نماذج من مشكلات استثناء غير المسلمين من الأحكام الحدية


بسم الله الرحمن الرحيم 

أخذ الوضع القانوني للعاصمة حيزاً واسعاً في المفاوضات التي تجري بين الحكومة والحركة في نيفاشا، فقد رشحت الأخبار أن اتفاقاً تم أو كاد أن يتم بين الجانبين في هذا الشأنº يقضي باستثناء غير المسلمين من الأحكام الحدية، ولا أود هنا أن أناقش صواب هذا الرأي من خطئه من ناحية فقهية، لكن أود أن أقدم نماذج لمشكلات عملية يمكن أن تنشأ عند التطبيق. ولابد من تنويه بأن الاستثناء من العقوبة الحدية لا يعني مطلقا عدم تطبيق عقوبة تعزيرية على غير المسلم إن ارتكب ذات الفعل الذي يوجب الحد على المسلم، وسأركز في هذه العجالة على مثالين من تلك المشكلات التي ستنشأ:

 

التمييز في العقوبة:

إذا اشترك مسلم وغير مسلم في ارتكاب جريمة حدية تحققت أركانها ـ السرقة الحدية مثلا ـ فإن العقوبة التي يتم توقيعها على المسلم تختلف عن عقوبة غير المسلم الذي اشترك معه في ذات الجريمة، فبينما تقطع يد المسلمº توقع عقوبة السجن ـ مثلا ـ على غير المسلم، وفي هذا تمييز يخل بالمبدأ الدستوري الذي ترتكز عليه المفاوضات وهو مبدأ المواطنة، الذي يعني المساواة التامة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، ولست أرمي من ذلك استثناء المسلم نفسه من تطبيق الأحكام الحدية بدعوى المواطنة، لكن قصدت أن أنبه إلى مشكلة أخرى يمكن أن تظهر حين يسود عند الناس فهم بأن الإنسان يمكن أن توقع عليه عقوبة أخف بسبب كونه غير مسلم مما يفتح باباً أمام بعض المسلمين لتبديل دينهم ولو مؤقتاً أمام المحكمة تفادياً للعقوبة الحدية.

 

التعارض بين العقوبة الحدية وبعض أعراف غير المسلمين:

ترد للمحكمة بلاغات يكون أطرافها غير مسلمين، يتهم الشاكي فيها رجلاً بأنه(كسر بيته) حيث قام بخطف ابنته التي حملت سفاحاً دون أن تكتمل مراسم الزواج، وتوجه النيابة عادة اتهاماً للرجل والمرأة بالزنا، لكن وفقاً لأعراف إفريقية فإن ما قام به الرجل من خطف لابنة الشاكي لا يعد جريمة، بل إن الشاكي نفسه لا يستنكر الفعل الذي وقعº بل يستنكر على الرجل عدم دفعه للمهرº أو أن ما دفعه لم يكن كافياًº وإن هذا الفعل يزداد تكييفه القانوني تعقيداً إن كان أحد أطرافه مسلماً، وهو أمر وارد الحدوث في بلد للعرف فيه سلطان كبير وأثر قوي، فمن جانب يمكن النظر إلى ما وقع كمسألة من مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمينº بينما هو زنا محض بالنسبة للمسلم.

 

إن هذه المشكلات وغيرها ستواجه تجربة التطبيق الشخصي للشريعة الغراء في العاصمةº ومن ثم فإن المسألة برمتها تحتاج إلى نظرة فاحصة ترتبط بالواقع العمليº لا الركون فقط لاجتهادات فقهية تعد مخرجاً لأزمة تعيشها أطراف التفاوض.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply