما يرتبط في أصله بالضرورة، ولكن لا ينظر الشرع في الآحاد والأشخاص، وهذا كالبيع وما في معناه. ومن استعمال الضرورة ويُراد بها الحاجة قول المازري في شروط اغتفار الغرر اليسير: قال ابن عرفة: زاد المازري كون متعلق اليسير غير مقصود وضرورة ارتكابه، وقرره بقوله منه بيع الأجنة وجواز بيع الجبة المجهول قدر حشوها الممنوع بيعه وحده وجواز الكراء لشهر مع احتمال نقصه وتمامه وجواز دخول الحمام مع قدر ماء الناس ولبثهم فيه والشرب من الساقي إجماعاً، في الجميع دليل على إلغاء ما هو يسير دعت الضرورة للغوه».

ابن عبد السلام في زيادة المازري إشكال ورد هذا «الإشكال» ابن عرفة.

وممن استعملها بمعنى الحاجة من الشافعية صاحب نهاية المحتاج قائلاً: «نعم الأولى بيعه ما زاد عليها ما فضل عن كفايته ومؤنة سنة» ويجبر من عنده زائد على ذلك في زمن الضرورة. وعلم مما تقرر اختصاص تحريم الاحتكار بالأقوات.

للضرورة معنى ثالث هو المعنى الأصولي ونبَّه عليه إمام الحرمين في البرهان في القسم الثالث، وقد ذكرناه. وقد زاد الأمر وضوحاً عندما قال: «وهو يعتبر البيع من الضروري ويلتحق به «الضروري» تصحيح البيع فإن الناس لو لم يتبادلوا ما بأيديهم لجرّ ذلك ضرورة ظاهرة فمستند البيع إذا آل إلى الضرورة الراجعة إلى النوع والجملة ثم قد تمهد في الشريعة أن الأصول إذا ثبتت قواعدها فلا نظر إلى طلب تحقيقها في آحاد النوع».

ومثله قول الشوكاني: «إنها إن كانت تلك المصلحة ضرورية قطعية كلية كانت معتبرة فإن فقد أحد هذه الثلاثة لم تعتبر، والمراد بالضرورية أن تكون من الضروريات الخمس وبالكلية أن تعم جميع المسلمين، لا لو كانت لبعض الناس دون بعض أو في حالة مخصوصة دون حالة.

قلت: وضرورة الناس المذكورة هنا وكذلك الضرورة العامة إنما هي بمعنى الحاجة العامة، ولكن يفهم من كلام أبي الوليد أن ما كان هذا سبيله من إثبات الأحكام من أجل الضرورة العامة بالاجتهاد يزول بزوال الوضع الذي أدى إليه وليس كتلك الثابتة بنص الشارع».

أما الجائحة فقد قال الفيروز أبادي ممزوجاً بشارحه:

«والحاجة» والحائجة المأربة قوله - تعالى -: «وَلِتَـبلُغُوا عَلَيهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُم» قال ثعلب: يعني الأسفار. وعن شيخنا: وقيل إن الحاجة تُطلق على نفس الافتقار وعلى الشيء الذي يفتقر إليه، وقال الشيخ أبو هلال العسكري في فروقه: الحاجة القصور عن المبلغ المطلوب. يُقال الثوب يحتاج إلى خرقة والفقر خلاف الغنى والفرق بين النقص والحاجة أن النقص سببها والمحتاج يحتاج إلى نقصه والنقص أعم منها لاستعماله في المحتاج وغيره، ثم قال: قلت وغيره فرق بأن الحاجة أعم من الفقر وبعض بالعموم والخصوص الوجهي وبه تبين أن عطف الحاجة على الفقر هو تفسيري أو عطف الأعم أو الأخص أو غير ذلك فتأمل.

والجمع حاج قال الشاعر:

وأُرضِعُ حَاجَةً بِلبَانِ أُخرَى*** كَذَاكَ الحَاجُ تُرضَعُ باللِّبَانِ

قال الشاطبي: ما يفتقر إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب وإذا لم تراع دخل على المكلفين ـ على الجملة ـ الحرج والمشقة ولكنه لا يبلغ الفساد المتوقع في المصالح العامة وهي جارية في العبادات والعادات والعاملات والجنايات.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply