عقائد الشيعة ( 1 ) : تاريخ التشيع


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

أما بعد:

عباد الله، أوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله، فإن تقواه وقاية من عذابه، واحذروا سخطه ومعاصيه، فإنها موجبات غضبه وأليم عقابه.

 

أيها المسلمون، اجتبى الله - جل وعلا - نبينا محمدا، واختار له أصحابا وأصهارا، مدحهم في كتابه الكريم في مواضع عديدة، وأثنى عليهم، وأرشد إلى فضلهم، وبين أنهم خير الأمم رضوان الله - تعالى -عنهم، وقد مدحهم رسول الله، وأشاد بهم، وأخبر بفضلهم، ونص على أنهم خير قرون الأمة في قوله: ((خير أمتي قرني))، وأوجب علينا محبتهم، ونهانا عن بغضهم أو سبّهم أو إيذائهم بأي نوع من أنواع الأذى، فقال: ((الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى، ومن آذى الله فقد يوشك أن يأخذه)).

 

فإياك إياك ـ يا محبّ رسول الله ـ أن تبغض أصحابه، فمن أبغضهم دخل في قوله: ((ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم))، فتكون مبغضا لرسولك، ويا سوء عاقبتك إن كنت تبغض نبيك محمّدا، بل عليك ـ يا من أحببت رسول الله ـ أن تحب من أحب حبيبك ومن أمرك بحبه، فلقد كان لا يحب إلا طيبا، ولا يأمر إلاّ بحب الطيبين صلوات الله وسلامه عليه.

 

وسبٌّ صحابة النبي أعظم جرما من بغضهم، فأدنى أحوال السابّ أن يكون مبغضا، فلتحذر من ذلك، ولتتأمل قول النبي: ((لا تسبوا أصحابي))، فستجد فيه النهي الواضح منه عن سبّ أصحابه رضوان الله - تعالى -عنهم، فَليَحذَر الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَن أَمرِهِ أَن تُصِيبَهُم فِتنَةٌ أَو يُصِيبَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63]، قال الطحاوي في عقيدته: \"ونُحبُ أصحابَ رسولِ الله، ولا نُفرطُ في حبِ أحدٍ, منهم، ولا نتبرأُ من أحدٍ, منهم، ونبغضُ من يبغضهم وبغير الحقِ يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخيرٍ,، وحبهم دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، وبغضهم كفرٌ ونفاقٌ وطغيانٌ\".

 

أيها الإخوة الكرام، تعيش الأمة الإسلامية اليوم بين فكي رحى: فكّ التنصير وفكّ التشييع، وكلا الفكين شر من الآخر، إلاّ أن التنصير معلوم كفره لدى الخاص والعام، أما التشيّع فإنّ حقيقته وما ينطوي عليه من عقائد لا يعلمها إلا النزر اليسير ممن بحث في الموضوع، من أجل ذلك ترى فئامًا من الناس قد فتِنوا بالشيعة حتى أحبوهم، بل ومنهم من تشيّع ظانّا أن الخلاف بين السنة والشيعة ما هو إلاّ خلاف في الأحكام الفرعية كالخلاف الموجود بين المذاهب الفقهية كالمالكي والشافعي والحنفي والحنبلي والظاهري وغيرهº لذلك كان يجب علينا أن نبيّن بعض حقائق الشيعة الذين هم من أضرّ الطوائف على المسلمين، وهذا ما أثبته التاريخ فعلا، فما من محنة مرّت بها الأمة عبر مراحلها التاريخية إلاّ وللشيعة يد سوداء فيها، بل حتى في التاريخ المعاصر كان للشيعة يد في سقوط بعض الدول كأفغانستان والعراق، والأعجب من هذا كلّه أن بعضنا فتن بالشيعة وأحبهم لأنهم يعادون أمريكا واليهود ويحاربونهم، ونسينا أن مصلحة اليهود وأمريكا تلتقيان مع مصالح الشيعة، ألا وهي تدمير الإسلام والمسلمين، ودليل صحة هذا الكلام ما سنورده من حقائق عنهم وعن معتقداتهم.

 

أيها الإخوة الأفاضل، إن لفظة الشيعة لا تطلق إلا على أتباع الرجل وأنصاره فيقال: فلان من شيعة فلان أي: ممن يهوون هواه، كما قال الزبيدي: كل قوم اجتمعوا على أمر فهم الشيعة، وكل من عاون إنسانًا وتحزب له فهو شيعة له، وأصله من المشايعة وهي المطاوعة والمتابعة، فلم يكن استعمال هذه اللفظة في العصر الأول من الإسلام إلا في معناه الأصلي والحقيقي، وقد شاع استعمالها عند اختلاف معاوية مع علي رضي الله - تعالى -عنهما بعد استشهاد عثمان - رضي الله عنه -، فقد قام معاوية وأتباعه في وجه عليّ بن أبي طالب وطالبوه بالقصاص من قتلة عثمان - رضي الله عنه -، واستمال معاوية - رضي الله عنه - عددًا عظيمًا من المسلمين، فصار أتباعه يعرفون بالعثمانية، وصار أتباع علي يعرفون بالعلوية، مع بقاء إطلاق اسم الشيعة عليهم، واستمر ذلك مدة ملك بني أمية، وقد غلب هذا الاسم على كل من يزعم أنه يتولّى عليًا - رضي الله عنه - وأهل بيته، حتى صار لهم اسمًا خاصًا، فإذا قيل: مِنَ الشيعة عرف أنه منهم.

 

والشيعة يزعمون أن التشيّع بدأ منذ عهد النبي، حيث يزعمون أنه لم يرسل الرسول إلا للدعوة إلى التشيّع ولإشراك عليّ وأولاده في النبوة والرسالة والطاعة، ثم يسردون لإثبات ذلك روايات كلها باطلة وموضوعة روايةً ودرايةº رواية حيث إن الرواة الذين رووا تلك الأحاديث شيعة ضالّون ووضّاعون كذابون، ولم ترد هذه الروايات في كتب موثوقة معتمدة، ودراية حيث تعارض القرآن ونصوصه، كما تخالف العقلº لأن العقل يقتضي أن لا تكون الشرائع مقصودها ومهمتها الدعوة إلى الحبّ لأشخاص والولاية لهم، وبسبب هذه الولاية يدخلون الجنة وينجون من النار، كما أن الآيات القرآنية تنفي ذلك نفي باتًا، حيث لم يجعل الحب وحتى حبّ الله كافيًا للفوز والنجاح في الآخرة، حيث قال الله - عز وجل -: قُل إِن كُنتُم تُحِبٌّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبكُم اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم [آل عمران: 31].

 

جاء في كتاب تاريخ الشيعة لحسين المظفري: إن الدعوة إلى التشيع ابتدأت من اليوم الذي هتف فيه المنقذ الأعظم محمد صلوات الله عليه صارخًا بكلمة: \"لا إله إلا الله في شعاب مكة وجبالها...فكانت الدعوة للتشيع لأبي الحسن - عليه السلام - من صاحب الرسالة تمشي منه جنبًا لجنب مع الدعوة للشهادتين\".وادعاء وجود التشيع في عصر النبي وأن الشيعة كانوا موجودين في زمنه لا ينهض به دليل ولا يقوم به برهان، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: \"إن الرافضة ـ وهم غلاة الشيعة ـ لما كان أصل مذهبهم مستند إلى جهل، كانوا أكثر الطوائف كذبًا وجهلاً\".

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: عباد الله، يختلف المؤرخون في التاريخ الذي برز فيه الشيعة كحركة مستقلة، فمنهم من قال: إنها برزت بموت النبي، وذلك بعد انقسام المهاجرين والأنصار حول تحديد الخلافة، بينما كانت طائفة أخرى تفضل عليا، وقيل: إن تكوين الشيعة لم يكن إلا يوم واقعة الجمل، ومنهم من قال: اشتهر اسم الشيعة يوم صِفِّين وهو أرجح الأقوال، وقيل: إن الاصطلاح الدال على التشيع إنما كان بعد مقتل الحسين، حيث إنّ التشيع أصبح كيانًا مميزًا له طابع خاص.

 

ويكاد يجمع المؤرخون أنّ أول من أحدث فكرة التشيع وما تحمله من معتقدات عبد الله بن سبأ اليهودي من أهل صنعاء، وقد كان عبد الله بن سبأ يحمل في قلبه غلاّ على الإسلام الذي أزال ما كان اليهود يتمتّعون به من الهيمنة والسلطان على عرب المدينة والحجاز عامة، فادعى الإسلام في أيام عثمان، ثم تنقل في بلاد الحجاز، ثم ذهب إلى البصرة، ثم إلى الكوفة، ثم إلى الشام، وهو يحاول في كل بلد ينزل بها أن يضل ضعاف الأحلام، ولكنه لم يستطع إلى ذلك سبيلا، فأتى مصر فأقام بين أهلها، وما فتئ يلفتهم عن أصول دينهم ويزيد لهم بما يزخرفه من القول حتى وجد مرتعًا خصبًا، وكان مما قاله لهم: إني لأعجب كيف تصدقون أن عيسى ابن مريم يرجع إلى هذه الدنيا وتكذّبون أن محمدًا يرجع إليها؟! وما زال بهم حتى انقادوا إلى القول بالرجعة، فكان هو أول من وضع لأهل هذه الملة القول بالرجعة، ثم قال لهم: إنه قد كان لكل نبي وصي، وإن علي بن أبي طالب هو وصي محمد، وليس في الناس من هو أظلم ممن احتجر وصيّة رسول الله ولم يجزها، بل تعدى ذلك فسلب الوصي حقّه، وإن عثمان قد أخذ حقّ علي وظلمه، فانهضوا في هذا الأمر، وليكن سبيلكم إلى إعادة الحق لأهله الطعن على أمرائكم وإظهار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنكم تستميلون بذلك قلوب الناس، واتخذ لهذه الدعوة وأنصارا بثهم في الأمصار، وما زال يكاتبهم ويكاتبونه حتى نفذ قضاء الله، وكان الضحية الأولى لهذه المؤامرة ذلك الخليفة الراشد الذي قتل مظلومًا وبين يديه كتاب الله، واعتدي على منزله وحرمته، وكان قضاء الله قدرًا مقدورا، ثم بويع علي بن أبي طالب فاختلف الناس في أمره، فمن بين منكر لإمامته، ومن بين قاعد عنه، وبين قائل بإمامته معتقد لخلافته.

 

أيها الإخوة الأفاضل، مرّ التشيع عبر التاريخ بمراحل عديدة، من أهمها:

 

المرحلة الأولى: كان التشيع عبارة عن حب علي وأهل البيت بدون انتقاص أحد من إخوانه صحابة رسول الله.

 

المرحلة الثانية: ثم تطوّر التشيع إلى الرفض، وهو الغلو في علي وطائفة من آل بيته، فالإسماعيلية تغلو في سبعة من أهل البيت، والاثنا عشرية في اثني عشر من أهل البيت، وتطعن في أهل البيت الآخرين كما تطعن في الصحابة.

 

المرحلة الثالثة: تأليه علي بن أبي طالب والأئمة من بعده والقول بالتناسخ وغير ذلك من عقائد الكفر والإلحاد المتسترة بالتشيع، والتي انتهت بعقائد الباطنية الفاسدة والطعن في الصحابة وتكفيرهم، مع عقائد أخرى ليست من الإسلام في شيء كالتقية والإمامة والعصمة والرجعة والباطنية.

 

أيها الإخوة الكرام، وفِرق الشيعة كثيرة جدا، منها ما اندرس وانمحى، ومنها ما هو باق إلى يومنا هذا، ومن أهم الفرق الكبرى المعاصرة الاثنا عشرية، وهي كبرى الفرق الشيعية اليوم، والزيدية وهم أتباع زيد بن علي بن الحسين، ويعتبرون من أقرب الفرق الشيعية لأهل السنة، ما عدا فرقة منهم تسمّى الجارودية، فهي فرقة من الروافض وإن تسمّت بالزيدية، وموطن الزيدية في اليمن، والإسماعيلية ومنها النصيرية والدروز وغيرها.

 

أيها الإخوة الكرام، أول مفهوم يجب أن يصحح في الأذهان هو ما كان من حرب بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فيجب علينا أن لا نخوض في تفاصيل هذه القضية التي لا طائل من ورائها، كما يجب علينا أن نسلم بأن الصحابة كلَّهم دون استثناء عدول كمَّل، وما جرى من حربهم مؤوّل، وكلهم مجتهدون، والمجتهد له أجران إن أصاب، وله أجر إن أخطأ، كما يجب علينا أن نعلم أن الخلاف الذي كان بينهم لم يكن خلافا دينيا ولا نزاعا قبليّا ولا عصبية الحسب والنسب، والحصيلة أن التشيع الأول لم يكن مدلوله العقائد المخصوصة والأفكار المدسوسة، كما لم تكن الشيعة الأولى إلا حزبًا سياسيًا يرى رأي عليّ دون معاوية في عصر علي، وأما بعد استشهاده وتنازل الحسن عن الخلافة فكانوا مطاوعين لمعاوية أيضًا مبايعين له، كما حصل مع إمامهم الحسن وأخيه الحسين، وكانوا يفدون على الحكام ويصلّون خلفهم كما كان الحسن والحسين يفدان على معاوية، فلما استقرت الخلافة لمعاوية كان الحسين يتردّد إليه مع أخيه الحسن فيكرمهما معاوية إكرامًا زائدًا، ويعطيهما عطاء جزيلا، وقد أطلق لهما في يوم واحد مائتي ألف، وقال: خذاها وأنا ابن هند، والله لا يُعطيكما هذا أحد قبلي ولا بعدي، فقال الحسين: والله لن تعطي أنت ولا أحد قبلك ولا بعدك رجلا أفضل منا، ولما توفي الحسن كان الحسين يفد إلى معاوية في كل عام فيعطيه ويكرمه، حتى بعض غلاة الشيعة يقرّون بأنّ العلاقة التي كانت بين الحسن والحسين ومعاوية كانت علاقة طيبة، ذكر المجلسي وهو أحد علماء الشيعة عن جعفر بن الباقر أنه قال: قال الإمام الحسن يومًا للإمام الحسين وعبد الله بن جعفر: إنَّ هدايا معاوية ستصل في أول يوم من الشهر القادم، ولم يأت هذا اليوم إلا وقد وصلت الأموال من معاوية، ومعاوية أول رجل في الأرض وهب ألف ألف، وابنه يزيد أول من ضاعفه، كان يجيز الحسن والحسين بن علي في كل عام لكل واحد منهما بألف ألف درهم، وكان يبعث إلى الحسين في كل سنة ألف ألف دينار سوى الهدايا من كل صنف.

 

فالحقيقة أن ما كان من خلاف بين الصحابة لم يكن خلافا عقديا، ولا يترتب عليه تكفير أحد ولا سبه، ولله ذر من قال:

 

لا تركنّن إلَى الروافض إنَّهم *** شتموا الصحابة دونما برهان

 

لعنوا كما بغضوا صحابة أحمد *** وودادهم فرض على الإنسان

 

حب الصحابة والقرابة سنة *** ألقَى بِهـا ربي إذا أحيانِـي

 

احذر عقاب الله وارج ثوابه *** حتَّى تكـون كمن له قلبان

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply