الجمال والزينة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى

الزينة صفة محمودة، يميل إليها كل إنسان بطبيعته، ويحرص الرجلُ والمرأة على التجمل والتزين، كيف وقد أمرنا ديننا الحنيف بها، وحثنا عليها بندائه لجميع فئات المجتمع الإسلامي وأفراده بالتحلي بِها، يقول الله - تعالى -: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ, وَكُلُوا وَاشرَبُوا وَلا تُسرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبٌّ المُسرِفِينَ )[الأعراف: 31]، ويقول جل شأنه: ( قُل مَن حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِن الرِّزقِ قُل هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا خَالِصَةً يَومَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَومٍ, يَعلَمُونَ ) [الأعراف: 32].

وإذا كان الكل يحرص على المظهر الجميل والملبس الأنيق حين يقابل الآخرين وأن يبدو أمامهم بأطيب منظر وأحسن ملبس وأبهى حُلَّة، فإن ذلك يتأكد في المناسبات، عندما يلتقي المرء بإخوانه وأصدقائه، ويتأكد أكثر في اللقاءات الدينية: في صلوات الجماعة والجمع والأعياد.

وذلك كله يأتي به المسلمُ وَفقَ الإرشادات الدينية التي تحضه على ذلك وتوُجِّهُه إليه، قالت عائشة - رضي الله عنها -: كان نفر من أصحاب رسول الله ينتظرونه على الباب فخرج يريدهم، وفي الدار رَكوةٌ فيها ماء، فجعل ينظر في الماء، ويسوي لحيته وشعره، فقلت: يا رسول الله، وأنت تفعل هذا؟! قال: ((نعم، إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه، فإن الله جميل يحب الجمال)) أورده القرطبي في التفسير.

وكان لا يفتأ يوجه أصحابه إلى حُسن المظهر وجمالِ الهيئة، فكان جالسًا في المسجد، فدخل رجلٌ ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه أن اخرج، وكأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته، ففعل الرجل ثم رجع، فقال: ((أليس هذا خيرًا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان؟!)) رواه ابن حبان.

كما كان يحرص على الطيب والرائحة الحسنة، وكان يقول: ((حُبّب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة)) رواه أحمد، وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله: ((من عرض عليه طيب فلا يرده، فإنه طيب الريح خفيف المحمل)) رواه مسلم.

ويستحب لكل من الزوجين أن يتزين للآخر، فإن ذلك من حسن العشرة، قال الله - تعالى -: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعرُوفِ ) [النساء: 19]، وقال - تعالى -: ( وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ ) [البقرة: 228]، وقد نُقل عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: (إني لأحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي)، وكان محمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة - رحمهما الله - يلبس أجمل الثياب وأحسنها وأغلاها، ويقول: \"إن لي نساءً وجواريَ، فأزين نفسي كي لا ينظرن إلى غيري\".

لكن زينة المرأة وتجمٌّلها قد نظَّمها الدين الحنيف، ووضع لها ضوابطَ، وألزمَها أن لا تتجاوزها، وأن تأخذ بها، ولنقف عندها الوقفات الآتية:

أولاً: كل امرأة تحب الجمال وترغب في التزين، وتميل بفطرتها إلى أن تكون حسنة الهيئة أنيقة الشكل، وقد أباح الشرع ذلك لها حتى تحظى بإعجاب زوجها، وتشتد رغبته فيها، ويأنس بها، فعن أبي هريرة أن النبيّ- صلى الله عليه وسلم -  قال: ((خير النساء التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه فيما يكره في نفسه وماله)) رواه أحمد.

وقد فرَّط بعض النساء في هذا الجانبº إذ إن اعتناءها بمظهرها وتجملها يكون حال خروجها من بيتها لحضور المناسبات، أو حين تستقبل صديقاتها في منزلها، حيث تعتني بنظافة نفسها ولبس أجمل ثيابها، أما أمام زوجها فينعكس ذلك كله، فلا اهتمام عندها بالمظهر ولا الملبس ولا الهيئة، وهذا خطأ واضح، فإن الزوج أحقُ من تتجمل له، والزوجة التي تداوم على ذلك قد تفقد زوجها لسوء عشرتها معه، وفي الغالب أنه لا يصبر على سوء تصرفها هذا إلا إذا كان مُلجأً إلى بقائها معه.

ثانيًا: كثير من النساء يخرجن من بيوتهن لغير حاجةٍ, أو ضرورةٍ, تدعو لذلك، ويصحب خروجهن مبالغة في التجمل وإفراط في الزينة وارتداء للملابس الضيقة اللافتة وتعطر بالطيب الذي منعت منه خارج بيتها، قال: ((أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية)) رواه النسائي.

وهي حين تخرج على تلك الصفة من الزينة المفرطة توقع نفسها وغيرها في الإثمº إذ يُخيل إليها أنها أجمل مخلوق، وأنها محل نظر وإعجاب الرجال بها، فتقتنصها السهام الشيطانية، وجاء في الحديث عنه أنه قال: ((المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان)) رواه الترمذي، أي: جمّلها وزيَّنها في نظر الرجال لتحصل الغواية لها وبها، فهي على وشك الوقوع في المحظور إن لم تتدارك نفسها، وتبتعد عن هذا المسلك الخطير.

ثالثًا: الوقت مع نفاسته لا قيمة له في قاموس كثير من النساء اليوم، فكم من ساعات تهدرها المرأة حين تجلس ساعات تنتظر في محلات التجميل، ومثلها أمام المرآة والتهيؤُ للخروج لحضور مناسبات الأفراح وغيرها، ثم كم من الوقت تمضيه حين تقضي ساعات الليل في قاعات الاحتفال والسهر مع بنات جنسِها في قصور الأفراح.

وتَصَوَّر كم مجموع تلك الساعات حينما يتكرر ذلك بخروجها لحضور مناسبات الزواج المتعددة في معظم أيام الأسبوع، خلال الإجازة الصيفية خاصة، وكم يصحب ذلك من مخالفات شرعية، ووقوع فيما لا يعودُ عليها إلا بالإثم والضرر، وكم من الأموال تصرفها في مرات ذهابها، فتثقل كاهل زوجها، أو تبذِّر تلك الأموال التي جمعتها من كسبها ووظيفتها، ولو أنفقتها في مساعدة المحتاجين وإعانة الضعفاء والمساكين لكان ذلك خيرًا لها وأعظم أجرًا.

وكم من الأحاديث الواردة في تحذير المرأة من الوقوع في مخالفات شرعية هي ترتكبها مع علمها بذلك، منها قوله: ((أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله - عز وجل -)) رواه أحمد، وهذا كنايةٌ عن إبداء زينتها وتكشفها وعدم احتشامها في لباسها من الرجال الأجانب.

ومن ذلك تعرضها لِلَّعنَةِ بنتف شعر حاجبيها أو قصِّه أو نحو ذلك، قال ابن مسعود: لعن رسول الله الواشمة والمستوشمة والواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة. متفق عليه.

وكثير من النساء أصبح النمصُ والوصل عندهن من الضرورات، فتساهلن في الوقوع في هذه الكبيرة والآفة الخطيرة التي تستحق اللعن والطرد والإبعاد من رحمة الله - تعالى -، وكل ذلك انسياق منهن وراء الموضات الوافدة والإغراءات الخادعة والمظاهر الزائفة، فالله المستعان.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply