يأيها الذين ءامنوا استعينوا بالصبرِ والصلاة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله ذي الجلال الأكبر، عز في علاه فغلب وقهر، أحصى قطر المطر، وأوراق الشجر، وما في الأرحام من أنثى وذكر، خالق الخلق على أحسن الصور، ورازقهم على قدر، ومميتهم على صغر وشباب وكبر. أحمده حمدا يوافي إنعامه، ويكافئ مزيد كرمه الأوفر. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من أناب وأبصر، وراقب ربه واستغفر، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، الطاهر المطهّر، المختار من فهر ومضر. صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وذويه، ما أقبل ليل وأدبر، وأضاء صبح وأسفر، وسلم تسليما كثيرا كثيرا.

((يأَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَولاً سَدِيداً يُصلِح لَكُم أَعمَـالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظِيماً)) الأحزاب: 70-71.

عباد الله إن المسلم مع القرآن الكريم ينبغي أن يُرتب لنفسه ورداً من القرآن يتلوه ويقرأه في كل يوم، ومع القراءةº الفهم والتدبر لأن الله - عز وجل - يقول: ((أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرءانَ)) النساء: 82 ومع التلاوة والفهم والتدبر العمل، حتى يكون القرآن الكريم حجة لنا لا علينا.

اللهم ارزقنا حُسن تلاوة كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا يا رب العالمين.

واحذروا أيها المسلمون من هجر كتاب الله - عز وجل -: ((وَقَالَ الرَّسُولُ يا رَبّ إِنَّ قَومِي اتَّخَذُوا هَـذَا القُرءاَنَ مَهجُوراً)) الفرقان: 30.

فالحذر الحذر من هجران كتاب الله، فهناك من يهجرون كتاب الله تلاوةً حيث تمضي الأيام والأشهر والأسابيع والسنوات ولا يتلو من كتاب الله شيئاً والعياذ بالله، وهناك من يهجرون كتاب الله فهماً وتدبراً، وهناك من يهجرون كتاب الله تطبيقاً وحكماً وسياسة واقتصاداً وقضاءً، ونسأل الله- تبارك وتعالى -أن يجعل القرآن حجة لنا لا علينا يا رب العالمين.

أيها المسلمون

سنقف وإياكم في هذه الدقائق الغالية مع قول الله - عز وجل - في: ((يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا استَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلَواةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّـابِرِينَ وَلاَ تَقُولُوا لِمَن يُقتَلُ فِي سَبيلِ اللَّهِ أَموَاتٌ بَل أَحيَاء وَلَكِن لاَّ تَشعُرُونَ وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيء مّنَ الخَوف وَالجُوعِ وَنَقصٍ, مّنَ الأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشّرِ الصَّـابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَـابَتهُم مٌّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيهِ راجِعونَ)) البقرة: 153-156 صدق الله العظيم.

فأما الآية الأولى فهي أمر للمسلمين ونداء لهم: (( يأَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا استَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلَواةِ)) البقرة: 153 الله - عز وجل - يأمرنا نحن المسلمين خاصة نحن الذين نعيش في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، ونعاني ما نعانيº ما أحوجنا أن نتدبر كلام الله - عز وجل - ونستعين بتوجيهاته بالصبر والصلاة، الصبر الذي له أثر كبير في نفوس ومسيرة حياة المؤمنين، فضلاً عن الأجر العظيم الذي يناله المسلم من الله - عز وجل - حيث يقول الباري - سبحانه وتعالى -: ((إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّـابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ,)) الزمر: 10، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى المرء على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء)). ويقول لرسول - صلى الله عليه وسلم - في فضل الصبر: ((عجباً للمؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء أي مصيبة في نفسه في ولده، ماله، في بيته، في دمه صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء أي نعمة شكر)) أي على كلتا الحالتين المسلم مُثاب ومأجور من عند الله تبارك وتعالى.

اللهم اجعلنا من الصابرين ولا تجعلنا من القانطين ولا من اليائسين يا رب العالمين.

ولا بد من الصبر على الطاعات، والصبر عن المعاصي، والصبر على جهاد المشاقين لله، والصبر على الكيد بشتى صنوفه، والصبر على بطء النصر، والصبر على بعد الشقة، والصبر على انتفاش الباطل، والصبر على قلة الناصر، والصبر على طول الطريق الشائك، والصبر على التواء النفوس، وضلال القلوب، وثقلة العناد، ومضاضة الاعراض..

وحين يطول الأمد، ويشق الجهد، قد يضعف الصبر، أو ينفد، إذا لم يكن هناك زاد ومدد.ومن ثم يقرن الصلاة إلى الصبر ; فهي المعين الذي لا ينضب، والزاد الذي لا ينفد.المعين الذي يجدد الطاقة، والزاد الذي يزود القلب ; فيمتد حبل الصبر ولا ينقطع. ثم يضيف إلى الصبر، الرضى والبشاشة، والطمأنينة، والثقة، واليقين.

والأحاديث في الصبر كثيرة نذكر بعضها

فعن خباب بن الأرت - رضي الله عنه - قال: شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة في ظل الكعبة. فقلنا: ألا تستنصر لنا ? ألا تدعو لنا ? فقال: \" قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار، فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد

((ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه.. والله ليتمن الله - تعالى -هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت فلا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون))..

وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: \" كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيا من الأنبياء - عليهم السلام -، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه، وهو يقول(اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).

وعن يحيى بن وثاب، عن شيخ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلم)) الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم)).

أيها المسلمون

إنه لا بد للإنسان الفاني الضعيف المحدود أن يتصل بالقوة الكبرى، يستمد منها العون حين يتجاوز الجهد قواه المحدودة. حينما تواجهه قوى الشر الباطنة والظاهرة. حينما يثقل عليه جهد الاستقامة على الطريق بين دفع الشهوات وإغراء المطامع، وحينما تثقل عليه مجاهدة الطغيان والفساد وهي عنيفة. حينما يطول به الطريق وتبعد به الشقة في عمره المحدود، ثم ينظر فإذا هو لم يبلغ شيئا وقد أوشك المغيب، ولم ينل شيئا وشمس العمر تميل للغروب. حينما يجد الشر نافشا والخير ضاويا، ولا شعاع في الأفق ولا معلم في الطريق..

هنا تبدو قيمة الصلاة.. إنها الصلة المباشرة بين الإنسان الفاني والقوة الباقية. إنها الموعد المختار لالتقاء القطرة المنعزلة بالنبع الذي لا يغيض. إنها مفتاح الكنز الذي يغني ويقني ويفيض. إنها الانطلاقة من حدود الواقع الأرضي الصغير إلى مجال الواقع الكوني الكبير. إنها الروح والندى والظلال في الهاجرة، إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب المكدود.. ومن هنا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في الشدة قال: \" أرحنا بها يا بلال \".. ويكثر من الصلاة إذا حزبه أمر ليكثر من اللقاء بالله.

(إن الله مع الصابرين)..

معهم، يؤيدهم، ويثبتهم، ويقويهم، ويؤنسهم، ولا يدعهم يقطعون الطريق وحدهم، ولا يتركهم لطاقتهم المحدودة، وقوتهم الضعيفة، إنما يمدهم حين ينفد زادهم، ويجدد عزيمتهم حين تطول بهم الطريق.. وهو يناديهم في أول الآية ذلك النداء الحبيب: يا أيها الذين آمنوا.. ويختم النداء بذلك التشجيع العجيب: (إن الله مع الصابرين).

أما الآية الثانية فهي قول الله - عز وجل -: ((وَلاَ تَقُولُوا لِمَن يُقتَلُ فِي سَبيلِ اللَّهِ أَموَاتٌ بَل أَحيَاء وَلَكِن لاَّ تَشعُرُونَ)) البقرة: 154، إن الله - عز وجل - يُبين لنا في هذه الآية الكريمة أن الذي يستشهدون ليسوا أمواتا بل أحياء،

إن هنالك قتلى شهداء في معركة الحق. شهداء في سبيل الله. قتلى أعزاء أحباء. قتلى كراما أزكياء - فالذين يخرجون في سبيل الله، والذين يضحون بأرواحهم في معركة الحق، هم عادة أكرم القلوب وأزكى الأرواح وأطهر النفوس - هؤلاء الذين يقتلون في سبيل الله ليسوا أمواتا. إنهم أحياء. فلا يجوز أن يقال عنهم: أموات. لا يجوز أن يعتبروا أمواتا في الحس والشعور، ولا أن يقال عنهم أموات بالشفة واللسان. إنهم أحياء بشهادة الله - سبحانه -. فهم لا بد أحياء.

إنهم قتلوا في ظاهر الأمر، وحسبما ترى العين.. والفكرة التي من أجلها قتلوا هؤلاء ترتوي بدمائهم وتمتد، وتأثر الباقين وراءهم باستشهادهم يقوى ويمتد. فهم ما يزالون عنصرا فعالا دافعا مؤثرا في تكييف الحياة وتوجيهها، وهذه هي صفة الحياة الأولى. فهم أحياء أولا بهذا الاعتبار الواقعي في دنيا الناس.

ثم هم أحياء عند ربهم - إما بهذا الاعتبار، وإما باعتبار آخر لا ندري نحن كنهه. وحسبنا إخبار الله - تعالى -به: (أحياء ولكن لا تشعرون).. لأن كنه هذه الحياة فوق إدراكنا البشري القاصر المحدود. ولكنهم أحياء.

أحياء. ومن ثم لا يغسلون كما يغسل الموتى، ويكفنون في ثيابهم التي استشهدوا فيها. فالغسل تطهير للجسد الميت وهم أطهار بما فيهم من حياة. وثيابهم في الأرض ثيابهم في القبر لأنهم بعد أحياء.

أحياء. فلا يشق قتلهم على الأهل والأحباء والأصدقاء. أحياء يشاركون في حياة الأهل والأحباء والأصدقاء. أحياء فلا يصعب فراقهم على القلوب الباقية خلفهم، ولا يتعاظمها الأمر، ولا يهولنها عظم الفداء. ثم هم بعد كونهم أحياء مكرمون عند الله، مأجورون أكرم الأجر وأوفاه:

في صحيح مسلم يقول - صلى الله عليه وسلم - ((إن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، فاطلع عليهم ربك إطلاعة. فقال: ماذا تبغون ? فقالوا: يا ربنا. وأي شيء نبغي وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ? ثم عاد عليهم بمثل هذا. فلما رأوا أنهم لا يتركون من أن يسألوا قالوا: نريد أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل في سبيلك حتى نقتل فيك مرة أخرى - لما يرون من ثواب الشهادة - فيقول الرب جل جلاله: إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون)).

وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا، وله ما على الأرض من شيء. إلا الشهيد، ويتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات، لما يرى من الكرامة)) أخرجه مالك والشيخان

ولكن من هم هؤلاء الشهداء الأحياء ? إنهم أولئك الذين يقتلون (في سبيل الله).. في سبيل الله وحده، دون شركة في شارة ولا هدف ولا غاية إلا الله. في سبيل هذا الحق الذي أنزله. في سبيل هذا المنهج الذي شرعه. في سبيل هذا الدين الذي اختاره.. في هذا السبيل وحده، لا في أي سبيل آخر، ولا تحت أي شعار آخر، ولا شركة مع هدف أو شعار. وفي هذا شدد القرآن وشدد الحديث، حتى ما تبقى في النفس شبهة أو خاطر.. غير الله..

عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء. أي ذلك في سبيل الله ? فقال ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)).. أخرجه مالك والشيخان.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلا قال: يا رسول الله: رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضا من الدنيا ? فقال: \" لا أجر له \". فأعاد عليه ثلاثا. كل ذلك يقول: \" لا أجر له \". أخرجه أبو داود.

وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((تضمن الله - تعالى -لمن خرج في سبيل الله. لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي.. فهو علي ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة. والذي نفس محمد بيده، ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم، لونه لون دم وريحه ريح مسك. والذي نفس محمد بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله - عز وجل - أبدا. ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة فيتبعوني ويشق عليهم أن يتخلفوا عني. والذي نفس محمد بيده لوددت أن اغزو في سبيل الله فأقتل، ثم اغزو فأقتل، ثم اغزو فأقتل))أخرجه مالك والشيخان.

فهؤلاء هم الشهداء. هؤلاء الذي يخرجون في سبيل الله، لا يخرجهم إلا جهاد في سبيله، وإيمان به، وتصديق برسله.

اللهم اكتب لنا الشهادة في سبيلك، اللهم ارحم شهداءنا، اللهم تقبل شهداءنا، واجمعنا بهم في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

أسال - جل وعلا - أن يجعلنا وإياكم من أهل الإيمان والتقوى بارك الله لي ولكم في القران العظيم ’ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم إنه - تعالى - جواد كريم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شي عليم واشهدا ن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمد عبه ورسوله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم وبعد

معشر المصلين، يا أبناء الإسلام، أما الآية الأخرى فهي قول الله - عز وجل -: ((وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيء مّنَ الخَوف وَالجُوعِ وَنَقصٍ, مّنَ الامَوَالِ وَالانفُسِ وَالثَّمَراتِ)) البقرة: 155، وذلك الابتلاء والامتحان من الله حتى يميز الخبيث من الطيب، ((وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيء مّنَ الخَوف وَالجُوعِ وَنَقصٍ, مّنَ الامَوَالِ وَالانفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشّرِ الصَّـابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَـابَتهُم مٌّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيهِ راجِعونَ)) البقرة: 155، 156.

وهذا إخبـار من الله - تعالى -ذكره أتبـاع رسوله - صلى الله عليه وسلم - أنه مبتلـيهم ومـمتـحنهم بشدائد من الأمور لـيعلـم من يتبع الرسول مـمن ينقلب علـى عقبـيه، كما ابتلاهم فـامتـحنهم بتـحويـل القبلة من بـيت الـمقدس إلـى الكعبة، وكما امتـحن أصفـياءه قبلهم، ووعدهم ذلك فـي آية أخرى فقال لهم: أم حَسِبتُـم أن تَدخُـلُوا الـجَنَّةَ وَلَـمَّا يَأتِكُم مَثَلُ الَّذِينَ خَـلَوا مِن قَبلِكُم مَسَّتهُمُ البأساءُ والضَّرَّاءُ وَزُلزِلُوا حَتَّـى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَـى نَصرُ اللَّهِ ألا إنَّ نَصرَ اللَّهِ قَرِيبٌ(تفسير الطبري)

ولقد ورد في فضل الصبر أن الله - عز وجل - إذا أمر ملائكته أن يقبضوا روح العبد المؤمن فتقبض الملائكة روحه ثم يعودون، فيسألهم الله - عز وجل - وهو بهم أعلم - أقبضتم روح عبدي فلان؟ فتقول الملائكة: نعم.. ويسألهم الله: ماذا قال عبدي فلان؟ ماذا كان رد الفعل عند والده عند أقرب الناس إليه؟ فتقول الملائكة: حمدك واسترجع أي إن دأب المسلم أن يقول عندما تصيبه مصيبة: إنا لله و إنا إليه راجعون - فيقول الله - عز وجل - للملائكة: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد.

(وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون)..

إنا لله.. كلنا.. كل ما فينا.. كل كياننا وذاتيتنا.. لله.. وإليه المرجع والمآب في كل أمر وفي كل مصير.. التسليم.. التسليم المطلق.. تسليم الالتجاء الأخير المنبثق من الالتقاء وجها لوجه بالحقيقة الوحيدة، وبالتصور الصحيح.

(وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون

وبشر يا مـحمد الصابرين، الذين يعلـمون أن جميع ما بهم من نعمة فمنـي، فـيقرّون بعبوديتـي، ويوحدوننـي بـالربوبـية، ويصدّقون بـالـمعاد والرجوع إلـيّ فـيستسلـمون لقضائي، ويرجون ثوابـي ويخافون عقابـي، ويقولون عند امتـحانـي إياهم ببعض مـحنـي، وابتلائي إياهم بـما وعدتهم أن أبتلـيهم به من الـخوف والـجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات وغير ذلك من الـمصائب التـي أنا مـمتـحنهم بها. إنا مـمالـيك ربنا ومعبودنا أحياء ونـحن عبـيده وإنا إلـيه بعد مـماتنا صائرون تسلـيـما لقضائي ورضا بأحكامي.

هؤلاء هم الصابرون..:

(أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم المهتدون)..

صلوات من ربهم.. يرفعهم بها إلى المشاركة في نصيب نبيه الذي يصلي عليه هو وملائكته - سبحانه -.. وهو مقام كريم.. ورحمة.. وشهادة من الله بأنهم هم المهتدون..

أخبر الله أن الـمؤمن إذا سلـم الأمر إلـى الله ورجع واسترجع عند الـمصيبة، كتب له ثلاث خصال من الـخير: الصلاة من الله، والرحمة، وتـحقـيق سبـيـل الهدى. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن استَرجَعَ عِندَ الـمُصِيبَةِ جَبَرَ اللَّهُ مُصِيبَتَهُ، وأحسَنَ عُقبَـاهُ، وَجَعَلَ لَهُ خَـلَفـا صَالِـحا يَرضَاهُ)).

نعم عباد الله

إن لهم في صلوات الله ورحمته وشهادته جزاء. جزاء على التضحية بالأموال والأنفس والثمرات. وجزاء على الخوف والجوع والشدة. وجزاء على القتل والشهادة.. إن الكفة ترجح بهذا العطاء فهو أثقل في الميزان من كل عطاء. أرجح من النصر وأرجح من التمكين وأرجح من شفاء غيظ الصدور

اللهم تب علينا توبة صادقة نصوحاً. اللهم اغفر لنا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين سبحانك اللهم وبحمدك نستغفرك ونتوب إليك. أشهد أن لا إله إلا أنت، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply