الإحسان إلى المحتاج


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

أما بعد: فإن السعادة هدف منشود، ومطلوب جميل يسعى له البشر جميعاً، بل كل مخلوق يسعى لما فيه راحته وأنسه، وللسعادة أبواب ومفاتيح تستجلب بها، وهي كثيرة فمنها تقوى الله - عز وجل - ومراقبته في السر والعلانية والقيام بما أوجب الله - تعالى -من حقوقه وحقوق عباده، وهناك باب من أبواب السعادة وتحصيل الأنس يغفل عنه كثيرون، وهو سهل المنال قريب المأخذ، وعاقبته جميلة، وأثره سريع، فما هو يا ترى؟ إنه الإحسان إلى الناس وتقديم الخدمة لهم بما يستطاع، فالخلق عيال الله، وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله، والإحسان إلى الخلق هو من تمام الإحسان في عبادة الله، قال - سبحانه -: \" مَا سَلَكَكُم فِي سَقَرَ قَالُوا لَم نَكُ مِنَ المُصَلّينَ وَلَم نَكُ نُطعِمُ المِسكِينَ \" [المدثر: 42-44]، فسبب دخولهم سقر هو تركهم الصلاة وتركهم الإحسان إلى الخلق بإطعام المسكين.

وقد اقتضت حكمة الله - تعالى -أن تنوعت أرزاق العباد واختلفت، والناس متفاوتون من حيث الغنى والفقر، \" نَحنُ قَسَمنَا بَينَهُم مَّعِيشَتَهُم فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَرَفَعنَا بَعضَهُم فَوقَ بَعضٍ, دَرَجَـاتٍ, لّيَتَّخِذَ بَعضُهُم بَعضاً سُخرِيّاً \" [الزخرف: 32]، والمسلم إن اغتنى شكر، وإن افتقر صبر، وعلم أن ذلك ابتلاء من الله - تعالى -له، وليس ذلك إلا للمؤمن.

ومن رحمة الله - تعالى -بالفقراء أن جعل لهم حقاً ثابتاً واجباً في أموال الأغنياء وهو ما يخرجونه من زكوات أموالهم، وقد رغب الشارع الحكيم في بذل المعروف والصدقة للمحتاجين، ووعد على ذلك بالأجر الجزيل والعاقبة الحميدة.

عباد الله، إن للفقر لوعته، وللعوز حرقته، وكم هي مُرة تلك الآلام والحسرات التي يشعر بها ذلك الفقير المعدم حين يرمي بطرفه صوب بيته المتواضع المملوء بالرعية والعيال وهم جياع لا يجدون ما يسد جوعتهم، ومرضى لا يجدون من يعالجهم، كم من مدين أرهق ظهره ثقل الدين وناء جسده عن تحمل هذا الهم المؤرق، كم من فقير ضاقت به الدنيا وانسدت في وجهه أبواب الرزق لولا بقية باقية من الأمل والرجاء فيما عند الله.

إخوة الإيمان هذه قصة واقعية حكاها النبي، قصة عظيمة إذا تأملها المسلم وجد فيها عبرة وفائدة كبيرة، حاصل هذه القصة أن امرأة كانت عاصية بعيدة عن الله - سبحانه وتعالى - خرجت ذات يوم فبينما هي تسير في الطريق إذ رأت ذلك الكلب الذي اكتوى بالظمأ والعطش، رأت كلبًا معذبًا قد أنهكه العطش والظمأ، وقد وقف على بئر ذات ماء لا يدري كيف يشرب، يلعق الثرى من شدة الظمأ، فلما رأته تلك المرأة العاصية أشفقت عليه ورحمته، فنزلت إلى البئر وملأت خفها من الماء ثم سقت ذلك الكلب وأطفأت ظمأه وعطشه، فنظر الله إلى رحمتها بهذا المخلوق، فشكر لها معروفها فغفر ذنوبها، بشربة ماء غفرت ذنوبها، وبشربة ماء سترت عيوبها، وبشربة ماء رضي عنها ربها.

إنها الرحمة التي أسكنها الله القلوب، إنها الرحمة التي يرحم الله بها الرحماء، ويفتح بها أبواب البركات والخيرات من السماء، بعث بها سيد الأولين والآخرين، كما قال ربنا في كتابه المبين: \" وَمَا أَرسَلنَـاكَ إِلاَّ رَحمَةً لّلعَـالَمِينَ \"[الأنبياء: 107]، هي شعار المسلمين ودثار الأخيار والصالحين وشأن الموفقين المسددين، كم فرج الله بها من هموم، كم أزال الله بها من غموم، إنها الرحمة، إذا أسكنها الله في قلبك فتح بها أبواب الخير في وجهك، وسددك وألهمك وأرشدك وكنت من المحسنين.

أخي المسلم، من شعائر الإسلام العظيمة إطعام الطعام والإحسان إلى الأرامل والأيتام والتوسيع عليهم طلبًا لرحمة الله الملك العلام قال: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر)) أخرجه البخاري ومسلم، الذي يطعم الأرملة ويدخل السرور عليها ويرحم بُعد زوجها عنها إحسانًا وحنانًا، كالصائم الذي لا يفطر من صيامه، والقائم الذي لا يفتر من قيامه، فهنيئًا ثم هنيئًا لأمثال هؤلاء الرحماء.

أحوج الناس إلى رحمتك يا عبد الله الأيتام والمحاويج، فلعلك بالقليل من المال تكفكف دموعهم وتجبر كسر قلوبهم، فيكف الله نار جنهم عنك يوم القيامة، قال: ((فليتقين أحدكم النار ولو بشق تمرة)) البخاري، وعن أبي موسى عن النبي قال: ((على كل مسلم صدقة)) قال: أرأيت إن لم يجد؟ قال: ((يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق)) قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: ((يعين ذا الحاجة الملهوف)) قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: ((يأمر بالمعروف أو الخير)) قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: ((يمسك عن الشر فإنها صدقة)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وعن ابن عباس قال: قال رسول الله: ((ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل من حوائج الناس إليه، فتبرم، فقد عرض تلك النعمة للزوال)) رواه الطبراني وإسناده جيد، وعن ابن عباس عن النبي قال: ((من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكافه عشر سنين)) رواه الطبراني وإسناده جيد، وعن أبي هريرة أن رجلا شكا إلى رسول الله قسوة قلبه فقال: ((امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين)) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، فيا من رام محبة الله ورحمته، ارحم الضعفاء وأحسن إلى المحتاجين، ولا تبخل بشيء من المعروف، ووجوه البر كثيرة، في الصحيحين قال رسول الله: ((كل سُلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين إثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، قال: والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة)).

اللهم اجعلنا من المحسنين لعبادك المخلصين لوجهك، اللهم اجعلنا من مفاتيح الخير ومغاليق الشر، يا كريم يا رحمن.

أقول...

 

الخطبة الثانية:

أما بعد: فلا يخلو مجتمع من فقراء ومحتاجين، وما أحوج كل مجتمع إلى وجود أشخاص يتخصصون أو جهات خيرية فعالة ترعى الفقراء والمساكين وتطرق أبوابهم لتوصل إليهم صدقات المحسنين وأعطيات الباذلين، وبحمد الله نرى في بلادنا العديد من الجمعيات والهيئات التي أبدعت في هذا الموضوع ورعت الأسر والأيتام وأمدتهم بما يحتاجون، وأوصلت إليهم الفائض من الملابس والولائم والأطعمة في صورة مقبولة، بل وأعانت الناس في إيصال زكواتهم وفطرتهم وصدقاتهم وأضاحيهم إلى المستحقين، ومع ذلك كله لا غنى لكل مسلم عن القيام بواجبه نحو الفقراء والمحاويج.

ويا أيها المسلم هل تفقدت جيرانك وتعاهدت فقراء حيك؟ ويا إمام المسجد تفقد جماعة مسجدك، وليكن لك دور فعال في إطعام المحتاج وسد عوز الفقير، ويا أيها الداعية، إن مد يد العون إلى الفقير وقضاء دينه وإشباع عياله يؤثر في قلبه ما لا تؤثر الخطب الرنانة والمواعظ البليغة، ويا معشر المعلمين، لا تغفلوا عن فقراء طلابكم، إذ إن الصغير لا يطيق حر الفقر، ويا معشر المسلمين، الصدقات والإحسان إلى المؤمنين والمؤمنات من أعظم الأمور التي تُفرج بها الغموم والكربات، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply