إنذار لعامة الأمة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: يقول الله - تعالى -: (فَلَولا إِذ جَاءَهُم بَأسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَت قُلُوبُهُم وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ) (الأنعام: 43) (وَلَقَد أَخَذنَاهُم بِالعَذَابِ فَمَا استَكَانُوا لِرَبِّهِم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) (المؤمنون: 76).

وقال - تعالى -: (وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَو تَحُلٌّ قَرِيباً مِن دَارِهِم حَتَّى يَأتِيَ وَعدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخلِفُ المِيعَادَ) (الرعد: من الآية31).

إن هذه الآيات والنذر من الرحمن الرحيم للبشرية لعلهم يتقون ولعلهم يتذكرون ولعلهم يتضرعون ولعلهم يتعظون، ولكن البشرية حادت عن ربها وطمس على قلوبهم فهم لا يبصرون ولا يسمعون ولا يعلمون، فراحت تنسب هذه العقوبات إلى الجمادات التي لا تعقل ولا تعلم شيئًا ولا تعي ولا تملك لنفسها نفعًا ولا ضرًا، فيقولون: غضب الأرض وتمرد الطبيعة.

هذه الكارثة من أعظم الدلائل على عظمة الله - تعالى -ففي لحظة واحدة تدمرت كل هذه البقاع وهلك مئات الآلاف من البشر ومن الحيوانات البحرية والبرية، زلزال استمر دقيقتين امتدت آثاره إلى آلاف الأميال فكيف لو طالت مدته، وكيف لو تعددت صوره في بقاع أخرى، إذا كان هذا زلزال الدنيا فكيف بيوم القيامة (يَومَ تُبَدَّلُ الأَرضُ غَيرَ الأَرضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ) (إبراهيم: 48)، (إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت) (إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت)، (إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها).

لقد كانت لهذه الكوارث والآيات العظيمة معطيات كثيرة، منها:

حينما ادعى البشر العظمة والتقدم والسيطرة على الكون ومعرفة جل أسراره وأن لديهم من القدرات والطاقات والإمكانات ما يعرفون به كل شيء يحدث أو سيحدث في الكون، وادّعوا أن ما اخترعوه من أجهزة الأرصاد التي يعرفون من خلالها أي حدث يمكن أن يحدث من زلازل وغيرها فيتلافون الكوارث والإصابات في حد زعمهم، فأحبط الله في هذه الحادثة ما قدروه، وأتاهم ما لم يكونوا يحسبونه بهزة عظيمة وكارثة جسيمة لم يعرفوا مثلها ولم يحسبوا حسابها ولم يقدروا لها قدرها، بل لم يتنبأوا بها قبل حدوثها ولا بلحظات. (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرضَ أَو يَأتِيَهُمُ العَذَابُ مِن حَيثُ لا يَشعُرُونَ) (النحل: 45)، (أَفَأَمِنتُم أَن يَخسِفَ بِكُم جَانِبَ البَرِّ أَو يُرسِلَ عَلَيكُم حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُم وَكِيلاً) (الإسراء: 68)، (أَأَمِنتُم مَن فِي السَّمَاءِ أَن يَخسِفَ بِكُمُ الأَرضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) (الملك: 16)، (قُل لا يَعلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ الغَيبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشعُرُونَ أَيَّانَ يُبعَثُونَ) (النمل: 65).

لقد شاهد العالم التعامل العنصري مع ضحايا هذه الكارثة العظيمة في صورة من أقبح الصور التي أفرزتها الحضارة الغربية المعاصرة في التعامل حتى مع الأموات فبينما أناس ينقب عنهم من بين آلاف القتلى فيوضعون في التوابيت الفاخرة ويحملون على الطائرات، إذا بالآخرين يجرفون بالشيولات وعلى ظهور القلابات ويقذفون في الحفر الجماعية تدفنهم الآلات بالتراب وبدون كفن ولا غطاء. وهكذا كل حضارة لا تقوم على منهج الله فهي فساد وظلم وضلال في الأرض (الَّذِينَ طَغَوا فِي البِلادِ فَأَكثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ) (الفجر: 12-11)، (وَإِذَا قِيلَ لَهُم لا تُفسِدُوا فِي الأَرضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحنُ مُصلِحُونَ) (البقرة: 11).

بينما تلك الشواطئ مقصد السائحين ومحط أنظار المستثمرين تباع بأغلى الأثمان يتسابق إليها رجال الأعمال وفي لحظة واحدة تحولت إلى أراضي بوار لا تساوي درهمًا ولا دينارًا يبتعد عنها كل من رام الصحة والسلامة.

 

ما بين غمضة عين وانتباهتها يبدل الله من حال إلى حال

 

إن التفكر والاعتبار والانتفاع بالمواعظ من صفات المؤمنين قال الله - تعالى -: {سيذكر من يخشى}.

والمتأمل في الأحداث والمتغيرات، وحلول كثير من العقوبات في هذا الزمان: من الزلازل، والأعاصير والفيضانات، والانهيارات، والجفاف والجدب، والحوادث المتجددة يجدها أمورا عظيمة تزيد يوما بعد يوم، جدير بالمسلم أن يأخذ العبرة منها.

ومن باب الإنذار والتحذير نتكلم عن هذا الموضوع من خلال الوقفات التالية:

 

الوقفة الأولى:

المعاصي سبب المصائب، فإذا وقعت المنكرات وأعلنت ولم تغير فسنة الله - تعالى -حلول العقوبات والمصائب (ومن المعلوم بما أرانا الله من آياته في الآفاق وفي أنفسنا وبما شهد به في كتابه أن المعاصي سبب المصائب) (الفتاوى 28138).

 (ومن عقوبات الذنوب أنها تزيل النعم وتحل النقم. وقد قال الله - تعالى -: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} (الشورى 30) وقال الله - تعالى -: {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} (الأنفال 53) ومن تأمل ما قص الله في كتابه من أحوال الأمم الذين أزال نعمه عنهم وجد سبب ذلك جميعه إنما هو مخالفة أمره وعصيان رسله، وكذلك من نظر في أحوال أهل عصره وما أزال الله عنهم من نعمه وجد ذلك من سوء عواقب الذنوب) (الجواب الكافي).

 

الوقفة الثانية:

تدل النصوص الشرعية على أن العقوبة إذا حلت شملت الجميع إلا من - رحمه الله -.

قال البخاري: (باب إذا أنزل الله بقوم عذابا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أنزل الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم)).

قال ابن حجر رحمه في شرحه: (وفي صحيح ابن حبان عن عائشة مرفوعا: إن الله إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون قبضوا معهم ثم بعثوا على نياتهم وأعمالهم. وقال: إذا ظهر السوء في الأرض أنزل الله بأسه فيهم، قيل يا رسول الله وفيهم أهل طاعته؟ قال: نعم، ثم يبعثون إلى رحمة الله - تعالى -) (فتح الباري 1364).

وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنهلك وفينا الصالحون: قال: نعم، إذا كثر الخبث)) رواه البخاري وغيره. وتأمل أخي الكريم أن السائل هم الصحابة - رضي الله عنهم -، قال ابن حجر - رحمه الله -: (فيكون إهلاك الجميع عند ظهور المنكر والإعلان بالمعاصي).

 

الوقفة الثالثة:

أن سبب العقوبة للجميع حتى الصالحين هو السكوت وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت أبا بكر - رضي الله عنه - على المنبر يقول: يا أيها الناس إني أراكم تتأولون هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الناس إذا عمل فيهم بالمعاصي فلم يغيروا أو شك الله أن يعمهم بعقاب)) أخرجه أبو داود والترمذي في سننه في كتاب الفتن ـ باب ما جاء في نزول العذاب إذا لم يغير المنكر ـ وابن ماجة والنسائي والبيهقي وابن حبان في صحيحه. ولفظه في إحدى الروايات عند أبي داود: ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا أوشك أن يعمهم الله منه بعقاب \" وقال الترمذي: حسن صحيح.

وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَتَأمُرُنَّ بِالمَعرُوفِ وَلَتَنهَوُنَّ عَن المُنكَرِ أَو لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَن يَبعَثَ عَلَيكُم عِقَابًا مِنهُ ثُمَّ تَدعُونَهُ فَلَا يُستَجَابُ لَكُم)) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

قال البخاري - رحمه الله -: (باب ما جاء في قول الله - تعالى -: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} وما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحذر من الفتن) قال ابن حجر في شرحه: (وعند الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب. ولهذا الأثر شاهد من حديث عدي بن عميرة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الله - عز وجل - لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة)) أخرجه أحمد بسند حسن وهو عند أبي داود وله شواهد من حديث حذيفة وجرير وغيرهما عند أحمد وغيره.

قال ابن القيم: (وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك وحدوده تضاع ودينه يترك وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرغب عنها وهو بارد القلب ساكت اللسان! شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين! وخيارهم المتحزن المتلمظ، ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذل وجد واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه. وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله، ومقت الله لهم قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل. وقد ذكر الإمام أحمد - رحمه الله - وغيره أثرا: أن الله - سبحانه - أوحى إلى ملك من الملائكة أن اخسف بقرية كذا وكذا، فقال: يارب كيف وفيهم فلان العابد! فقال: به فابدأ فإنه لم يتمعر وجهه في يوما قط) (إعلام الموقعين 2157).

 

الوقفة الرابعة:

جاء التحذير والإنذار من الله - تعالى -في كتابه من الذنوب وعواقبها من خلال قصص الأمم الماضية وما حل بها عند ارتكاب المنكر، وحذر - جل وعلا - من معاصي بعينها مثل: قوله - تعالى -في الربا: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسول}كما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حذر من المعاصي عامة إلا أنه - عليه الصلاة والسلام - كرر التحذير والتنبيه بشأن بعضها وبين - عليه الصلاة والسلام - أنها إذا وجدت تبعتها عقوباتها من ذلك:

قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف)) فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله ومتى ذلك؟ قال: ((إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور)) رواه الترمذي. (انظر صحيح الجامع 4103).

وروى ابن ماجة عن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير)) سنن ابن ماجة كتاب الفتن باب العقوبات، (وانظر صحيح الجامع 5105).

 

وروى الإمام أحمد وأبو داود وسعيد بن منصور حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء فيه: ((ويبعث على أحياء من أحيائهم ريح فتنسفهم كما نسفت من كان قبلهم باستحلالهم الخمور وضربهم بالدفوف واتخاذهم القينات)).

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعا: ((لا تقوم الساعة حتى ترضخ رؤوس أقوام بكواكب من السماء باستحلالهم عمل قوم لوط)) (رواه الديلمي انظر اتحاف الجماعة 2246).

 

الوقفة الخامسة:

حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أن العقوبة تحل بهؤلاء العاصين حتى ولو كانوا يؤدون شعائر الإسلام، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن في أمتي خسفا ومسخا وقذفا)) قالوا: يا رسول الله وهم يشهدون أن لا إله إلا الله. قال: ((نعم، إذا ظهرت المعازف والخمر ولبس الحرير)) رواه ابن أبي شيبة.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يمسخ قوم من هذه الأمة في آخر الزمان قردة وخنازير)) قالوا: يا رسول الله أليس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. قال: ((بلى ويصومون ويصلون ويحجون)) قيل: فما بالهم؟ قال: ((اتخذا المعازف والدفوف والقينات فباتوا على شربهم ولهوهم فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير)) (انظر اتحاف الجماعة 2243).

 

الوقفة السادسة:

العقوبات أنواع: منها ما تقدم ومنها أيضا: تسلط الأعداء وتداعي الأمم على المسلمين، ومنها الزلازل التي تقع فجأة فتقلب العمار دمارا. وكانت تقع فيما مضى إلا أنها كثرت في هذا الزمان المتأخر ولا زالت الأرض ترجف هنا وهناك حتى أصبح خبرها متجددا غير مستغرب.

 

وكثرتها من أشراط الساعة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقوم الساعة حتى تكثر الزلازل)) (رواه البخاري). والنذر تزيد من حولنا في أقطار الأرض: ما بين زلازل، وأعاصير، وفيضانات، وانهيارات، مع آية الخسوف والكسوف.

وإذا نظرنا في واقعنا نجد أنواع المنكرات ظهرت بصورة لم تسبق في الأمة، مما يزيدنا خوفا من آثارها، وسنن الله - تعالى -عامة على الجميع لا فرق بين البشر إلا بالإستجابة لله - تعالى -، وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أحد أغير من الله - تعالى -عندما تنتهك حرماته وهو شديد العقاب.

 

الوقفة السابعة:

أن الله - سبحانه وتعالى - يحدث بعض الآيات والعقوبات تخويفا لعباده إذا غفلوا لعلهم يرجعون: قال الله - تعالى -: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} (الإسراء 59).

قال ابن كثير - رحمه الله -: (قال قتادة: \"إن الله - تعالى -يخوف الناس بما شاء من الآيات لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون. ذكر لنا أن الكوفة رجفت على عهد ابن مسعود - رضي الله عنه - فقال: يا أيها الناس: \"إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه \" (يستعتبكم: أي يطلب منكم العتبى وهو الرجوع إلى ما يرضيه) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق عليه: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن الله - عز وجل - يخوف بهما عباده فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره، ثم قال: يا أمة محمد والله ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا)).

وإذا لم يحصل الخوف عند رؤية الآيات المنذرة فيخشى نزول العذاب.

 

الوقفة الثامنة:

أهل الكفر والضلال عند حلول النكبات، بل وعند التوقعات والمرتقبات يصيبهم الهلع والجزع، واليأس والقنوط. أما أهل الإسلام فقد هداهم الله في كتابه إلى الصراط المستقيم، وبين لهم البشير النذير - صلى الله عليه وسلم - أسباب النجاة من العذاب وأولها:

تحقيق الإيمان والصدق مع الله - تعالى -والاستجابة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وانتهاز الفرص المتاحة لتحقيق رضوان الله - تعالى -: قال الله - تعالى -: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}(الأنعام 82) هذا هو الحل الحقيقي في موضوع الكوارث مع فعل أسباب النجاة الموضحة في الوقفات التـاليـة:

 

الوقفة التاسعة:

من أعظم أسباب النجاة التضرع واللجوء إلى الله - تعالى -وحده والفزع إلى الصلاة، قال الله - تعالى -: {فأخذناهم البأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا} الأنعام.

وعن حذيفة - رضي الله عنه - رفعه قال: ((يأتي عليكم زمان لا ينجو فيه إلا من دعا دعاء الغريق)) (رواه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين).

وقد حث الناصح - صلى الله عليه وسلم - على الدعاء كثيرا من ذلك قوله: - صلى الله عليه وسلم - ((لا تعجزوا في الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد)) (رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، ورواه ابن حبان في صحيحه).

وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يرد القدر إلا الدعاء)) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

وقال - صلى الله عليه وسلم - ((من سره أن يستجاب له عند الكرب والشدائد فليكثر الدعاء في الرخاء)) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

وقال - صلى الله عليه وسلم - ((والدعاء ينفع مما قد نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة)) رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

ودعوة المضطر مجابة قال الله - تعالى -{أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء} (النمل 12) لأن المضطر صادق في توجهه مخلص ليس في قلبه غير الله، حتى الكافر أجاب الله دعوته في حال الاضطرار {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون} (العنكبوت 65).

وما قوبلت الشدائد وكشفت بمثل اللجوء إلى من بيده الأمر كله وهو على كل شيء قدير.

ولا تنس ـ أيها المسلم ـ إخوانك المسلمين فالخير واصل إليك بدعوتك لهم قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - (ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ولك بمثل. وفي لفظ: دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل) (رواهما مسلم).

 

الوقفة العاشرة:

من أسباب النجاة: التوبة والاستغفار: وذلك بترك الذنوب والعزم على عدم العودة إليها مع الندم ورد المظالم والاستغفار فهذا من أسباب منع العذاب ورفعه، قال الله - تعالى -: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون}.

والتوبة والاستغفار سبب لنيل رحمة الله - تعالى -وحصول الخير والبركات قال نوح - عليه السلام - قومه: {استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً} وقال صالح - عليه الصلاة والسلام - لقومه: {لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون} وقال شعيب - عليه السلام - لقومه{واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود}.

كان خير البشر - صلى الله عليه وسلم - يكثر من الاستغفار قال ابن عمر - رضي الله عنهما -: ((كنا نعد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المجلس الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم)) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث صحيح.

وقالت عائشة - رضي الله عنها -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول قبل موته: ((سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه)) متفق عليه.

والاستغفار باللسان دون ترك الذنب لا يكفي قال ابن القيم - رحمه الله - (وأما من أصر على الذنب وطلب من الله مغفرته فهذا ليس باستغفار مطلق ولهذا لا يمنع الذنب) (مدارج السالكين 1/307).

 

الوقفة الحادية عشر:

من أسباب النجاة: الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله - تعالى -: {فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين}هود 116{وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} (هود 117).

قال ابن كثير- رحمه الله -: يقول الله - تعالى -فهلا وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد في الأرض، وقوله {إلا قليلاً} أي: قد وجد منهم من هذا الضرب قليل لم يكونوا كثيراً وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غضبه وفجأة نقمته، ولهذا أمر الله - تعالى -هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر كما قال - تعالى -{ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} آل عمران 104، وقوله {واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه} أي: استمروا على ما هم عليه من المعاصي والمنكرات ولم يلتفتوا إلى إنكار ألئك حتى فجأهم العذاب…{وكانوا مجرمين}.

ثم أخبر - تعالى - أنه لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة لنفسها، ولم يأت قرية مصلحة بأسه وعذابه قط حتى يكونوا هم الظالمين كما قال - تعالى -: {وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم} (هود 101) وقال: {وما ربك بظلام للعبيد} (فصلت 46).

ذكر ابن حجر- رحمه الله - في الفتح 13/65 عن بعض أهل العلم قوله: أما من أمر ونهى فهم المؤمنون حقاً لا يرسل عليهم العذاب، بل يدفع بهم العذاب. اهـ.

وقد نص الله على نجاة الناهين بقوله: {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون} (الأعراف 165).

قال ابن تيمية- رحمه الله -: (فأخبر الله - تعالى -أن العذاب لما نزل نجى الذين ينهون عن السوء وأخذ الظالمين بعذاب شديد) (الفتاوى 28/306).

 

الوقفة الثانية عشرة:

الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال والصدقة والإحسان يدفع البلاء.

عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (نائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر) (رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن وحسنه الألباني).

وتفريج كربة المسلم تفرج كربة يوم القيامة قال - صلى الله عليه وسلم -: (لمسلم أخو المسلم لايظلمه، ولا يسلمه (لعدوه)، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة) متفق عليه. أما الجبن والبخل وخذلان المجاهد في سبيل الله فتنذر بقارعة، عن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من لم يغز أو يجهز غازياً أو يخلف غازياً في أهله بخير أصابه الله - سبحانه - بقارعة قبل يوم القيامة)) رواه ابن ماجة وأبو داود بإسناد صحيح.

 

الوقفة الثالثة عشر:

يجب الإيمان بنصوص الشرع والخوف من نقمة الله وعقوبته، فهذا خير البشر - صلى الله عليه وسلم - تفطرت قدماه من قيام الليل وجاهد في الله حق جهاده يخشى من حلول عقوبة.

في صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عصفت الريح قال: ((اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به)) قالت: وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سري عنه، فعرفت ذلك عائشة - رضي الله عنها - فسألته فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لعله يا عائشة كما قال قوم عاد: {فلما رأوه عارضا مستقبل أو ديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا}.

هذا خوفه - صلى الله عليه وسلم - مع أن الله - جل وعلا - يقول: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}.

وهذا عمر - رضي الله عنه - يربط بين الزلزلة والمعصية: أخرج ابن أبي شيبة في المصنف والبيهقي في سنن عن صفية بنت أبي عبيد قالت: (زلزلت الأرض على عهد عمر حتى اصطفقت السرر، فخطب عمر الناس فقال: أحدثتم لقد عجلتم، لإن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم) وإسناده صحيح. (انظر لمزيد البحث عن موضوع الزلزلة: رسالة السيوطي: كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة).

وكان بعض السلف إذا تغير عليه خلق زوجته او دابته رجع وحاسب نفسه وقال: والله ما حدث هذا إلا بذنب فعلته.

أما الآمنون من مكر الله ونقمته فقد ذمهم الله بقوله: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} (الأعراف).

ويتأكد الخوف والحذر كلما كثرت المنكرات وتوالت علينا النذر ممن له الخلق والأمر ممن يقول للشي كن فيكون - سبحانه وتعالى -.

 

الوقفة الرابعة عشرة:

ليس المقصود من هذا الموضوع نجاة البدن فقط، أو طلب النجاة في الدنيا..بل الأهم من ذلك صلاح القلب أولا، وإذا صلح واستقام حصلت نجاة البدن والقلب جميعا في الدنيا والآخرة.أما إن كان القلب فاسدا قد استولى عليه اتباع هواه وطلب ما يحبه ولو كرهه الله، فقد تعرض لسخط الله وعقابه، ومهما عمل من حيلة لنجاة بدنه من الكوارث والفواجع فلا يمنع عنه عذاب الله، إذا قدر عليه بذنبه ولو جعل منزله نم حديد مؤسس في أعماق الأرضº لأنه أهمل الوقاية الشرعية، لو نجاه الله في الدنيا فقد عرض نفسه لعذاب الآخرة وهو الأشد والأنكى، قال الله - تعالى -: {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم} الشعراء.

ولهذا لما حصلت الزلزلة لم يخطب عمر - رضي الله عنه - بتوجيه الناس إلى الملاجئ أو تأسيس البناء في مواصفات معينة، بل وجه إلى الأهم فأمرهم بالتوبةº لأن سبب الزلزلة معصية. وهكذا قال ابن مسعود - رضي الله عنه - عند الرجفة: (إن ربكم يستعتبكم يطب منكم الرجوع إلى ما يرضيه).

أما الاهتمام المادي لنجاة البدن فقط وطلب البقاء فمن صفات الكفار قال الله - تعالى -: {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم أن يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون} (سورة البقرة).

أما المؤمن فيسعى إلى إرضاء الله ولو أدى إلى إزهاق نفسه، وتلف بدنه كما يحصل في الجهاد في سبيل الله.

وعلى كل لا منافاة شرعا بين اتخاذ من الجمع بين اتخاذ الأسباب الشرعية والأسباب المادية، لطلب الأمن والسلامة.

وخلاصة القول أن المطلوب منك أخي المسلم الاهتمام بهذه الأسباب الشرعية وهي تحقيق الإيمان والتضرع والدعاء والتوبة والاستغفار، والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإنفاق في سبيل الله، قبل حلول الكارثة، وإذا قدر الله شيئا من ذلك فيضاعف العمل لعل الله أن يكشفها ويخفف أثرها.

 

الوقفة الخامسة عشرة:

إنذار الناس من عذاب الله من مهام الأنبياء والرسل التي أمروا بها، قال الله - تعالى -لنبينا - صلى الله عليه وسلم -: {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا} {إنما أنت منذر} وقال الله جلا وعلا عن نوح - عليه السلام -: {إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم}.

وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه - رضي الله عنه - قال: (خرج إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما فنادى ثلاث مرات فقال: ((أيها الناس تدرون ما مثلي ومثلكم؟)) قالوا الله - تعالى -ورسوله أعلم. قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا يأتيهم فبعثوا رجلا يتراءى لهم فبينما هو كذلك أبصر العدو فأقبل لينذرهم وخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه فأهوى بثوبه أيها الناس أوتيتم أيها الناس أوتيتم ـ ثلاث مرات ـ)) رواه الإمام أحمد.

والله - تعالى -يقول لنا: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} فواجب على كل مسلم ومسلمة أن يزكي نفسه ويتوب إلى الله - تعالى -من كل ذنب ويسعى في إنذار غيره كل حسب استطاعته، لعل الله أن يرحم البلاد والعباد.

هذه أهم أسباب النجاة والأخذ بها هو الحل الحقيقية لكل كارثة ومصيبة، ولا يمنع بعد ذلك من اتخاذ الأسباب المادية.

اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء، اللهم يا حي يا قيوم نجنا من الفتن والمصائب واجعلنا من أسباب نجاة عبادك منها. آمينا اللهم إني بلغت اللهم فاشهد. وصلى الله وسلم وبارك على أفضل الأنبياء والمرسلين.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply