الشرك خطورته وبعض مظاهره


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الخطبة الأولى

 وبعد: إخوة الإيمان، المعاصي من أهم الأمور التي تحول بين الإنسان وبين تحقيق مرضاة الله - عز وجل -º لأن الإنسان كلما اقترف معصية ابتعد عن سبيل الرحمن واقترب من سبل الشيطان، ولأن المعاصي تحدث في القلوب وحشة وظلمة تجعل هذه القلوب عصية في قبول النور والاستجابة لله - سبحانه -، لهذا وحتى نحذر من المعاصي وخطورتها سنتكلم في مجموعة من الخطب ـ بإذن الله ـ عن بعض المعاصي وأثرها وعقوبتها، سائلين الله - سبحانه - أن يمنحنا من خشيته ما يحول به بيننا وبين هذه المعاصي.

 

من أعظم المعاصي وأشدها والتي لم يُعص الله - سبحانه - بمثلها معصية الشركº لهذا نبدأ بها هذه المعاصي.

معصية الشرك معصية عظيمة وجناية فادحة في حق المولى الذي خلق وسوى ورزق وأمات وأحيا، ومع هذا يُشرك به - سبحانه -، ويكفي في عظمة هذه المعصية أن الله - سبحانه - بين في كتابه أنه قد يغفر كل معصية اقترفها العبد ومات عليها إلا معصية الشرك، يقول - سبحانه -: \"إِنَّ اللّهَ لاَ يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشرِك بِاللّهِ فَقَدِ افتَرَى إِثمًا عَظِيمًا\" [النساء: 48]، وعن عبد الله بن مسعود قال: سألت النبي – صلى الله عليه وسلم -: أي الذنب أعظم؟ قال: ((أن تجعل لله ندا وهو خلقك))، قلت: ثم أي؟ قال: ((أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك))، قلت: ثم أي؟ قال: ((أن تزاني بحليلة جارك)) متفق عليه.

هذه هي عظمة الشرك، لذا ـ أيها الأحبة ـ لا بد لنا من أن نعرف الشرك ومظاهره لنحذر منها ونبتعد عنها حتى لا تحبط أعمالنا ونحن نظن أننا نحسن عملا، يقول - سبحانه -: قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِالأَخسَرِينَ أَعمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَهُم يَحسَبُونَ أَنَّهُم يُحسِنُونَ صُنعًا [الكهف: 103، 104].

ويخطئ كثير من الناس حين يعتقدون أن الشرك هو فقط الكفر العلني بالله، أو هو عبادة غير الله بالصلاة له أو ما شابهه، فالشرك أعم من ذلكº لأنه يدخل في كثير من مظاهر العبادة، فالعبادة ليست الصلاة والحج والصوم فقط، بل إن الخوف عبادة والتوكل عبادة والدعاء عبادة والقسم عبادة والنذر عبادة والاستعاذة عبادة، إلى غير ذلك من عبادات، فلا بد أن نراعي في كل هذه العبادات ما أمرنا الله بهº حتى لا تفضي بنا إلى الشرك والعياذ بالله.

ومظاهر الشرك ـ إخوة الإيمان ـ كثيرة، منها ما هو عظيم خطير ومنها ما هو أخف، منها ما هو أكبر ومنها ما هو أصغر، ولكنها بالجملة مظاهر شركية ينبغي أن نبتعد عنها ليسلم لنا ديننا وتسلم لنا عقيدتنا.

من مظاهر الشرك التي حذرنا الله منها إتيان الكهان والعرافين والمشعوذين وتصديقهم فيما يقولون، وهم أناس بعيدون عن نور الله، بعيدون عن ذكر الله، بعيدون عن هدي رسول الله، متجرئون على الغيب، يتعاملون مع الجن والشياطين، ويأكلون أموال الناس بالباطل، لهذا لا ينبغي لمسلم أن يقصدهم لأي حاجة من حوائجه، فمن قصدهم فقد عرض دينه للطعن وعرض عقيدته للخدش. عن بعض أمهات المؤمنين أن رسول الله قال: ((من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)) أخرجه مسلم وأحمد. أما من أتى هؤلاء السحرة والمشعوذين وصدقهم فيما يقولون فإنه على خطر كبير إن لم يتب من ذنبه، يقول فيما أخرجه أحمد عن أبي هريرة: ((من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)). فاحذروا ـ عباد الله ـ هذه الأمور، ولا تعرضوا أنفسكم لهذه الفتنة.

ومما حذرنا الله منه أيضا التحاكم إلى غير شرع الله من أعراف وقوانين، يقول - سبحانه وتعالى -: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَر بَينَهُم ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرَجًا مِّمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيمًا [النساء: 65]، وحذرنا أيضا من طاعة الأمراء والعلماء في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرمº لأن في هذا إشراكا لهم فيما اختص به الله - سبحانه وتعالى -، أخرج الطبراني عن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي وفي عنقي صليب من ذهب فقال: ((يا عدي، اطرح هذا الوثن من عنقك))، فطرحته فانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة، فقرأ هذه الآية: اتَّخَذُوا أَحبَارَهُم وَرُهبَانَهُم أَربَابًا مِن دُونِ اللَّهِ [التوبة: 31] حتى فرغ منها، فقلت: إنا لسنا نعبدهم! فقال: ((أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟!)) قلت: بلى، قال: ((فتلك عبادتهم)).

أيها المسلمون، ومما حذرنا منه شرعنا المطهر الاستغاثة بغير الله وطلب الحوائج بدعاء غير الله، فمن الناس من يتوجه إلى أضرحة الأولياء لشفاء المريض وقضاء الحوائج، وهذا أمر حذر منه الله ورسوله، يقول - سبحانه -: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبٌّكُم لَهُ المُلكُ وَالَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَملِكُونَ مِن قِطمِيرٍ, إِن تَدعُوهُم لا يَسمَعُوا دُعَاءكُم وَلَو سَمِعُوا مَا استَجَابُوا لَكُم وَيَومَ القِيَامَةِ يَكفُرُونَ بِشِركِكُم وَلا يُنَبِّئُكَ مِثلُ خَبِيرٍ, [فاطر: 13، 14]. ومن الناس من إذا تعرض إلى خطر ما أو سقط ولده أو غير ذلك فأول شيء ينطقه لسانه: \"يا سيدي فلان\"، فبدل أن يقول: \"بسم الله\" مثلا أو \"يا رب\" أو \"يا الله\" يستغيث بمخلوق لا يسمعه ولا يملك له ضرا ولا نفعا، يقول - سبحانه -: وَمَن أَضَلٌّ مِمَّن يَدعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَستَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ وَهُم عَن دُعَائِهِم غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُم أَعدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِم كَافِرِينَ [الأحقاف: 5، 6].

ومن هذه المظاهر الشركية أيضا الذبح لغير الله - سبحانه -، كالذبح للأضرحة، والذبح لطرد الجن، والذبح من أجل حفظ الأشياء الجديدة، فالله - سبحانه - حذر من هذاº لأن النسك والذبح عبادة، والعبادة لا تؤدى ولا تصرف إلا لله، يقول - سبحانه -: قُل إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ العَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ قُل أَغَيرَ اللّهِ أَبغِي رَبًّا وَهُوَ رَبٌّ كُلِّ شَيءٍ, [الأنعام: 162-164]، ويقول - سبحانه -: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانحَر [الكوثر: 2]، ويقول فيما أخرجه ابن حبان من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: ((لعن الله من ذبح لغير الله)).

وعلينا كذلك أن نحذر من الحلف بغير الله، فالله - سبحانه - حرم على العبد أن يحلف بغيره، وحث - سبحانه - نبيه على الحلف بربه لا بغيره، يقول - سبحانه - موجها الخطاب إلى نبيه معلما إياه كيف يقسم: قُل إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقُّ وَمَا أَنتُم بِمُعجِزِين [يونس: 53]، ويقول - سبحانه -: قُل بَلَى وَرَبِّي لَتُبعَثُن [التغابن: 7]، ويقول: ((من حلف بغير الله فقد أشرك)) أخرجه أبو داود عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، ويقول كما في صحيح الجامع من حديث ابن عمر: ((كل يمين يحلف بها دون الله شرك)).

ومن هذه المظاهر تعليق التمائم والخرز وغيرها مما يعلق لأجل الحفظ من العين ودفع الأمراض، يقول فيما أخرجه أحمد عن عقبة بن عامر: ((من علق تميمة فقد أشرك))، فالحافظ والشافي من الأمراض والدافع للضر هو الله، يقول - تعالى -على لسان نبيه إبراهيم - عليه السلام -: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطعِمُنِي وَيَسقِينِ وَإِذَا مَرِضتُ فَهُوَ يَشفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحيِينِ [الشعراء: 78-81]، فلا بأس من طلب العلاج الطبي العادي، ولا بأس من الرقية الشرعية بالقرآن والأدعية النبوية، أما غيرها من طلاسم وخزعبلات فقد نهى الشرع عنها.

كذلك علينا ـ إخوة الإيمان ـ الابتعاد عن التطير، وهو التشاؤم، فبعض الناس يتشاءم من بعض الأشياء أو بعض الحيوانات أو بعض الناس، فإذا أصابه ضرر أو تعطلت مصلحة كان يريد قضاءها جعل ذلك الشيء الذي رآه أو اصطبح به سببا فيما أصابه، وهذا لا يجوز، بل إن بعض الناس قد يترك الخروج لحاجة من حوائجه إذا رأى شيئا يتشاءم منه، وهذا كله خلل في العقيدة، فالله وحده مسبب الأسباب وبيده النفع والضر - سبحانه -، يقول فيما أخرجه أحمد عن ابن عمر: ((من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك))، إلى غير ذلك من مظاهر شركية حذر الشرع منها.

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن حق المولى على العباد أن لا يشركوا به شيئا، وحقهم عليه إن فعلوا ذلك أن يدخلهم الجنة وينجيهم من النار، عن معاذ بن جبل قال: مر بي رسول الله وأنا على حمار، فقال: ((يا معاذ، هل تدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟)) قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله إذا فعلوا ذلك أن لا يعذبهم)) أخرجه الشيخان.

فلننته ـ عباد الله ـ عن هذه العادات التي تلبسنا بها وفعلناها عن جهل، ولنعتصم بكتاب الله وسنة نبيه ففيهما النجاة والفلاح، ولنتب إلى الله إنه كان توابا.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

 الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

إخوة الإيمان، لقد حذر الله - سبحانه وتعالى - نبيه من الشرك، بل إنه - سبحانه - أوحى إلى رسوله وأفضل خلقه وإلى الأنبياء من قبله بأنهم لو أشركوا لأحبط الله أعمالهم، يقول - سبحانه - مخاطبا نبيه: وَلَقَد أُوحِيَ إِلَيكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبلِكَ لَئِن أَشرَكتَ لَيَحبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ بَلِ اللَّه فَاعبُد وَكُن مِّن الشَّاكِرِينَ [الزمر: 65، 66].

ولقد علم رسول الله أن أهم أمور الدين التوحيد، وأنه لا دين لمن لا توحيد له، وأن الشرك أعدى أعداء المسلم، لهذا كان رسول الله متسامحا رفيقا في القول والإنكار فيما دون الشرك من أخطاء، فقد تسامح مع من بال في المسجد، ومع من تكلم في الصلاة، ومع غير ذلك من أخطاء لا تخل بالتوحيد، عن أبي هريرة قال: قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس، فقال لهم رسول الله: ((دعوه، وأهريقوا على بوله دلوا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين)) أخرجه النسائي، وعَن مُعَاوِيَةَ بنِ الحَكَمِ السّلَمِيّ، قَالَ: بَينَا أَنَا أُصَلّي مَعَ رَسُولِ اللّهِ إِذ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ فَقُلتُ: يَرحَمُكَ الله، فَرَمَانِي القَومُ بِأَبصَارِهِم، فَقُلتُ: وَاثُكلَ أُمّيَاه! مَا شَأنُكُم تَنظُرُونَ إِلَيّ؟! فَجَعَلُوا يَضرِبُونَ بِأَيدِيهِم علَىَ أَفخَاذِهِم، فَلَمّا رَأَيتُهُم يُصَمّتُونَنِي، لَكِنّي سَكَتّ، فَلَمّا صَلّى رَسُولُ اللّهِ ـ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمّي ـ مَا رَأَيتُ مُعَلّمًا قَبلَهُ وَلاَ بَعدَهُ أَحسَنَ تَعلِيمًا مِنهُ، فَوَالله مَا كَهَرَنِي وَلاَ ضَرَبَنِي وَلاَ شَتَمَنِي قَالَ: ((إِنّ هَذِهِ الصّلاَةَ لاَ يَصلُحُ فِيهَا شَيءٌ مِن كَلاَمِ النّاسِ، إِنّمَا هُوَ التّسبِيحُ وَالتّكبِيرُ)) أخرجه مسلم.

هكذا كان إنكار رسول الله وتصرفه مع الناس فيما دون الشرك من أمور، أما حين يتعلق الأمر بجناب التوحيد وحين يقترب من الشرك فإن الرد يكون صارما حازما حاسما لا تأجيل فيه ولا مداراة، فها هو ينكر بشدة على الصحابة عندما طلبوا أن تكون لهم شجرة مثل شجرة المشركين المسماة ذات أنواط، عن أبي واقد الليثي أن رسول الله لما خرج إلى حنين مر بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي: ((سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة. والذي نفسي بيده، لتركبن سنة من كان قبلكم)) أخرجه الترمذي، وها هو يرد على جارية عندما نسبت إليه علم الغيب، أخرج ابن ماجه عن أبي الحسين أن رسول الله دخل على الربيع بنت معوذ وعندها جاريتان تغنيان، وكان فيما تقولان: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال: ((أما هذا فلا تقولوهº ما يعلم ما في غد إلا الله))، وها هو أيضا يرد بحزم على من قال له: ما شاء الله وشئت، عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي، فراجعه في بعض الكلام، فقال: ما شاء الله وشئت، فقال رسول الله: ((أجعلتني مع الله عدلا؟! ـ وفي لفظ: ندا؟! ـ لا، بل ما شاء الله وحده)) أخرجه أحمد وابن ماجه. كل هذا الحرص دفعا لمعصية الشرك وذرائعها. هكذا نعلم ـ إخوة الإيمان ـ أن جناب التوحيد عظيم، وأن الشرك من أعظم الذنوب.

فاتقوا الله وابتعدوا عن كل ما يخدش سلامة توحيدكم وإيمانكم، أسأل الله أن يثبتنا على الإيمان والتوحيد حتى نلقاه، وأن يميتنا مسلمين محسنين لا مبدلين ولا مغيرين.

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه...

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply