القواعد الشرعية ودورها في ترشيد العمل الإسلامي


بسم الله الرحمن الرحيم 

ثانياً: إجراء تطبيقات على خمس من القواعد السابقة:

 

1- قاعدة: ((والصلح خير)).

وردت هذه القاعدة في قول الله - تعالى -: ((والصلح خير)) (النساء: 128)، فهي وإن وردت في سياق خوف النشوز والإعراض من الزوج عن الزوجة، فهي تفيد بإطلاق لفظها وعمومه تفضيل الصلح على غيره في كل أمر، فقد روى البخاري عن عائشة - رضي الله عنها -، في تفسير هذه الآية، قالت: (هو الرجل يرى من امرأته ما لا يعجبه كبـراً أو غيره فيريد فراقها فتقول: أمسكني واقسم لي ما شئت! قالت: فلا بأس إذا تراضيا) (123).

 

يقول القرطبي: قوله - تعالى -: ((والصلح خير))، ((لفظ عام مطلق يقتضي أن الصلح الحقيقي الذي تسكن إليه النفوس، ويزول به الخلاف، خيرٌ على الإطلاق، ويدخل في هذا المعنى جميع ما يقع عليه الصلح بين الرجل وامرأته في مال أو وطء، أو غير ذلك.. )) (124).

 

فتكون هذه القاعدة عامة في كل خلاف يقع بين الناس، ومن هنا قيل: الصلح سيد الأحكام..

 

2- قاعدة: ((فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه)).

وردت هذه القاعدة في قول الله - تعالى -: ((إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن أضطر غير باغ ولا عاد فلآ إثم عليه إن الله غفور رحيم)) (البقرة: 173)

 

فقد قيدت هذه القاعدة حالة الاضطرار إلى تناول الحرام المعفو عنها بعدم البغي والتعدي في هذا التناول، فكانت أصلاً ودليلاً للقاعدتين المشهورتين: (الضرورات تبيح المحظورات) (125)، (والضرورة تقدر بقدرها) (126).

 

فقررت أن الضرورة في علة الإباحة للمحظور، وأن هذه الإباحة مقيدة بقدر الضرورة دون تعدٍّ, أو تجاوز.

 

وليست هذه القـاعدة خاصة في تناول المحظورات من الأطعمة حالة الاضطرار، وإنما هي عامة في كل ما يضطر المرء إلى استعماله وتناوله مما هو محرم عليه، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

 

وقد عدَّ العلماء هذه الآية أصلاً ودليلاً من أدلة القاعدة الفقهية الكبرى: (المشقة تجلب التيسير) (127).

 

3- قاعدة (البينة على المدعي واليمين على من أنكر).

أصل هذه القاعدة جزء من حديث شريف رواه الإمام مسلم بلفظ: (لو يعطى الناس بدعواهم لا دعي ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعي عليه) (128). وجاء لفظها كاملا في رواية للبيهقي وغيره بإسناد حسن أو صحيح عن ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر)) (129).

 

يقول الإمام النووي: (وهذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع، ففيه أنه لا يقبل قول الإنسان فيما يدعيه بمجرد دعواه، بل يحتاج إلى بينة أو تصديق المدعي عليه، فإن طلب يمين المدعى عليه فله ذلك، وقد بين - صلى الله عليه وسلم - الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه، لأنه لو كان أعطي بمجردها لادعى قوم دماء قوم وأموالهم/ واستبيح، ولا يمكن المدعى عليه أن يصون ماله ودمه، وأما المدعي، فيمكنه صيانتهما بالبينة) (130).

 

وتعد هذه القاعدة أصلاً عظيما في باب الخصومات والمرافعات، وهي محل اتفاق بين العلماء.

 

4- قاعدة: (الاضطرار لا يبطل حق الغير) (131).

هذه القاعدة تعتبر تابعة لقاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) وقيداً لها فإذا كان الاضطرار بضوابطه وشروطه يبيح للمرء ارتكاب المحظور وتناوله، ولو كان هذا المحظور ملكاً لغيره، فإن هذا الاضطرار لا يبطل حق الغير في ضمان ما أتلف من ماله دون إذنه، وإلا كان من إزالة الضرر بالضرر، والقاعدة الفقهية تقول: (الضرر لا يزال بمثله) (132).

 

ومن هنا قرر العلماء أن من اضطر لأكل طعام غيره دون إذنه، فإن عليه بعد ذلك قيمة ما أكل أو مثله صيانة لحق الغير من الإبطال.

 

وفي هذا يقول الشيخ أحمد الزرقا - رحمه اله - في شرحه للقواعد: الاضطرار لا يبطل حق الغير سواء كان الاضطرار:

 

1- بأمر سماوي، كالمجاعة والحيوان الصائل.

 

2- أو غير سماوي، كالإكراه الملجئ.

 

ففي الأول يجوز له أن يأكل من مال الغير بقدر ما يدفع به الهلاك عن نفسه جوعاً، ويدفع الصائل بما أمكن ولو بالقتل، ويضمن في المحلين وإن كان مضطراً، فإن الاضطرار يظهر في حل الإقدام لا في رفع الضمان وإبطال حق الغير.. وفي الثاني إذا كان وارداً على إتلاف مال الغير فإن المكره يضمنه (133).

 

وقد رتب الفقهاء على هذه القاعدة فروعاً كثيرة تعرف في محلها في كتب القواعد والفقه.

 

5- قاعدة (الجواز الشرعي ينافي الضمان) (134).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply