التناصح بين المسلمين


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الأولى:

أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله - تعالى - حق التقوى.

عباد الله، إن اللهَ - جل وعلا - ذكر من أخلاق المؤمنين أنَّ بعضَهم وليُّ لبعض: \" وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَـاتِ بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ, \" [التوبة: 71]. هذه الولاية من المؤمنين بعضهم لبعض ولايةٌ يمليها عليهم إيمانُهم الصادق الذي يقول الله فيه: إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ [الحجرات: 10]. إيمانٌ صادق حمله على أن يحبَّ لأخيه ما يحبّ لنفسه، ويكرَه لأخيه ما يكرَه لنفسه، وفي الصحيح عنه قال: ((لا يؤمن أحدُكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه))[1].

أيّها المسلم، ولايةُ المؤمن للمؤمن تقتضي حبَّ الخير له، وكراهيةَ الشرّ له، يتألّم بألمه، ويفرح بفرحه، إن رأى خيرًا سرّه ذلك، وإن رأى غيرَ الخير ساءه ذلك، لذا ترَى المؤمنَ دائمًا ناصحًا لإخوانه المسلمين نصيحةً بإخلاص وصدقٍ, وحبِّ الخير وكراهيةِ الشر. إن النصيحةَ للمسلمين من الأخلاق الحميدة والأعمال الطيبة، في الصحيح عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: بايعت رسول الله على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم[2].

النصيحةُ هي الدعوةُ إلى الخير والتحذير من الشرّ، والنصيحة خُلُق أنبياء الله ورسله، قال - تعالى - عن نوح - عليه السلام - أنه قال مخاطبًا قومه: \" وَأَنصَحُ لَكُم وَأَعلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعلَمُونَ \" [الأعراف: 62]، وهود - عليه السلام - يقول لقومه: \" وَأَنَا لَكُم نَاصِحٌ أَمِينٌ \" [الأعراف: 68]، وصالح - عليه السلام - يقول لقومه: \" وَنَصَحتُ لَكُم وَلَكِن لاَّ تُحِبٌّونَ النَّـاصِحِينَ \" [الأعراف: 79]، وشعيب - عليه السلام - يقول: \" وَنَصَحتُ لَكُم فَكَيفَ ءاسَى عَلَى قَومٍ, كَـافِرِينَ \"[الأعراف: 93].

فأنبياءُ الله ورسله أنصحُ الخلق للخلق، ومِن دعوتهم إلى الله تحذيرُهم قومَهم عن مخالفة شرع الله.

أيها المسلم، فكن ناصحًا لإخوانك المسلمين، كن ناصحًا لهم، داعيًا إلى الخير، محذِّرًا من الشّرّº لتكون النصيحةُ خلقَك، فتكون من المؤمنين حقًا. نصيحةٌ صادقة من قلبٍ, خالص، يحبّ الخيرَ لإخوانه المسلمين، ويكره الشرَّ لهم.

ليس الناصح من يبحَث عن عيوب الناس ويتحدَّث بها ويفرَح بها ويُعلنها ويردّدها ليشيعها، ويُعلمَها مَن لا يعلمها، ليست تلك النصيحة، تلك نشرُ العيب وحبّ إشاعة الفاحشة، والمؤمن بعيدٌ عن هذا كله، \" إِنَّ الَّذِينَ يُحِبٌّونَ أَن تَشِيعَ الفَـاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءامَنُوا لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدٌّنيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ\" [النور: 19]. لكن الناصح حقًا إذا رأى الخطأ سعى في إصلاحه، إذا رأى العيبَ سعى في دفع ذلك العَيب ومنعه، إذا رأى أمرًا يخالف الشرعَ سعى في الإصلاح والتوجيهِ والدعوة إلى الخير.

 

أيها المسلم، كن ناصحًا لإخوانك المسلمين، نصيحةً صادقة تبدأ بنفسك أولاً، فتنصحها وتحملها على الخير، وتروِّضها على العمل الصالح، ليُقبلَ منك توجيهُك ويُصغى إلى نصحِك، قال - تعالى - عن شعيب - عليه السلام - أنه قال لقومه: \" وَمَا أُرِيدُ أَن أُخَالِفَكُم إِلَى مَا أَنهَـاكُم عَنهُ إِن أُرِيدُ إِلاَّ الإِصلَـاحَ مَا استَطَعتُ\" [هود: 88]، أَتَأمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرّ وَتَنسَونَ أَنفُسَكُم وَأَنتُم تَتلُونَ الكِتَـابَ أَفَلاَ تَعقِلُونَ [البقرة: 44]. فانصح نفسَك أولاً، واحمِلها على الخير، ودلَّها على الخير، فأنت مسؤول عن زكاتِها، ومسؤولٌ عن وقوعها في البلاء، ((كل الناس يغدو، فبائع نفسَهº فمعتقُها أو موبقها))[3].

فإذا بدأتَ بنفسك فنصحتَها وأبعدتَها عن الشرِّ فابدَأ بإخوانك المسلمين، ابدَأ بأبويك أمِّك وأبيك، فمن كان مقصِّرًا فانصَحه لله، وكن حريصًا على هدايته وصلاحه واستقامتِه، فذاك أعظمُ البرّ وأكملُه، أن تهديَ له نصيحةً توجّهه إلى الخير، وتحمله على الخير، وتهديه إليه، واسمَع الله يبيّن لنا موقفَ إبراهيم من أبيه: \" وَاذكُر فِي الكِتَـابِ إِبراهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدّيقًا نَّبِيًّا إِذ قَالَ لأبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعبُدُ مَا لاَ يَسمَعُ وَلاَ يَبصِرُ وَلاَ يُغنِى عَنكَ شَيئًا يا أَبَتِ إِنّي قَد جَاءنِي مِنَ العِلمِ مَا لَم يَأتِكَ فَاتَّبِعنِي أَهدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يا أَبَتِ لاَ تَعبُدِ الشَّيطَـانَ إِنَّ الشَّيطَـانَ كَانَ لِلرَّحمَـانِ عَصِيًّا يا أَبَتِ إِنّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مّنَ الرَّحمَـانِ فَتَكُونَ لِلشَّيطَـانِ وَلِيًّا \" [مريم: 41-45]. هكذا الناصحُ حقّا، نصحَ أباه ووجَّهه وحثّه على الخير، ولكن الهداية بيد الله، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وله الحكمة البالغة في ذلك.

انصح أمَّك إن رأيتَ مخالفةً للشرع، ولكن نصيحتك للأبوين تكون برفق ولين، حرصًا على الهداية، وحرصًا على الحمل على الخير، فهما أحقٌّ الناس بنصيحتك وتوجيهك، كما هما أحقٌّ الناس بطاعتك لهما وخدمتك لهما وقيامك بحقهما.

أيها المسلم، انصَح الأبناءَ والبنات نصيحةً لله، دعوةً إلى الخير وتحذيرًا من الشر، \" يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ \" [التحريم: 6]، \" وَأمُر أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِر عَلَيهَا لاَ نَسأَلُكَ رِزقًا نَّحنُ نَرزُقُكَ وَالعَـاقِبَةُ لِلتَّقوَى \" [طه: 132]، وكلّكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل راعٍ, في أهله ومسؤول عن رعيته. إذًا فنصيحة الأبناء والبناتِ بتوجيههم للخير، وحثّهم على الخير، تنصح الأبناء بالدعوة إلى الله، أمرِهم بالصلاة وحثهم عليها، أمرِهم بالمعروف ونهيِهم عن المنكر، الأخذِ على أيديهم حتّى يعلموا الخير، ((مروا أبناءَكم بالصلاة وهم أبناءُ سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع))[4]. مُرهم بالخير في صغرهم ليعتادوه ويُحبّوه، وحذِّرهم من الشرّ في صغرِهم ليتركوه ويبتعِدوا عنه، وتكرههُ نفوسُهم، ويتصوّروا الخطأ والصواب.

أيّها المسلم، انصَح أقاربَك إخوانَك أخواتِك، أعمامَك وعماتك، أخوالك وخالاتِك، وأقاربك ورحمَك، انصَحهم لله إن رأيتَ مخالفةً للشرع، فالنصيحة أعظمُ صلة تصل بها الرحِم، أن توصِل إليهم نصحَك وتوجيهك، وتحثّهم على الخير، وتنأى بهم عن مخالفة الشرع.

أيها المسلم، انصَح جيرانَك، فحقٌّهم عليك إكرامُك لهم، وإنَّ من أعظم الإكرام إيصالَ النصيحة لهم لتدعوَهم إلى الخير، إن رأيتَ تكاسلاً عن الصلاة نصحتَهم لأدائها جماعة، وإن رأيتَ مخالفةً للشرع في الأقوال والأعمال، فلا يكن همّك التحدث عن مساوئهم، ولكن ليكن الهمّ النصيحة والتوجيه، والدعوة إلى الخير، والتحذير من الشرّ وأسبابه ووسائله.

 

أيّها المسلم، لتكن النصيحة عامةً للمسلمين لكلّ من تعرف منهم ومن اطّلعتَ على من خالف الشرعَ منهم، تنصحُ البائعَ الذي يتولّى البيعَ، إن رأيتَ غِشًا وعدمَ وضوح تنصحه وتحذّره من الغش، وتبيّن عواقبَه. إن رأيتَ من يتعامل بالربا ويتساهل فيه أو من قد حصلَت عنده شبهةٌ من شبَه من لا إيمان عنده، استحلّوا بها الربا المحرّم، وارتكبوا بها هذا الإثم العظيم، فانصَحهم لله وحذّرهم من هذه المعاملات الخبيثة التي هي محقٌ للبركة في الدنيا والآخرة، \" يَمحَقُ اللَّهُ الرّبَا وَيُربِي الصَّدَقَـاتِ \" [البقرة: 276]. إن رأيت من يتعاطى الميسرَ ويلعب القمارَ ويتعاطى هذه المِهنة الخسيسة الرذيلة فانصَحه لله نصيحةً تحذّره من عواقب السوء. إن رأيتَ من يتساهل في محارم الله ويستخفّ بحرمات الله فنصيحتُك له نصيحة تحذّره من الشرّ وتأمره بالخير وتدعوه إليه. تنصح من ظلم الناسَ في دمائهم وأموالهم وأعراضهم نصيحةً لله، تأمره باحترام الدماء والأموال والأعراض، وتحذّره من الاستمرار على هذا الطريق السيّئ. تنصح المظلوم بأن تأمرَه بالصبر، وأن لا يجاوزَ الحدّ فيما يقول. هكذا المسلم يسعى بالنصيحة بين المسلمين. تنصح من تخالطه وتصاحبه، تنصَح من يعمَل معك أو تعمَل معه نصيحةً لله تأمره بالخير، لا تحقرنَّ النصيحةَ ولو لمن هو أعلى منك، فالحقّ إذا وضح واستبان لك فانصَح لله، وقدّم النصيحة لله، وليعلم الله من قلبك أنَّ مرادَك بهذه النصيحة الخير والصلاح، لا تُريد العلوَّ والترافع على الخلق، ولكن تريد إصلاحَهم وهدايتَهم ودعوتهم إلى الخير.

أيها المسلم، إنَّ اشتغالك بالنصيحة وتسديدِ الأخطاء وإصلاحِها هذا هو المطلوب، وأمّا أن تشتغلَ بعيوب الناس وأن تتحدّثَ بها في كلّ مجلس وأن تنشرَها وتفرَح بها وتُبدي وتعيد فيها فذاك خلُق من لا خير فيه.

إنّ المسلم لا يفرَح بالشرّ في المسلمين، إذا سمع الشرّ ساءه ذلك، فهو لا يحبّ نشرَه ولا إِشاعتَه، بل يحبذ الستر على المسلمين ما وَجد لذلك سبيلاً، بالنصيحة والدعوة إلى الخير، في الأثر: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تتّبعوا عوراتِهم، فمن تتبَّع عوراتِهم تتبّع الله عورتَه، ومن تتبَّع الله عورتَه أخزاه في جوف بيته))[5]. هكذا عاقبة من يكون همّه التحدّث عن مساوئ المسلمين والبحث عن عيوبهم ونشرها وإذاعتها. المؤمن ليس كذلك، المؤمن ناصحٌ وموجّه وداعٍ, وهادٍ, إلى الخير، هكذا خلقُه الكريم، دعوةٌ إلى الخير وتحذيرٌ من الشرّ، ما عامله أحدٌ إلا نصَحه، ولا صحِبه أحدٌ إلا نصَحه، ولا يرى عيبًا إلا سعَى في الإصلاح، نصيحة فيما بينه وبين من ينصَحه، لأنّ الهدفَ إرضاء الله قبل كل شيء، ثم إنقاذ هذا المسلم من الخطأ والفساد، ليس الهدف أن أظهِر قوّتي عليه، ولا أن أظهِر اطلاعي على عوراتِه، ولا أن أُظهر له علمي بأخطائه، إنّما المهمّ أن أنصحَه لله، أسلكُ في ذلك الرفقَ في الأمور كلّها، \" ادعُ إِلِى سَبِيلِ رَبّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَـادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ\" [النحل: 125]، أرفقُ به في نصحي له، وأوجّهه التوجيهَ السليم، وأدعوه إلى الخير، وأبيّن له النتائج، وأحذّره من الشرّ والسوء، وأبيّن فائدةَ ذلك، بحكمةٍ, وبصيرة وسرٍّ, فيما بيني وبينه، لا يشمّ مني حقدًا ولا بُغضًا، ولا فرحًا بزلة ولا طمعًا في الاطلاع على عورة، وإنّما يشعر منّي محبةً ونصحًا ورفقًا وحرصًا على الخير والهداية، هكذا فليكن المسلمون فيما بينهم، تناصحٌ فيما بينهم، يقصدون بذلك وجهَ الله، المسلم ناصحٌ للأمة، ينصح للمسلمين، في بيته، في سوقه، في مسجده، فيما يكتب وفيما ينشر وفيما يقول، كلّ ذلك يسلك فيه مسلكَ الحكمة بقصد هداية الخلق وإصلاحِكم والحرص على اجتماعِ كلمتهم وتآلف قلوبهم، لا يسعى بينهم بالنميمة فيفسِدهم، ولا يغتابُهم فيتحمّل آثامهم، ولا يرميهم بالبهتان والعظائم، بل هو بريء من هذا كلّه، هدفه الخيرُ وغايته إصلاحُ الناس.

نسأل الله لنا ولكم الثبات على الحقّ، والاستقامة على الهدى، إنّه على كل شيء قدير.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

----------------------------------------

[1] أخرجه البخاري في الإيمان (13)، ومسلم في الإيمان (45) من حديث أنس - رضي الله عنه -.

[2] أخرجه البخاري في الإيمان (57)، ومسلم في الإيمان (56).

[3] أخرجه مسلم في الطهارة (223) من حديث أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه -.

[4] أخرجه أحمد (2/187)، وأبو داود في الصلاة (495)، والدارقطني (1/230)، والحاكم (1/311)، والبيهقي (2/228، 229) من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله عنه -، وصححه الألباني في الإرواء (247).

[5] أخرجه أحمد (4/421)، وأبو داود في الأدب (4880)، وأبو يعلى (7423)، والبيهقي (10/247) من حديث أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - بنحوه، وأورده الألباني في صحيح السنن (4083).

 

الخطبة الثانية:

 الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله - تعالى - حق التقوى.

عباد الله، إنَّ النبيّ يقول: ((دع الناس يرزق الله بعضَهم من بعض، وإذا استنصَحَك أخوك فانصَح له))[1].

فالناصح مؤتمنٌ، إذا طُلب منك النصيحةُ فأنت مؤتمنٌ على النصيحة، فانصَح أخاك بما تحبّ لنفسك، أنزِل نفسَك منزلتَه فانصَحه لله بما تحبٌّ لنفسك فأحبَّه لأخيك المسلم، انصَحه لله إذا طلب منك النصيحةَ واستشارَك في الأمر فأعطه جهدَك الذي تدين اللهَ به، فإن وافق الحقَّ فالحمد لله، وإلا فقد برئت ذمتك.

أيها المسلم، إنَّ البعض من الناس قد يُظهر الشماتةَ مظهرَ النصيحة، ويظهر التعييرَ والعيبَ مظهرَ النصيحة، فهو يأتي لهذا المخطئ، فيبيّن له عيوبَه وأخطاءه، لا على أنّه ينصحه لكن ليريد نشرَ فضيحتِه وخزيَه بين الناس، وفي الأثر: ((لا تُظهر الشماتةَ بأخيك، فيعافيَه الله ويبتليك))[2]، وفيه أيضًا: ((من عيَّر مسلمًا بذنبٍ, لم يمُت حتى يفعلَ ذلك الذنب))[3].

فليتّق المسلم ربَّه، وليكن هدفه الخيرَ والإصلاح والتوجيهَ والنصيحة للمسلمين وحبّ الخير لهم، انصح شبابَ المسلمين، وحذّرهم من الاغترار بالدعايات المضلِّلة، والأفكار الهدامة، والإشاعات الكاذبة التي لا يُقصَد بها خير، حذِّرهم إن سمعتَهم يتحدَّثون بإشاعات كاذبةٍ, بإرجافات وبكلام ينقلونَه عمَّن لا علمَ عنده وعمَّن لا صدقَ عندَه، كم نسمَع من أخبارٍ, وإشاعات مبنيّة على الكذب والباطل، تؤخَذ من مصادرَ غيرِ موثوقة، يغترّ الناس بها ويظنّون صدقَها وتحريَها للصدق، والله يعلم أنّ كثيرًا من [هؤلاء] لا صدقَ عندهم ولا أمانة فيما ينقلون، ولكنّهم يحرّفون الكلمَ عن مواضعه، يشيعون الشرَّ ويرجفون بالناس، ويرمون الأبرياءَ بما هم برآءُ منه، فيظنّه الجاهل حقًا.

تثبّت من كلِّ خبرٍ, تسمعه، وتأكَّد من كلّ قول تسمعه، فما كلّ قول قيل صحيح، وما كلّ قول قيل له مصدر، فكم من أقوالٍ, وإشاعات وإرجافات بناها أهلُها على الغلوّ، بل بنوها على الأكاذيب والأباطيل، وحرصًا منهم على تصدّع بنيان المجتمع المسلم بما يروّجونه من إشاعات كاذبة وأخبارٍ, مختلَقة لا صحَّة لها ولا حقيقةَ لها، فلنكن على حذرٍ, من أولئك، لنكون من الصادقين، وإذا نُسِب لك عن أخيك شيء من المخالفات فتأكَّد من الأمر قبلَ أن تُقدم عليه، وتحَرَّ الأمرَ حتى لا تقَع في إشكال، فالله يقول: \" يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِن جَاءكُم فَاسِقُ بِنَبَإٍ, فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيببُوا قَومَا بِجَهَالَةٍ, فَتُصبِحُوا عَلَى مَا فَعَلتُم نَـادِمِينَ\" [الحجرات: 6].

واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.

وصلوا ـ رحمكم الله ـ على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم، قال - تعالى -: \" إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلّمُوا تَسلِيمًا \" [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين..

 

----------------------------------------

[1] أخرجه بتمامه البيهقي في الكبرى (5/347) من طريق أبي الزبير عن جابر - رضي الله عنهما -، وأخرج الجزء الأول منه مسلم في البيوع (1522) من طريق أبي الزبير عن جابر أيضا.

[2] يروى مرفوعا، أخرجه الترمذي في الزهد (2506)، والطبراني في الكبير (22/53) والأوسط (3739)، وأبو نعيم في الحلية (5/186)، والقضاعي في مسند الشهاب (917)، والبيهقي في الشعب (6777)، والخطيب في تاريخه (9/95) من طريق مكحول عن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه -، وقال الترمذي: \"هذا حديث حسن غريب\"، وحكم عليه ابن الجوزي والقزويني بالوضع، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (1470) بتدليس مكحول.

[3] يروى مرفوعا، أخرجه الترمذي في الزهد (2505)، وابن عدي في الكامل (6/172)، والبيهقي في الشعب (6778)، والخطيب في تاريخه (2/340) من طريق خالد بن معدان عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه -، وقال الترمذي: \"هذا حديث غريب، وليس إسناده بمتصل، وخالد بن معدان لم يدرك معاذ بن جبل، وروي عن خالد بن معدان أنه أدرك سبعين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومات معاذ بن جبل في خلافة عمر بن الخطاب، وخالد بن معدان روى عن غير واحد من أصحاب معاذ عن معاذ غير حديث \"، وحكم عليه أبو زرعة بالنكارة كما في سؤالات البرذعي (ص284-286)، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات، والصاغاني في الموضوعات (ص6)، وحكم عليه الألباني أيضا في السلسلة الضعيفة (178) بالوضعº لأن في إسناده محمد بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني متَّهم بالكذب. ويروى عن الحسن البصري - رحمه الله -، أخرجه عبد الله في زوائد الزهد (ص281) بإسناد ضعيف.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply