حقائق وثوابت


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:

أيها الإخوة: إن الله - عز وجل - خلق المخلوقات وقدر السنن: سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً. وشرع لنا الدين وأرسل لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وما من خير إلا ودل الأمة عليه، وما من شر إلا وحذر الأمة منه.

 

ومن هذه الأمور التي أخبرنا بها النبي - صلى الله عليه وسلم -. حقائق وثوابت ومسلمات يجب ألا تتزعزع قناعاتنا وإيماننا بها في أي وقت وتحت أي ظرف.

 

من هذه الثوابت أولاً: أن الدين عند الله الإسلام فمن لم يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ومات على ذلك فهو كافر خالد مخلد في النار.

 

ثانياً: أن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لله وموافقاً لسنة النبي صل الله عليه وسلم.

 

فالشرك يحبط الأعمال كلها، فلو صرف العبد شيئاً من العبادة لغير الله لم يقبل منه أي عمل، قال الله - تعالى -: \"ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين\". وكل قربة يتقرب بها العبد إلى الله ليست على هدى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم تكن من السنة فإنها غير مقبولة وهي مردودة على صاحبها. قال الله - تعالى -: \"فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً\" وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).

 

ثالثاً: إن الله حرم الظلم بين عباده، وقد حرمه على نفسه - سبحانه وتعالى - كما جاء في الحديث القدسي: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)) وأشد أنواع الظلم الشرك بالله. إن الشرك لظلم عظيم ومن الظلم أكل الأموال بغير وجه حق وانتهاك الأعراض وقتل النفس التي حرم الله بغير ذنب ((وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)).

 

هذه خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع.

 

واعلم أخي المسلم أن أحداً لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً إلا أن يشاء الله - عز وجل - كما جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يحدث ابن عباس - رضي الله عنهما - حيث قال: ((يا غلام إني أعلمك كلماتٍ,: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)).

 

رابعاً: إن المعاصي سبب لكل مصيبة وبلاء وشر يحصل في المجتمعات، نعم أيها الإخوة لا يحصل بلاءً وفتنة إلا بسبب المعاصي. قال الله - تعالى -: \"وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير\"، ويقول عز من قائل: \"ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون\".

 

أيها الإخوة المسلمون: فلننتبه لهذا الأمر ولنتجنب المعاصي التي هي شؤم على العباد والبلاد وسبب لكل بلاء ومصيبة.

 

خامساً: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فإذا كان الناس مستقيمين على أمر الله فإن الله ينعم عليهم بالأمن وسعة الرزق والراحة النفسية والطمأنينة وغيرها من النعم العظيمة، فإذا ما غيروا بأن انحرفوا عن الطريق المستقيم وعملوا المعاصي، فإن الله يغير عليهم، فيبدلهم من بعد سعة الرزق ضيقاً، ومن بعد الأمن خوفاً جزاءً وفاقاً.

 

وما ربك بظلام للعبيد. قال الله - تعالى -: \"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم\". ويقول - سبحانه وتعالى -: \"ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم\". فهل ندرك هذه الحقيقة يا إخوة الإسلام؟ وهل يدفعنا إدراكنا لها إلي فعل الطاعات واجتناب المعاصي؟ هذا ما نرجوه، ونسأل الله أن يوفقنا له، فإن المعرفة والإدراك وحدها لا تكفي بل لابد من العمل. لنغير من السيئ إلى الأحسن عسى الله أن يتداركنا برحمته فنغير ما نحن فيه من فتن وبلاء إلى الخير والأمن والاطمئنان.

روى الإمام أحمد - رحمه الله - في مسنده عن جبير بن نفير - رحمه الله - قال: لما فتحت قبرص فرق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض فرأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي. فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير. ما أهون الخلق على الله - عز وجل - إذا أضاعوا أمره. بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى.

 

نسأل الله أن يوفقنا لشكره وعدم كفره، ونسأله - سبحانه - أن يحفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، وأن يجعل الحياة زيادة في كل خير والموت راحة لنا من كل شر، اللهم إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين يا رب العالمين.

 

الخطبة الثانية:

 الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أيها الإخوة: وأيضاً من الحقائق والثوابت: -

 

سادساً: أن اليهود والنصارى أعداء لنا، وهذه العداوة لا تنفك عنهم أبداً حتى لو كانت هناك هدنة أو صلح مؤقت، ولا يرضيهم عنا إلا أن نتبعهم في ملتهم لزعمهم أنهم على الحق وأننا على الباطل، قال الله - تعالى -: \"وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون\".

 

وقال - تعالى -: \"ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير\".

 

وقال - تعالى -: \"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين\".

 

وقال - تعالى -: \"ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق\".

 

والآيات في هذا الباب كثيرة جداً، وفيما ذكرناه من كلام الله - تعالى - كفاية والتاريخ خير شاهد بعد كلام الله وكلام رسوله على هذه الحقيقة. وصدق الله العظيم في قوله، وكذب كل من قال خلاف كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

 

سابعاً: أن المنافقين أعداء للإسلام والمسلمين وإن رفعوا راية الإسلام وتحدثوا عنه في فترة من الفترات وظرف من الظروف بهدف استقطاب الرأي العام وجذب مشاعر المسلمين.

 

نعم أيها الإخوة هم أعداء للمسلمين بل إنهم أخطر أعداء الإسلام حيث يخفي أمرهم على الكثيرين من الطيبين والبسطاء من الناس، فكم من الناس من المسلمين من يتظاهر بالإسلام ويحاجج بالقرآن ويدعي أنه على منهج السلف الصالح ولكنه يبطن غير ذلك، فإذا سمعه الناس وهو يتحدث عن الإسلام ويدافع عنه اغتروا به. مصيبة والله أن يبلغ الجهل إلى هذا الحد. مصيبة أن يخفى أمر أكابر المنافقين ويغتر الناس بهم. إن علينا أن ندرك حقيقة مهمة، وهي أن المنافقين قد يصلون ويصومون ويحجون وقد يبنون المساجد وقد يتحدثون باسم الإسلام، ولكنهم مع كل هذا هم منافقون. في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً.

 

وعبد الله بن أبي سلول كبير المنافقين كان يتحدث بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو قومه لنصرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والوقوف معه، والمنافقون قد بنوا مسجداً هو مسجد الضرار، والمنافقون كانوا يقاتلون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد جاهد بعضهم معه. والمنافقون كانوا يفعلون كثيراً من أمور الخير الظاهرة ولكنهم في الباطن يكيدون للإسلام والمسلمين ويفرحون بما يؤذي المسلمين، ويفرحون بانخفاض دين الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويحيكون ضده المؤامرات للقضاء عليه فهم في الدرك الأسفل من النار.

 

أيها الإخوة: تنبهوا لأعدائكم. اعرفوا أعداء الله حقاً. واحذروا من كيد المنافقين ولا تغتروا بما يظهرونه من صلاح يريدون منه هدفاً معيناً، فإنه ما لم يُعرف عن الإنسان توبةٌ صادقة فإن دعواه كاذبة.نسأل الله أن يعز دينه وأن يعلي كلمته.وأن يفضح أعداء دينه.وأن يذلهم بحوله وقوته. إنه سميع مجيب.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply