إنها قمة التوافق


 

 بسم الله الرحمن الرحيم

إن القارئ لسيرة أم سليم - رضي الله عنها - يجد فيها مثلاً حياً على ما صنعه هذا المنهج الرباني في النفس البشرية من تربية متوازنة متكاملة، وصحة نفسية لم تتمتع بها المرأة على هذا النحو الفريد.

 

وفي قصتها في حديث البخاري وكيف أحسنت استقبال زوجها عند عودته، واهتمامها بزينتها وهي الحزينة على وفاة صغيرها ولكنها في الوقت نفسه تفهم معنى قوله - تعالى -عن الأنثى (أو من يُنشؤا في الحلية) (الزخرف/ 18).

 

وتفهم أن حسن تبعل المرأة لزوجها يعدل الجهاد في سبيل الله، وهو باب من أبواب دخولها الجنة، وهي مثال فريد يجب أن تحتذيه النساء من بعدها.

 

وقد طرحتُ في المقال السابق عدة أسئلة أجبتُ عليها وبقى لنا واحداً وهو:

هل ما فعلته أم سليم صبر أم إيمان أم توافق وصحة نفسية أم قوة وجلد شديدين تنسى معها رقة قلب الأم على صغيرها؟

لقد بلغت أم سليم قمة الصبر والإيمان بقضاء الله عند وفاة ابنها.

 

قال عليّ بن أبي طالب: ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قُطع الرأس بار الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له.

 

إنها قمة التوافق

وهل ما فعلته أم سليم يعتبر توافق وصحة نفسية أم أنها تتمتع بقوة وجلد شديدين؟

أولاً علينا أن نتعرف على معنى الصحة النفسية والتوافق.

عن مفهوم الصحة النفسية قال علماء النفس أنها: هي قدرة الفرد على خفض التوتر والاضطرابات التي يعاني منها، وهي قدرة الفرد على التغلب على مواقف الإحباط والصراع والقلق التي يتعرض لها.

 

أما عن مفهوم التوافق فقد فسره علماء النفس على أنه: العلاقة المرضية بين الإنسان والبيئة المحيطة به (أو الآخرين)، ولهذا يشمل التوافق جانبين هما:

1- الملاءمة: الملاءمة: أي ملاءمة الفرد مع البيئة المحيطة به.

2- والرضا: الرضا: أي رضاه عن سلوكه وتصرفاته.

 

 تعالي معي عزيزتي القارئة لنربط بين هذا الموقف وبين ما ذكرنا من مفاهيم للصحة النفسية والتوافق: إن المرأة بطبعها رقيقة الطبع يؤذيها رؤية المناظر البشعة وسماع الأخبار السيئة وأم سليم امرأة كباقي النساء قد فُجعت في صغيرها وحزنت عليه حزناً شديداً ولكنها صبرت واسترجعت لأنها تربت في مدرسة النبوة فكان هذا الموقف الإيماني العظيم.

 

 ولا شك أنها كانت بين صراعين وهما مواجهة موقف وفاة صغيرها وقد غطته في ناحية من البيت، واستقبال زوجها العائد من السفر كيف تستقبله؟ وكيف تخبره بوفاة ولده؟ وهنا نلمس قمة التوافق والصحة النفسية لدى أم سليم - رضي الله عنها - فقد نجحت في خفض حدة التوتر ومواجهة الصراع الذي يدور بداخلها والقلق بسبب وفاة ابنها ثم الوصول إلى الاتزان الانفعالي للتغلب على هذا الصراع ومن ثم التفاعل مع الزوج عند وصوله إلى البيت وتجهيز العشاء له وإرضاؤه في الفراش ثم إخباره في الوقت المناسب بوفاة الصغير بطريقة منطقية حكيمة إيمانية، فاستنطقت منه الإجابة ليرضى بقضاء الله في وفاة ابنه فما كان منه إلا أن استرجع فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون.

 

 هذه الأنثى ضربت لنا مثلاً رائعاًَ في التوافق والصحة النفسية فكان الرضا بقضاء الله وكانت الملاءمة بينها وبين الآخر (الزوج).

 

 وأخيراً نختم بقول الحافظ بن حجر - رحمه الله -: وفي قصة أم سليم هذه من الفوائد: (جواز الأخذ بالشدة وترك الرخصة مع القدرة عليها، التسلية عن المصائب، تزين المرأة لزوجها وتعرضها لطلب الجماع منه، اجتهادها في عمل مصالحه، مشروعية المعاريض أي التعريض بالقول الموهمة إذا دعت الضرورة إليها، بيان حالة أم سليم من التجلد وجودة الرأي وقوة العزم).

 

والتعريض: قولها لأبي طلحة إن ولدها قد سكن وأنه استراح، فهي تقصد أن الولد قد مات ويفهم أبو طلحة إن ولدها قد سكن وأنه استراح، فهي تقصد أن الولد قد مات ويفهم أبو طلحة أنه قد شُفي وشرط جوازها أن لا تبطل حقاً لمسلم، وكان الحامل لأم سليم على ذلك المبالغة في الصبر والتسليم لأمر الله، ورجاء اخلافه عليها بما فات منها.

 

إذ لو أعلمت أبا طلحة بالأمر في أول الحال تنكد عليه وقته، ولم تبلغ الغرض الذي أرادته فلما علم الله صدق نيتها بلّغها مناها وأصلح لها ذريتها.

 

وترنمي معي قول الشاعر:

لئن كان النساء كما ذكرنا *** لفُضّلت النساء على الرجال

وما التأنيث لاسم الشمس عيباً ***وما التذكير فخر للرجال

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply